أقلام ثقافية

محمود محمد علي: عيد الحب بين الحفاوة المصرية والرومانية (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا عن الحفاوة المصرية والرومانية القديمة تجاه عيد الحب ، وفي هذا نقول : خلال القرون الثلاثة الأولى للمسيحية مورس على المسيحيين الكثير من أشكال القمع، وعُذبوا بأبشع الطرق، كما دُمرت كتبهم وسجلاتهم التاريخية وكتاباتهم المسيحية، وبالتالي فإنّ تفاصيل حياة القديس فالنتين تعتب قليلة جداً، نظراً لإتلاف الكتب التي تحدّثت عنه، حيث يُعتقد أنّه كان كاهناً في روما أو أسقفاً في مدينة تيرني وسط إيطاليا، وقد دافع أمام الإمبراطور عن الزواج التقليدي، وزوّج الجنود بشكلٍ سري في الكنيسة، وقد رفض هذا القديس التخلي عن معتقداته المسيحية وعبادة الأصناف، وتم إلقاء القبض عليه والحكم عليه بالموت، وبينما كان فالنتين في السجن ينتظر حكم الإعدام طلب منه أحد السجانين الدعاء لابنته الكفيفة حتى يرتد إليها بصرها، وبالفعل فقد استعادت بصرها بأعجوبة مما جعل والدها يتحول إلى المسيحية، إلى جانب مجموعة من الأشخاص الآخرين، وأرسل فالنتين رسالة إلى ابنة السجان التي أحبها ووقعها بكتابة كلمة (عاشقك)، وقد تعرّض للضرب المبرح بالعصي والحجارة ثمّ قطعت رأسه أمام بوابة فلامينيا، وهي إحدى بوابات روما القديمة، وقد كان ذلك في 14 فبراير/شباط 269م، وقد أصبح هذا اليوم في نهاية الأمر أحد أهم التقاليد الإنجليزية التي يتم فيها تبادل الزهور والحلويات وبطاقات المعايدة. آراء حول عيد الحب تنقسم الآراء حول عيد الحب إلى قسم مرّحب بالفكرة ، ويرى بأنّه مظهر من مظاهر تجديد الحب بين الناس والأهل والأقارب مع ضرورة عدم اقتصاره على العاشقين، وبين معارض لهذا العيد على اعتباره بدعة تدعو إلى المجاهرة بالعصيان من خلال اتباع بعض مظاهر الخلاعة وتقليد الغرب في التصرفات غير الأخلاقية والتي لا تعبر عنا كمجتمعات عربية.

وهناك ثانية تتلخص هذه الأسطورة في أن الرومان كانوا أيام وثنيتهم يحتفلون بعيد يدعى (عيد لوبركيليا) وهو العيد الوثني المذكور في الأسطورة السابقة، وكانوا يقدمون فيه القرابين لمعبوداتهم من دون الله تعالى، ويعتقدون أن هذه الأوثان تحميهم من السوء، وتحمي مراعيهم من الذئاب، فلما دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها، وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتين) وصار يجري عقود الزواج للجند سرا، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن، وحكم عليه بالإعدام.

أسطورة ثالثة تتلخص هذه الأسطورة في أن الإمبراطور المذكور سابقا كان وثنيا وكان (فالنتين) من دعاة النصرانية وحاول الإمبراطور إخراجه منها ليكون على الدين الوثني الروماني، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيل ذلك في عام 270م ليلة العيد الوثني الروماني (لوبركيليا)، فلما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على العيد الوثني (لوبركيليا) لكنهم ربطوه بيوم إعدام (فالنتين) إحياء لذكراه، لأنه مات في سبيل الثبات على النصرانية كما في هذه الأسطورة، أو مات في سبيل رعاية المحبين وتزويجهم على ما تقتضيه الأسطورة الثانية.

إن من أعظم شعائر هذا العيد عند الرومان مؤسسيه – أن شبان القرية الواحدة يجتمعون فيكتبون أسماء بنات القرية علي أوراق ويضعونها في صندوق ، ثم يسحب كل شاب منهم ورقة ، فالتي يخرج اسمها تكون عشيقة له طيلة السنة، ثم يرسل لها بطاقة مكتوبا عليها (باسم الآلهة الأم أرسل لك هذه البطاقة) وبعد انتهاء السنة يغير عشيقته ، فلما انتشرت المسيحية في أوربا ، استرعي هذا الأمر أنظار رجال الدين فأحبوا أن يصبغوه بالمسيحية فغيروا العبارة إلي (باسم القسيس فالنتين أرسل لك هذه البطاقة) ولأن الفالنتين رمز نصراني فمن خلاله يتم ربط هؤلاء الشباب بالمسيحية، ولكن رجال الدين المسيحي لما رأوا أن في الأمر مفسدة للأخلاق ومجلبة للرذيلة ثاروا عليه وأبطلوه عدة قرون إلي أن تم إحياؤه، ولا يدرى متي كان إحياؤه ، فهم مختلفون في تحديد تاريخ إحيائه، ولكن بعض الكتب تسمي بـ (كتب الفالنتين) فيها بعض العبارات والأشعار الغرامية ، كانت تباع في فترات ما بين القرن الخامس عشر والثامن عشر .

وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بـعيد الحب في يوم فبراير من كل عام فإننا في مصر نحتفل به في مثل هذا اليوم 4 نوفمبر من كل عام، وهو اليوم الذي اختاره الكاتب الصحفي مصطفي أمين نزولا على رغبة بعض القراء في عموده الشهير "فكرة" الذي نشر في الرابع من نوفمبر 1988، وهو يوم عيد الحب المصري، وقد لاقى مصطفي أمين الكثير من الهجوم ولم تقابل فكرته بأي حماس وقتها لأن أغلب الناس اعتقدوا أنه يطالب بعيد للعشق والغرام.

يأتي يوم عيد الحب المصري " الفالنتاين " وهو يعتبر مناسبة يقوم الناس في هذا اليوم بالتعبير عن الحب و إظهاره بطرق مختلفة فيما بينهم و تنفرد مصر بهذا الحدث في يوم 4 نوفمبر من كل عام على عكس يوم عبد الحب العالمي والذي يأتي في يوم 14 من شهر فبراير من كل عام .

ويعتقد بأن "مصطفى أمين" كان لا يقصد بـ"عيد الحب المصرى" الحب والعشق بين "الرجل والمرأة" فقط، ولكنه قصد الحب بين أفراد العائلة والأسرة، وحب الوطن، والإخلاص للمعلم، ولم يكن يقصد ما يحدث في يومنا هذا من تقديم الهدايا والمعايدة بـ"عيد الحب المصري"، ولكنه قصد بأنه عيد تقديم شكر للإنسانية وتقديم هدية إنسانية ورساله نبيلة.

وكشفت "صفية مصطفي أمين" ابنة الكاتب الصحفي "مصطفي امين" في مقابلة صحفية، بأن "عيد الحب المصري" الهدف هو إحياء فكرة الحب بين أفراد الأسرة، وليس كما نشهده اليوم من تقديم هدايا ومعايدة بهذا اليوم.

وفي نهاية حديثنا نقول بأن السبق لمن سبق ، حيث تحتفل مصر بهذا العيد مرتين، الأولى في الرابع من نوفمبر ، والثانية في التاريخ المتفق عليه عالميا، والشعب المصري بتكوينه الثقافي والتراثي، هو شعب عاطفي دائم البحث عن سبل للاحتفال بالحب بجميع مظاهره، فليس من الغريب أبدا أن يحتفل سنويا بعيد الحب مرتين؛ حيث إن كل حب يؤدي الى حب آخر، وتعل قاتنا تميل الى ان تكون هرمية، فحب الرجل لنفسه قد يقوده الى التعلق بالمكانة التي يحصل عليها وسط جماعة معينة، ومن ثم يتعلق بهذه الجماعة، فيظهر عاطفة واخلاصًا غير عقلانيين تجاهها.

