أقلام ثقافية

لعنة الثقافة!!

صادق السامرائيكنت في حديث هاتفي مع أحد أساتذتنا المعروفين في ميادين الأدب والثقافة، وقد أصابته نوائب الدهر بسهامها فأقعدته وحيدا يعالج مرارة الغربة والوحشة، ويتأمل رحلة الحياة ما بين أيامه المتألقة وأحواله المتوجعة .

يقول: إن مصيرنا واحد.. ومهما كانت حالنا وإمكانياتنا المالية سننتهي إلى أسوأ حال، وهذا مصير المثقف العراقي!!

وأخذ يذكر هذا الشاعر الذي أمضى العمر بقريضه وعطاءاته الإبداعية وإنتهي إلى العدم، وذلك المثقف الذي صار مصيره كذا، وبعد أن إنتهى من ذكر العديد من الأسماء، توقف متأثرا بجراح الموقف،

ثم أردف قائلا: وأنا لن أشذ عنهم، فأراني أواجه ذات المصير!!

وقال: لماذا ينتهي المثقف منا في غياهب الحرمان والفاقة؟!

ويمضي يحدثني عن مرارة التجربة التي مرّ بها ولا يزال، حيث الوحشة والغربة وفرقة الأحباب، وقلة الحيلة، والجلوس على مقعد، بعد أن فقد قدرة المشي لما أصاب ساقيه من ضعف وشلل.

وسألته: كيف يطعم نفسه ويرتب أمر شقته؟

فقال: لا أدري، وحيد مقعد، وقد بلغت من العمر عتيا!!

وكان قلبه يصرخ جازعا: أين المثقفين والأهل والأصدقاء والأحبة في محنتي، لماذا نهمل المثقف ولا نحسب له شأنا؟

كان الأستاذ متألما ومتورطا في حالته، التي لا يعرف الخروج منها وقد تردت صحته، والناس –كما يرى- من حوله في غياهب التجاهل وعدم الإهتمام.

وختم كلامه بجزعٍ قائلا: مصيرنا قاسي، فالمثقف يعيش لعنة الثقافة!!

وحسبته يقول (لعنة أكدٍ) المتوارثة عبر العصور بتعبيراتها المتنوعة.

 فقلت: أن العلاقة بين اللعنتين متقاربة، فلعنة أكد قد أوجدت لعنة الثقافة وأخواتها!!

فقال: آخٍ من اللعنات فما أكثرها!!

وبعد المكالمة، تساءلت: لماذا لا يتعاضد المثقفون العراقيون؟

وهل أن المثقفين في المجتمعات الأخرى يهملون بعضهم ولا يكترثون بمصيرهم؟

وتواردت العديد من الخطابات والنداءات التي قرأناها على مر السنين، حيث رسائل المناشدة للمساعدة في علاج أو إسعاف أحد المثقفين، ولا تجد إستجابة إيجابية في أكثر المرات.

وأستاذنا الكريم قد كتب مناشدات، وكتب الآخرون يناشدون المعونة في علاجه وتقديم الخدمة اللازمة له، وما نفعت كل النداءات وما أثمرت.

وأنه لمن العيب الحضاري والإنساني، أن يترك أي مجتمع إنسانه المثقف يموت في أحوال صعبة ويلاقي مصيره لوحده، من غير إسناد مادي ومعنوي، وهذا يؤكد أن المجتمع لا يريد مثقفيه، ولا يرغب بهم، ربما لشعوره بأنهم لا يقدمون الخدمة  الصالحة ولا يملكون قوة التغيير والتأثير.

وهذا الإهمال يكشف ضعف علاقة المثقف بالمجتمع، وتنكر المثقف للمثقف، وذلك واضح في ما يتم نشره في جميع الصحف.

فهل إتّحد المثقفون، وهل لهم صوت ودور وقيمة في صناعة الحاضر والمستقبل؟

وهل هناك علة في شخصية الإنسان المثقف تساهم في وصوله إلى أقسى مصير؟!

وهل عرفنا قيمة الثقافة ودور المثقف في الحياة، أم أننا ننكرهما كنكراننا لكل ما يمت إلينا بصلة؟!

تساؤلات عديدة تواكبت وأنا أتكلم مع أستاذنا الفاضل المقعد الحزين، والحيرة تعصف في خيالي، حتى أخذت أفكر بالآتيات والعاديات، التي تختار المثقف  وتتصيده كأنه غنيمتها وفريستها الأشهى والأطيب!!

وكلٌ منا يمكنه أن يُعرّف المثقف وفقا لرؤاه، لكن المصير واحد في معظم الأحوال، وعلى خطى الأستاذ المكبّل بالأوجاع!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم