أقلام ثقافية

كرّموني قبل أن تفقدوني

فاتن عبد السلام بلانإلى كل الأدباء/ت في الوطن العربي، الذين قدّموا ثمار إبداعاتهم للإنسان ولم يُنصَفوا في حياتهم ولم يكرّموا إلا بعد رحيلهم، عليكم وعلى الدنيا السلام .

**

الأدباء أنبياءُ الحروف على الأرض، حاملو رسائل إنسانية منوّعة، مبتكرو البسمة على الوجوه، والنوافذ التي تحرّر القارئ من همومه وقضاياه بل وتُفضي به إلى دائرة الأمل والشمس، وبطرق مختلفة من فنون الأدب "رواية، مقامة، شعر، نثر، قصة، هايكو، إلخ " .

هذي اللُحمة المُتجانسة بين الأديب والمُتلقّي تقرّب الخواطر، توحّد الأفكار وتنقل الأحاسيس التي يشعر بها الكثير منّا ولم يستطع التعبير عنها بلغته .

في حياتنا يتقن الأديب دوره كالمعلم، و الطبيب، و المهندس، أو أي مهنة أخرى شريفة وبسيطة، فالأدب موهبة قبل أن يكون حرفة، نية قبل أن يكون فعل .

فالأديب ناطق رسمي باسم الإنسان والشارع والوطن والوجع والفرح، صوته يتجلّي مسموعًا في أعماله ومنجزاته، ويقع على عاتقه مسؤولية إنشاء جيل مثقف متنوّر يتحدّى الصعوبات ويُقاوم تيارات الجهل، جيل نقي خالص من العيوب النفسية، ناجح، عصامي، يعتمد على قدراته وذاته .

في وطننا العربي أسماء لامعة لأدباء/ت خدموا القارئ العربي ومازالوا، بإرضاء ذوقه وتطلعاته وعلى كافة الأصعدة، منهم من حالفهم الحظ وساندتهم الهيئات الثقافية والدولة، وكانت لهم الجدار المنيع، واليد الحانية عليهم وعلى نتاجاتهم الفكرية والأدبية، وفي المقابل الكثير من الأدباء/ت لم يقف الحظ إلى جانبهم، ولم تُقدَّم لهم اليد المُشجّعة، ولم يسندهم الجدار المُحفّز، فارتقوا بانسانيتهم وجهودهم حتى السحاب .

موضوعي هذا يصبّ في خانة واحدة (تكريم الأديب العربي) في بلده أولاً _ وهذا الأهم _ وفي الوطن العربي ثانيًا، تكريمًا له، لعطائه، لجهوده، لإنجازاته، لرسالته المُهمّة التي يرسّخها لمن حوله ولمن بعده .

الكثير من أدبائنا العرب كُرّموا من قبل وزارات الثقافة واتحاد الكتّاب والجهات المسؤولة والمهرجانات الأدبية وهم على قيد الحياة، وقُلّدوا أوسمة وشهادات شُكر، على مابذلوه من مساعٍ في نهضة الأدب والبلاد والمُتلقّي العربي، والكثير من أدبائنا الذين أثروا مكتبة الأدب العربي بنتاجاتهم المختلفة _ فكانت لهم علامات فارقة وتحديثات وأرقام يصعُب عدّها أو تقليدها _ لم يحظوا بتكريم، بل رحلوا عن عالمنا المادي وحياتنا هذي دون الإحساس بإمتنان واحد من قِبل الجهات المسؤولة و رؤية مرضية لردّ الجميل بالجميل .

هؤلاء هم المهضومة المسحوقة حقوقهم، الغير مُلتفت إليهم وإلى مشوارهم الثري الغني في حياتهم .

هذي الفئة من العمالقة الأدباء، التي نستهم بل تناستهم الجهات الثقافية المعنية، ما ذنبهم؟ أين دور هذي الجهات أمام دور الأديب المبرِّز؟ أين تقديرهم لنضاله بحرفه ووقته وجُهده من أجل الإنسان والمجتمع؟ أين أدمغتهم وقلوبهم وعدالتهم؟

وهل في عالم الأدب تفضيل أديب عن أديب؟ هل تلعب الواسطات والمحسوبيات دورها في عالم الأدب أيضًا؟؟ وهل تنحاز هذي الجهات إلى البعض وتهمل البعض؟؟

للأسف في مجتمعاتنا العربية وتحديدًا في عالم الأدب والكتابة، كل ما ذكرته سابقًا هو الصحيح، بل ويتعدّاه في محاربة الأديب نفسيًا ومجتمعيًا، بل ويتضاعف بنسيانه والتعتيم عليه، أهكذا يُكافأ بعض أدبائنا في أوطاننا ؟!!

جُلَّ ما أثروا به الأدب العربي والإنساني، وجُلّ ما تناسوهم في حياتهم، وكأن التكريم مقرون فقط بلحظة رحيلهم !!

أولئك الأدباء اللامعون، لم تشفع لهم منجزاتهم، بل لم ينصفهم المعنيون بالشؤون الثقافية، في حين نشاهد عن طريق الإعلام العالمي تكريمًا لأدباء شباب لم يلمع نجمهم كثيرًا، ولم تمتلئ حقائبهم بإنجازات كإنجازات بعض أدبائنا العرب الذين سخّروا حياتهم في خدمة الإنسانية .

هل نزيح هذا اللا اهتمام عن عاتق المسؤولين ونرميه على كاهل الحظ؟؟ ونتناسى دور من له كل الدور في توسيم الأديب بوسام وشهادة تقدير؟ مع العلم أن الكثير من أدبائنا نذروا أنفسهم لإنارة الطريق لمن بعدهم دون المطالبة بتقدير أو تكريم .

بكل إنسانية وتقدير منّا، يجب علينا كقرّاء وجهات معينة مسؤولة، تكريم الأديب في حياته لا بعد وفاته، هل تستحق مبادرة التكريم كل الجهد الذي يقوم به المعنيون بعد وفاة الأديب؟ مَن سيُكرّم في هذي الحالة، روحة التي رحلت أم مَن؟ وهل سينفع التكريم بعد رحيله؟ لا فلن تقرّ به عينه ولن تفرح روحه !

للأسف تلك الفئة من أدبائنا في دائرة الظلم دائرة (النسيان)، لا يلتفتون إليهم إلا بعد وفاتهم، هم المنسيون في حياتهم والمكرّمون بعد رحيلهم !!، فأينكم أيُّها المنصفون؟

(كرّموني قبل أن تفقدوني)

هذي الجُملة أمنية وحلم وشِعار، "قبل الانجاز الأدبي وبعده"، لكل أديب رسول أبدع وجاد وأثرى وخدم عالمنا الإنساني .

لفتة جميلة منكم أيُّها المعنيّون المثقّفون : كرّموهم في حياتهم قبل أن تفقدوهم بعد رحيلهم .

بعد رحيلك

روحك تضحك

تكريم .. !!

 

فاتن عبدالسلام بلان

 

في المثقف اليوم