أقلام ثقافية

سلمويه بن بنان طبيب المعتصم!!

صادق السامرائيالطبيب الخاص للخليفة المعتصم، وترجم أعمال جالينوس من اليونانية إلى العربية، وقد وثق به المعتصم وإعتمد عليه كثيرا، وكان يحترمه إحترام الإبن لأبيه، ويناديه "يا أبي"!!

ويقول عنه: "هذا عندي أكبر من قاضي القضاة، لأن هذا يحكم في مالي، وهذا يحكم في نفسي، ونفسي أشرف من مالي".

يقول إبن أصيبعة: " لما إستخلف أبو إسحاق محمد المعتصم بالله، وذلك في سنة 218 هجرية، إختار لنفسه سلمويه الطبيب، وأكرمه إكراما كثيرا يفوق الوصف، وكان يرد إلى الدواوين توقيعات المعتصم في السجلات وغيرها بخط سلمويه، وكل ما يرد على الأمراء والقواد من خروج أمر وتوقيع من حضرة أمير المؤمنين، بخط سلمويه، ومما زاد من جور سلموية بن بنان في بلاط المعتصم، أنه نجح في تولية أخيه إبراهيم بن بنان خزن بيوت الأموال في البلاد، وخاتمه مع خاتم أمير المؤمينن".

وكانت علاقته بالمعتصم قوية، وكأنه واهبه الحياة والمحافظ على كيانه البدني والنفسي، فعندما إعتل سلمويه عاده المعتصم وبكى عنده، كما  بكى وصلى عند قبره بعد وفاته سنة 840 ميلادية، وربما دفن في سامراء ورافق المعتصم فيها، وتوفى المعتصم بعد وفاته بعشرين شهر!!

ويبدو أن المعتصم كان مرعوبا من الموت، ووجود الطبيب سلمويه بجانبه يبعث فيه الطمأنينة ويشعره بتمسكه بالحياة، فهو القوة النفسية التي تمده بطاقة الحياة والقدرة على الإنتصار على الموت، فبوجود طبيبه الخاص بقربه يزداد ثقة بصحته وقدرته على مجابهة الأمراض وتحدي العلل.

وهذا الإعتماد النفسي الكبير يتضح من مواقفه معه، وقلقه الشديد عند إعتلال طبيبه وبكائه عليه، وكأنه كان يبكي على نفسه، كما أنه مات بعده بأقل من سنتين.

كما يشير إلى الضعف الكامن في أعماق الخلفاء والسلاطين، وكأن الرعب يتملكهم والموت يحاوطهم، لأن تعاملهم مع الموت والحياة حالة يومية، فهم يأمرون بالقتل ويقتلون ويسفكون الدماء، وعندما يجالسون أنفسهم تخيم عليهم مشاهد الموت وصور ضحاياهم وقد بتروا أعناقهم.

وكان المعتصم قاسيا في عقوباته لمعارضيه ويقتلهم شر قتل، فأحرق قواده الذين خانوه، وقاتلَ وقتلَ المئات، وكلها تركت آثارا نفسية عنده، وربما مشاعر تأنيب الضمير والحيرة فيما إقترفه من صولات أباد بها عشرات الآلاف من الأرواح، إضافة إلى ممارسات السيف والنطع التي تكاد تكون يومية في قصور الخلفاء، كتعبير عن القوة والشدة وأنهم يحكمون.

وهذه ناجمة عن غياب الدستور الواضح ومنهج الحكم الراسخ، فكل خليفة يتصرف في الحكم على هواه، ولازلنا على هذه الحالة المأساوية الدامية الدامعة، التي تتسبب للحكام بعاهات نفسية قاسية يعكسونها على الذين يتحكّمون بمصيرهم، فيذيقونهم القهر والظلم والذل والهوان.

ولا أظن الذي يتصور نفسه الدستور والقانون، ويصدر الأوامر على هواه، ووفقا للوشايات، يشعر وذات نفسه براحة الضمير، ولهذا يحيط الخلفاء أنفسهم بالفقهاء ويعملون بموجب فتاواهم، للتخفيف من عذابات الضمير، وما تخلفه قراراتهم من آثار نفسية خطيرة، ووفقا لذلك يمكن تبرير موتهم المبكر، وسلوكيات بعضهم المنافية للقيم والأعراف والأخلاق.

فهل كان المعتصم مريضا، وليس كما تورده عنه كتب التأريخ وتصفه بالقوة والقابلية الجسمانية المتميزة؟

وهل كان أطباء آخرين في سامراء؟!

وهل بنى المعتصم فيها مستشفى؟!

لابد من قراءة علمية دقيقة للتأريخ، الذي ربما لا يشير إلى ما يؤكد ذلك، بل أن المعلومات عن طبيب المعتصم نادرة!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم