أقلام ثقافية

تأثير تولستوي على الكتاب الغرب

لقد نالت الرواية الروسية مكاناً مميزاً في الادب الروسي وكذلك في الادب العالمي، لأنها تستمد عمقها من واقعها الروسي الاصيل، وتكون فيها الاحداث مقبولة في كل زمان ومكان، وهنا يكمن سر الرواية الروسية، وبكل ثقة ممكن ان اطلق عليها بالرواية الازلية، ان اهم ما يميز الرواية الروسية لها القدرة على التفاعل مع الاحداث وقابليتها على التجدد، ومن ثم تصحيح مسار الاحداث ليس فقط على صعيد المجتمع الروسي بل حتى في العمق الانساني. ومن ابرز رواد هذا الفن هو الروائي الكبير ليف تولستوي الذي هو غني عن تعريف فقد نال حب وتقدير الانسانية جمعا، واجمل ما قالوا عنهُ (انسان الانسانية) و(وضمير الانسانية)، وايضاً قال عنه الكاتب مكسيم غوركي: (من لا يعرف تولستوي لا يمكن يعد نفسه انساناً مثقفاً) (1)، اما على صعيد الادب الغربي فنحن نجد تأثير تولستوي على الادب الغربي كان واضحاً وملموساً على الكتاب الغربيين، وقد انعكس هذا التأثير في انتاجاتهم الفنية، وهنالك ثلاث اراء مهمة جداً في الادب العالمي وجميهم حاصلين على جائزة نوبل للأدب، فعلى سبيل المثال رومان رولان قد تحدث عن تولستوي قائلاً: (ان الطيبة والعقل والحقيقة المطلقة لهذا الانسان العظيم جعلته مرشدي الامين من الفوضى الاخلاقية لعصرنا) (2)، يالهُ من وصف دقيق! ينم عن معرفة عميقة بهذا الكاتب الكبير، ان هذا الرأي يبين لنا ان هنالك ثلاث ابعاد يحملها الكاتب في مسيرته الادبية – هي الطيبة والصدق والحقيقة في كل ما كتب، ومن ثم رومان رولان يخبرنا ان تولستوي كان مرشداً ومنقذاً لهُ من الفوضى الاخلاقية التي تسود في عصرهُ. فلم يتوقف تأثير تولستوي الى هذا الحد بل راح الكاتب الفرنسي اناتول فرانس يصفهُ بمملكة الجمال الفكري وليس بمقدورهُ الا ان ينحني امامهُ، فيقول اناتول فرانس: (اننا نحني رؤوسنا امام تولستوي الذي يفوح منه عطر مملكة الجمال الفكري على الانسانية جمعا) (3)، كما يعترف توماس مان قائلاً: (ان قوة فن تولستوي هي فوق كل المقارنات) (4). وهذا الامر يجعلنا نسأل انفسنا، يالها من قوة التي يمتلكها هذا الكاتب!، بحيث تجعله فوق المقارنات. اذن، ان هذه الاعترافات تدل بوضوح على اهمية الارث الثقافي والحضاري لأعمال هذا الكاتب الذي ترك لنا ارث عظيم لا حد له ولا يمكن الاستغناء عنه، وحتى سيرة حياته تستحق المعرفة والدراسة، لذلك ان ما اعترفوا به هؤلاء هو برهان قاطع ان لتولستوي اهمية ادبية عالمية وانسانية، لا يمكن تجاوزها، لأنها عكست الحياة الواقعية الروسية بما فيها من افكار ومواضيع جسدت ليس الواقع الروسي فحسب بل الانسانية جمعا.

 

حسين علي خضير الشويلي

..................................

( 1) د. مكارم الغمري، الرواية الروسية في القرن التاسع عشر، الكويت، 1981، ص223.

( 2) (مدخل الى الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، د. محمد يونس، و د. حياة شرارة المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، بيروت، 1978، ص 231.

(3) نفس المصدر/ ص 230 .

(4) نفس المصدر / ص 231.

في المثقف اليوم