أقلام ثقافية

الشعر.. روح المجتمع الحي

لقد أثار الكاتب سلام مكي موضوعا في غاية الاهمية في مقال له بعنوان "تغييب الشعر اعلاميا" وقد طرح ضمنا في مقاله سٶالا جوهريا عن أسباب غياب وجود الشعر في زماننا هذا؟ وهو من جانبه أشار الی الدور السيء للقنوات الفضائية في هذا المنوال، وقد أعطی حيزا واسعا في مقاله للكلام علی هذه النقطة. لكنني سأناقش هنا الصورة العامة للشعر في مجتمعاتنا  ومسسببات هذه الخسارة الفادحة.

نعم أتفق تماما مع السيد مكي علی حقيقة تذوب الشخصية العراقية التي ساهم الشعر والنثر بتشكلها وصناعتها وصياغتها.. وللأسف ديوان الشعر صار الان أطلالا بعد ان كانت صرحا شــاهقا، لكن لو دققنا النظر في الاسباب المٶثرة لاختفاء دور الشعر ومكانته في حياتنا لنستطيع أن نشير الی عاملين رئيسيين، وهما يٶثران علی البعض طردا:

أولا: ضعف الجانب الروحي لدی الانسان العصري.

ثانيا: طغيان العنصر المادي علی حركة الحياة.

ولو انه يعتبرصعبا اعطاء تعريف دقيق وواضح للشعر، لکن حسب تجاربنا وما مررنا عليه؛ نكتفي بقول أن الشعر هو لغة الروح بكل أسرارها وأبعادها وان لە وقعا كبيرا علی الانفس بسبب سحره الذي ينطويه في ثنايا  أسطره ومقاطعه، فهو يخاطب الوجدان والفکر والاحاسيس في نفس الوقت، ويمكن أن يقيس به تطور الامم ودرجة حيويتهم ... الا انه جدير بالذكر وفي هذا السياق أن نكرر مقولة الشاعر المکسيکي الحائز علی جائزة النوبل "أوکتافيو باث" والذي يقول في مقابلة حول هذه المسألة: أن اي أمة بدون الشعر تعتبر أمة ميتة.

صحيح ان الامم الحية تتعامل مع الشعر بروح أدبية عالية وتتفاعل معه، اذ ان للشعر علاقة وطيدة بکل مجالات الحياة وتصنع منها سلعته الغالية، ومن بين تلك المجالات الفلسفة والتأريخ والاجتماع  والسياسة والعلوم المادية واللغة نفسها.. حتی بعد أن وصل آرثر رامبو الشاعر المتمرد الفرنسي الی تلك الحقيقة بأن الشعر لا يستطيع تغير العالم الا ان قاعات باريسية کـ(مولير) وغيرها كانت تكتظ بعشاق الشعر الذين جعلوا من أنفسهم اذانا صاغية لسماع نتاجات الشعراء العصريين أثناء الندوات والمناسبات الشعرية وماكان تسمع في الاجواء الا همسا. الا ان تراجع دور الشعر يعتبر من السمات السيئة لعصر التقدم التكنلوجي المادي حيث لا يلقي بالا للاحاسيس والخيال والجانب الانساني فينا، لكن علينا ان نقاوم کل الامواج العاتية التي تريد ان تجرفنا الی محيط اللا-أنا، أو فقدان هوية الانسان وأصالته، وسيدوم هذا الصراع ويستمر مادمت مسيرة الحياة مستمرة علی وجه الخليقة، لكن كي نبقی ونصمد أمام االهجوم المعنوي الشرس فعلينا الاحتفاظ بوجودنا کالانسان والحضارة، كالروح والدم والجسد، ويعتبر الشعر من بين أصعب انواع الادب بل ذروته لمقاومة هذا الشطب والمسخ الذي لا مثيل له، فمن الحصافة ان نعطي الحق الوافي لنتاج شعري قد اعطی الحقوق للشعر وفنونه المختلفة بأستخدام لغة راقية وأسلوب نادر وعلينا تشجيع الشعراء وتحفيزهم، ها هنا نناشد المخلصين والمفكرين والساسة بأن يبحثوا عن الحلقة المفقودة بين الشعر والمجتمع، أو بين الشعر والمثقفين، أنا لا أتفق مع من يبررون اهمال دور ووجود الشعر في الصحف والاعلام والسلك التعليمي وحتی من  بين تفاصيل حياة الناس، بسبب كثرة وجود القصائد الرديئة، أو هذا ما کان وراء الطلاق البئيس للشعر! فليبدأ النقاد بتحاليل وافية وكافية للجوانب الابداعي الشتی للأعمال الشعرية وقراءاتها المختلفة، وليکتظ الندوات الشعرية بسواد الناس کي يتعلموا الدورة الحضارية ويتفاعلوا معه ويكون لهم دور فيها كي نثبت للعالم بأننا ما زلنا شعب حي، ونواكب لغة عصرنا في أدبنا، ولنا شعب واع لا يقهر ابدا وسينهظ من رماده كطائر العنقاء ولو أضعفنا المشاكل في حين غفلتنا عن الشعر لكننا ماضون في الطريق ونثبت للعالم نحن شعب يتحكم فينا العقل ونبدع العلم بيد وباليد الاخر الادب.

 

سوران محمد

 

في المثقف اليوم