أقلام ثقافية

صادق السامرائي: طه حسين الروح الإنسانية المثمرة!!

صادق السامرائيطه حسين (عميد الأدب العربي)، ولد في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني عام 1889، وتوفي يوم الأحد في الثامن والعشرين من شهر تشرين أول 1973، فقد بصره في سن مبكرة، لكنه لم يفقد عزمه وإرادته وإصراره على النجاح والتأثير، وتحقيق رسالته الثقافية والمعرفية المنيرة.

فإخترق جدران الفقر وهدم أسوار الفاقة، وتحدى المعوقات والإحباطات، وشق طريقه نحو الأزهر، وبرع فيه، ودرس في السوربون وتعلم الفرنسية، وأعجبت به (سوزان) الفتاة الفرنسية، التي صارت فيما بعد زوجته ورفيقة عمره، وعيونه التي يرى فيها ويقرأ. 

هذا الإنسان رفع مشعل الثقافة والتعليم، وأدرك أن العمى الحقيقي هو فقدان القدرة على القراءة والكتابة، وعدم المعرفة، ولهذا جاهد في أن تكون المعرفة كالماء والهواء، من ضرورات الحياة الأساسية اللازمة للتقدم والرقاء.

وكم دعى الكُتّاب للثقافة الواسعة والتعمق والتفكير، ليساهموا في صناعة الواقع الثقافي الحضاري الواعد المعطاء، وكان ينكر عليهم التسطح والتسرع وعدم القراءة، ويحثهم على التثقيف الذاتي والبحث والإستقصاء والإطلاع المتواصل.

ولأفكاره تأثير متميز في مسيرة العقل المصري، وثقافة الإنسان في المجتمع العربي بأكمله، فهو الأديب المفكر، الذي أغنى الحياة برؤاه المنيرة.

ومنذ أول ما كتب، أخذت أفكاره تثير الجدل وتلهب التساؤلات، وتستنهض العقل، وكانت ذروة عطاءاته في رسالته للدكتوراه، عن مقدمة إبن خلدون، وبعدها كتبه الأخرى ومقالاته، التي فتحت آفاقا جديدة أمام العقل والفكر العربي.

وتولى عمادة كلية الآداب، كما تقلد وزارة المعارف وأضاف إليها مشاعل فكرية وثقافية،  لا تزال تنير دروب الأجيال، وإرتقى بالعربية إلى آفاق المعاصرة والروعة والإبداع الأصيل.

وكان لكتابه (في الشعر الجاهلي) دويّه في الأوساط الثقافية والدينية، وعانى من جرائه الكثير، لأنه طرح إقترابا جديدا للتبصر والبحث والتنوير.

وكم أمضينا الأوقات مع كتبه، الأيام، وحديث الأربعاء، والفتنة الكبرى، على هامش السيرة، الوعد الحق، دعاء الكروان، جنة الحيوان، أحلام شهرزاد، قادة الفكر، مرآة الضمير الحديث،   وغيرها من كتبه التي تعلم اللغة العربية السليمة، وتمنح الذوق لمسات نحوية وإعرابية، ليكون جزيلا وصحيحا وتاما.

وبعد ما يقرب من نصف قرن على وفاته، من الواجب أن نتذكر (طه حسين) ونتأمل إسهاماته الحضارية، ونتعلم منه آليات التحدي والتواصل والنبوغ.

فهو مدرسة صيرورة، وخارطة إنطلاق في كل العصور.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم