قضايا

آمال طرزان: تقديم واجب العزاء في زوجة حجا.. الصورة النمطية للمرأة

وفي الصباح الساحر، قدمت لي صديقتي العزيزة "نور الهدي"؛ لتشاركني وجبة الإفطار عقب إيصالها لأبنائها للمدرسة، وكانت عيناها تقول لي: أريد أن استمع لرحلة فلسفية "، وأشاركك السفر عبر الأزمنة مع أعظم رواد الفكر والتنوير من الفلاسفة والمفكرين.

 - نور الهدى: اشتياق يا صديقتي لبدء رحلة لأهم القضايا الفكرية؛ فالحوار بلغة الأدب يحول الأفكار إلى سلسلة من التصورات الأدبية التي تنير الذهن وتشعل الشغف وتثير التساؤلات الجوهرية حول القضية المطروحة لي ولغيري من غير المتخصصين في الفلسفة.

-  ضحكت كثيرًا ثم قلت لها: أوضح لكِ عزيزتي أنني أفضل هذا الأسلوب الذي حث عليه دكتور "زكي نجيب محمود" فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة"؛ فقد كان أديبًا موسوعيًا يحاول مزج الفلسفة بالأدب، وأن يقدم خلاصة ذلك للناس ليكون قريبًا من أفهامهم. فقد نجح في تقديم أعسر الأفكار على الهضم العقلي للقارئ العربي في عبارات أدبية مشرقة، وفكّ أصعب مسائل الفلسفة وجعلها في متناول قارئ الصحيفة اليومية، واستطاع بكتاباته أن يخرج الفلسفة من بطون الكتب وأروقة المعاهد والجامعات لتؤدي دورها في الحياة. (1) فهيا لنذهب معًا اليوم إلى أداء واجب العزاء في زوجة حجا.

- نور الهدى: أتقصدين جحا الذي في مخيلتي؟ تلك الشخصية المذكورة في التراث الشعبي والأدب العربي بالعديد من الثقافات القديمة فهو شخصية خيالية، قد كتب العديد من اللمؤلفين والكتاب عنه، فمثلا كتب "أبو الغصن دُجين الفزاري" في الأدب الأموي عنه، وفي الأدب التركي ألف الشيخ "نصر الدين خوجة الرومي" عنه قصصًا كثيرة، ولكن لماذا العزاء في زوجة جحا؟ وتُرَى ماذا ينتظرنا في هذا العزاء؟(2)

-  مهلًا يا "نور" الإجابة على أسئلتك بداخل الرحلة.

قد وصلنا إلى عزاء زوجة "جحا" وكان هناك لفيف من الفلاسفة؛ لأداء واجب العزاء معنا من حقب متعددة ك"سقراط" و"أوغسطين" و"روسو" و"نيتشة" اختلفوا عبر الأزمنة والحقب إلا أنهم اتفقوا في رؤيتهم للمرأة. وقد استقبلنا "حجا" وهو يشعر بالحزن والأسى على فقدان زوجته أم حماره - لا أعلم-  ولكنه كان حزينًا ووجه حديثه للحضور.

- جحا: أستعجب من أمر الجيران يقولون لي: قد ماتت زوجتك قبل حمارك الذي لحقها بيوم ولم تحزن عليها مثل هذا الحزن الذي حزنته على موت الحمـار أهذا يعقل يا رجل؟!، ولكنني أتساءل لمَ هذا التعجب والاندهاش؟ فعندما ماتت زوجتي "ريما" جميع الحضور واسوني على فقدانها وأوصوني بعدم الحزن على فراقها، وعاهدوني أنهم سيرشحون لي كثيرًا من النساء أفضل منها لاختار واحدة منهن كزوجة، ولكن عندما مات حماري لم يواسيني أحد منهم، ولذلك حزنت عليه حزنًا شديدًا؛ فلا يوجد لحماري بديل؛ لذلك اشتد حزني عليه.(3)

 - وهنا تحدث "سقراط" "لجحا" ولماذا الحزن والأسى يا صاحبي إَنني دومًا أنصح تلامذتي قائلًا: "تزوجوا؛ فإما إن تكونوا سعداء، أو تصبحوا فلاسفة كأستاذكم؛ "فالزوجة النكدية تجعل مننا مبدعين ومؤثرين.(4) وإنني أراك من أكثر الشخصيات تأثيرًا في عديد من العصور؛ لقصصك المتداولة عن زوجتك النكدية "ريما". تزوج بأخرى فإما أن تعيش سعيدًا أو تصبح حكيمًا. وإذا بسيدة كانت تجلس بجواري تستمع لهذه الكلمات من "سقراط"، يبدو على ملامح وجهها الغضب الذي يشبه السماء الملبدة بالغيوم السوداء. تمتمت بكلمات بصوت خافت حزين (لا فائدة)، وأخذ قلبي يحدثني أنها زوجة "سقراط".

- وهنا دخل علينا رجل ذو جبين عريض ولحية وشعر رمادي اللون" أنه القديس "أوغسطين" جاء ليقدم النصح قائلا: عذرًا أصدقائي إنه من الأفضل لك يا "جحا" ألا تتزوج، فالابتعاد عن صنف النساء أفضل لنا، فإذا أراد الرجل منا أن يرضي ربه عليه أن يتجنب المرأة؛ لأنه لا يستطيع أن يجمع بين رضا ربه ورضا زوجته (5). وإذا بقلبي يغني باكيا متسائلا أيعقل أن تكون هذه وضع المرأة في العصور الوسطى لدي آباء الكنيسة، فلماذا لم يسِر على نهج المسيح عليه السلام؟! وفضل أن يحصد صنيعة التراث اليوناني والروماني.

- وهنا أخذ الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" يوجه حديثه لحجا، ولكنني يا "جحا" أخالف "أوغسطين" . وجدت شعاع أمل يهمس بداخل قلبي أننا سنجد نصرة للمرأة مع فيلسوف الحرية والمساواة والديمقراطية

-  روسو: تزوج يا أخي فقد خلقت المرأة فقط لإمتاعنا بمفاتنها حتى تكسب رضانا نحن الرجال. تزوج حتى تجد مَنْ ينظف ويطبخ ويكنس فجميعنا يا معشر الرجال نحتاج إليهن في تدبير شئون المنزل فقط. وعلى الجميع أن يدرك أن فكرة عدم المساواة بين الرجال والنساء تعد أمرًا طبيعيًا ؛ لأن الرجال إيجابيون أقوياء، أما النساء فهن الجنس السلبي والضعيف. فوفقًا لقانون الطبيعة يا "جحا" النساء تحت رحمتنا وولايتنا، فلم لا تتزوج؟ (6) ترامت كلماته المرتدية الثوب اليوناني والروماني البعيد بألم شديد في قلبي.

- نور الهدى: أشعر بحالة من الاندهاش لما أرى وأسمع من آرائهم عن المرأة، أهكذا يكون الحزن على فقدان رفيقة الدرب؟!

-  نعم صديقتي، ففي واقع الأمر إِنْ كان من السهل وجود البديل للزوجة ليحل محلها بأخرى فلم الحزن والأسى عليها؟. للأسف يا "نور" فهذه كانت الصورة النمطية للمرأة، إنها مصدر للنكد والغم والتعاسة والشرور والآثام والخطيئة في عديد من المجتمعات الغربية والعربية منذ القدم إلى وقتنا الحالي. ويرجع ذلك إلى مساهمة العديد من الفلاسفة والمفكرين في ترسيخ تلك الصورة في الأذهان، إما بسبب تجاربهم الشخصية السيئة مع محبوباتهم أو زوجاتهم، وللأسف انعكست تلك التجارب السيئة على تكوين آرائهم العامة عن المرأة، أو بسبب تأثر آرائهم بطبيعة الثقافة والعادات السائدة في مجتمعاتهم. فقد كانت المرأة في المجتمع اليوناني تعيش حالة من الاستعباد، فدورها قاصر على رعاية زوجها وأبنائها فقط. فالرجال هم السادة، أما النساء تابعات خاضعات لهم بحكم الطبيعة. وكذلك كانت نظرة العصور الوسطى للمرأة أنها ابنة "حواء" التي أغوت "آدم"، وكانت السبب في خروجه من الجنة، فهي رمز للخطيئة ومن الأفضل الابتعاد عنها. وقد استمر الوضع السلبي للمرأة والحط من مكانتها الاجتماعية لدي بعض من فلاسفة العصر الحديث.

ومما هو معروف للجميع أن الإسلام عندما جاء منح المرأة حقوقها فقد حارب في البداية عادة وأد البنات التي انتشرت في عهد الجاهلية، وأكد على حق المرأة في الميراث، والموافقة على عقد الزواج، ومنحها حرية التفكير والعمل، وبذلك حصلت المرأة على مكانة متميزة في المجالين الخاص والعام، ولكن للأسف يا صديقتي إِنْ بُعْدَ عالمنا الإسلامي اليوم عن كتاب الله وسنة حبيبه المصطفى صلَّ الله عليه وسلم أدى إلى ترسيخ تلك الصورة السلبية عن المرأة بسبب التأثر بالعادات والأعراف والثقافة ...إلخ، فنحن نحتاج....... وهنا قاطعتني في الحديث "نور الهدى"

 - نور الهدى: عذرًا على مقاطعتي لحديثك؛ ولكن من هذا الرجل حامل السوط؟ -  أنه "نيتشه" قادم لتقديم المواساة والنصح لأصدقائه من الرجال.

 - نيتشة: صديقي "جحا" قبل أن تقدم على الزواج أهدى إليك هذا السوط؛ فإذا ذهب أحدنا إلى النساء، فلا ينسي أخذ السوط معه"؛ حتى نستطيع التعايش معهن، وأخذ يؤكد للجميع أنه ينبغي أن ينشأ الرجال للحرب، والنساء لاستراحة المحاربين.(7)

نور الهدى: أعتقد بعد السوط علينا إنهاء هذه الرحلة.

- ولكن يا صديقتي هناك وفد آخر قادم من رواد الفلسفة الغربية والعربية ك"أفلاطون" و"أرسطو" و"كانط" و"الغزالي" و"ابن سينا، ألا تريدين أن تستمعي لهم في مواساتهم لجحا في موت زوجته؟

- نور الهدى: يكفى هذا فلن تقدم أفكارهم إلا صورة سلبية عن المرأة، فلنستأذن ونرحل من هنا ..  ستنتهي رحلتنا بعد تقديم واجب العزاء في نسوة أصبحن أمواتاً في نظر أزواجهن، ولكن صديقتي الصدوقة ألا ترافقيني في رحلتي الجديدة؟

- نور الهدى: بالطبع ولكن إلى أين؟

 - فلننتظر يا "نور" لنعرف عندما يحين موعد الرحلة القادمة.

***

د. آمال طرزان

.......................

 قائمة المراجع  1- https://ar.wikipedia.org/wiki /

2-  https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%AD%D8%A7 In:24/6/2023 , 9:50PM. 3

3-  عائشة الحوامدة: قصة جحا وموت حماره وزوجته موقع إي عربي ،٢٠ فبراير ٢٠٢٣ See: https://e3arabi.com/literature/ , In:25/6/2023 ,11:23-

4-  مصطفى غالب: سقراط في سبيل موسوعة فلسفية، ط1، دار مكتبة الهلال، بيروت،1989م، ص 11.

5-  أغسطينيوس: اعترافات القديس أغسطينيوس، ط4، ترجمة الخوري يوحنا الحلو، دار المشرق، بيروت، 1991م، ص 30. 6

6-  جان جاك روسو: إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشد، ط1، نقله إلى العربية نظمي لوقا، تقديم أحمد زكى محمد، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1958م، ص235-  -  236- 238.

7-  فريدريش نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ط1، ترجمة على مصباح، منشورات الجمل، ألمانيا، 2007م، ص131-  133.

في المثقف اليوم