أقلام ثقافية

أدب الطفل.. بين التربية والتثقيف

يسري عبد الغنينحب أن نؤكد على أن: الأدب ركيزة ثقافية أساسية، وهو تشكيل أو تصوير للحياة والفكر والوجدان من خلال أبنية لغوية، وهو فرْعٌ من فروع المعرفة الإنسانية العامة، يُعنى بالتعبير والتصوير فنيا ووجدانيا عن العادات والتقاليد، والآراء، والقيم، والآمال، والمشاعر، وغيرها من عناصر الثقافة، أي أنه تجسيد فنّيٌ تخيّلي للثقافة .

ويشمل هذا المفهوم الأدب عموما، بما في ذلك أدب الطفل، لكن أدب الطفل يتميّز عن أدب الكبار في مراأعاته لحاجات الطفل وقدراته، وخضوعه لفلسفة الكبار في تثقيف أطفالهم. وهذا يعني أن لأدب الطفل من الناحية الفنية مقوّمات الأدب العامة نفسها، غير أن اختيار الموضوع، وتكوين الشخصيات، وخلْقَ الأجواء، والاستخدامات اللغوية، وتحديد الأسلوب المناسب في أدب الطفل تخضع لضوابط خاصّة تناسب قدرات الطفل ومستوى نموّه.

ونضيف أن : ىأدب الطفل أداةٌ أساسيةٌ في بناء ثقافة الطفل، إذْ يُسْهم في نقْل جزء من الثقافة العامة إلى الطفل بصورة فنّية ذلك أن التجسيد الفنّي عملية لازمة في التوجّه الاتصالي عموما، والأدب فرْعٌ من الثقافة والثقافة نوْعٌ من الاتصال سواء كان إلى الراشدين أو إلى الأطفال، غير أنّ لزومه لأدب الأطفال أشدّ، لأن حوّاسّ الطفل شديدة الاستجابة لعناصر التجسيد.

ومما لا شكّ أن أدب الطفل من الوسائل الثقافية والتربوية الهامّة التي ينبغي توظيفها بفعالية لتحقيق أغراض بيّنة ومحدّدة. وإذا كان البعض من الكُتّاب وكذا المهتمّين بأدب الطفل ما زالوا يعتقدون أن الكتابة للأطفال هيّنةٌ، ليّنةٌ، سهْلة المنال.. فإن هذا الاعتقاد خاطئٌ.. فمن المتّفق عليه أدبيا وتربويا أنّ ما يُكتبُ للطفل لا يكون للتسلية والاستمتاع الآني فحسب، بل لتقديم خبرات وقيمٍ ومواقف سلوكية تُسْهم في تهذيب شخصيته وبلْورة سماته الذاتية والاجتماعية، في إطار بناء الشخصية المتكاملة.. وذلك لأن كاتب ثقافة الطفل وأدبه هو مُــربٍّ شاء أم لم يشأ. وما يُقدم إلى الطفل من أعمال ثقافية.. أدبية لها أبعادٌ تربوية بما يتناسب مع طبيعة كلّ عملٍ شعري كان أم نثريٍ.

إن ثقافة الطفل بمكوناتها العديدة مجالها واسعٌ جدّا ولا ينحصر أدب الطفل  في المصادر المعروفة عندنا كالأسرة،  ودور العبادة، والمدرسة، بل هناك المكتبات العامة والخاصة، النوادي العلمية،الجمعيات الثقافية والشبابية، المتاحف، وسائل الإعلام المختلفة، قاعات تعلّم الحاسوب، قاعات الإنترنيت.. ولكن أضيف إلى هذه الوسائط والتكنولوجيات الحديثة، فقلّبت عملية التنشئة والتثقيف رأسا على عقب، ومكّنت الطفل من أن يكون مبدعا، منتجا للثقافة، مبدعا للنصوص، متذوّقا للأدب والفنّ، ناقدا..

كيف يمكن لنا التعامل مع هذا الباحث الصغير، مع هذا المبدع ؟ أمَا كان لنا من الأفضل له ولنا أن نطلّق تلك المقولة التي لا تزال تكبّلنا: بأن عملية التربية والتنشئة هي إعداد النشء للحياة المستقبلية، لنحلّ بدلها مقولة: لنتركْ أطفالنا ينعمون بحياتهم الآنية، فاتحين المجال أمامهم لاكتشاف المجاهيل دون خوْف عليهم من ناحية، ودون وصاية تتّسم بالتسلط.

أنعتبر هذا المبدع الصغير متلقيا للمعرفة ونحن الذين نختار ونقرّر؟ أم نعتبره مبدعا ومنتجا للثقافة بدوره؟ ما هي المجالات التثقيفية التي نعتبره فيها متلقيا، فنختار له نحن ما نراه أصلح له ولنا؟ وما المجالات التي نراه فيها مبدعا وناقدا ومنتجًا للثقافة؟

 

د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم