أقلام ثقافية

عباس علي مراد: قراءة في كتاب أنطوان القزي: رذاذ صيفي

بهدوء ودفق وحرارة يتساقط رذاذ أنطوان القزي الصيفي، فيزهر ويثمر قلمه قصائد تتنفس بين ثنايات جديده الذي أعطاه أسم "رذاذ صيفي"، فنراه أحياناً شاكرا،ً قانعاً، مفتخراً،آسفاً وغاضباً أحيانأً أخرى لمَ آلت أليه حال ألأمة، والتي تنعكس على أبنائِها رحيلاً وهروبًا لا مستقر له، لأن الخروج والسفر لا يبعد ألم الحنين والمعاناة النفسية التي تنعكس في حياتنا رمهما كانت الازمنة متباعدة ورغم ما توفره المغتربات من الآمان أقتصادياً ومادياً.

الكتاب الصادر عن مؤسسة الجذور الثقافية يقع  في 106 صفحات من القطع الصغير، تصميم الغلاف والأخراج الفني الدكتور علي أبو سالم.

الإهداء يختصر رحلة العذاب والمعاناة التي لم تفقد الشاعر الأمل والحلم والتصميم فكانت أكسير الحياة للشاعر.

 يزرع أنطوان قبلاته قبل الرحيل، ودمعته الحمراء ترصد العيد، وترسم الحلم رغم جفاف الصيف وحره اللاهب، لكن الغيمة البيضاء جسدت الحلم قطرات ثلاث أنعشت جفافَ أيامه برذاذٍ عبأ منها الشاعر خوابي القلب على مسافات الهروب والرحيل وأطفأ ضمأ البعاد والغياب.

رغم أستقراره في أستراليا لأكثر من ثلاثة عقود لا يزال أنطوان القزي هارباً ومرتحلاً فهذه الشامة على خده ما زالت تذكره بما لا يذكر يقول: وعلى خدي شامةٌ لا تُنسى/ ذكرتني بما لا يذكر(ص45).

 الرحيل والهروب هاجس يرافق الكاتب فعلى صفحات الكتاب يردد تعبير الرحيل والهروب بشكل مباشر وصريح أكثر من عشرين مرة رغم أنه حاول أن يروض هذا الهروب الذي يصفه بالبركان حيث يقول: من يُمسكُ هذا البركان/ يروّضُ الهروبَ…(ص74)

يقول: تزرع قبلتين وترحل (ص7) قبل أن يأتي القطارُ… ويرحل (ص13) ترسم الرحيل وتندم. كم يسرقُ الجفن دموعاً هاربة (ص30) ترصد غلائلَ الضباب الهارب… تعصر ألآس دمعاً للغيوم/ وأغصاناً للرحيل/ وتولم للمرايا التائهة…(ص 35) أطوي المساءَ شراعاً وأرحل (ص39) أن روحي هاربة/ فوق أرضٍ سائبة (ص41) ما للأرغنِ الموجوع يرصدُ غمام الرحيل (ص61) تعانق أحلامي الهاربة (ص73).

لكن رغم هذا الرحيل والهروب فإن الشاعر لم ييأس ونراها يتصدى لمشاكل الأمة ولا يتوارى خلف التعتيم والتورية ويوجز المأساة التي نعيشها في بحثنا عن مكان بين الأمم فيقول:ليس في تاريخ العَرَبِ/ سوى "نحنُ كنّا" وليس في حاضرهم / سوى خيولٍ أصيلة (ص34).

وفي ص 72 يقول: ليس للسماءِ أن تقول/ والناس في "داحس والغبراء"…وليس لها ان تلهبَ الشموس/ فالجهالة شمسُ الحاقدين/ وليس لها ان تنثرَ الحروف/ فلغة الموت سلطانةُ القواميس.

لحواضر الشرق حضورها فيخصص قصيدة لكل من بغداد (ص53) الشام (ص76) وبيروت (ص81).

الحب له حضوره ففي قصيدة للصمتِ كل القصور، ينذر قصائده لاجلِ عينيها وينثر أبياته ويقول: لأجل عينيكِ/ نثرت أبياتي/ شقائق سفوح/ وشققتُ صدري/ عروقً الغدائر/ وبنيتُ للكلامِ كوخاً وللصمت كلُّ القصور( ص48).

وفي قصيدة الى أمّي يصارح أمه بأنه لم يبلغ سن الفطام مقدراً دور سلطانة الحنان في حياته  ويقول: لن يكبر الطفل يا أمي ويرسم لها الشروق قبلتين ويسألها ان تدعه العودة والركوع والصلاة في هيكل أسرارها ويختم القصيدة بالطلب منها: دعيني أغمرك..كي أعيش‼(ص52).

يحتفي أنطوان القزي بنصر تموز عام2006  بقصيدة بعنوان" شموس تموز" (ص97) ويقول: رصدوا ظلالهم مواقيتّ الصلاة/ دروب عاملية تغربلُ الأبطال/ ترفل رذاذّ الأحداق/ تلملمُ متون الليل/ على سطوح عيترون… وردي المناديل/ عن وجوه تهزم الشموس/ وعيون تؤرق الأقباس/ قومي ننازل الذئاب/ نربك الأزمنة السوداء/ نسطر الامجادَ… وينشرُ تموزُ شموس الجنوب/ فوق سطوحٍ سافرة/ ليذوب.. صقيعُ هذا العالم.

أخيراً، نترك للقارئ أن يسبر صفحات الكتاب حتى يلمس بنفسه كم هو غني بما قد يتشارك كل منا مع الكاتب بأحداثه والمحطات التي توقف فيها لانه من الصعب تلخيص الديوان "رذاذ صيفي" ولا يمكن أن يأخذ حقه الا بالقراءة.

***

عباس علي مراد - أستراليا

في المثقف اليوم