أقلام ثقافية

افکار جديدة لتطوير هندسة الشعر

کما يطرح الناقد (تودوروف) رأيه حول القصائد الاخيرة لآرثر رامبو بأنە آخر مدى يمكن أن يصل اليه الشعر. وبالتالي " فإن أكبر موقف ثناء عليها هو ان يخرس الناقد أمامها تماما... فلا مجال لتحليلها ولا لدراستها. انها تقف على حدود الغموض المطلق أو اللافهم".

اذا کما يعجز اللغة احيانا التعبير عن بعض المواقف والتجارب والنتاجات  الادبية، کحلم نراه ولا يکون بوسعنا التعبير عنه، فان هنالك في الجانب الاخر من  المشهد الشعري قصائد لاتحتمل التأٶيل لبساطة لغتها وسهولة تقنيتها، بحيث يختلط احيانا حدود اللغة الدارجة واللغة الشعرية في تلك القصائد، فعلينا ان نسأل انفسنا أين نلمس التغير والاختلاف والتجديد في تلك القصائد؟

هل اسسنا جسرا بين الشعر والعلوم الانسانية الاخری؟ علی سبيل المثال هل سألنا انفسنا أين تکمن العلاقة بين الهندسة والشعر؟ اليس البناء يحتاج الی تخطيط ثم التنفيذ بحفر الاساس واقامة الدعامات ثم الهيکل الداخلي والخارجي؟ فلماذا يتعامل بعضنا هكذا ببساطة شديدة مع هذا العالم الشائك العلوي؟ في حين نستطيع قراءة مسيرة ومستوی الشعوب من خلال قصائدهم ومضامينها واساليبها المستعملة فيها.

حسب نظري ومما يتعلق بعالم الشعر ليس هنالك المبتدئين والمحترفين، لعلكم قرأتم بعض القصائد الجيدة لشعراء کتبوها في سن مبکرة ، وبمرورو الزمن تراجعوا عن کتابة نص جميل ومٶثر، وکل ما ينشرونە حاليا يکون تحت ظل اللقب الذي اکتسبوه سابقا والا مابقی لديهم أي ابداع وتجديد (مع تقديري للکل)، أنا عندي تفسيري الخاص لهذه الحالة، لعل کثير من الناس ما انتبهوا اليه الا وهو: " حينما زال السبب الذي جعلهم شاعرا جيدا وقد مضی، فسينتهي دورهم کشاعر جيد، علی سبيل المثال عندما يمتزج معاناة کالـ (الحرمان) و(الاضطهاد)/ بلغة خاصة وصادقة+ روح کفٶة ، نحصل علی شعر مٶثر وجيد، لکنه بأنتهاء الظلم والحرمان قد يختفي شاعرية هذا الشخص، الا نادرا ما نری شاعرا يکتب بنفس الوتيرة والجودة العالية مقارنة بنتاجاته السابقة ويستمر عليها، لذا علی القاريء ان لا يتکأ علی عامل العمر أثناء قراءاتهم، صحيح ان التجارب المختلفة والمعرفة العميقة تصقلان الاسلوب والتقنية عند الشاعر، لکن عامل العمر لوحده ليس لە تأثير کبير علی خلق نص متميز.

تعتبر البلاغة ومن بين فنونها الايجاز من اهم وسائل ترقية مستوی الشعر الی الحد المطلوب، لذا نری ونقرأ ان شعراء اليابانيين کيف يتبعون سياسة الاقتصاد اللغوي في صياغة قصائدهم، فتخيل لو کان بمقدورك التعبير في مقطع ما بکلمتين فالکلمة الثالثة تکون حشوا وزيادة، کما ان ابعاد حظ النفس وذاتية الشاعر حد الامکان من نتاج شعري ما سيجعله اكثر موضوعيا وقربا من القاريء العصري، وربما سيطرح القاريء هنا سٶالا مهما في هذا الصدد وعلی هذا الموضوع، بأن يقول هل علينا تجنب ضمير المخاطب أو التجارب والحظ الذاتي کليا من الشعر کي يکون شعرا جيدا؟ بالتأكيد لاء، لکن لو استطاع الشاعر وبقدراته الشعرية  الخاصة ان يجعل من نفسه ذاتا موضوعيا، حينها تشاركه القاريء عالمه ونظراته المتنوعة لأنه سيکون هنالك نقاط مشترکة بينهما وجسرا يربطهما بالبعض.

کما ان من  بين الاخطاء الذي نقع فيە احيانا في تعاملنا وقرارنا علی نص شعري  ما هوالاکتفاء بالمقياس الذوقي اثناء اصدار الحکم، وهذا لا يکفي بالتأكيد، فربما يضلنا ويبعدنا هذا الاجحاف في اصابة الهدف بشکل صحيح، لذا علينا استعمال القوة العقلية نوعا ما ثم الاستماع الی الاستجابة الروحية واخيرا الاستعانة بالمعرفة الشعرية، وفي النهاية ليس القاريء بحاکم يحکم علی نص ما، لکننا کانسان ذو طوابع مختلفة  نفضل ونکره، وهذا الاختلاف سيعطي للحياة  جمالها وهارمونيتها.

و اخيرا يمکننا ان نتعلم مما توصل اليه مسيرة الشعر عالميا ونقول ان تحرير الشعر من الوزن والقافية والقالب الكلاسيکي کان من متطلبات العصر حيث يخلق للشاعر لغة جديدة ويعطيه حرية زائدة کي يبدع ويغوص في المضمون والموضوع مستفيدا من کل المدارس الشعرية الحديثة وبتقنية ذات جودة عالية، وهكذا لا يکبله الشکل بقيوده الصارمة، لکن ليس القصد من هذا التحرر السذاجة والسطحية في التعامل مع الشعر وعدم الالمام  بالبحث عن الجديد والتعب والتمهل والمراجعة الزائدة للنتاجات قبل نشرها.

 

سوران محمد

 

في المثقف اليوم