أقلام ثقافية

الأفكار بين مسارات التطور والإنحدار

badya shikatونحن نعيش هاته الأحداث العالمية المفزعة بسرعة تقلباتها، لم يعد من المجدي الإحتفاظ برؤية هي أشبه برؤية الشيخ الخبير الذي أشربه التاريخ كؤوس الحكمة والتدبير، بل على العكس من ذلك تماما نحن أحوج مانكون اليوم إلى إمتلاك رؤية الطفل الصغير الذي لايحمل بذهنه سوى فضاءات فارغة من التاريخ والخبرات، فيحاول أن يملأها بما يحيطه من متاحات، فالتجديد بالأفكار بات أساس تغيير ما تبناه الإنسان من مسارات، وحتى وإن رجعنا للتاريخ فسنجد أنفسنا نقف عند حافة البداية، أين بدأ الإنسان يبني الحضارة وهو لم يكن يملك من التاريخ غير قبس من نار، حفنة من الأحجار وكوخ من جدوع الأشجار، فكان يحتاج لكي ينهض أن ينفض من ذهنه ماعلق به من تقديس للأشياء، ونظر ضيق في حدود الأرض إلى نظر رحب في مطلق السماء، فبدأ بطرح الأسئلة الوجودية الكبرى، ماذا ؟كيف ؟ متى ؟ ولماذا ؟

أما نحن اليوم فنحاول حفر أنفاق في التاريخ لنعبرها كلما ضاق بنا الحاضر، ونتلمّس الحلول الجاهزة، وهي نظرة بلا شك ستشوبها الكثير من الضبابية، لأنّ التاريخ يحمل هو ذاته الطبائع البشرية، بمعنى أنه يحمل الصواب والخطأ، وبالتالي سينال المستقصي في التاريخ الكثير من التناقضات التي تورث الشتات بدل الثبات، وكمثال عن هاته الرؤية الأصولية نجد المتمسكين بطوق الخلافة كطوق نجاة، بناءا على رؤية تاريخية لم يتناولوها سوى من جانبها المشرق من خلال الخلفاء الراشدين، بينما غفلوا عن جانبها المظلم المغرق كما حدث في خلافة يزيد بن معاوية بعدهم، الذي ملأ الدنيا إستبدادا وفساد، يكفي أنه دعا إلى أن تُنصَّب له خيمة من خمر على ظهر الكعبة المشرفة، فينبغي أن نتخلص من هذا التنطُّع في تقديس التاريخ، لأنه لايعني سوى قداسة لجاهزية نسبية، وحتى نخرج من هاته الرؤية الضيقة الخانقة علينا أن نستأصل الأفكار من جذورها القديمة، ونحاول زرعها في أرض خصبة وسليمة، ولاُيفهَم من ذلك البتة أن نحمل معاول هدمٍ للمبادئ والقيم، بل على العكس من ذلك تماما، فنحن كمن يحاول البناء فوق ذات الأرض وتحت ذات السماء، إنما بدل الأكواخ نشيد قصورا سامقة في العلياء، لأن مانعانيه الآن هو مشكلة أفكار، وبخاصة العالم الإسلامي الذي ومنذ عصر الموحدين يواجه الدمار بسبب مشكلة الأفكار، وهو كما قال مالك بن نبي :"ما ملكه من تراث عصور الحضارة الإسلامية غذا أفكارا ميتة "

وفي المقابل نجد العالم الغربي حين تكبله الأزمات والإنهزامات لايعود أدراجه للوراء، إنما يتبنى رؤى فلسفية وفكرية للنهوض والبناء، يقول مالك بن نبي أيضا : " خسرت ألمانيا عام 1945 عالم أشياءها، وجزءا من عالم أشخاصها، لكنها لم تخسر عالم أفكارها "

ولذلك فالمفكر والفيلسوف الألماني هيجل قال: "إنّنا نتعلم من التاريخ أنه يستحيل على البشر التعلم من التاريخ "

فإذن نحن أحوج مانكون إلى البحث عن أساسات جديدة حضاريا، تماثل نقلتنا من عربة الحصان إلى الطيران مدنيا، فلا نقبل التسليم بما هو كائن وموجود، كأنه الحتمية الأبدية، بل علينا أن نكون كمسافر لاتعني له لحظة الإنطلاق إلاّ لحظة الإقتراب من الوصول، وماقطعناه من مسافات هو فقط مايقربنا من منشود الغايات

 

بــــادية شكاط

 

في المثقف اليوم