أقلام ثقافية

عبد الحميد الكاتب!!

صادق السامرائيعبد الحميد بن يحيى بن سعد، ولد في خلافة الوليد بن عبدالملك سنة 75 هجرية، وقتل مع آخر خلفاء بني أمية، وعلى الأرجح في مصر سنة 132 هجرية.

فهو الذي أنشأ الكتابة الفنية باللغة العربية، وجعل من الرسائل فنا له قواعده وأصوله، ومن الكتابة صناعة،  ويتميز أسلوبه بإستعمال وإطالة التحميدات،و الإسهاب في التعبير، وإنتقاء الألفاظ والعبارات، والإبتعاد عن البديع والإطناب، والإكثار من الوصف بالحال، والموازنة والسجع؟

قال إبن عبد ربه: " إنه كتب لعبد الملك بن مروان وليزيد، ثم لم يزل كاتبا لخلفاء بني أمية حتى إنقضت دولتهم"

ويقول طه حسين: " النثر الفني في الأدب العربي ظهر على يد الكاتب"

ويُقال: "فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بإبن العميد"

وكان كاتبا لهشام بن عبدالملك قرابة عشرين عاما، ثم إنتقل لمروان بن محمد وعندما أصبح خليفة صار الكاتب الأول في الدولة الأموية.

كان وافر الثقافة والذكاء وشديد الوفاء ويعد من أساتذة البلاغة العربية.

من رسائله: رسالته إلى الكتاب، رسالة إلى عبداللة بن مروان على لسان أبيه، رسالة في وصف الصيد والشطرنج، ورسالة إلى أهله وهو منهزم مع مروان بن محمد الذي قتل معه.

ومن رسالته إلى الكتّاب: " إرغبوا بأنفسكم عن المطامع سنيها ودنيها وسفاسف الأمور ومحاقرها فإنها مُذلة للرقاب مُفسدة للكتاب، ونزهوا صناعتكم عن الدناءة، وأربأوا بأنفسكم عن السعية والنميمة وما فيه أهل الجهالات، وإياكم والكبر والسخف والعظمة فإنه عداوة مجتلية من غير إحنة، وتحابوا بالله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها بالذي هو أليق لأهل الفضل والعدل والنبل من سلفكم، وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه وآسوه حتى يرجع إليه حاله ويثوب إليه أمره"

كان عبد الحميد الكاتب ثورة أصيلة في مسيرة الكتابة العربية، ومنه إنطلقت فنونها وتوجهاتها ومحسناتها الأسلوبية، وهو الذي أثبت أن العربية تكنز ثورات إبداعية متواصلة ومتواكبة مع عصرها، لأنها لغة حضارية إنسانية ذات ينابيع مفردات لا تنضب.

والذين يعادون العربية أو ينالون منها عليهم أن يدركوا بأن الأمة ولودة، وسيأتي من أرحامها جهابذة يرفعون ألوية لغة الضاد ويجددون رفدها وحيويتها الحضارية.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم