أقلام ثقافية

نابوكوف ضد دستويفسكي

ضياء نافعكان موقف نابوكوف من دستويفسكي سلبيا جدا، وانعكس هذا الموقف في محاضراته عن الادب الروسي (انظر مقالتنا بعنوان – محاضرات نابوكوف حول الادب الروسي)، وقد أشار  نابوكوف  رأسا في محاضراته تلك، الى ان القارئ ربما لن يتقبّل كلامه عن دستويفسكي، ولن يعجبه، بل حتى ربما سوف يستاء منه، وذلك لشهرة وسمعة ومكانة مؤلف (الجريمة والعقاب) و(الاخوة كارامازوف) وغيرها من النتاجات المعروفة لدستويفسكي في روسيا وفي العالم ايضا . نحاول هنا ان نقدم صورة موجزة ومصغّرة جدا لموقف نابوكوف من دستويفسكي انطلاقا من  ضرورة معرفة القارئ العربي لمختلف جوانب الادب الروسي وتاريخه وخصائصه بشكل عام اولا، وثانيا، لاننا نرى، ان آراء كاتب روسي كبير مثل نابوكوف حول اديب روسي آخر كبير مثل دستويفسكي  تمتلك اهميتها الخاصة رغم كل ما فيها من تنافر- ان صح التعبير -  مع الآراء السائدة بشكل عام حول دستويفسكي ومكانته في دنيا الادب الروسي والعالمي .

 كتب نابوكوف في محاضراته تلك قبل كل شئ، الى انه لا يعدّ دستويفسكي ضمن ادباء روسيا الكبار، بل واعتبره (كاتبا محدودا)، واستشهد في بداية كلامه عن دستويفسكي باقوال الناقد الادبي بيلينسكي، والتي جاءت في رسالته المشهورة الى غوغول، في ان روسيا (لا تحتاج الى كنائس جديدة)، وعلى الرغم من ان بيلينسكي كان يتحدث عندها عن آخر كتاب لغوغول (انظر مقالتنا بعنوان –  رسالة بيلينسكي الى غوغول)، الا ان استشهاد نابوكوف  بكلمات الناقد المذكورة كانت تجسّد اشارة واضحة المعالم الى مكانة دستويفسكي، الذي يعتبره البعض - أكبر كاتب مسيحي في روسيا والعالم  ايضا، ويقارنوه  بالرسامين الايطاليين العظام، الذين ارتبطت شهرتهم بتجسيد الفكر المسيحي في اوربا مثل - رفائيل ومايكل انجلو ودافنشي، الذين رسموا تلك اللوحات الخالدة والشهيرة في  تاريخ الديانة المسيحية ، بل  ان  بعض النقّاد  اطلقوا على دستويفسكي فعلا تسمية – (رفائيل الادب) .

 يربط نابوكوف  مكانة دستويفسكي في هذا المجال (بعد الاستشهاد بجملة بيلينسكي تلك) بمضمون رواية دستويفسكي  – (الجريمة والعقاب)، والتي أكّد الكاتب فيها – كما هو معروف - على الجانب الديني (المسيحي بالذات) لبطلها راسكولنيكوف (انظر مقالتنا بعنوان – راسكولنكوف – بطل رواية دستويفسكي الجريمة والعقاب)، وكيف (ينبعث!) البطل روحيا في نهاية الرواية ويذهب طواعية للاعتراف بجريمته، وذلك  بتأثير علاقته بسونيا وحبه لها، او كما يكتب نابوكوف، بفضل (حب طاهر لعاهرة !)،  ساخرا من دستويفسكي وافكاره في تلك الرواية .

دستويفسكي الروائي ودستويفسكي الفيلسوف وحدة واحدة لا تتجزأ بتاتا، وقد دخل دستويفسكي الى تاريخ الفلسفة الروسية عبر ابداعه الادبي فقط ولم يكتب اعمالا فلسفية بحتة مثل تولستوي، لكن نابوكوف لم يأخذ بنظر الاعتبار خاصية  المزج بين الادب والفلسفة عند دستويفسكي، واعتبر ذلك اسلوبا يقلل من قيمة الادب اولا، ولا يمنح الوضوح الضروري واللازم للجانب الفلسفي ثانيا، ولهذا اصبح دستويفسكي بالنسبة له (كاتبا محدودا)، رغم  ان نابوكوف أشار في محاضراته تلك، الى ان دستويفسكي (كان يمتلك عبقرية الكاتب المسرحي وليس الروائي ..وذلك لان رواياته تشكّل سلسلة مشاهد وحوارات ..) .

 ان موضوعة علاقة نابوكوف بدستويفسكي قد أثارت الكثير من النقّاد والباحثين في مجال تاريخ الادب الروسي، ويمكن القول بشكل عام، انهم جميعا تقريبا كانوا ضد آراء نابوكوف هذه، واعتبروها متطرفة وذاتية جدا وبعيدة عن المواقف الموضوعية، التي يجب ان يتحلّى بها الادباء عند الحديث عن الادباء الآخرين.  

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم