أقلام ثقافية

هل بوشكين أعلى من ستالين؟

ضياء نافعناقشني أحد أصدقائي حول مقالتي بعنوان: (الشعر أعلى من السياسة)، والتي نشرتها قبل مدة . لقد استعرضت في تلك المقالة بحثا متكاملا ومعمقا للباحثة الروسية أ.د. ميخايلوفا، والذي كان بعنوان: (الشعر أعلى من السياسة)، حيث تناول احتفال الاتحاد السوفيتي بالذكرى المئوية الاولى لوفاة بوشكين عام 1937، وكيف ان الباحثة وصلت الى استنتاجها ذاك، وهو ان الشعر أعلى من السياسة، اذ انها حاولت ان تثبت في بحثها، ان الشعوب السوفيتية آنذاك قاومت ظاهرة (عبادة ستالين) بشكل غير مباشر، وذلك عن طريق تأسيس ما يمكن ان نسميه - (عبادة بوشكين) كبديل عنها، وان المحصلة النهائية في عملية المقاومة غير المباشرة هذه كانت لصالح بوشكين، وعليه، فان الشعر أعلى من السياسة، ويمكن للقارئ الرجوع الى مقالتي تلك بشأن تفصيلات هذا الموضوع.

الملاحظة الاولى في ذلك النقاش، هو ان صديقي كان يتحدث معي وكأنني أنا الذي كتبت هذه المقالة، وان كل ما جاء فيها هي أفكاري وآرائي، وبالتالي، أتحمل مسؤوليتها بأكملها، وعبثا حاولت أن أبيّن له، اني عرضت الافكار التي جاءت بها الباحثة الروسية ليس الا، وان مقالتي ما هي الا قراءة في بحثها، واني قدمته للقارئ العربي، لانه يعكس نظرة جديدة ومبتكرة جدا في مسيرة الفكر الروسي الحديث، والتي لا يعرفها القارئ العربي بتاتا، وذلك من اجل اغناء معلوماته عن الفكر الروسي وما يجري في كواليسه، وان الباحثة الروسية هي التي تتحمل مسؤولية كل الافكار التي وردت فيها ، الا ان صديقي لم يقتنع بذلك بتاتا، بل اني حتى ذكّرته بالقول المشهور في تراثنا وهو – (ناقل الكفر ليس بكافر)، ولكنه رفض ذلك رفضا نهائيا. الملاحظة الثانية في ذلك النقاش، وهي الاهم، والتي جعلتها عنوانا لهذه المقالة، تكمن في ان صديقي طرح عليّ سؤالا محددا استخلصه من مقالتي تلك ، وهو – (هل هذا الطرح يعني، ان بوشكين أعلى من ستالين ؟)، وكان يريد منيّ جوابا فوريا محددا ودقيقا لهذا السؤال . لقد حاولت ان اثبت لصديقي، ان النقاشات حول العلوم الانسانية اوسع من النقاشات حول العلوم البحتة مثل الرياضيات واخواتها، ولا يمكن اختزالها بكلمتي – نعم او لا، وان هناك اجابة ثالثة بينهما هي – (نعم ولكن)، او، (لا ولكن)، وان الاستطراد يأتي بعد هذه ال (لكن) بالذات، وان الافكار الجديدة تظهر وتنبثق اثناء تلك الاستطرادات، ومن اجل كسب الوقت واضفاء الهدوء على نقاشنا هذا، حكيت اولا لصديقي، كيف ان القناة المركزية في التلفزيون الروسي أجرت قبل عدة سنوات ندوة حوارية في حلقات كثيرة من اجل تحديد شخصية في التاريخ الروسي تصلح ان تكون تجسّيدا ورمزا لكلمة – (روسيا)، وقد اشترك في تلك الندوة شخصيات كبيرة منها الباتريارخ كيريل (رأس الكنيسة الارثذوكسية في روسيا الان) والذي كان آنذاك مسؤول العلاقات الخارجية الكنسية، ورئيس الحزب الشيوعي الروسي زيوغانوف (الذي اقترح عندها اسم لينين)، ورئيس حزب (روسيا العادلة) ميرونوف، وفنانون وشعراء وصحافيون كبار، وكانت الندوة تعتمد على تصويت المشاهدين، والتي بلغت اعدادهم حوالي نصف مليون مشاهد، وبعد نقاشات حامية الوطيس جدا، اختارت الندوة أربعة أسماء من التاريخ الروسي هم (حسب تسلسل عدد الاصوات) كل من – نيفسكي وستاليبين وستالين وبوشكين، وكانت الا صوات متقاربة جدا بينهم، لدرجة انهم اعلنوا هذه الاسماء سوية، و كل هذه الاسماء لسياسيين عدا بوشكين ، فنيفسكي هو بطل روسي في القرن الثالث عشر خاض حربا مع السويد وساهم في توطيد الدولة الروسية آنذاك، ويمكن القول ان دوره في التاريخ الروسي أصبح منسيا الان، أما ستاليبين فهو ابن القرن العشرين، ويعد من أبرز الشخصيات السياسية في الامبراطورية الروسية، وترتبط باسمه خطط عملاقة في مسيرة روسيا، وقد تم اغتياله عام 1911، واقيم له قبل عدة سنوات تمثالا في موسكو، افتتحه الرئيس الروسي بوتين، وجاء ستالين ثالثا، وهو الذي حكم الاتحاد السوفيتي من 1923 والى وفاته عام 1953 كما هو معروف، وجاء بوشكين رابعا، وهو ليس سياسيا طبعا، وقد أشار الكثير من المعلقين حينها، ان بوشكين هو الذي فاز في هذه الندوة واقعيا، اذ انه الشخص الوحيد الذي مارس الادب طوال حياته، ومع ذلك فقد اختاره الروس في هذه الندوة باعتباره يمكن ان يجسّد اسم روسيا .

بعد ان حكيت لصديقي هذه القصة، اصبحت اجواء المناقشة هادئة تماما، فقلت له – الان أنا الذي سوف أطرح عليك سؤالي، ولكني لن أطلب منك الاجابة الفورية عليه، فابتسم صديقي وقال – وماهو هذا السؤال ؟ فقلت له، انني اريد ان انتقل الى الساحة العراقية، واود ان اسألك – هل ان معروف الرصافي أعلى من نوري السعيد ؟ وجم صديقي، ثم قال – دعني افكر...

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم