أقلام ثقافية

همنغواي في رأيّ الادباء الروس

ضياء نافعنشرت صحيفة (ليتيراتورنايا غازيتا) الادبية الاسبوعية بتاريخ 17 – 23 تموز/ يوليو 2019 صورة كبيرة على صفحتها الاولى للكاتب الامريكي آرنست همنغواي تحت مانشيت بحروف كبيرة لمناسبة الذكرى 120 على ميلاده، وقد أطلقت عليه الصحيفة اسم – (القاهر)، وجاءت على الصفحات (1) و(8) و(9) من الصحيفة المذكورة آراء مجموعة كبيرة من الادباء الروس المعاصرين حول همنغواي في هذه الذكرى، وذلك جوابا على سؤال وجّهته هيئة تحرير الصحيفة لهم، وهو – (ماذا يعني آرنست همنغواي لك شخصيا، ولماذا ظهر هذا الاهتمام الكبير تجاهه في بلدنا؟). نقدم للقراء العرب ملخصا وجيزا جدا (رؤوس أقلام ليس الا) لبعض ما ورد في هذه الصفحات من آراء طريفة تعكس الدور الذي لعبه همنغواي في وعي الكاتب الروسي في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو دور متميّز فعلا، ليس فقط للكاتب، وانما للقارئ الروسي عموما، ونظن، ان هذه الآراء ستكون طريفة ومفيدة للقارئ العربي ايضا، وذلك لان همنغواي قد دخل الى قلوب القراء العرب منذ اواسط ذلك القرن .

تبدأ الصحيفة بعرض رأي للكاتب يوري كازاكوف، جاء فيه – (..كنّا نفتخر به وكأنه كاتب روسيّ.. لقد كانت تسعدنا فكرة ان همنغواي يحيا ويمارس الصيد والسباحة، وانه يكتب عدة آلاف من الكلمات الرائعة في اليوم، كما وكأنه واحدا من أقاربنا الذين نحبهم.....). أما الكاتب يوري أليوشا فيقول – (...همنغواي فنان شريف جدا . هو لا يستطيع ان يكذب .) ويضيف لاحقا – (.. انه واقعي قبل كل شئ. واقعي بارع. لاشئ ضبابي، لاشئ غير مترابط في اسلوبه ..). الكاتب يوري دومبروفسكي يشير، الى ان همنغواي – (.. فتح لي فعلا الآفاق الجديدة ..) . ويوضح هذه الافاق ويقول، انه بعد تولستوي ودستويفسكي وتشيخوف كان يعتقد باكتمال الواقعية ذات التحليل النفسي، وانه لا يمكن الذهاب أبعد منهم، ولكن جاء همنغواي واثبت ان هناك جوانب اخرى في النص لا يكتبها الكاتب ولكن – مع ذلك - يجدها القارئ، جوانب مخفية ما بين سطور النص او حتى تحته، أي – المعنى الخفي او الكلام الذي يتضمن معاني غير مباشرة و يصل اليها القارئ نفسه في بحثه المعمق في ثنايا ذلك النص . الكاتب ميخائيل ميلر تحدّث عن عام 1959 في الاتحاد السوفيتي، عندما صدر لاول مرة كتاب همنغواي، الذي يعتبره ميلر (...مثل هزّة أرضية .. غيّرت الصورة الادبية السائدة آنذاك ..)، ويربط الكاتب بين تلك (.. اللحظة من ذوبان الجليد زمن خروشوف... وظهور همنغواي ..الذي لم يكن يجسّد فقط اسلوبا أدبيّا ... وانما تحوّل الى ايديولوجيّة متكاملة.... تكمن في الحقيقة، كل الحقيقة، ولاشئ آخر عدا الحقيقة.. وان الكاتب يكون مسؤولا عن كل كلمة يكتبها، كل كلمة ...) . يشارك رئيس تحرير مجلة (الادب الاجنبي) الروسية الكساندر ليفيرغانت في هذا الاستيبيان حول همنغواي، ويقول – (همنغواي بالنسبة لي ليس كاتبا بالغ الشأن جدا، رغم انه من غير الممكن عدم تقدير اهميته ومهارته ... وانا لا اعيد قراءة نتاجاته ولا اظن باني سأقوم بذلك مستقبلا، على الرغم من ان (لمن تقرع الاجراس) او (الشيخ والبحر) يستحقان ذلك..)، ويتوقف ليفيرغانت عند الاسباب التي جعلت القراء السوفيت يهتمون به، ويشير الى انه (.. كان غير اعتيادي بالنسبة لهم، ولا يشبه الادباء السوفيت الذين كانوا يحيطون بهم .... اذ انه يعطي للقراء الحرية الكاملة لتأويل ما يكتبه ...والقراء يحبون ذلك ...). الكاتب دينيس دراغونسكي أشار الى ثلاثة اسباب في الاتحاد السوفيتي لحب همنغواي والاهتمام به – (..قبل كل شئ لأن همنغواي كاتب رائع ...استمر بتقاليد تشيخوف ... وثانيا، لأنه كان في الاتحاد السوفيتي نوعا من الجيل الضائع بعد الحرب، والذي توقع حياة اخرى بعد الانتصار ولكنه لم يعثر عليها... واخيرا لأن همنغواي كان مرتبطا بكوبا وبالحرب الاهلية في اسبانيا، اي بكل هذه الرومانتيكا التي كانت عزيزة بشكل خاص على قلب الانسان السوفيتي آنذاك...) . الكاتب رومان سينجين لا يرى ان روسيا وحدها كانت مهتمة به (.. اذ ان همنغواي كان واحدا من أكثر الادباء انتشارا في العالم .. ربما لانه خلق ابطالا يتميزون بالرجولة....)، ويتوقف سينجين عند (الشيخ والبحر) ويقول عنها – (..انها عمل فني عظيم ...تفاصيل دقيقة وصغيرة ...تحليل نفسي عميق...والرجل العجوز لم ينقذ صيده، لكنه مع ذلك اصبح منتصرا ...ولو جاء بالسمكة كاملة ووضعها على الشاطئ لكان قد جسّد الحلم الامريكي، اما هو فقد جاء فقط بالعظام .... همنغواي فنان حقيقي..) .

 

 أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم