أقلام ثقافية

بعض دقائق الامور.. أثناء کتابة الشعر

بما ان الشعر هو لغة الروح فمن الصعب ان نحدد لە تعريفا وقالبا محددا، لذا اقفز علی هذا الموضوع وادخل في لب المقال، ابدء بسٶال بسيط ومنه يتعرف القاريء بمضمون وهدف الموضوع؛ لو نسأل أنفسنا أي منهما أدق؟ التصوير الفوتوغرافي للواقع أم تصوير شعري بالکلمات للواقع؟ من البداهة سيجيب الانسان الحفيص بأن آلات التصوير المتطورة ستنقل لك الصور وكأنها نوع من الواقع.

اذا فلماذا يحاول بعض الشعراء کتابة ما حدث ومايری في حياته اليومية في نسق شعري وطبق أصل الواقع؟ للجواب علی هذا السٶال نستطيع القول بأن الشعراء منقسمون الی ثلاث فئات: أولا/الهاوي، ثانيا/المهموم. ثالثا/ المبدع.

مع اننا لا  نوجه خطابنا الی الفئة الاولی والثانية لأن غرض كتابة الشعر عندهم ليس الابداع والاتيان بالجديد والبحث عن لغة أخری ما وراء لغة الشعر، أو الاستعانة بطيف الخيال أو کشف عالم خاص خلال استعمال رموز غيرمكشوفة ومستعملة، لأن وحدات ومفردات الکون في هذه الدنيا الواسعة هي متنوعة وكثيرة جدا، والتجديد والتغير علی الدوام من مميزاتها الرئيسية، فلماذا نکرر أنفسنا والاخرين عند کتابة الشعر؟ هل هذه هي صفة الشاعر المبدع؟ أنی يکون لشاعر أن يأتي بجديد وهو يكتب شعرا أو أكثر من شعر في أكثر أيام الاسبوع؟

قناعة الشاعر بماهية الشعر وخلفيته المعرفية وتجاربه الحياتية يجبره علی ان يکتب هكذا، هل يود ان يوجه رسالته الشعرية ونتاجه الادبي الی القاريء العادي کي يفهمه مباشرة ويٶثر عليه بنوع ما ثم ينساه ولا يشجعه علی الاکتشاف والبحث والتعب وراء فك الالغاز واسرار النص الغير المکشوف؟ لو جاوبنا علی هذه الاسئلة بشکل مدروس حينها يکون بمقدورنا تميز النص الحي المتعدد المعاني والافق مع نص ولد ميتا ولن يترك عندنا أي جديد ولا يحرکنا من الاعماق، حتی القيمة الجمالية في تلك القصائد تکون شائعة ومررنا عليها سابقا اثناء قراءاتنا.

 من الخطأ الفادح ان نقلص مساحة  الشعر في الاحاسيس والتجارب اليومية فقط، فهو مزيج بين الخطاب الحسي والفکري والروحي، فتطور مسيرة الحياة علی کل الاصعدة يتطلب منا ان نبني شيئا مغايرا ومتطورا علی ما بناه أسلافنا ونجدده في آن معا کي نستطيع مواکبة عصرنا، أي مخاطبة فرد واع ومطلع علی مجريات الامور والمستعين  بالتكنلوجيا الحديث، فلعل هذا  السبب  هو الجوهر في ظهور وبقاء لأسماء شعراء قلائل في کل حقبة زمنية ونحن بدورنا نقرأ ابداعاتهم وكأنها کتبت في يومنا هذا، لأن لغتهم الشعرية هي خارج  حدود الازمنة والامكنة وأخرجوا ضميرهم المخاطب منها أيضا ، والمٶسف اننا نادرا نصادف ونقرأ هذا النوع من الشعر في أيامنا هذه وفي المواقع الادبية والصحف المقروءة، وهذا النوع من الابداع وأثناء الترجمة الی اللغات المختلفة سيبقی شعرا في کل اللغات، لأن سحر اللغة المستعملة استعانت ببلاغة  المعنی والجانب المعنوي، ليست الاکتفاء والوقوف علی اختيار کلمات  جميلة ونادرة، لأن هذه الکلمات علی سبيل المثال لربما ليست لها نفس الشبيهة في لغة أخری، فالمدارس النقدية والشعرية الحديثة عالجت کل حيثيات وصغائر الامور في الابداع الشعري علی مر العصور، فتشابکت العلاقات بين علم النفس والتأريخ والفيزياء وعلم الاجتماع والفلك و... مع الادب، يبقی علی الشاعر الاطلاع عليها والاستفادة منها لخلق عالم جديد باسلوب مغاير، فليس الالهام يعتبر کل شيء أثناء کتابة الشعر بل اختيار التقنية المناسبة والحديثة هي الاهم، کيف يلعب بالالفاظ  ويکون واقعا شعريا جديدا بدلا من تصوير واقع نعايشه ونلامسه!

يعتبر هذا الموضوع نقطة تحول مهمة لکل من يريد ان يکتب شعرا ويود الاتيان بالجديد وحسب الاستطاعة، لأن هذا الهم فقط ينحصر عند کل من يٶمن بنظرية الشعر للشعر وقد حاولت الشکلانية الروسية والسريالية  وغيرهم الکتابة بهذا الاتجاه وبهذه النية، لکن قليل من الشعراء ما يحبون الغوص في الحيثيات المعقدة لهذا العالم الشائك والمسبب للصداع احيانا، فأکتفي بهذا القدر من الكلام العام ها هنا وحاولت ان اجتنب الاتيان بالامثلة الشعرية کي لا أغضب أي شاعر، وأكثر الشعراء اصحاب شعور مرهفة، وکل الشعراء بما لديهم فرحون، ونحن نحترم العالم الخاص بکل واحد منهم وقناعاتهم الشعرية، لأنه بالتأكيد ان کل ما يکتبونه بأسم الشعر هو نوع من الشعر ولکن علی مستويات متفاوتة، وانا اعتبر نفسي متابعا شعريا ولست في منزلة ان أرشد الناس الی ما أقتنعت بە، لکن هذا هو فهمي للشعر الجيد خلال تجربتي في العقود الثلاثة الماضية ولحد الان. ويعتبر آرثر رامبو مثالا حيا لتوثيق هذا الکلام، فهو في بداية مسيرته الشعرية جرب أكثر أنواع الشعر وبأسلوبه المتجدد المبدع الی ان ختمە بـ(الاشراقات) واکتفی، لأن هذه النقطة من الصعب اجتيازها. 

 

سوران محمد

 

في المثقف اليوم