أقلام ثقافية

التفكير والتكفير!!

صادق السامرائيمفكرون حضاريون إنسانيون مؤثرون في الواقع الأرضي عبر الأجيال، لكنهم يميلون للإنتحار الذاتي والموضوعي بإقترابهم من القرآن، وأخذه نحو مذاهبهم ومدارسهم الفلسفية مما يدفع إلى وقوعهم في قبضة المحذور.

وما غيروا واقعا ولا إستطاعوا أن يصنعوا حالة ذات قيمة حضارية متصلة بالدين، وإنما أسهموا في التداعيات المتوالية والفرق المتحاملة على بعضها.

فلماذا هذا الميل الخسراني عند المفكرين؟

لماذا لا يتوجهون إلى بناء آليات التفكير العلمي؟

ولماذا لا ينشرون ويعلمون ثقافة السؤال؟

لماذا أغفلوا بناء العقل، وركّزوا على النص القرآني والتأويل والتفسير والقول في موضوعات قد تحسب خارج قدرات البشر وليست بمتناول عقله؟

لماذا هذه الوسوسة بالنصوص القرآنية؟

هل يحصل مثل هذا عند الهندوسيين والبوذيين وغيرهم من أصحاب الديانات العديدة في الدنيا؟

هل يتجرأ مفكر هندي أن يعيد قراءة النصوص الهندوسية أو البوذية ويقرؤها كما يحلو له؟

إن الأديان حاجات نفسية أساسية تفرضها الغيبية الفاعلة في أعماق اللاوعي البشري، ولا يمكن للبشر أن يتواصل بلا دين، فلكل مخلوق دينه، حتى الذين نسميهم ملحدين لديهم دينهم.

فالغيبية قوة تفرض نفسها على الواقع البشري، وتجبره على أن يتخذ دينا لكي يقنع نفسه ويطمئن إلى أنه  يعرف بمبتدأ وخبر رحلته فوق التراب.

وهذا التحدي الغيبي لم يكن جديدا وإنما هو أزلي ومرافق للبشر منذ أولى خطواته، ولهذا فأن أول ما بناه المعابد، وإنطلق في التفاعل مع الآلهة حتى توصل إلى صيغة الإله الواحد في بعض الأديان، وكذلك الرسل والأنبياء.

ولايمكن إخضاع الإعتقاد بدين للمحاججة العقلية والطروحات الفلسفية، لأن البشر ينتمي عاطفيا أو قلبيا إلى ما يعتقده، وبعد ذلك إذا تحرك عقله  فأنه ضمن القبضة العاطفية التي رسّخت المعتقد في كيانه.

ومن هنا فأن المفكرين والفلاسفة  عندما يقحمون عقولهم ونظرياتهم وإجتهاداتهم في الإعتقاد، يتحولون إلى غرباء، وأعداء للدين والمعتقد ويتم تكفيرهم وإنهاءهم بما ليس فيهم من قبل علماء الدين بمختلف درجاتهم،  فيجمعون على قتلهم ونبذهم وسجنهم، وكافة المفكرين الذين أصيبوا بغضب السلطان  كان بدافع من الذين يقومون على الدين.

فهم الذين أعلنوا وجوب التخلص منهم وإعتبار ما يأتون به هرطقات وخطر على وحدة الأمة والدين.

ولا يزال المفكرون  يسيرون على ذات السكة ولا يغيرون شيئا، بل يزداد التطرف تطرفا والغلو غلوا والأصولية تتنامى بسبب ما يطرحونه، فيستقبله الآخرون على أنه تهديد وهجوم على وجودهم، فيعادونهم وينكرونهم ويكفرونهم ويفتون بمحقهم.

وهكذا تجدنا أمام موجات تكفير المفكرين والفلاسفة والسبب فيهم وليس في المجتمع.

ولا بد للمفكرين  أن يستفيقوا ويقتربوا من الواقع بأسلوب آخر لضمان الأخذ بالعقل إلى دنيا العصر، وعدم التأسن أو التمحن في ذات الحفرة التي إندفنت فيها الأجيال تلو الأجيال.

فالمجتمع  لا يحتاج لتأويلات وقراءات جديدة للقرآن، ولا لمواجهات مع الأصوليين والمتمذهبين وغيرهم، المجتمع  بحاجة إلى تعلم آليات التفكير العلمي والإيمان بالجد والإجتهاد، وبناء الثقة بالنفس والقدرة على الإبتكار والتطور .

عندها سيتناسى ما يمنعه من التفاعل مع عصره المشرق مثل أبناء الدنيا المساهمة في تنمية أنوار الحضارة المعاصرة، فكلما تنور علميا إنحسر الظلام والبهتان في رأسه، وأبصر نور الحياة وسار في دروبها الواضحة المنورة بالمعرفة والجلاء.

فهل سيرعوي المفكرون ويتحررون من دائرة التأويل والتفسير المفرغة، والتي لا تجدي نفعا، بل تستولد الأضرار والدمار؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم