تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءات نقدية

عبد المجيب رحمون: جمالية التصوير الفني والأدبي في قصص عدالة وطنجية

تجاوزت المجموعة القصصية " عدالة وطنجية" لسعيد يفلح العمراني مفهوم محاكاة الواقع إلى مفهوم الإبداع والتصوير الخلاق، إن المؤلف نقل واقعا شخصيا موجعا بلمسة فنية قد نجزم بأنه لا تخييل فيها، ولكنها مفعمة بالموضوعية والواقعية، والسخرية، وبأسلوب بلاغي يستحضر بقوة التورية، والطباق، والجناس، والتضمين، والمقابلة. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن اقتران البلاغة بالأدب كان حاضرا في هذه المجموعة حيث تحققت صفة الأدبية كما سماها قديما البلاغي "أمين الخولي" ومن بعد "محمد أنقار" و"محمد مشبال".

لقد عبرت هذه القصص فيما أسميه ب'التطابق"، أو "التماهي" بين ذات المؤلف وذات القارئ، وغالبا ما يتحقق هذا التطابق في السير الذاتية، أو التخييل الذاتي التي تندرج ضمنه هذه المجموعة وإن كان غلاف الكتاب لم يشر إلى مكون التجنيس، لكن المؤلف وصفها بالباقة، و المجموعة وأكد أنها تمتح من الواقع.

وفي إطار مفهوم الحكاية الإطار، و الحكاية المثال نتساءل لماذا هذه القصص لم تعرف طريقها إلى القراء ؟ وهو سؤال عبر عنه القاص بقصة عنوانها "سَرْدين على الكتابة"، فبعدما استفسر صاحب المكتبة عن نسبة المبيعات؛ كان التذمر من الكتبي قبل المؤلف، حينها قرر "سعيد" أن يطعم قططا جائعة، مفترشا لهم ما حملت جيوب بذلته الأنيقة من مسودات ومشاريع علمية، وكأنه يقول بأن القراءة اندثرت أو تناثرت ، كما ستندثر هذه المسودات ، فلا داعي إذن للكتابة. هي قصة ساخرة معبرة. تشربت القطط أفكار سعيد، كما ستلتهم بعض شخصياته الطنجية المراكشية، إن ثيمة الأكل في القصتين، استطاعت أن تحول موضوع التبئير من جديته إلى سخريته، لأن الناظم الأساس في مجموع القصص هو التعبير عن مضاضة الواقع من خلال تجربة حياتية، يرتشف منها القراء أدبا وخبرة ومتعة.

عودة إلى السؤال أقول إني اكتشفت هذه المجموعة مرتين، الأولى سنة 2019, فلم أدر ما تختزنه، كانت موضوعة في رف بمصلحة داخل مديرية تطوان، والثانية عندما قدم لها الصديق الأستاذ د. محمد الفهري مؤخرا في لقاء علمي، لذلك ما يوجهني في هذا التحليل هو ما استمعت إليه في هذه الندوة العلمية، فاقتنصت منه زادي وأفكاري.

إذا شئنا استعارة كلمة "الطنجية" سأقول بأن المجموعة عبرت عن معناها، فكلاهما يضمان قصة؛ للطبخ وللكتابة، لكن لا نستشعر اللذة إلا بعد التذوق والقراءة. إن سعيدا قد زهد في تقديم مجموعته، على مستوى التجنيس وعلى مستوى الشكل، و الإخراج، والتعريف بها، كما أن مرجعياته الفكرية والإيديولوجية، وخرجاته الواضحة، والفاضحة في مواقع التواصل، تحكمت في مدى انتشار العمل. بعدما أهداني عمله هذا ووشاه بعبارات صادقة، لم يطلب مني قراءته، ولكني كبُرت فيه تقديره لي دائما، فجعلت الكتاب في مكان خاص كلما أحل به، أطالع القصة والقصتين، فاستحضرت، قولا (إن الأعمال الأدبية تنتظر شخصا ما ليأتي، ويعتقها من ماديتها وجمودها)، وعدت إلى مقدمة المجموعة فإذا بي أقرأ (تحياتي لكل القراء ولكل من امتدت يده إلى هذا المؤلف ولو على سبيل الاكتشاف قبل الارتشاف).

هذه العلاقة بالمتن الحكائي/ المبنى الحكائي تحدد ماسمته "السرديات" بالانطباع الأول، وهذه الانطباعات تتحكم في قراءة النص في إطار ما عرفه بالفاعلية البلاغية، وهي الحجة والسلطة عند الجاحظ، والتمييز بين الأدب الجيد والردئ عند ابن سلام الجمحي، وابن قتيبة والآمدي وأبي هلال العسكري...

إن الانطباع عرف مستويات مختلفة إزاء هذا العمل، ابتدأ بالكشف، ثم بالإنصات، وأخيرا بالقراءة. فتحقق الارتشاف، وبعده اللذة التي تحدث عنها رولان بارت في كتابة لذة النص.

***

د. عبد المجيب رحمون

 

في المثقف اليوم