أقلام ثقافية

سلسلة الالغاءات في فنون الحداثة

ali mohamadalyousifثمة تغييرات هامة وسلسلة من الالغاءات الجوهرية الفنية استهدفتها مدارس وتيارات الحداثة في تقنية واسلوبية البنى الفنية والجمالية في الفنون التشكيلية والفنون عامة لعل اهمها:

1. إلغاء فكرة ان يكون العمل الفني جميلا يثير اللذة والمتعة في الحواس والوجدان، فبينما يرى هنري ما تيس، ان العمل الفني لا بد له ان يكون جميلاً، يريح الانسان عند عودته الى بيته، بعد يوم شاق من العمل، نجد على النقيض من ذلك التشويه والمسخ والعبث بالنسب الطبيعية قد اصبحت من ابرز ملامح الفن عند بيكاسو تعبيرا عن سخطه على ذلك الواقع القبيح الذي افرزته تكنولوجيا الصناعة وما صاحبها من نظم اقتصادية وسياسية.

2. تحطيم الشكل وهيكلية العمل من قبل التكعيبية الفرنسية (بيكاسو، براك) حيث سحقت الاشكال وتناثرت عناصر بنائها في وحدات تشكيلية صغيرة تتداخل وتتباعد، تستقيم وتنحرف، تتضخم تارة، وتتقلص تارة اخرى مكونة بناء تشكيليا مستقرا على الرغم من شدة تشّظيه.

3. الغاء العلاقة بين الالوان في اللوحة، والالوان المناظرة لها في الطبيعة، بعد ان تحررت الالوان على يد غوغان لنجد وجوها اصطبغت باللون البنفسجي واوارق الشجر بالاحمر، وليس ثمة قيد من ان يصبح سواد العين بياضا.

4. وتمضي سلسلة الالغاءات الحداثية في الفن حتى بلغت ذروتها، بإلغاء ان يكون للعمل الفني شيء يجسده، ولا تبقى بعد ذلك فكرة كما هي الحال فيما يعرف بـ"الفن المفهومي".

5. الفن المفهومي غايته نقل الفكرة الى المتلقي فليس هدفه انتاج اعمال فنية مادية من لوحات ومنحوتات، فالفكرة او المفهوم هي اهم جوانب العمل وآلة صنعه الاساسية. وهذا يعني ان التخطيط للعمل الفني والقرارات الخاصة بإخراجه توضع مسبقا، اما تنفيذ العمل فهو مجرد امر روتيني مكمل.

6. لقد تخلّص الفن على المستوى المفهومي من ماديته بعد ان تخلص من موضعته في الفن التجريدي، ليبدأ رحلته صوب الصورة المحضة، فالافكار المجردة لها جمالها، ويذكر عن براتراند رسل قوله " ان الرياضيات ذات جمال من نوع اسمى".

7. ويلح على الذهن هنا ما قاله "فازريلي" المبدع المجري العظيم، رائد فن التجريد الهندسي: " انني لا ارسم بل اضع معادلة اللوحة".

8. يؤكد منظروا ما بعد الحداثة حتمية الصراع الطبقي واستمراره وعجز الاليات الاجتماعية عن استيعاب التنوع الثقافي والتوفيق بين مصالح الفئات الاجتماعية المختلفة. وهذا يلقي على عاتق و مسؤولية الفنان الحداثي التجريدي على وجه الخصوص ان يضع نصب اهتمامه وعنايته اهمية المتلقي من جهة والتزامه قضايا الانسان من الجهة الاخرى.

9. فنون الحداثة تشكو من نخبوية طاغية وهو ما ادى الى استفحال الامية الفنية خصوصا على صعيد الشعر، والتشكيل والموسيقى وما زاد الطين بلّة هو هبوط الفن الجماهيري الى ذلك المستوى المتردي الذي تبثه وسائل الاعلام، وبدلا من ان يرقى الفن بوعي جماهيره، نراه يشوه هذا الوعي حد الابتذال.

10. يطمح اهل الذكاء الاصطناعي الى ما هو اكثر بإكساب الآلة القدرة على تشكيل الرسومات التجريدية وتأليف المقالات والروايات بل وقرض الشعر أيضا(1). وهو ما يضع التجريد الادبي-الفني في مأزق.

 

علي محمد اليوسف

.......................

(1) د.نبيل علي، العقل العربي ومجتمع المعرفة، ج1، سلسلة عالم المعرفة، ص221-313. وبتصرف منا.

 

في المثقف اليوم