أقلام ثقافية

مهند النابلسي: دراكولا "الغير مروي"(2014).. أنياب دموية وواطاويط قتالية وخوازيق عثمانية!

يتحدث فيلم الرعب "التاريخي-الفانتازي" هذا عن مواجهة امير مخلص وعائلته، والذي يضطر مجبرا للتحالف مع قوى شريرة "ما ورائية "لمواجهة اعداءه الكاسحين، متورطاهو نفسه بمصيرأسود مخلد شيطاني!

الفيلم من بطولة لوك ايفانس ودومينيك كوبر وساراجادون  ومن اخراج جاري شور.

بالفعل فالشريط يتناول الموضوع من زاوية مختلفة، تحمل بعدا تاريخيا (قوميا)، حيث يواجه الأمير فلاد (الذي يدعى بالمخوزق) طلبات السلطان التركي الصارمة للحصول على ألف فتى من امارته، بغرض تحويلهم لمقاتلين أشداء، وحيث يذكره السلطان الذي كان صديقه فيما مضى، بأنه تركه بقصد لينجو (من الخوزقة العثمانية الشهيرة)، ولكي يؤسس فيما بعد امارة "تراسيلفانيا، لتعيش بسلام بجوار الامبرطورية التركية، ولكن فلاد لا يرضخ ببساطة لأمر السلطان، ويعد شعبه بالحل، ويتذكر انه أثناء رحلة كشفية بكهف مجاور غامض يكتشف بالصدفة مخلوقا عتيقا مرعبا يعمل كمصاص دماء كاسح، ويقتل رجلي فلاد ويتركه بقذفه خارجا!

ينجح فلاد مبدئيا بقتل ألف من جنود السلطان بفضل قواه الخارقة الجديدة،التي اكتسبها من مصاص الدماء، ولكنه يفشل لاحقا بانقاذ زوجته الحبيبة بعد سقوطا من تلة مرتفعة باحدى المعارك، ويفلح بالحفاظ على حياة ابنه الصبي الذي لا يزيد عمره عن الثانية عشرة (بمساعدة كاهن صالح) ...ولكن لا يمكن لفلاد مواجهة الجيش العرمرم للسلطان العثماني الفاتح "محمد الثاني" الا بأن يتحول حقيقة  لمصاص دماء حقيقي، ويقوم بنقل العدوى لرفاقةالبسلاء، لمواجهة طموحاتالسلطان العثماني  بغزو اوروبا، وفي لقطة معبرة نجدالسلطان يخاطب جيشه الصاغرمقنعا اياهم للتحول "لعميان" لضمان شدة بأسهم وتقدمهم بالمعركة القادمة...هكذا تتحول المعركةالأخيرة معالأتراك لمجزرةحقيقية، تشارك فيها مجاميع الوطاويط السوداء القاتلة بأنيابها الماصة للدماء، كما ينجح السلطان بالمواجهة الأخيرة مع خصمه العنيد فلاد،باستخدامهالبارع لكم هائل من العملات الفضية  وبسيف فضي قاطع مستغلا ضؤ الشمس الساطع (الذي يؤثر سلبيا عل قدرات مصاص الدماء)، ويكاد يتغلب عليه محضرا نفسه لطعنه بخنجر خشبي في قلبه (كما تقول الاسطورة)، ولكن فلاد يستقوي باللحظات الأخيرة بالوطاويط القاتلة ويتمكن من قتل السلطان وشرب دمه بنابيه الحادتين. هكذا تنتهي المعركة الفاصلة  بهزيمة كاسحة للجيش التركي وبنجاة الامارة من الغزو والاحتلال، ويتم لاحقا تنصيب ابنه الفتى الصغير كأميرجديد لترانسيلفانيا، ويتحول اسم "دراكولا" لاسطورة خالدةعبرالزمن، ويتمكن أحدأصدقاء فلاد المقربين من انقاذه من حالة النزاع المقاربة للموت، ولكنه يفضل ان يبقى في الخفاء بعيدا عن الأعين. الشيء الذي لفت نظري في الفيلم تاريخي محاولة الفيلم الناجحة لاستدعاء "ظاهرة الخوزقة" في ممارسات الامبرطورية العثمانية، والتي ساهمت ربما في دب الرعب والصدمة بالأعداء وتحقيق انتصارات سريعة كاسحة بالاضافة لمهارة استخدام قذائف المدفعية بوابل متلاحق لا يرحم!

في المشاهد الأخيرة نرى الحياة بمدينة عصرية، ونلاحظ امرأة جميلة تدعى مينا وتشبه لحد بعيد زوجته الراحلة ميرينا، ونرى رجلا يشبه فلاد بل يكاد يكون هونفسه، وهو يثني على جمال زهورها الجميلة ويتوج ذلك ببيت شعري مفضل، وتنجذب له شاكرة وتغادر بصحبته...ثم نرى مصاص الدماء الخالد جالسا بقهوة مجاورة، بوجهه الشاحب العتيق الماكر، وقد استفزه المنظر وهويتبعهما باصرار، مكررا نفس الكلمات التي سبق ووجهها لفلاد قبل أن يحوله لمصاص دماء في الكهف القديم: دع اللعبة تبدأ من جديد!!

تحمل الممثل لوك ايفانس عبء نجاح الفيلم وتقمص بنجاح شخصية "شكسبيرية"تراجيدية قدرية، ولم يكن مقنعا (وربما بقصد) باداءه لدورمصاص الدماء "المخيف"، محاولا أن يقدم أحسن ما لديه،كمابرعت الممثلة دومينيك كوبر بدورالزوجة المحبة المتفانية، حاول لوك استنساخ دور "راسل كراو" بفيلم "جلادياتور" الشهير، ولكن مشاهد القتال لمتكن مقنعة فلا دماء ولا جروح ولا مواجهات واقعية، وانما مؤثرات "كمبيوترية"ايحائية ضعيفة...فشل الفيلم بمحاولته لافتقاده لهوية لافتة كفيلم رعب "مخيف"، ولكنه نجح بمزج القصة بأحداث تاريخية ذات صبغة "بطولية"،كما حاول المخرج استنساخ اسلوبية فيلمي "فان هيلسنع وباتمان يبدأ"، ولكن بالحق فهناك مشاهد قليلة لافتةومثيرة للاعجاب كمشهد تحوله التدريجي لمصاص دماء،وكمنظر سقوط زوجته ومحاولته لانقاذها، وكمشهد انقضاض مصاص الدماء العتيق عليهم بالكهف، وكحشود الجيش التركي الغازي العرمرم، وكبعض المشاهد الطبيعية الغامضة التي تذكرك بعبق التاريخ، وكذلك كالمشاهد الأخيرة العصرية المفاجئة، وذهلت حقا من مشاهد"خوزقة البشر" السيريالية التي بدت غبر مألوفة ومرعبة ومخزية كممارسات وحشية "تركية النكهة" (وقد شبهتها بمشاهد "قطع الرؤوس" الداعشية الراهنة)! ولكن بالرغم من عشرات الأفلام العصرية المتنوعة التي تستند لثيمة "دراكولا"، فلم ينجح أي فيلم منها لتجاوز "ابداع" الفيلم الأصلي المنتج بالعام 1931، الذي قدم بالفعل "فيلم رعب" كلاسيكي شيق واستثنائي، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، تماما كتحفة كوبولا بفيلم العراب الشهير، التي نرى الكثير من  أفلام العصابات على مدى العقود وحتى بوقتنا الراهن، وهي تسعى جاهدة لتقليدها واستنساخ بعض مشاهدها ولكن دون ان تتجاوزها!

 

مهند النابلسي

  

في المثقف اليوم