والمرأة المولعة بنفسها قد تتولد لديها اهتمامات بالمجوهرات والملابس، واذا ما امتلكت الاستعداد وتهيأت لها الفرص فقد تحترف تصميم الازياء. إذن، حالما نقرر النظر إلى الحب بوصفه "تعلقًا" يتأثر بتعليقات سابقة أو أخرى، فستكون لدينا فرضية تساعدنا على فهم ما نشعر به وما نقوم به عندما نحب، فأنواع الناس الذين نختارهم وأنواع الأشياء التي نفعلها مع هؤلاء الناس، وأنواع المشاعر التي تجتاحنا، تميل كلها إلى أن تنبع من تعليقاتنا السابقة. ولا يعني هذا عدم وجود فروق بين تجربة وأخرى، بل بالأحرى هناك تشابهات كافية لاقتراح انماط من السلوك تتيح امكانية معقولة للتنبؤ بما سنقوم به.

فهناك تعليقات تنمو من الرغبة والاختيار، وهناك تعليقات تنمو من الحاجة والخبرة، فالأولى لها خاصية واعية وعقلانية، والثانية لها خاصية حيوانية وغير مقصودة، فنحن لسنا السادة المطلقين لاختياراتنا،  فأجسامنا تسجننا، والحياة نفسها تشدنا دون أن يمكن مقاومتها نحو جهاتها الخاصة. وعندما تنمو التعليقات، فإننا نواصلها لأننا فقط سبق أن ارتبطنا بها. ونصبح عندئذ متعلقين بفكرة، أو بموضوع، أو بملكية، أو بخيال، أو بمثال، أو بأي شيء كان. وبالطبع هناك مشاعر ترتبط بتعليقاتنا، ولكن من غير الصحيح تعريفها بأنها مشاعر طيبة على الدوام.

فالحب بالتأكيد يمكن أن يكون رومانسيًا ونبيلا، ولكنه في الغالب يكون نرجسيًا وانانيًا، وفي مرات أخرى يظهر بشكل شعور متقطع، وبعض أنواع الحب تجعلنا سعداء وإن شعر بالامتلاء، والبعض الآخر تجعلنا نعاني باستمرار ونمتلئ بالألم.  وهكذا من الواضح إن المشاعر التي ترتبط بالحب غير موثوق بها، ذلك إنها تتغاير بقدر الطرائق التي نعبر بها عن الحب .

إن خبرات الحب لها أنواع كثير ة، فحب الوالدين لأطفالهما، وحب الاشقاء، وحب الشقيقات، وحب الاصدقاء، وحب البشرية، وحب ا لله، كلها انواع Care  ويفترض الحب مواقف العناية . Relatedness "  متنوعة من الرابطية والفهم المتبادل، والتي تعد جميعًا أنماطًا Responsibility  والمسؤولية سلوكية بشرية، لا توجد حقيقة الحب بدونها، ويختلف الحب في كل موسم من مواسم الحياة، ولا يمكن لتعبيره أن يظل متشابها، فكل خطوة إلى الأمام في النضج تغير من الشخصية، وكل عام يضيف طابعًا جديدًا إلى الشجر.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

...................

الهوامش

6- نيفين عطية: دعوة لاستعادة الشهامة فى عيد الحب مقال منشور بجريدة الأهرام المصرية بتاريخ الأحد 26 من صفر 1440 هــ 4 نوفمبر 2018 السنة 143 العدد 48180

7- انظر مقال بعنوان موعد عيد حب المصريين يختلف عن فالنتين، ضمن صحيفة العرب ، منشور بتاريخ Nov 5, 2015

8- أمنية خيري : الفلانتين " من روما الى عيد الحب المصري" ياقلبي لا تحزن "، منشور بتاريخ 2018-11-04 13:31:56

9-مقال بعنوان القصة الحقيقية وراء عيد الحب" ، من موقع floraqueen.com

10-مقال بعنوان قصة عيد الحب المظلمة بشكل مدهش" ، من موقع townandcountrymag.com

11- محمد فارس كمال نظمي: الحب الرومانسي بين الفلسفة وعلم النفس ، دار ئاراس للطباعة والنشر، اربيل –كردستان العراق، 2007.

 

في المثقف اليوم