أقلام ثقافية

سحر العيون وسر الإبتسامة

younis odaعيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء كالأقمار في نهر .. (السياب)

 

"ب س م : فعل ثلاثي لازم. بَسَمْتُ، أبْسِمُ، مصدر بَسْمٌ-: بَسَمَتِ المرأةُ في رقةٍ:-: إنفرجت أساريرها وشفتاها عن شبه ضحكةٍ خفيفةٍ بلا صوت".( معجم المعاني الجامع).

للإبتسامة الصادقة والصادرة من شغاف القلب وقع عجيب على الطرفين: من تصدر عنه، والمتلقي على حد سواء. فهي تزيد في الالفة، وتمسح ضغائن القلوب، وتضفي نوعاً من الوداعة والانس والراحة بشقيها: الجسدية والنفسية، كون المتعب نفسياً، لا بدَّ وأن يتأثر جسده لا شعوريا بذلك.

قال السماء كئيبة! وتجهما   ///   قلت: ابتسم يكفي التبسم في السما

قال: الصبا ولّى! فقلت له: ابتسم   ///   لن يرجع الأسف الصبا المتصرما

بهذه الكلمات عبَّر المهجري إيليا أبي ماضي عن التفاؤل واستقبال الحياة- فلن يعود ما افِلَ نجمه وتماهى في الماضي السحيق، وأصبح في عداد الضياع. فالبسمة والإبتسام والتفاؤل والحبور والنشوة، جميعها تؤدي الى الهدوء الروحي الذي يظهر على الجوارح، وتطمئن به القلوب" ألا بذكر الله تطمئن القلوب".

في الحديث الشريف:" تبسمك في وجه أخيك صدقة". وهذا هو صلب الموضوع لدى من مَلأ الإيمان قلبه وأصبح يتعامل مع الآخرين بكل اريحية، ودون حسرة على ما فاته من عروض الدنيا، متمثلا الحكمة الشهيرة:" إذا فاتك شيء من الدنيا فهو غنيمة". فالابتسامة تريح الوجه بدايةً- إذ لا تجهد عضلاته بنفس القدر الذي تتسببه حالة التجهم والعبوس – وأرقى ابتسامة تلك التي تشق طريقها وسط فيض من الدموع، محتسبة ما فاتها وأصابها عند الله عز وجل، وراجعة الى رشدها، راضية بما قدَّرَ وقسم جل وعلا.

لكلِّ من اسمه نصيب، هكذا يقال. فاسم" يسار" يوحي بالتيسير والانفراج والخير، واسم" كريم" يترك لدى السامع اثرا طيبا، إذ يجعل السامع يتوقع الخير من كذا انسان. وعلى النقيض من ذلك، فاسم"صخر" أو " فاتك" أو "حرب"، وغيرها لا تعطي ذلك الاحساس لدى من يلتقي بهم لأول مرة، ودون سابق معرفة. فأحيانا نلتقي بشخص ما ونشعر بالأنس معه وذلك منذ النظرة الاولى، فالمحيا المريح يفرض نفسه في كثير من الاحيان. والموروث الديني يذكَّرنا بمواقف غيَّرَ عليه السلام فيها من بعض الاسماء. فقد غير اسم"حَزْن" اي صعب، الى"سهل". وكان عليه السلام يتفاءل بالاسماء الطيبة ويعدها علامات خير ويسر. فحينما جاءه مندوب من مكة للتفاوض يوم صلح الحديبية- وكان لم يسلم بعد- وكان اسمه "سهيل بن عمرو" فقال عليه السلام مستبشرا:"لقد سهل الله لكم من أمركم"، وهذا من قبيل التفاؤل والاستبشار بالخير.

اسم" بسّام" صيغة مبالغة للشخص كثير الإبتسام، و"بسمة"، و"ابتسام" هي اسماء تضفي على الزمان والمكان رونقا وسلاسة وفرحة تغمر الجمع من حولهم وتباركه. والأمر يزداد جمالا حين تقترن الاسماء بابتسامة العيون. فالعيون مفتاح الجسد ومن خلالها يتم سبر أغوار الشخصية المتصالحة والمرتاحة.

عيون المها بين الرصافة والجسر   ///   جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وقال جرير:

إن العيون التي في طرفها حور /// قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذات اللب حتى لا حراك به   ///   وهن أضعف خلق الله انسانا

فالعيون شباك محكمة النسج، يسقط في غياهبها كثر. فالشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع-رحمه الله تعالى- قد افرد للعيون بضعة ابيات باللهجة العامية، ولاقت صدى واسعا آنذاك.

سمعت اهل الهوى يقولون والكلام فنون

شنو اللي ينن(جنن) المينون(المجنون) مهوب لعيون!!

في عين تحجي ولا تنطلي

وفي عين تبرق

وفي عين تعطي

وفي عين تسرق

وفي عين مثل الجمر تحرق

فلننظر بعين الرضا لما أكرمنا الله جل وعلا به، ولنضع نصب اعيننا أن النظرة الايجابية والابتسامة العريضة لهما مفعول السحر في الجسد والروح.

 

يونس عودة/ الاردن

 

في المثقف اليوم