أقلام ثقافية

رواية البؤساء.. ثمن الرغيف.. رائعة فكتور هوغو

(البؤساء لا ينظرون ورائهم لانهم يعلمون بان النحس يلازمهم والشقاء يطاردهم)

تتمحور الرواية حول البطل (جان فاليجان) الذي ادخل السجن لسرقته "رغيف خبز" لاطعام اولاد اخته الجياع وقد حكم عليه بخمسة اعوام مالبثت ان تحولت الى تسعة عشر عاما بعد ان اضيف اليها اربعة عشر عاما ا’خر لمحاولاته الفاشلة للهرب من السجن.

تبدأ الرواية باطلاق سراح"جان فاليجان" عام1815 في مدينة "ديني" الفرنسية بعد ان قضى اعوامه التسعة عشر في سجن طولون، لكنه كان يائسا حاقدا على المجتمع الذي لم يرحمه وقد حدث نفسه قائلا

"ليس ثمة تكافؤ بين الاذى الذي ارتكبه وبين الاذى الذي لحق به"

حاول ان يجد فندقا اونُزلا يستقبله لكنه لم يجد بسبب جواز سفره الاصفر والذي يفيد انه من اصحاب السوابق مما اظطره للنوم في الشارع، لكن اسقف مدينة "ديني" ويدعى "شارل ميرل" استضافه في منزله واطعمه ووفر له سريرا مريحا لينام فيه غير ان "جان" رد اليه الجميل بسرقته للتحفيات الفضية وهربه ليلا، وسرعان ماقبضت عليه الشرطة واتت به الى منزل الاسقف متلبسا غير ان الاخير ابتسم وقال انه اهداه تلك الفضيات واضاف اليها شمعدانين اخرين وقال ان "جان" نسيهما في محاولة منه لانقاذه من براثن الشرطة وايداعه السجن ثانية، غير ان هذه الهبات كانت مشروطة وهي ان يعيش "جان" كرجل صالح ويهب حياته لله.

لكن يبدو انه استانس هذا الطريق ومن اعتاد على شئ لايستطيع ان يغيره بين ليلة وضحاها، فمالبث ان سرق نقود طفل صغير رغم عدم حاجته اليها لكنه ندم بعد ذلك وبدا يبحث عن الطفل لاعادة النقود في محاولة منه لتطهير نفسه من الخطيئة.

قرر "جان" ان ينتقل الى مدينة اخرى هي"مونتريال" وبدء حياة جديدة اكثر نظافة ، فقام بتغيير اسمه الى "مادلين" واشترى معملا ليشغل فيه المحتاجين من الناس، وصادف ان كانت عاملة تعمل عنده اسمها "فانتين" طردت من العمل بعد ان كشف امرها بان لديها ابنة غير شرعية ثم حوكمت وسجنت لانها ضربت احدهم غير ان "جان" استبسل لينقذها من السجن بعد ان عرف انها اودعت ابنتها عند عائلة في مدينة اخرى وكانت ترسل اليهم المال للاعتناء بها غير انهم كانوا يستخدمونها كخادمة رغم صغر سنها.

صار "جان" عمدة المدينة ومن اعيانها وقد تعرف اليه المفتش "جافيير" مسؤول الشرطة في المدينة، وفي احد الايام بينما كان مارا رآى رجلا وقد سقطت عليه العربة والكل واقف مكتوف الايدي فما كان منه الا ان نزل تحت العربة ورفعها بكل قوته واخرج الرجل الذي كاد ان يلفظ انفاسه الاخيرة، هذا الموقف اعاد الذاكرة للمفتش وذكره بموقفا مشابها عندما كان يعمل في سجن طولون يومها سقط حجر كبير على احد السجناء فرفعه عنه سجين ضخم البنية يدعى "جان فاليجان" بدت له الملامح نفسها والقوة ذاتها ومن هنا بدات الشكوك تساوره حول اصل عمدة المدينة فما انفك يلاحقه ويسال عن تاريخه الذي لم يجد له اصل.

وفي احد الايام اودع شخص برئ السجن بتهمة سرقة "رغيف خبز" وكان شديد الشبه ب"جان" وحكم عليه، هذا الامر جعل "جان" في صراع مع ذاته فذهب الى المحكمة واعترف بانه "جان فاليجان" وفي الطريق الى السجن تمكن من الهرب مع ملاحقة المفتش المستمرة لكنه واصل البحث عن ابنة "فانتين" التي توفيت بالمستشفى من شدة المرض واحضرها وامضى حياته معها بعد ان تزوجت من احد الثوار الذين انقذ حياتهم من الموت .

كاتب الرواية هو الاديب والشاعر والروائي الفرنسي فكتور هوغو (1802-1885) وهوشاعر وكاتب من الطراز الاول ابرز اعماله الروائية "البؤساء، احدب نوتردام" بالاضافة الى العديد من اعماله الادبية ويعد من ابرز ادباء الحقبة الرومانسية، توفي عن عمر83 ودفن في مقبرة العظماء وقد تم تكريمه بوضع صورته على الفرنك الفرنسي.

تعتبر هذه الرواية من الاعمال العظيمة في الادب الغربي لما لها من رؤية عميقة في مواكبة الاحداث وتوغلها بماهية الانسان في نوازعه الانسانية وانغماسها العميق في ضوء محاربتها للظلم الاجتماعي حيث ان فكتور هوغو كان رومانسيا ناقدا للظلم الاجتماعي ومؤمنا بالعدالة الاجتماعية وقد جسد فيها قصة الصراع الازلي بين الخير والشر والعدالة والظلم من خلال (الشرطي / المجرم، واللص/ المظلوم)، وحقيقة هي تجسد بكل فصولها وثيماتها ظلم الانسان لاخيه الانسان ،ثم ظلم الحياة وسخطها على الفقراء الذين يدفعون حياتهم وحريتهم ثمنا ل"رغيف خبز"

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم