أقلام ثقافية

هذه مقطوعة نثر كتبها صاحبي بروفسور(س) قبل ان يرقد في المستشفى ليلة الامس

akeel alabodالبارحة أشعلت شموعا كثيرة، وتلقيت بطاقات المهنئين مع الورد، ورحت بعيدا، محلقا اتطلع الى الأفق. الأسماء كانت تتلى، ودموع الأمهات حاضرة معي تستغيث، مجزرة سبايكر، وملحمة نينوى، صور، ومشاهد مذهلة، لقطات لا تختلف عن مشاهد الهولوكوست.

العالم بجميع أصنافه، وطبقاته، وفئاته البشرية- كبار، وصغار، عرب، وغير عرب أغنياء، وفقراء، علمانيين، ومتدينين، مسلمين، ومسيح، كانوا يجلسون بقربي، يشاركون الحاضرين الاستماع لمقطوعة هايدن.

لم أكن اعرف اسمها، لكنني فقط اتذوقها، هي لم تكن على نمط هذه الطبقات الموسيقية التي اختلطت بها الأذواق النشاز هذه الأيام، لذلك كنت اشعر بأنها مسرحية، تتغلغل موضوعاتها في كياني، لاستقرئ شيئا ما.

حاورني احد الجالسين بلباقة معلنا سروره هو الاخر، بعد ان عرف ان الصالة كانت بجميع موائدها الشرقية، والغربية قد تم دفعها سلفا احتفاء بمناسبة تكاد ان تكون الأكثر قدسية من باقي المناسبات الوطنية.

عاملة احدى الفضائيات حاولت التقاط الصور، والتحدث للتغطية الإعلامية، فلم تفلح معي لعدم استجابة دعوتها، حتى أعلنت استغرابها لانها اعتادت ان تقيم نشاطاتها الإعلامية مع الأكثرية ممن هم على طريقة "عله حس الطبل خفن يرجليه" 

المهم تجنبت الحديث معها، لكي لا يصبح احتفائي ضمن مفردات احتفالية تابعة لمؤسسات الدولة العراقية الخاضعة لانظمة الكتل والأحزاب.

فأنا كما تعرفون ابن العراق الرافض لطبقته السياسية الحاكمة، بمعنى انني لا انتمي لهم، ولم تستهويني سياسات المليشيات التابعة لهذه الجهة، اوتلك.

وكذلك لست بابن الدولة هذه التي أسست معظم كياناتها مكونات هؤلاء الذين تم تسويقهم كصفقات لأغراض الموازنة- حيث منهم من يتنعم اليوم في أربيل لا شغل، ولا عمل، انما فقط لأغراض اللقاءات السياسية.

لذلك احتفالي إنما اداء لطقوس انتمائي لبقعة من الارض تحررت اليوم من لقطاء وزناة السياسات الحديثة، هذه الارض هي التي اعلنت معي رايات استنكارها الاخلاقي، والانساني،  والوطني بوجه من ساهم من مكونات الدولة العراقية بكياناتها السياسية ذات يوم بتسليمها الى القتلة والمجرمين، وأثيل النجيفي ومن غض البصر عنه منهم.

لذلك لم أكن ارغب بهذه اللقاءات، فأنا أحب ان يكون قائد العراق من طراز النخبة، وابن العراق من طراز النخبة، وممثل مجلس النواب العراقي من طراز النخبة، والنخبة التي أقصدها هي الطبقة الفقيرة، المثقفة.

وانا من أبناء الطبقة الفقيرة ومن سكنة، وارامل هذا الوطن الذي ضحى بكل صغيرة وكبيرة لأجل ان يقوم العراق بمناراته، وقبابه عزيزا طاهرا، لكنني لم يستهويني ان يدرج اسمي ضمن القوائم التي تم الاتفاق عليها في توزيع الحقائب والحصص الوزارية منذ اول يوم اسقط فيه العراق، لأَنِّي لا يمكنني ان أتقاضى راتبا من ميزانية وطن اكثر من نصف شعبه جائع.

لهذا، متى ما كنت قادرًا لمصادرة أموال المسؤولين وتوزيعها على أبناء الشعب بالتساوي، متى ما كنت ساكنا في غرفة صغيرة مع عائلتي أسوة بأفقر عائلة في وطني، عندئذ سأقدم اسمي حاكما عادلا قربانا لهذا الشعب، وساحتفي باعتباري حاكما لا مسحوقا، علما ان الحاكمية كما تعرفون احبتي، من شروطها الفضيلة، والحكمة، والزهد والشجاعة.

ولكن ان كنت فاضلا سيتم تصفيتك، وان كنت حكيما سيتم اتهامك بالجنون، وان كنت زاهدا سيلتف حولك المنافقون، وان كنت شجاعا سيتامر عليك الجبناء، ولهذا تراني معتكفا من المهد الى اللحد زاهدا ارفض حتى حقوق ما يسمى بالمهجرين، لانها اكذوبة استعملت كصفقة سياسية للتضليل.

وآخر الكلام سامحيني إيتها الموصل لأنني لم استشهد على ترابك أسوة بأحبتي.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

في المثقف اليوم