أقلام ثقافية

بلاء الكتابة!!

صادق السامرائيالكتابة بلاء مبين، وقوة تهيمن على وعي الكاتب، وإرادة حاضرة في كيانه الواعي واللاواعي وتستعبده وتتمكن منه، ولا يمكنه أن يتحرر من قبضتها وما تفرضه عليه من الواجبات والسلوكيات التي لا يستريح إلا بالقيام بها.

الكتابة عادة يومية قاهرة تصل إلى حد الوسوسة، فالكاتب مصاب بوسواس الكتابة، ومحكوم بالكلمة التي تعصف في خياله، وقد إستعانت بما يتصل بها من الأفكار والعبارات والتفاعلات والرؤى والتصورات.

ولا يمكن للكاتب أن يُسمى كاتبا إن لم يكن مصابا بمرض الكتابة المزمن المستعصي الذي لايمكنه أن يشفى منه، مهما حاول وعالج ومانع، فالكتابة كمرض الربو الذي ينتاب المريض ويجبره على تعاطي الدواء، فهي نوبات تعصف بالكاتب وتضطره أن يمسك بالقلم ويكتب، أو هي نوبات صرعية متكررة لا تتوقف إلا بعد أن يُفرغ الكاتب طاقته الفكرية والإبداعية، ويضعها في شكل معبر عنها ويحتويها ويطلقها ككائن حي مشارك في الحياة؟

بل أن الكتابة ولادة كأية ولادة، والفكرة كالجنين الذي يحبل به الكاتب وينمو في رحم خياله وظلمات رأسه، ثم تحين لحظة ولادته وعليه أن يعاني آلام المخاض لكي يلد الفكرة بشكلها الذي تكونت فيه، وبعض الولادات قد تتعسر وبعضها ربما تحتاج لعملية قيصرية أو تداخلات أخرى للوصول إلى حالة الولادة والصياغة القادرة على ممارسة الحياة.

والمبتلون بإضطراب الكتابة مرضى بحق، ودواؤهم الشافي هو الكتابة نفسها، وينطبق عليهم القول "وداوني بالتي كانت هي الداء"، أي أن الكتابة إضطراب إدماني راسخ وأكيد، ولكي تكون كاتبا حقا، عليك أن تصاب بالإدمان على الكتابة، وبدون هذا الإدمان المزمن، لا يمكنك أن تسمي نفسك كاتبا.

ذلك أنك ستبحث وتستجمع مفردات وعبارات وتكنز ملاحظات ورؤى وتصورات، وتجدّ وتجتهد بإدمانية متميزة ومتكررة حتى يمتلئ كأس ما فيك ويفيض على جوانبه، فتأخذ بالإندفاع الإبداعي والتسطيري لما تكاثف وتآلف في رأسك أو عقلك أو فضاءات رؤاك الإدراكية.

وهكذا عندما تصبح الكتابة إضطرابا سلوكيا إدمانيا مزمنا وعصيا على الدواء، فعندها فقط يمكن أن يُقال للمصاب بها بأنه كاتب!!

نعم إن الكتابة بلاء، وإدمان تنوير وجلاء!!

والكتابة أفياض أنوارٍ في قدحٍ ينير!!

فهل أنت مدمن على الكتابة، أم أنك من الطارئين؟!!

*البلاء: الجهد الشديد في الأمر، المحنة التي تنزل بالمرء ليُختبر بها.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم