أقلام ثقافية

جمالية الاِشمئزاز في القصبدة الأخبرة ليحي السّماوي

سوف عبيدالقصيدة الأخيرة: بادئ ذي بدء نقرأ عنوان القصيدة وهو ـ القصيدة الأخيرة ـ والقراءة تحتمل أكثر من معنى فيحتمل أن يكون المقصود أن الشّاعر يعرض علينا آخر ماكتب من القصائد ومن الممكن أيضا أن تكون بمعنى أنّها خاتمة القصائد لديه.. إنها على كل حال تبدأ بداية غريبة عجيبة فلكتابة هذه القصيدة يطلب الشاعر عشرين يدًا وورقةً على مدى الغابة الاِستوائية لأنها قصيدة اِستثنائية لا تقدر يدٌ واحدةٌ على كتابتها ولا ورقةٌ عادية أن تتّسع لها ناهيك عن قلم عاديّ ليكتبها فلابدّ للشاعر إذن من قلم بحجم نخلة أمّا الحبر فإنّ محبرة عادية ليس بوسعها أن تكون كافية لكلمات هذه القصيدة لذلك يطلب الشّاعر أن يغمس ذلك القلم الكبير في مِداد غزير لا يمكن أن يكون إلا من بئر .

فيا عجبا لهذه القصيدة التي لا تقدر على نسخها إلا عشرون يدًا ولا يَسَعُ نَصَّها إلا ورقةٌ بمساحة غابة اِستوائية ولا يمكن كتابتُها إلا بقلم كالنّخلة طولا أمّا حبرُها فهو من مَعين بئر فالمحبرة لا تفي بكتابة نصّها .

أريدُ ليْ عشرين يدًا

 وورقة ً باتساع ِ غابة ٍ اسـتوائـية 

 وقـَلما ً بحجم ِ نخلة

مع بئر ٍ من حبر ٍ أسود  ..

ـ 2 ـ

القصيدة الأخيرة ليحي السماوي قصيدة ليست كالقصائد فهي تتحدث عن الفقراء والأطفال والأمّهات وعن تجّار الحروب وعن السّاسة والقرويّات والشّعارات بتعابير جديدة صادمة ومن خلال أوصاف مُغايرة لما تعوّدنا عليه من مفردات مستعملة في سِجِلّات لا تخطر على بال القارئ إنّه تعبير صادم ومزعج يريد الشّاعر من خلاله إحداث الزّلزال القوّي وإيقاع الشّرخ الكبير في المتقبّل للقصيدة لعلّ الشّاعر يبلّغ الهَوْل العظيم الذي أصابه والاِشمئزاز الذي صار يشعر به في وطنه حيث يقول:

فأنا أريدُ

 أن أكتبَ قصيدتي الأخيرة َ..

 عن فقراء يُزاحمون الكلاب َ

 على ما تجود به ِ

  براميل ُ نِفايات ِ المطاعم  ..

 عن أطفال ٍ استبدلوا آنية َ الشـَحاذة ِ

 بالدُمى   ..

وصناديقَ صبغ ِ الأحذية ِ

بالدفاتر المدرسية ِ..

عن الأمهات اللواتي جفـَّتْ أثداؤهنَّ

فخلطن الحليبَ بالنشـَأ  ..

عن تجّار الحروب

الذين  يخلطون الطحينَ بنشارة ِ الخشب  ..

والتبغَ بروثِ البقر ِ..

عن الساسة الذين تخّشـَّبوا

لفرط تشبُّث ِ" عجيزاتهم " بكرسيِّ السلطة

متسببينَ

 في إصابة الوطن بالبواسير ..

عن القرويات يبحثن في الحقول عن الروثِ والبَعْـر ِ

للمواقد الطينية ِ

 في وطن ٍ يطفو فوق بحيرة  نفط ..

 عن الشّعارات التي اتـَّـسختْ منها الجدران ..

ـ 3 ـ

فاجعةٌ هذه القصيدة حينًا ومؤلمة حينًا وتثير السّخط أحيانا وتبعث على الاِشمئزاز بل القَرف أيضا فقد كشفت الوجه البائس والتّعيس للأوضاع التي يعيشها الإنسان العربي الذي إلى أيّ حدّ يمكن أن نطلق عليه صفة الإنسان وهو يعيش ولا يحيا أو يحيا ولا يعيش...؟؟؟

الشّاعر رافض بل مشاكس وهو غير منسجم مع المتعارف عليه في سلوكيّات النّاس وحتّى في ممارسات مختلف الشّعراء المتهالكين على المنابر والموائد وتظلّ الحريّة هي الطموح والحلم لدى الشّاعر يحي السماوي الذي لا يمارسها إلا في الكتابة :

إليَّ .. إليَّ بأدوات الكتابة

 لأكتب قصيدتي الأخيرة َ

 فأقرأها  لا من على منبر في مسجد

أو مائدة في حانة ..

إنما

من على قمة جبل نفايات الحروب ..

 فأنا لا أمارسُ حريَّـتي إلآ على الورق ..

ـ 4 ـ

فاجعٌ هذا الزّمن بما فيه من ظلم وألم واِنخرام للقيم الإنسانية حتّى صار الوطن قبرا والقبر وطنا...وتلك قمّة المأساة حيث تنتهي القصيدة بخاتمة مفزعة :

ورجائي ـ لو متُّ :

 أن تتركوا عينيَّ مفتوحتين على اتساعهما ..

فأنا أريدُ أن أعرفَ

 أيهما أكثر ظلاما :

 قبري ؟

 أم

 الوطن ؟

ـ 5 ـ

القصيدة الأخيرة للشّاعر يحي السّماوي  قصيدة صادمة دمّرت أسس الجمالية الشعرية المعروفة وأبدعت جمالية أخرى هي جمالية الغرابة بل نقول ـ الاِشمئزاز ـ لكنه اِشمئزاز بديع !

سُوف عبيد ـ تونس

   https://www.soufabid.com/

.........................

 

القصيدة الأخيرة

يحيى السماوي

*

أريدُ ليْ عشرين يدا ً..

وورقة ً باتساع ِ غابة ٍ اسـتوائـية  ..

وقـَلما ً بحجم ِ نخلة

مع بئر ٍ من حبر ٍ أسود  ..

فأنا أريدُ

أن أكتبَ قصيدتي الأخيرة َ..

عن فقراء يُزاحمون الكلاب َ

على ما تجود به ِ

براميل ُ نِفايات ِ المطاعم  ..

عن أطفال ٍ استبدلوا آنية َ الشـَحاذة ِ

بالدُمى   ..

وصناديقَ صبغ ِ الأحذية ِ

بالدفاتر المدرسية ِ..

عن الأمهات اللواتي جفـَّتْ أثداؤهنَّ

فخلطن الحليبَ بالنشـَأ  ..

عن تجّار الحروب

الذين  يخلطون الطحينَ بنشارة ِ الخشب  ..

والتبغَ بروثِ البقر ِ..

عن الساسة الذين تخّشـَّبوا

لفرط تشبُّث ِ" عجيزاتهم " بكرسيِّ السلطة

متسببينَ

في إصابة الوطن بالبواسير ..

عن القرويات يبحثن في الحقول عن الروثِ والبَعْـر ِ

للمواقد الطينية ِ

في وطن ٍ يطفو فوق بحيرة  نفط ..

عن الشعارات التي اتـَّـسختْ منها الجدران ..

إليَّ .. إليَّ بأدوات الكتابة

لأكتب قصيدتي الأخيرة َ

فأقرأها  لا من على منبر في مسجد

أو مائدة في حانة ..

إنما

من على قمة جبل نفايات الحروب ..

فأنا لا أمارسُ حريَّـتي إلآ على الورق ..

ورجائي ـ لو متُّ :

أن تتركوا عينيَّ مفتوحتين على اتساعهما ..

فأنا أريدُ أن أعرفَ

أيهما أكثر ظلاما :

قبري ؟

أم

الوطن ؟

 

 

في المثقف اليوم