أقلام ثقافية

الجمال احساس وتذكر

كاظم لفتة جبرتتمركز حياتنا حول الجمال، لو فقدنا بعضاً من حواسنا لفقدنا جمال ذلك البعض في حياتنا، ولا نذهب بعيداً عن قول الفيلسوف أرسطو إذ قال: من فقد حساً فَقد المعرفة بمدارك ذلك الحس، إذ أن الأعضاء الحسية تمثل نوافذ نطل بها على الواقع، والجمال عندما نقابله في كل مره يكون شببيه بظهور أشعة الشمس في صباح يوم غائم من فصل الشتاء، إذ يجمع بين الهدوء والراحة، والاطمئنان على سحابه لاذت بالشمس لتفرغ حملها، فالجمال، والشمس كلاهما متشابهان، الاول يضيئ حياة الإنسان، والثانية تديم حياة الصحراء، فالجمال فكرة تحتاج التذكر، والشيء المحسوس هو الذي يوفر التذكر، والتذكر يحتاج صيرورة الزمن ومكانية الحدث، واحساس الإنسان، وذهنه، إذ أن تفاعل الذات مع الموضوع يبقى معتماً مادام لم يضيء الجمال فكرته، الجمال هو الجزء الاساسي من المعرفة إذ أنها من أساسيات فهم المعرفة انتظام الفكرة وكليتها، وجمال التعبير، فالمعرفة تذكر إذ أقر بها الفيلسوف افلاطون، ومادام الجمال جزء من فهم معنى المعرفة (الأفكار)، هل يمكن أن تكون عملية تذوق الجمال عملية تذكر؟. وبما أن الفيلسوف فلسفته عن لا تنفصل عن نظريته للجمال، وجد في الجمال فكرة موجودة في العالم الآخر، تَعرف عليها الإنسان قبل نُزوله في الأرض، ما ان يشاهد شيء يحتوي على جزء من ذلك الجمال يثير انفعاله لذلك الشيء الجميل، ورغم أنه جميل الا انه ذات جمال وهمي وزائل كما يرى افلاطون، والشيء لا يكون جميلاً الا إذ اكان غايته الجمال، ان جميع ما يصنعه الإنسان لا يقدم لنا الجمال بقدر ما يجعل الجمال كوسيلة لشيء آخر، في اي صناعة في حياتنا نجد الجمال متوفر، لكن ليس كغاية، بل كوسيلة لجذب الإنسان للشيء، فمثلاً صناعة السيارات وما تحتوي من إضافات جمالية، إلا أن غاية صناعتها للتواصل والفائدة العملية، أن الجمال الحقيقي هو الذي يكون غاية وليس كصفة مثلما اكد ذلك الفيلسوف كانت، ان ما تقصده من عملية التذكر في تذوق الجمال ليس مطابقاً للفهم الافلاطوني، وهو قد يكون قريب من رؤية الفيلسوف كروتشة، اذ الانفعالات التي تثيرها فينا الأشياء سواء كان الفرح أو الحزن تعتمد عملية التذكر، تذوق الجميل يحتاج منا تذكر، إذ أن عمل الفنان هو يكمن في ان يساعدنا على التذكير بما غفلنا عنه لانغماسنا بالحاجات العملية والنفعية، والإبداع يمثل عملية إرشاد وتوجيه وعي الإنسان لما هو غافل عنه، فتذوق الجمال يكون احساس وتذكر، التذكر هو الذي يوفر لنا الإحساس بجمال الأشياء، اي بمعنى ان من يمتلك حساً يحصل على الانطباعات الجمالية، وتتكرر تلك الانطباعات عند رؤية ما يوفقها من أحداث، فتذوق الجمال معرفة . الا انها مكتسبة وليست فطرية .

 

كاظم لفته جبر

في المثقف اليوم