أقلام ثقافية

عن الابداع الشعري والتلحين في العراق

abdulsahib alnasir2في عراق السبعينات كان الإنتاج قد تبلور واكتمل منذ بدايات الخمسينات، وبالاخص بعد ثورة تموز المجيدة. اخترت اغنية ذات كلمات معبرة رائعة وتلحين للشاعر العراقي المرحوم ذياب كزار، عصر كوكب حمزه بذكاء فطرته الفنيه كل الالحان العراقية في جملتين  موسيقيتين جميلتين، واداء جيد اكد عليه الاستاذ كوكب حمزة يوم غناها  بصوته ليكون اكثر تعبيرا للنص الشعري غير اداء سعدون جابر المتوسط في حينه وهو فنان كبير .

الاغنية من كلمات ذياب كزار (ابو سرحان)، الحان كوكب حمزة:

”حدر التراجي برد، والكنطره بعيده“

من اصعب الخيال لأي كاتب او شاعر او فيلوسوف ان يكتب بروح شاب او شابه بغير عمره، وبالاخص في كتابة الشعر، فمن الصعب جدا  ان يكتب شاعر قصيدة شعرية بحس غير احساسه (العمري) وبجنس غير جنسه،  اي ان يحس باحساس بنت مراهقة عاشقة في ريف من ارياف العراق الجميلة مع كل التحفظات العائليه والعشائرية عن العشق والحب، ولاسيما لبنت قبل عمر البلوغ في ريف صغير يقال له (السلف)، اي يتكون من عائلات ومن عدة اكواخ متقاربة في طرف من اطراف المزرعة، تكون سكانه عادة من اعمام واولاد اعمام، وأخوال .

ملخص القصة:

ان بنت دون سن البلوغ احبت شاباً من اهل السلف عشقته بكل جوارحها التي لا تتمكن من البوح بها لاي من الناس، حتى لاختها او لامها . تركها حبيبها خوفاً من افتضاح امرهما، بعد ان وعدها انه سيعود  ليتزوجها. وطال الامر وبقيت هذه البنت لوحدها مع حبها وعشقها وخجلها وكل احساسها المرهف، سجينه المكان والعادات . اقف .اجلالا للاستاذ ذياب كزاز، كيف تمكن من كتابة هذه القصيدة وكانه شاب مازال مراهقاً وعاشقاً.

ككل اوقات بدايات شروق الشمس عند الغسق في العراق يكون الجو ذو مسحة باردة شفافة جمية وشاعرية. صحت هذه البنت قبل الشروق ككل صباح حالمةو سعيده باستمرار حلمها بملاقات حبيبها الذي تسعى للوصول له، تسير كل يوم مشيا الي حد القنطرة فوق النهر الذي يروي مزارع العراق. وكل مره او مع كل حام احست ببعد القنطرة، ليست لانها بعيدة، لكن لصعوبة تنفيذ حلمها بالهرب الى حبيبها، الذي طال انتظاره. اذا هو حوار داخلي بين الرغبة والحياء والشرف. فتعتذر هي لنفسها فتقول :-

  وأمشي وأكَول وصلت ..

 والكَنطرة بعيدة

ونكَضني مشي الدرب .

تعبني مشي الدرب

والشوكَـ هز الكَـلب .

.. والكَنطرة بعيدة

لاحظ الاعذار التي تختفي خلفها هذه البنت بدء بوخوفها من مس شرف العشيرة على الرغم من انه مجرد " امل "فهو  الامل و الشوق الطويل  لملاقات حبيبها. هذه كلمات عذرية رائعة .

امشي واكل وصلت،

الكنطره بعيده

نكضها المشي والشوق

هز قلبها الشوق

لكن الكنطره بعيده .

و تحس بلسعه البرد وارتجافها  الذي هز حتى خلاخيلها.

ثم تتوسل دفء الغظاء ان يزيد دفئها، او ان يحتضن الدفء حبها، وتطلب من القمر الذي مازال في اطراف السماء ان يضوي لها، اي يضوي طريقها لو هربت، وهو اي القمر بين طيات السماء والنجوم .ثم تحس بخيوط  من شعاع الشمس وهي في بداية شروقها.

 حلمانة برد الصبح

... رجَّف خلاخيلي

يا دفو جمّل دفو

.. ويـا كَمر ضوّيــلي

ملاحظة: لكون ارض العراق ارض منبسطة وواسعة، يمكن ان نشاهد الشمس في اول لحظاتها عند الغسق  كخيوط عندما تتباين من بين الغيوم البعيدة والخفيفة .

هنا تستمر البنت في حلمها وان كان بعيداً وغير حقيقي، لكنه حلمها هي، هذا حوار داخلي صامت وعميق، يقال له (Internal dialogue)، تستمر في حلمها فتطلب من خيوط الشمس ان تصنع لها (طوق) كاطواق العرائس يوم زفافهم وتستمر في التمني اكثر فتطلب طوقين،

 ويا ذهب خيط الشمس طوكَين سويلي

لايكَلي طوكَـ الذهب والدغش ما ريده

وأمشي وأكَول وصلت والكَنطره بعيده

عند هذه البنت  كم هائل من العفة والحشمة مع كل عشقها العميق ومرارته  لذا نراها لا تقبل (الدغش) اي الحب إلا بطريقة شريفة كالزواج،كما هي تعترف هنا بعشقها وتتوسل من (برد الصبح) بان يلامس يديها بعطف (ما تحمل چـفوفي)، لانها صغيره وقد كواها العشق الذي توسد شعرها عند رقبتها. واجمل ما تحس به النساء هو ما بين الاذن والرقبة،يكّون شغف لا يوصف .

لا .. لا يبرد الصبح مــا تحمل چـفوفي

زغيره وچـواني العشكَـ وتوسّد إزلوفي

 ويتصاعد الاحساس  بالحب عند هذه البنت بالضيق والحرمان فتحس وكان قلبها يكبر ويكبر، ولن  تخفيه ثيابها (ما لمني نفنوفي).

هيمه وجحيل الوكت ..

ما لمني نفنوفي

ثم يأتي العتب واللوم وو و، لعدم وفاء حبيبها بالعودة لها. وهي تحت رحمته بالعودة لها

لوذي إعله بعد البعد يا روحي حدر إيده

وأمشي وأكَول وصلت والكَنطره بعيده

لحن الاستاذ كوكب حمزة هذه القطعة الموسيقية بكل احساس اهل الجنوب وعشقهم وعفويتهم واحلامهم فابدع اي ابداع .

ادناه ايصال لمقطعين، الاول بصوت كوكب، والثاني بصوت سعدون جابر

لكن سعدون  ومع كل الاسف لم يصور الاداء  احساس البنت (الصفيره)  بكل عشقها واحتشامها وتعلقها بالحبيب والاهل في نفس الوقت. كما صورها الاستاذ ذياب كزار وغناه كوكب .

مرحى لكل من يكتب عن  الحب العفوي الشريف، غير المذل او الفاضح كما هي الحال في ايامنا هذه .

 قال الاستاذ محمود درويش عن الشعر والعراق

(ان الشعر يولد في العراق، فكن عراقيا لتصبح شاعرا يا صاحبي.

الأغنية بأداء كوكب حمزة

https://www.youtube.com/watch?v=DUxSh94Oz8I

الأغنية بأداء سعدون جابر

https://www.youtube.com/watch?v=KaMbRB0u8zo

اعتذر عن حالة المقطوعات السيئه لأني للاسف لم اتمكن من الحصول على نوعية أفضل على مواصفات الHD.

 

عبد الصاحب الناصر

مهندس معماري

في المثقف اليوم