أقلام ثقافية

عقيل العبود: فضاءات بحجم الموت.. تداعيات في زمن الكورونا

عقيل العبودقرر ان يحتفي بجنازاتهم، يشيعها، ذلك العدم المقيد باسرار الزمان، عندما المكان إنكارا أعلن لغة الحداد، وتلك حكاية بقيت على الأذهان عصية، لتمضي أشواط فصولها المكبلة بذلك النوع من الاضطراب.

هو اللغز، اوالإعصار هذا الذي صار العالم محكوما اليه، يوم خطاه راحت تدب في عالمنا، تقوده باتجاه ذلك الحيز المترامي من الانتشار، ليخيم علينا بجدرانه المعتمة، متجاوزا حدود وجودنا النابت في رحم هذا الامتداد.

هنالك حيث لا احدَ يعلم اسرار الكون الا ذلك العلو الشاهق من الاتصاف، الطائرُ الذي اجنحته اصطبغت بلون الحزن، اشفاقا مع الصمت، أعرض بمنقاره، ربما خجلا من الإدلاء بإفادات تسود صفحاتها الإبهام.

بينما اُطلِق العنان لتلك الأشجان، استجابة لاستغاثات مسها الإعياء، فعلى حين غرة ، السحابة المسكونة بقشعريرة الموت والطاعون، تدافعت أثوابها صوب بقعة اخرى من بقاع الأرض، على شاكلة كائن ابعاده تناسلت إرجاؤها، لتصطف بعيدا عن مغارة اختبأت في جوفها الافاعي.

الكورونا هذه التي جاءت بحلتها القديمة، تنتصف اليوم عند زوايا الأقطاب المكتظة بالسكان، لتمسك باحلام العابرين مصطحبة اياها صوب اقبية الكرب المسكون بنوبات ذلك النوع من الحمى.

الاحبة صرنا تباعا نودعهم، اوننأى عنهم، نبحث عن أوراقهم، تلك الذكريات التي هي الأخرى تباعدت مسافاتها، لتحط بأوزار أثقالها المتعبة في ملجأ آمن.

آثارهم بقيت تتلى على مسامعنا كل يوم بطريقة هذا الاحتضار الذي احضر عدته وفقا لهذا النوع من التصنع، ليعصف بنا في محيط جبروته العبوس.

لذلك صرنا نؤرشفها تلك السيناريوهات محبة ربما، اواشتياقا لمحطات بقيت مشاهدها تعيش في نفوسنا، نبحر مع أطلالها املا بمرافقة حكايات من الدهر مضت.

لقد سقط الألم في قاع ذروة اُجهضت محبتها يوم مات صاحبي الذي ما انفكت ابتسامته تختزل اسرار الكون المشحون بروعتهم، اولئك الذين غابت ملامحهم مع أدران آفة أمسكت بخاصرة الأشياء معلنة عن لحظات مصرع مؤجل.

اسماؤهم التي تعطلت دوائر سعيها لتنأى بعيدا عن مغارات كابوس مخيف، امنياتهم تلك التي تغفو عند ضفاف البساتين ، تتطلع الى رحيق الأزهار، ما انفكت تطل عليها الفراشات في حدائقنا، مذ أذعنت دون إرادة منها لذلك النوع من الانكماش.

لقد احيطت دائرة الوجود بشبح قوة تكاد ان تفوق جبروت ابديتنا الحالمة، لكن الخلود بقي متربعا على عرش حلمه المقدس.

وتواصل الإنسان في سعيه مواظبا، يخفق قلبه دون كلل لمواجهة هذا النوع من الخذلان.

لقد تجسد حقا ذلك الهلع في محيط هذا الدوي الصاخب من الحركة، متماسكا مع لغته الشؤوم.

ترى هل هي أسطورة الموت هذه التي بقيت قائمة في يقيننا المفعم بالحياة، أم هي سلطة نفوسنا التي تسعى لأن تقتحم سطوة التحدي؟

هنا تازرا، العازف ذلك الذي ما انفك مشغولا يقلب أوراق العاشقين، تحديا راح يصغي لنداء تلك الإرادة الخارقة، يتنفس معها، يرتدي ثوب جبروتها، لعله يمضي بتلك الروح المحاصرة بدائرة الخوف الى محيط عالمها المتوهج.

 

عقيل العبود

ماجستير فلسفة وعلم الأديان باحث اجتماعي جامعة سان دييغو/ كاليفورنيا

12/21/2020

 

في المثقف اليوم