أقلام ثقافية

ما يَدّعي الطغاةُ أنهم كتّابٌ لامعون

jawad gloomلا أدري ما الذي دفعني إلى كتابة هذه المقالة ...أهي السخرية من هؤلاء الطغاة الذين زجوا أنفسهم في عالم الكتابــة وهْماً وإيغالا في الضحك على ذقون شعوبهم المغلوب على أمرها؟

قبل فترة وجيزة قرأت أن الرواية المنسوبة لصدام حسين المسماة " زبيبة والملك " قد تلقفتْها استوديوهات هوليوود لتجعل منها فيلما ورصدت لها مبالغ خيالية؛ فما الطائل من ورائهــا سوى الإثارة وهناك مآرب أخرى تدخل فيهـــا الاعتبارات السياسيــة والماليـــة وكلنا نعلم بأن صدام أبعـــد ما يكون عــن الرواية أو أي شكل من أشكال الكتابة الأدبية فليس له فيهـــا باع طويــل ولا قصير .

أذاً كيف يغامر مخرج كبير مثل " لاري تشارلس" ومنتجون من شركة " بارامونت " في عمل سينمائي ضخم لروايـة غارقة في التفاهة... حقا أنها غاية في نفس اليانكي جاكوب.

هل خلت رفوف الأدب العالمي وحتى الأدب العربي لتبقى رواية " زبيبة والملك " في الصدارة؟

مما أثار هلعي اكثر انه في اواخر السنة الفائتة / 2017 ظهرت هذه الرواية البائسة مترجمةّ الى اللغة الانجليزية .

هذه هي مفارقات الحياة الأدبية عندنا، ارجوكم لا تضحكوا ففي الضحك سماتٌ من البكاء .

مما أثار هلعي انني قبل فترة قصيرة عثرت على صورة مسودّة لمشروع قصيدة عمودية كان صدام ينوي كتابتها وهو سجين بعد القبض عليه في حفرته آمل من صحيفة المثقف نشرها مع هذا المقال لنعرف حجم الانحطاط الادبي وضيق الافق ومقدار الجهل المعشعش في أذهان هؤلاء الطغاة وشعورهم بالنقص وكم كان بودّهم لو ارتقوا الى منزلة الشعراء الكبار ويقفوا في مصافهم اذ ان السلطة السياسية مهما علت وتجبّرت تتمنى من كل قلبها ان تدنو لمنزلة الشعر والادب السامي ولكن هيهات ان تصل اليها .

 وقبل اكثر من عقدين من السنوات شاءت الصدف أن أعمل في ليبيا قرابة أحدَ عشرَ عاماً وألقي المحاضرات على الطلبة في اللغــة والأدب وكان ضمــن المنهج دراسات في روايات العقيــد معمّر القذافي عن " انتحار رائــد فضــاء" و" الأرض الأرض، القرية القرية " علـى ماأتذكر.

 كان لابدّ لي أن أُرغَم على قراءتها بإمعان وبصيرة نقدية كي ألقي محاضراتي على أتمّ وجــه.. لانها مفروضة في المنهج الدراسي وياليتني لم أقرأهما...ما هذه السفاسف !!! أقلّ مايقال عنهما أنهما روايتان هزيلتان بالمرّة . عبارات وجمـل غير مترابطة وأحداث تصدم أحداثا ولا أعلم كيف تبدأ وكيف تنتهي لتخرج من هاتيــن الروايتيـــن في دوامة من الصداع .تماما كما في كتابه الأخضر البائس في أجزائه الثلاثة الصغيرة.

نعم كان علينا أن نصغي له، كل فترة يطلــع علينا بتقليعة جديدة؛ فمرة يغير شهور السنــة بأسمــاء ما أنزل الله بهـــا من سلطان فيربك الطلبة والأساتذة معا ومرة أخرى يطلع علينا بتقويم جديد غير التقويم الميلادي والهجري المتعارف عليــه....وهكذا دواليك وتشعر أن كــل ما حولك مصاب بصداع دائــم لا يدري الأستاذ أين يضع قدميه وعلى أيّ نهج يسير إضافة إلــى ضياع الطلبة في متاهات لامخرج لها .كــل ذلك بسبب المفكّر العقيـــد الذي يخرج علينــا بتوليفــة غريبة يفرضها على الأساتذة والطلبة على السواء الهدف منها أرباك العملية التعليمية وتعميم الجهل ليس الاّ.

كلنا نعرف لماذا يصــدر هؤلاء الطغــاة كتابات وروايات بأسمائهـم .ولكننا لا نعرف من هؤلاء الأشباح الذين يكتبون للطغاة. أكاد أجزم بان مثل هؤلاء " الأدباء الأشباح " قليلو الموهبة " لايسيل لعاب كلماتهم سوى قذع الكلام انما سائل لعابهم مقتصر على الاوراق الخضر ورقرقة الدولار ولمعان الاصفر الرنّان ولهذا السبب نرى أن كتاباتهم تشوبها الركاكة والهزال وانعدام السبك اللغوي .

هؤلاء (الأدباء) الذيــن يتراصّون مع هكذا طغــاة لاهدف لهــم سوى نيل المال والجــاه أو على أقلّ تقديــر اتّقــاء شرورهم فليـس صحيحا أن معظــم الكتاب العرب عديمو الضمير وطالبــو الغنائم؛ فهناك قلــة قليلة من أنصــاف الكتّاب ترتضي أن تتمسح بأردية طغاتهم نيلا لمطامع وحظوة تغطي النقص في نفوسهم .

ولابدّ لي أن أذكر بان هناك مجموعــة من الكتّاب والصحفيين " الكبار اللامعين " قد أصدروا مطــبوعاتهم الزاهيـــة الأنيقة بتمــويل هائل من هؤلاء الطغاة وبالأخــص الصادرة من خارج الوطن العربي " باريس؛ لندن؛ قبرص... الخ

إذ كان هؤلاء الكبار يعيشون ببذخ واضــح في العـواصم الأوربية وأقلامهم تستأجر من هذا الديكتاتور أو ذاك لشرعنــة وجوده وتسويق أفكاره الرثّة.

بقي أن نقول أن معظم أدبائنا الأبرار لا " الكبار" الذيـــن أشرنا أليهم ارتضوا القليل القليل واعتاشوا على المعــونات غير السخية من صحافتهم المحلية لكنّ أقلامهم بقيت نزيهة نقية وهؤلاء هم الأكثرية.

1568 jawad

جواد غلوم

..............................

*) لصدام حسين روايتان أخريان هما " القلعة الحصينة " و" رجال ومدينة " منسوبتان اليه زيفاً، أما زبيبة والملك فقد ترجمت إلى الفرنسية ايضا سنة / 2000 ونشرت من قبل جيل مونيه / أمين عام جمعية الصداقة الفرنسية العراقية وقتذاك .

 

 

في المثقف اليوم