أقلام ثقافية

عراقيون مرّوا بموسكو (24): لمى علي

ضياء نافعتبلغ لمى علي (16) سنة من عمرها، وقد قضت نصفه في روسيا، اي (8) سنوات بالتمام والكمال، اربع سنوات منها في بطرسبورغ مع والدها ووالدتها، عندما كانا يدرسان في قسم الدراسات العليا في كليّة الآداب بجامعة بطرسبورغ، واربع سنوات اخرى في موسكو مع والدها، الذي يعمل في سفارة جمهورية العراق في موسكو الآن (ونحن في اواسط عام 2018)، ويقول والدها ضاحكا – فاذا طرحنا سنوات الطفولة، فان هذا يعني ان (لمى عاشت معظم سنوات حياتها في روسيا)، ومع ذلك وبالرغم من ذلك، فان لمى كانت ولا زالت عراقية أصيلة قلبا وقالبا، وشكلا ومضمونا، ولهذا فان الحديث معها يرتبط فعلا بخصائص وسمات سلسلة مقالاتي بعنوان: (عراقيون مرّوا بموسكو)، الا ان لمى تتميّز عن جميع هؤلاء العراقيين، الذين كتبت عنهم، اذ اني تناولت في مقالاتي تلك اصدقائي وزملائي ومعارفي وطلابي في روسيا، ولكن لمى هي حالة عراقية – روسيّة خاصة جدا، وقلّما تتكرر، فامها كانت طالبة عندي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد اثناء دراستها الاولية، ثم مشرفا لها في دراسة الماجستير، وابوها كذلك، اي يمكن لي ان اقول، انها حفيدتي وانا جدّها، خصوصا وان فرق العمر بيني وبينها اكثر من ستين سنة، ومع ذلك، فقد أثارت هذه الحفيدة اهتمامي، وحفّزتني على كتابة هذه المقالة عنها، عندما رأيت في غرفتها مرّة كتاب احلام مستغانمي الموسوم – (الاسود يليق بك)، وتعجبت، اذ كيف يمكن لهذه الحفيدة ال (زغيرونه) ان تقرأ مستغانمي ؟ وتلك هي مأساة ال (شيّاب) في عصرنا، وأنا بالطبع منهم، اذ اننا نعتقد ان الزمن قد توقف تقريبا، ولكنه واقعيا (يركض!) وبسرعة الى امام . وهكذا بدأنا الحديث أنا ولمى . سألتها متعجبا – هل قرأت الكتاب هذا؟ فأجابت وبثقة تحسد عليها – نعم، وانا متفقة معها في الآراء التي جاءت في الكتاب. ثم أضافت – لقد ناقشنا هذه الآراء مع زملائي وزميلاتي في الصف الرابع العام بالمدرسة العربية، ووصلنا الى قناعة بصحتها، رغم ملاحظات هنا وهناك . كنت مندهشا ومبتسما وسعيدا وانا استمع اليها، وسألتها عن تلك الملاحظات أل (هنا وهناك) هذه، فقالت، ان على الفتاة باختصار ان تبقى فتاة، ولا تحل محل الفتى . قلت لها، باني اؤيدها، ولكني حاولت ان اوضح لها بشكل غير مباشر ان تكون حذرة، اذ انها على مشارف الرجوع الى العراق، ويمكن الا يتقبلوا هناك رأسا هذه الافكار، ولكنها استطاعت بذكاء وسرعة ان تتفهم فكرتي، وقالت – نعم، نحن في المدرسة نتابع الاحداث في عالمنا العربي اول باول ونعرف ما يجري هناك، وكلنا ضد تلك الافكار التي تتحدث عن زواج الفتيات القاصرات او تعدد الزوجات ...الخ . كنت في اعماقي اريد ان اصفق لها، ولكني سألتها بهدوء – هل ما تقوليه هو بتأثير من المجتمع الروسي، الذي تعيشين في وسطه وتتكلمين بلغته ؟ فابتسمت وقالت – واين اختلط انا مع المجتمع الروسي، فانا اداوم بالمدرسة العربية يوميا، وكل اصدقائي هم من التلاميذ العراقيين اوالعرب هناك، واقضي العطلة اما في العراق واما مع الضيوف الذين يأتون الينا من العراق، ولا وقت لديّ للاختلاط بالمجتمع الروسي، ولا يوجد لديّ اصدقاء روس، اذ كل وقتي للدراسة او للقراءة او للاختلاط بزملائي العراقيين والعرب في المدرسة او لمتابعة التلفزيون او الكومبيوتر او شؤون البيت .

طبيعة الحديث مع لمى شجعني ان اطرح عليها بعض الاسئلة الاخرى، اذ اني سألتها– هل تحبين قراءة الشعر العربي ؟ فأجابت رأسا – كلا . لقد اندهشت من جوابها الدقيق والحاسم، اذ اني كنت أظن انها ستتحدث عن نزار قباني مثلا، ولكنها حسمت الموضوع نهائيا، غير انها أضافت جملة غريبة وطريفة، اذ قالت – (الا اني عندما قرأت قصيدة (يا دجلة الخير) للجواهري في مناهج المدرسة، أصبح الجواهري بالنسبة لي شخصية اسطورية كبيرة جدا، وعندما ستسنح الفرصة، فاني ساحاول التعرّف عليه بشكل أوسع) . أعجبني الصدق والدقة والوضوح في تفكيرها، وقلت لها مودعا – حاولي قبل رجوعك القريب الى العراق ان تزوري (بولشوي تياتر) و(المتحف التاريخي) في الساحة الحمراء، كي يبقى طعم موسكو طويلا في فمك.

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم