أقلام ثقافية

نظرة الآخر بين الإيجابيّة والسّلبيّة

مادونا عسكرلنظرة الآخر وجهان، الأوّل يسمح للإنسان بتقييم ذاته وتأكيد وجوده. فإذا احترم وجود الآخر وقبله يؤكّد وجوده. فتقوده هذه النّظرة إلى تبيان ما عنده من مقدّرات فعّالة نسبة لما عند الآخر. يجب أن تكون هذه النّظرة إيجابيّة وتمنحه القيمة الذّاتيّة الّتي غالباً ما يغفل عنها فيفشل في حياته.

وأمّا الوجه الثّاني لنظرة الآخر، فهو ذاك الّذي يولّد في الدّاخل الإنساني القلق، فيعيش اضطراباً اجتماعيّاً وعائليّاً وعلائقيّاً، وبالتّالي يفقد الثّقة بنفسه ويشكّ في كلّ حدث ومرحلة من حياته. ما يخلق في الإنسان نوعاً من العدائيّة تجاه المجتمع الّذي يعيش فيه، وبالتّالي تجاه الآخر وتجاه نفسه. كما أنّه يولّد في داخله شعوراً بعدم الأمان والاكتفاء والمنفعة. فتتردّد في داخله كلّ الأفكار السّلبيّة وتحطّم الجزء الإيجابيّ المتبقّي فيه، ويكوّن عن ذاته صورة هشّة ومعرّضة للانكسار في أيّ وقت. كما تفقده عنصر المواجهة فيعيش على هامش المجتمع.

للتّربية دور كبير في كيفيّة تلقّي نظرة الآخر وتأثيرها على الإنسان. غالباً في مجتمعاتنا الشّرقيّة تعتبر نظرة الآخر مهمّة جدّاً في حين أنّه لا ينبغي أن تتسلّط علينا هذه النّظرة فتسجننا في أنفسنا وتفقدنا حرّيّتنا. كما أنّها قد تخلق شخصيّة حسّاسة تقيّم ذاتها انطلاقاً من تلك النّظرة وتولي اهتماماً خاصّاً لها. وقد تشعر بالذّنب في حال لم يأتِ فعلها على قدر إرضاء الآخر. محور حياة هذه الشّخصيّة قول الآخر ونظرته، وكيفيّة انتقاده ومدحه أو ذمّه... إذا تربّى الطّفل منذ صغره على احترام رأي الآخر دون أن تتّسع المساحة لهذا الرّأي ودون الاستسلام له، ينشأ على الإصغاء إلى الآراء ثمّ تكوين رأي خاصّ يمكّنه من اكتساب خبرة معيّنة. وإذا تربّى على تقييم ذاته انطلاقاً من قدرته على تصويب الأمور واستشفاف الخطأ من الصّواب استحالت نظرة الآخر السّلبيّة غير مهمّة في تقييم الذّات. ويمسي العقل قائداً لحياة الإنسان بالإضافة إلى خبراته الشّخصيّة الحياتيّة.

لنظرة الآخر انعكاسات كثيرة على الحياة الإنسانيّة أهمّها

- الانعزال والانزواء اللّذان يؤدّيان إلى تحجيم الذّات. ولعلّ الإنسان يعتقد أنّه في هذه الحالة يحمي نفسه من الآخر.

- اللّاوقعيّة الّتي تعزّز الحلم في تحقيق الإيجابيّات فيعيش نوعاً من الخيال دون أن ينقلها إلى الواقع لأنّه يخاف من الفشل.

- عدم تقييم الذّات المأخوذة بنظرة الآخر، فلا يعود قادراً على تقويم الأعمال الّتي يحقّقها وتقديرها. فكلّ إنسان يؤكّد وجوده من خلال الأعمال الّتي يقدّمها، وإذا كانت غير ذي قيمة، فوجوده يساوي عدم وجوده.

كي لا نتأثّر بنظرة الآخر ينبغي التّخلّي عن الاستجابة العفويّة لمتطلّباته ومتطلّبات المجتمع. هذا لا يعني أن نعيش بمعزل عنهما، وإنّما أن نحدّد حاجاتنا من المجتمع وكيفيّة الحصول عليها دون أن تأسرنا وتستعبدنا. كما يجدر بنا أن نسعى لتأكيد ذواتنا واقعياً ونحافظ على شخصيّتنا المصقولة بالخبرات، وعلى صدقنا مع أنفسنا فنعرف محدوديّتنا ومقدّراتنا ومواهبنا. ننفتح على الآخر لنغتني به ولا نسمح له بالتّأثير على قراراتنا. نتعاون معه ككائن اجتماعيّ مهمّ دون أن نفسح له المجال للتّسلّط علينا والتّقليل من شأننا.

 

مادونا عسكر/ لبنان

 

 

في المثقف اليوم