أقلام ثقافية

الحنين إلى الجذور في شعر نادية المحمداوي

جابر السودانيشكلت البيئة العراقية بحميمية مشاهدها اليومية وصورها الجمالية المختلفة الرؤى، مدادا معرفيا متواصلا، استقت منه الشاعرة المغتربة نادية المحمداوي جل مفردات وأسباب صناعة منجزها الإبداعي الناجح.

الحنين الدائم للمنابت الأولى في العراق صار هوية دائمة سكنت ضمير الشاعرة نادية المحمداوي وجعلتها تشاكس الرضوخ لمفهوم التغرّب ومقولاته القاسية التي انكسر أمام إغرائها الطاغي الكثير من أدباء المهجر.

لم تخضع لضغط المنفى أو لمقولات الانسلاخ عن الجذور الأولى للفهم الحياتي والشعري، ولم تنسى إن قريحتها الشعرية هي بنت البيئة لم يخالطها خطوٌ هجين. استقت من أجوائها كل مفردات منجزها الإبداعي رغم إنها اختارت وطنا آخر دُفعت إليه دفعا مؤلما . 

الناقد المتخصص حين يطالع قصائد نادية المحمداوي ويتعقب مسار الفكرة لديها وهي تنمو تصاعديا منذ أول النص حتى خاتمته، يجدها ملتصقة حد التماهي بوطنها الأول، ولا مجال لمساومة حنينها للعراق بترف الحياة في المهجر، لذلك كانت مفرداتها الشعرية رغم تصاعديتها الموازية لتصاعد الفكرة لا تكفي لسد حاجتها في التعبير عن الشجن الذي يجتاح جميع نصوصها، فتلجا إلى استعارات اصطلاحية لسد النقص في عجز اللغة، وقلما نجد نصا بين تلك النصوص يشذ عن قاعدة تفوق الإحساس على قدرة اللغة.

الحنين في قصيدة طائر الفلامنكو لا يحتاج إلى تقصي:

(أنت الآن على قاب ألف ميل

وما زال يستبيحني كل يوم صداك.

مثلما استباح قديما طفولتي) 

في المقطع أعلاه تجاوزت نادية عجز اللغة بذكاء وكرست البعد المكاني كمصطلح تعبيري لوصف ما يعتريها ثم عاودت في نفس القصيد مرة أخرى إلى استخدام البعد الزماني لنفس لسبب أعلاه

(تعال أدنو مني.

منذُ أول العمرِ وأنا بعيدةٌ عنكَ

وروحي تحومُ في مداركَ.

نجمةً تشاكسُ الأفول)

في قصيدة طائر الفلامنكو أقرنت نادية المحمداوي الزمان بالمكان فأنتجت زخما تعبيريا جعل القصيدة تستوعب طاقة إضافية قادرة على وصف الشجن المعتمل في نفسها بسهولة.

 

جابر السوداني

 

في المثقف اليوم