أقلام ثقافية

جلسة مغرية مع الشيشة المصرية !!

hamid taoulostرغم  إختلاف الروايات حول أصل الشيشة "الأرجيلة" وتضاربها بين الأصل العربي والهندي، فإن تدخينها يعد أمرا عاديا لدى المصريين، وفعلا مألوفا ضمن حياتهم اليومية، لا فرق عندهم في ذلك بين الرجال والنساء، الشيب والشباب، وهي عادة قديمة ضاربة بجذورها في تاريخهم العريق، وقد ارتبط تعاطيها بفئات المجتمع الدنيا، من مترتادي المقاهي الشعبية من الحرفيين والعاطلين والمنفلتين اجتماعيا، الذين كانت بالنسبة لهم بمثابة  "أداة مزاج وتسلية" يستهلكونها في الزوايا الصغيرة التي كان يتجمع فيها بعض الخارجين على القانون، الأمر الذي أكسبها أنذاك صورة سلبية، جعلت منها سلوكا غير مرغوب، وظلت عالقة في أذهان غالبية المصريين بمختلف طبقاتهم، إلى بداية القرن العشرين حيث تبددت الصور الذهنية المشينة ومل مسببات انحصارها، وعاودت الديوع والإنتشار بمساهمة الانفتاح الاقتصادي،  وتغول الثقافة الاستهلاكية، اللذان انتشلاها في النصف الثاني من السبعينات من انحصارها المفرض اجتماعيا، فاسحة المجال لإنتشار تدخينها على نطاق واسع وبين كل الطبقات الاجتماعية، إلى درجة أنها إكتسحت بيوت المصريين، حيث كانت الزوجات يعددنها، ويشاركن أزوجهن في بعض الأنفاس كدليل على المودة بينهم، وزيادة في الاستمتاع بالجو الأسري، وبمبررات أخرى مختلفة، ما بين التعود عليها، وتفريغ الهموم، والبحث بشكل لا شعوري عن أساليب للتسلية لقتل وقت الفراغ، وغيرها من المدخلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداعمة لمناخ تعاطي الشيشة، كارتفاع البطالة، وتحسن أوضاع الطبقة الوسطى إقتصاديا، وتمدن الريف المصري بعد عودة العاملين في الخليج، الذين كانوا وراء زيادة مشروعات مقاهي الشيشة العصرية " الكوفي شوب" التي شهدت توسعا غير مسبوق،  والتي أقامها في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات أبناء الطبقة الوسطى القادمين من الخليج الذي سافروا إليه في وقت الفورة النفطية، على اعتبار أنها مرتفعة العوائد وقليلة الجهد، والتي لا يكاد تخلو منها حارة أو شارع، لتواؤمها مع غنى وعصرنة النزعة الاستهلاكية المتزايدة لدى أبناء الفئات الميسورة الذين يرغبون في أجواء تجمع ما بين الحداثة الغربية  والتقليدية الشرقية، البعيد عن تلك المقاهي التقليدية التي تقدم الشيشة والمشروبات البسيطة بأسعار غير مرتفعة ..

واللافت كذلك في أمر الشيشة في مصر، هو أنها ليست مجرد أداة للتدخين أو وسيلة لقتل الوقت أو "تظيبط المزاج"، كما يقول المصريون، بل تحولت إلى رمز وطني، وصارت معلمة سياحية يتهافت عليها السياح، وصناعة رائجة تنتشر ورشاتها في مناطق الحسين والجمالية والعتبة بوسط القاهرة، ويتم تصديرها إلى دول الخليج ولا سيما قطر والإمارات والبحرين، وإلى دول أوروبية مثل النمسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا، بالإضافة إلى دول شرق أسيا مثل ماليزيا، ما يذر على مصر عملة صعبة ويوفر مناصب شغل عديدة .

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم