أقلام ثقافية

صادق السامرائي: عيون الكاتب والقارئ!!

صادق السامرائيالكاتب يرى ما فيه والقارئ يرى ما في النص، ومن الصعب أن يضع الكاتب ما يراه في نصه، وإنما يحاول ويجاهد ويكدح، لتتمكن الكلمات من إحتواء ما يراه ويريد قوله.

وليس كل كاتب يمتلك المهارة والقدرة على صب ما فيه في قوالب الكلمات وفيض العبارات،، ولهذا فالكاتب يقرأ ما فيه ولا يرى نصه كما هو بل كما يراه، والقارئ يرى النص كما هو أمامه، ويحاول أن يستخلص منه ما يراه فيه، وقد تتقاطع رؤية الكاتب مع القارئ، لأن الكاتب لم يتمكن من التعبير الأمثل عمّا يريد أو يقصد بالكلمات التي سطرها في نصه.

وهنا تحصل المفارقة، ما بين النص المكتوب والمقروء، الكاتب في عالم والقارئ في عالم آخر!!

وتلك معضلة تواصلية تمكن من تجاوزها قلة من الكتاب، الذين تميزوا وسادت كتاباتهم، لأنهم إمتلكوا قدرة الكتابة والقراءة في آن واحد.

إن النص هو الذي يبين طبيعة كاتبه وما فيه، ويبرز مهاراته الإبداعية وقدراته الفكرية والمعرفية، فالنظر إلى النص وإستكناهه وإستكشافه، كأنه إبحار في دنيا كاتبه وغوص في أعماقه النفسية والروحية والفكرية.

وإذا تساءلنا كيف لكاتب أن يتشابه مع نصه، لا أن يتطابق فذلك أمر بعيد المنال؟

فالجواب يكون بأن يتعلم كيف يكون قارئا للنص الذي ينشره، أي أن يراه بعين الناقد فيفككه ويتأمل كلماته ودلالات عباراته، وهل أنها أوصلت الفكرة إليه كقارئ.

وهناك العديد من الحواجز النفسية التي تمنع ذلك، ولهذا يلجأ بعض المبدعين إلى كتابة النص والعودة إليه بعد حين، لرؤيته وتشذيبه، لأن حمى الإبداع تصيب البصيرة بحالة من الإنغلاقية وعدم المرونة والمطاوعة، إذ تتوهم بأن ما أوجدته هو ذروة الممكن الإبداعي.

وطبع الموجود الحي يتلحص بالسعي نحو الكمال، وهو هدف تطارده البشرية منذ الأزل، وسيبقى كذلك إلى الأبد، لأن البحث عن الكمال يمد الموجودات بطاقات التواصل والبقاء والنماء.

وبلوغ الكمال يعني الحركة الدائبة والنشاط المتواصل، والإنطلاق المتوثب الذي لا يعرف السكون، ويستمد ديدن نشاطاته من الإرادة السرمدية للدوران، الفاعل بكينونة الأكوان ومنها أمنا الأرض.

فلا كامل ولا تام، وسلطة النقصان تتحكم فينا، وقوة الدوران تعيد تصنيعنا وتوليدنا مما نظنه ليس فينا، فالتجدد برهان حياة، والتمام عنوان ممات، وتلك سنة الوجود، ولا مناص من إتخاذ سبيل التفاعل معها وسيلة لصناعة ما نراه، يتآلف ويتكاتف فينا من رؤى وتصورات، نستحضرها من فيض التفاعلات الدائبة حولنا!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم