أقلام ثقافية

العدوان والإعتقاد!!

البشر متنوع المعتقدات، والمجتمعات كافة تقدم أمثلة على ذلك، كالصين والهند ودول شرق آسيا، والدول الأوربية وكندا وأمريكا الشمالية، ومجتمعاتنا كذلك.

والمشكلة ليست في المعتقدات، وإنما في آليات الرفض والقبول المتصلة بها.

ومعظم المجتمعات نظمت العلاقة ما بين المعتقدات بدستور واضح صريح، ووصفته بحرية التعبير عن الرأي والمعتقد، ولهذا تجد فيها معابد لجميع المعتقدات، وشرائح إجتماعية تعتقد بما تعتقد، وما يجمعها هو العقيدة الوطنية التي تعلو على كل عقيدة.

وقد تعلمت هذه المجتمعات آليات القبول والتحمل، وأنكرت آليات العدوان والرفض والنكران، فهذه السلوكيات السلبية تواجَه برفض شعبي عارم، وهذا لا يعني إنتفائها وإنما عدم توفير المحفزات والمعززات لتكرارها، لأن القانون يحاسب عليها بشدة وقسوة.

وفي مجتمعاتنا المُبتلاة بأنظمة متطرفة السلوك والإعتقاد، تتحقق معززات متراكمة لتنمية آليات الرفض والعدوان، التي في بعضها أصبحت مواد قانونية ودستورية فاعلة ومدمرة للوجود الإجتماعي المعاصر.

ونهضت مدارس إنفعالية لتسويغ السلوك العدواني على المعتقد الآخر، وإقران ذلك بأحداث وتطورات ذات طاقات إنفعالية قاسية ومؤثرة، حتى وجدتنا أمام أجيالٍ مصنّعة في مختبرات الإتلاف الحضاري الخلاق القاضية بالإنقراض.

وأصبح لها رموز تسمي نفسها أكاديمية، لترسيخ الطاقات الإنفعالية المغلفة للمعتقد، مما أوجب عليها أن تتخذه سبيلا للتكسب على حساب الآخرين الأبرياء من أبناء المعتقدات كافة.

إنّ المضي في حشو المعتقدات بطاقات عاطفية سلبية عدوانية، سيساهم في تدمير الحياة وحشر المجتمعات في زوايا حادة من الصراعات الخالدة، التي ستنهكهم وتستعبدهم وتلقيهم في أفواه التبعية والخنوع.

أي أن أصحاب المعتقدات سيتحولون إلى عبيد، وآلات لتنفيذ إرادات الآخرين وتحقيق مصالحهم وأهدافهم التي يخططون لها، بعد أن حوّلوهم إلى أرقام.

وفي هذا الجحيم السقري الذي يُغذى بطاقات تدميرية فائقة، يتوجب على المعتقدين أن يستيقظوا من هذا الغثيان، ويتحرروا من لعب دور "القشمرة"، ويبحثوا عن المشتركات العديدة الجامعة، ويحترموا معتقدات بعضهم ويأنسون بها، بدلا من جعلها تحفز فيهم مشاعر الرفض والعدوان، التي سقطوا فيها وهم " يتقشمرون"!!

فإعتقد بما تعتقده، وكن مَن تكن، فأنت أنت وأنا أنا، وعلينا أن نبني الحياة سوية ومعا، وبتفاعل إيجابي ينفع مصالحنا ويُصالحنا.

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم