أقلام ثقافية

الجمال في الإختلاف؟!!

كنت في (وارسو) برفقة مرشدة سياحية، وقد إفتتحت مشوارها معي بالقول معتذرة: "أن واجهات عماراتنا إشتراكية وهي ليست جميلة ومتنوعة كما في برلين التي كنتَ فيها"!!

لم أستوعب قولها، فالبنايات شامخة باهية متراصفة تنبعث منها الحياة، وينطلق منها الرجاء والإصرار والتحدي والثقة بمستقبل أرقى.

قلت: وما العيب في واجهاتها؟!

قالت: أنها ذات لون واحد أو ألوان قليلة، وكما تشاهد يطغى عليها اللون الرمادي والحليبي.

قلت: لكنها عمارات مأهولة ومعاصرة ومتكاملة!

قالت: لكن واجهاتها ليست ذات مسحة فنية وعمرانية أخاذة!!

إحترت فيما أرى، وأنا أقارن أحوال مجتمعاتنا العربية، ومجمعات العشوائيات في أغنى دولنا

لكنها أضافت: نحن نعمل على تجميل واجهاتها وإضفاء لمسات عمرانية فنية عليها، لجعلها تختلف جماليا عن بعضها البعض!

 

أشارت محدثتي إلى فكرة الجمال بمفرداتها العملية، فالموجودات لكي تكون جميلة عليها أن تعبّر عن مناهج الإختلاف في سلوكها ومظاهرها، أشكالا ومحتوى، فالعمارات المتشابهة رغم كفاءتها لا تشيع الجمال في نفوس الناظرين إليها، وعليها أن تختلف لكي تشارك في رسم لوحة الجمال العمرانية.

وفي عالمنا نعيش وهمَ التشابه ونسعى للتحرر من الإختلاف، ظنا منا بأنه القوة والقدرة على الحياة الأفضل، وفي هذا إنحراف فكري وإدراكي مروّع سيؤدي إلى الضياع والخسران الأكيد.

فالإختلاف نعمة وبركة، والتشابه نقمة وإنحسار!!

فالمُتشابهات في عرف القوانين الكونية كافة تمتلك طاقات تنافرية عالية، والمختلِفات تتجاذب لولادة الجديد، فتفاعل الذكر مع الذكر لا ينجب، وكذلك الأنثى مع الأنثى من كافة الموجودات الحية.

ومن المعروف أن التفاعلات القائمة في وجودنا المطلق، أساسها التلاحم ما بين الشحنات السالبة والموجبة، فكل موجود بنيته الأساسية تنطلق من هذا التواشج الإختلافي الخلاق.

والذين يسعون إلى مزاوجة المتنافرات سيبوؤن بخسران عظيم.

فهل سندرك قيمة الإختلاف، وثروته المعرفية والحضارية والإبداعية لكي نكون، وهل سنستثمر في ما عندنا من عناصره لصناعة الزمن الأصيل؟!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم