أقلام ثقافية

داود الأنطاكي الطبيب الضرير!!

صادق السامرائيداود بن عمر الإنطاكي المعروف بالرئيس الضرير (1543 - 1599)، ولد في إنطاكيا وتوفى ودفن في مكة.

وكما جاء في مختصر تأريخ الطب العربي، ج2، ص 506، للدكتور كمال السامرائي: "ولد كسيحا صغير الجسم وأعمى، تعلم قراءة القرآن بعد العاشرة من عمره، ثم تعلم الأدب والطبيعيات والطب، وصار يمارس الصنعة بالتلمس والإستجواب.. وكان مغرورا بنفسه فخلق له أعداءً وحساداً كثيرين".

مؤلفاته: "تذكرة الألباب والجامع للعجب العجاب، نزهة الأذهان في إصلاح الأبدان، رسالة في الفصد والحجامة، كتاب في الطب النفسي"، ولديه كتب في الصيدلة والفلك والمنطق والكلام .

ومن مؤلفاته الأخرى: "كتاب البهجة في الأدوية المجربة، رسالة الحمام، ألفية في الطب، شرح القانوجة، كفاية المحتاج في علم العلاج، شرح قصيدة إبن سينا، كتاب طبقات الحكماء، الملكي في طب الملوك، مجمع المنافع البدنية"

عمل في البيمارستان المنصوري في مصر، وكان رئيسا للعشابين، وحاز على ألقاب متعددة . منها الحكيم الماهر الفريد، الطبيب الحاذق الوحيد، جالينوس أوانه، وأبقراط زمانه.

داود الأنطاكي ظاهرة تستحق الوقوف عندها وفهمها، فقد عاش 56 سنة وأحدث ثورة علمية في الطب والصيدلة والعلوم الأخرى، وهو ضرير منذ مولده، فكيف يصبح الضرير طبيبا مشهورا ومؤثرا في علوم الطب والصيدلة وغيرها؟

فكل مخلوق ميسر لما خلق له، ومهما كانت عاهاته والصعوبات التي تواجهه فأن ما فيه من الطاقات والقدرات، يظهر ويتحقق ويكتسب مهارات تعوّضه عن الحواس المفقودة.

ففي تأريخنا أبو العلاء المعري، وبشار بن برد، وفي القرن العشرين طه حسين، وغيرهم تمكنوا من الإنتصار على العاهة التي ولدوا بها، وتفوقوا على أقرانهم من الأصحاء المبصرين.

داود الأنطاكي كان يطبب بالتلمس والإستماع لشكوى المريض، وإستجوابه، أي يطرح عليه الأسئلة ليعرف ما يريد عن علته.

فهل كان إعتماده على التأريخ المرضي في التشخيص والعلاج، أم أن لديه قدرات أخرى نفسية وروحية تمكنه من إستكناه ما يعانيه المريض وما يراه مناسبا لعلاجه، إذ يبدو أنه كان بارعا في وصف العلاج والمداواة الناجعة للأمراض، ولهذا إكتسب المكانة الرفيعة والشهرة الواسعة.

تلك ظاهرة سلوكية بشرية تُعْجِزُ الألباب!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم