أقلام ثقافية

صادق السامرائي: معرض الشارقة للكتاب ومعضلة الألباب!!

معرض الشارقة للكتاب تظاهرة ثقافية فكرية رائعة، تظافرت الجهود لإقامته وتنظيمه، وقد شاركت فيه أعداد غفيرة من دور النشر لعربية والأجنبية.

وتم إفتتاحه في الثاني من شهر تشرين الثاني لهذا العام، وقد زرته في اليوم الثاني لإفتتاحه فأدهشني ما رأيت!!

المعرض بقاعاته وعروضه يعبر عن قدرة عالية على التنظيم والإعداد، وهو يبدو على أرقى ما يمكن أن يكون عليه معرض للكتب في أية دولة أخرى، بل أكاد أجزم بأنه الأروع والأجمل.

لكن ما يدهش، أن المعرض يكاد يشكو من قلة الزائرين والمقتنين، فالذهاب إلى معرض للكتاب يعني الزحمة لكثرة المهتمين بالكتاب، كما كان يحصل في معارض بغداد للكتاب، حيث كانت تكتظ بالناس، وتجد الطوابير بصف الطوابير وهي تنتظر الشراء، والجميع يخرج وقد حمل العديد من الكتب.

أما ما شاهدته في معرض الشارقة للكتاب فلا يمت بصلة لذلك التصور، فحال ترجلي من سيارة التاكسي والتي كان سائقها يجهل حتى إسم معرض الشارقة للكتاب، وبعد أن سألت عددا من أصحاب التاكسيات، خمن أحدهم بأنه يعرفه، لكنني هاتفت أحد الأصدقاء من أصحاب دور النشر في المعرض ليرشدني إلى المكان فأعطاني العنوان، فطلبت من سائق التاكسي أن يوصلني إليه.

وعند بوابة المعرض لم أشاهد الناس يخرجون محملين بالكتب، وإنما مدخله يكاد يكون عاديا، وأي مدخل من مداخل الأسواق العامة أشد زحمة منه.

توقفت عند البوابة أتلفّت ذات اليمين وذات الشمال، وما ألاحظه بضعة أفراد يتوافدون وقلة يخرجون وبيدهم كتاب أو عدد قليل من الكتب.

وعند الدخول، تترامى أمامك القاعات الجميلة التي يجوبها بعض الناس، وأكثر أصحاب دور النشر يجالسون كتبهم بصمت وترقب.

إقتربت من أحد الأخوة الناشرين الجزائريين، وسألته عن الأحوال في المعرض، وعن تجارة الكتاب، فقال كما ترى، الناس لا تقرأ، وخضنا في حوار عميق عن الكتاب ودوره في بناء العقل وصناعة المجتمعات.

قلت له في جميع المجتمعات المتحضرة لا تخلو حقيبة إنسان من كتاب، وأكثر ما تراه أن الناس تقرأ، وقبل إفتتاح المكتبات العامة عند الصباح تجد طوابير من الناس، وهذه المكتبات كأنها في عمل دائب طوال النهار، ويخرجون منها محملين بعشرات الكتب.

وناشر مصري أخذ يحدثني عن معارض بغداد للكتاب وكيف كان يبيع فيها المئات من الكتب، وحتى في معرض أربيل للكتاب قال أنه باع المئات، وأضاف الناس لا تقرا في هذه البلاد.

لكن الواقع يشير إلى أن البلاد يعيش فيها الأجانب الذين لا ناقة لهم ولا جمل بالعربية، فأنت لست بحاجة للعربية لكي تعمل فيها، بل أنهم يرفضون الكلام بالعربية، ويريدونك أن تتكلم بلغة أجنبية، وكلما سألت مَن أصادفهم عن معرفتهم بالعربية ينكرونها، ويجبروني على الكلام معهم بلغة أجنبية، فشعرت بالخيبة والأسف، وتساءلت لماذا لا تكون العربية شرطا من شروط الحصول على العمل، كما هو الحال في أية دولة أخرى؟

فالعرب المهاجرون إلى دول العالم المختلفة يُجبرون على تعلم لغاتها لكي يعيشوا فيها، أما دول الخليج فأنها تتعلم لغات الوافدين إليها، ومعرض الشارقة للكتاب يشير بدلائل واضحة على أن العربية ربما تلفظ أنفاسها الأخيرة فيها، وإلا كيف تفسرون عدم الإكتراث لمعرض عالمي للكتاب العربي، الذي إستقطب مئات الناشرين، الذين كسدت كتبهم المعروضة فيه؟!!

لماذا لم يشارك الناس بكثافة في المعرض من أجل إنجاحه وتعزيز التجربة الثقافية المنيرة الرائعة، التي ما أضاءت إلا في قاعات المعرض، وما جذبت إليها العقول وأسهمت في تنويرها.

خرجت من المعرض أحمل كتبا، وفي رأسي تتردد شكاوى الناشرين وخيبات أملهم، وصورهم وهم يجلسون بصمت بين كتبهم، والممرات تكاد تكون خالية من جموع الرواد والقراء وعشاق المعرفة والثقافة.

وإنها لمحنة عربية حضارية موجعة!!

فالأمم التي لا تقرأ، أمم خاوية متأسّنة!!

وأملي أن أكون مخطئا فتجربة يوم واحد في المعرض قد لا تعكس الصورة بكاملها، وتحية تقدير وإعجاب للقائمين على هذا المعرض الفائق الروعة والتنظيم.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم