أقلام ثقافية

جهينة الخطيب باحثة وناقدة بنكهة رب الخروب

1342 juhaynaalkatibكم اشعر بالسعادة والنشوة حين أقرأ للباحثة والناقدة الشفاعمرية جهينة الخطيب، فهي مثقفة مزدانة بالعمق والصدق والغنى اللفظي الكلامي، لمساتها ومجساتها تدب وتغوص في رحم النص الابداعي، ولا تدع شيئاً الا وتفصله ربما تجد فيه خفياً عن الانظار او درة بلاغية اندست بين السطور .

ومنذ سنوات خلت ظهرت جهينة وبزغ نجمها في المشهد الثقافي والساحة النقدية، فهي باحثة وناقدة مشغلها النقدي لم يتباطأ او يتوقف، كلماتها بلون الورد والزهر، ونقدها بنكهة رب الخروب، انها كالشجرة المثمرة التي تعطي بلا حدود، ولطالما حيرتنا بعذوبة وانسيابية كتاباتها، وادهشتنا بارائها ومواقفها النقدية.

جهينة الخطيب المهتمة بالبحث والدراسة والنقد، نهر عمادها حبرها، ومصادرها وابحاثها انسانية منتفضة، اما منتهاها فاللامتناهي، وهي تبدع في الطيران على قمرها النقدي، مغردة بفم القصيدة والقصة والرواية والخاطرة جاعلة لكلماتها طعم النهضة الثقاية والبحث الادبي والنقد الاكاديمي الموضوعي الجميل، الذي تأسس على ايدي عمالقة الفكر والادب الذين يشتغلون في الكتابة البحثية والنقدية العربية .

جهينة الخطيب متجددة كأنها تخرج من طور تقدي وبحثي الى طور آخر، تخرج من السؤال او الدهشة الى ادهاش الذات والقارئ المتابع بمنجز نقدي طالما افتقدناه في مشهدنا وحياتنا الثقافية والأدبية، وان كانت لم تحظ بما تستحقه من تقويم لتجربتها النقدية وتقديم وتقريظ يليق بهذا الوجه النقدي الراهن، الجديد نسبياً في فضاءاتنا، هذا الوجه الذي اثبت تألقه وحضوره واشعاعه النقدي على الساحة، رغم النعيي والزعيق والصراخ غير المفهوم، وكأننا نعيش في شيزوفرينا .

لا يخفى على احد ان النقد الادبي هو موهبة وعبقرية والهام والمام بالنظريات المنهجية والتسلح بفكر تحرر واع، وتعمق في النصوص والبحث عن الدرر والجواهر الكامنة فيها اضافة الى الهفوات والعثرات التي وقع فيها صاحب النص .

جهينة الخطيب كاحلام مستغانمي ونوال السعداوي تعتبر من دون اعلان واعلام ان " الدكترة " هي الاساثناء، وان الكتابة هي الاصل والقاعدة بالنسبة للنساء العربيات اللواتي حرمنا بقوة " الريجيم الثقافي، من حق القراءة والكتابة والتعبير الجزل البليغ، وكان ردها على القهر الثقافي في اسلوبين، الذي يحاصر الانثى في اسلوبين، اسلوب البحث العلمي النقدي من خلال التركيز على الرواية الفلسطينية واعلامها النسوية، وقوة الحضور من خلال المحاضرات التي تقدمها كمحاضرة للغة العربية في كلية سخنين .

عناوين جهينة الخطيب تدلنا وترشدنا الى مفاتيح افكارها وتوجهاتها، وتدلنا على مدى رغبتها كناقدة في التأسيس لفكر ووعي نقدي لا يساوم على الحقيقة، فهي ناقدة بامتياز بشهادة البعض، ناقدة واقعية ملتزمة بالصدق النقدي الكتابي، مغامرة خارج الرسمي التقليدي، فتكتب لاجل الاقتناع الذاتي، وهي منذ بداياتها التفاكرية البحثية تقدم سجلاً للثقافة النقدية الفلسطينية والعربية الراهنة المعاصرة، قوامه نقد كل ما يشوه جمالية الابداع بكل الوانه وتجلياته، ورقيت بمنجزاتها البحثية واعمالها النقدية، التي ان دلت على شيء فتدل على شفافية المرأة وسطوع تجربتها الادبية .

شاركت جهينة الخطيب في الكثير من المؤتمرات والندوات والحلقات الثقافية في كل من تونس والاردن والهند وفلسطين ومصر وغير ذلك .

ففي تونس شاركت جهينة في مؤتمر النص والترجمة، وكان موضوع بحثها " الشعر بين امانة الترجمة وجمال الخيانة، ترجمة الشعر العبري الى اللغة العربية انموذجاً.

وفي الاردن شاركت في مؤتمر النقد الخامس عشر بجامعة اليرموك، وكان عنوان بحثها " تأثير العبرية على العبرية العامية المحكية .

اما في الهند فشاركت بمؤتمرين، وكان موضوع بحثها " ادب الاطفال في فلسطين - دراسة

تأسيسية، بينت من خلالها مراحل تطور الادب الفلسطيني في المناطق المحتلة من خلال مؤسستين معروفتين هما مكتبة  كل شيء لصاحبها صالح عباسي وبراعم الزيتون في حيفا .

كذلك كان لجهينة خطيب مشاركة فاعلة في يوم الثقافة الوطنية بفلسطين، حيث تحدثت عن الرواية الفلسطينية، نشأتها واعلامها، مؤكدة ان الثقافة هي جسر من جسور مقاومة الاحتلال وتعزير الهوية الفلسطينية، وهي ترى ان الرواية الفلسطينية المعاصرة الراهنة اقتربت من الذاتية ونقد الذات وتيار الوعي والخروج عن التقليد العام في طرح الموضوعات بحيث لم يعد للبطل المثالي وانما البطل الحائر، ولم تعد البلاغة سحينة البلاغة للغوية .

جهينة الخطيب ربطت النقد بالعلم ومعاييره، وشغلت مكاناً شاغراً في مسار الدراسة والبحث والنقد الادبي، بمواكبة ومتابعة النصوص الروائية خاصة، ليس ترفاً فكرياً او شروداً من اعباء الحياة، بل بحثا عن وسائل انجع في التفكير والعمل .

والنقد عند جهينة، عدا عن كونه رسالة انسانية، وانما هو احساس وتفاعل وانسجام مع احداث وتطورات النص الابداعي، وما يشفع لها ان نقدها لا يحتاج الى ترجمان يفسره او يفهمه، وتتجلى موهبتها وميولها البحثية والنقدية، في كتابها البحثي "تطور الرواية العربية في فلسطين ٤٨، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ثوهو دراسة تأسيسية شاملة لمسيرة الرواية الفلسطينية وتطورها لدى الروائيين الفلسطينيين في الداخل، وتتوقف عند الاتجاهات الفنية للتجربة الروائية وتقنياتها ومضامينها المتنوعة المختلفة .

وتوضح جهينة الخطيب ان الادب الفلسطيني في ادب الداخل يحتل موقعاً خاصاً ومتميزاً باعتباره جزءاً من الادب الفلسطيني ككل رغم ان مبدعيه يقيمون في الدولة العبرية، ورغم محاولات عزلهم عن محيطهم الثقافي، مؤكدة ان التطور الحقيقي للرواية العربية الفلسطينية في حدود عام٤٨ يكمن في بنيتها السردية، كيث كان الادب في البداية يلهث وراء الافكار، وتغير تدريجياً، فتنوعت الصيغ السردية لتشمل السرد الذاتي وتعدد الاصوات والاسترجاع وما الى ذلك .

وتشير جهينة الخطيب في كتابها الى تميز الروايات الفلسطينية بهيمنة تفكرة التشبث بالوطن والارض والهوية والتمزق والعلاقات العربية اليهودية في الداخل .

وهي تتفق مع الكثير من دارسي الرواية الفلسطينية على ان اول رواية فلسطينية هي  "الوارث " للكاتب خليل بيدس العام ١٩٤٥، وهذا الكتاب البحثي هو عنوان اظروحتها للدكتوراة في جامعة اليرموك، وهو يشكل اضافة نقدية وبحثية، واضاءة على روياتنا الفلسطينية في الداخل .

جهينة الخطيب باحثة وناقدة فلسطينية، شيمها الصدف اللؤلؤي، يرفعها الجمال الصوري من بين رمل وبحر، الى جرح الكلام، وارقاه النقد الادبي في عمقه واكاديميته وموضوعيته .

انها جواد بحري غريق، عشق احلام جيل ثقافي ما زال يتوالى رحيقاً الى رحيق،  كأن قمقمها الابداعي لا ينفذ .

جهينة الخطيب صنعت نفسها وعالمها البحثي النقدي في آن، على غير منوال، لكانها من الريح، تحمل قلباً وروحاً واحساساً ورهافة، وهي تزهو كالرييع في نقدها وبحثها زهواً مديداً لعله في البحار تلقى جديداً من ضوء او نور .

جهينة الخطيب زهرة في بساتين الثقافة النقدية، يفوح عطرها وعبيرها وشذاها في سماء الادب،

انها انسانة مثقفة وواعية نهلن من ينابيع الفكر والتراث النقدي والمرجعيات الادبية، كما انها ناقدة قديرة لها حضورها الساطع بروحها واصالتها واناقتها وحروفها الذهبية، وتعابيرها المسبوكة بشكل واضح وجميل، ونلمح بين اخواتها نقداً صريحاً وقرميداً يلم النجوم وياسر النفوس .

التحايا لجهينة الخطيب مع التمنيات لها بحياة عريضة هانئة ومعطاءة، والمزيد من الاصدارات البحثية التي تفتقر لها مكتبتنا الفلسطينية والعربية .

 

شاكر فريد حسن

 

في المثقف اليوم