أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

كنا نقضي معظم أوقات طفولتنا في بيوتنا او نلعب في الحارة مع أبناء الجيران. كنا ننام مبكراً ونستيقظ مبكراً، الى ان دخل التلفاز الى بيوتنا وأصبح مهماً في حياتنا، وبدأنا نشاهد الأغاني والأفلام والمسلسلات العراقية والعربية والاجنبية. كانت القصص تدور حول البطل والبطلة والمجرم، وتنتهي بانتصار البطل، وكنا نسميه "الولد" لأنه مع الحق، ويخسر المجرم لان الشر يجب ان يخسر. كان هذا السيناريو مفهوم ومقبول ومحبوب اجتماعياً ومن قبل الإباء والابناء.

تطورت التكنولوجيا وتغير الزمان، ولم تعد قصص الماضي تشد القارئ او السامع او المُشاهد في القرن الواحد والعشرين. والإنتاج الفني صناعة تجارية لا بد من استمرارها وضمان ربحيتها، وهذا حق مشروع لا ننازع فيه أحد. ما يمكننا ان ننازع فيه هو ما الذي يقدمه هذا الفن الذي دخل بيوتنا ولا نقدر على منعه وعدم مشاهدته. نعم انه لهو وتسلية بالدرجة الأولى، انه ليس مُنتج إرشادي ديني او علمي أكاديمي، انه "بزنس" (تجارة)، نعم انه بزنس، ولكن ما تأثير هذا النوع من وسائل الترفيه علينا وعلى الشباب وعلى الكيان العائلي! هل يقدم لنا النموذج الأفضل من ان الجريمة لا تجدي، وان المجرم سيُقتل او يسجن!

لا أنكر من انني أحد المشاهدين للمسلسلات اللبنانية والسورية والمصرية والتركية المدبلجة. كذلك اشاهد الأفلام والمسلسلات الامريكية. لا تندهشوا إذا قلت من ان الأفلام والمسلسلات الغربية ذات قيمة معنوية واخلاقية أفضل وأرقى من المسلسلات العربية. الغرب أضاف الرعب والدماء والغموض والالفاظ البذيئة الى انتاجه الفني، إلا انه لم يفقد بوصلة النهاية، "الحكمة من الحكاية".

تُقدم لنا المسلسلات الحديثة سيناريوهات تعيد نفسها، اخوة يتصارعون على نفس الفتاة، خيانة زوجية مع اخ الزوج او اخت الزوجة، الكل لديهم أبناء غير شرعيين يظهرون فجأة في منتصف المُسلسل، غنى فاحش، سلطة ونفوذ غير محدود، قصور فارهة لا يملك مثلها حتى الامراء والملوك.

كي يطلب اليد للخطبة يحجز المطعم برمته، مصحوباً بغابة من الورود وموسيقى تعزفها شابة انيقة، يختات في البحار، طائرات خاصة، اما الملابس فحدث ولا حرج، كلها ماركات مشهورة وغالية، لم تظهر الفتاة بنفس البدلة أكثر من مرة واحدة، احياناً نفس اليوم بدلتين او أكثر. بذخ مفتعل وسخيف ورخيص، ونفس السيناريو يعيد نفسه مرات ومرات ومرات، وتتحول قصة قصيرة الى خمسين او ستين حلقة او أكثر.

دعك من كل هذا لان ذلك ربما حشوٌ لتسويق عدد أكبر من الحلقات! المهم القيمة والحكمة والدرس والإرشاد الذي سيستفيد منه المشاهد الكريم في النهاية. سابقاً كان المجرم وحده الذي يرتكب الجريمة، اما في مسلسلاتنا العربية والتركية، فإن الجريمة حق مشروع للجميع! وكأنها جزء من العادات والتقاليد الموروثة.

أما الخيانة الزوجية، الجريمة النادرة المخلة بالعرض والشرف فإنها لم تعد حكراً على الرجل الذي كان يمارسها مع بنات الهوى، وانما أصبحت ضمن حقوق المساوات بين الرجل والمرأة، والخيانة أصبحت خطأ او زلة لابد من تفهمها وتقبلها وعدم تحطيم اسرة اُسُسَها مرصوصة بالمجوهرات والجاه والقصور والمال والبنون.

أما "البزنز"، فكلهم يتعاملون بمليارات الدولارات، وكلهم نكتشف لاحقاً، انهم يتاجرون في المخدرات والأسلحة والأدوية المغشوشة، وانهم متغلغلين في أجهزة الشرطة والقضاء، ولا أحد في الدولة لا يُشترى او يُباع. والعجيب كلهم خبراء في الكمبيوتر والنت والفوتوشوب والتزوير والمكائد.

يُعرض حالياً مُسلسل لبناني "كريستال" ومُسلسل تركي مُدبلج "فريد"، ومُسلسل مصري "أنا شهيرة_ أنا خائن". دعني احدثكم عن الأخير أنا شهيرة، وشهيرة دكتوراه صيدلة، اعترف لها زوجها بندم انه خانها، لم تُضع وقتاً ابداً ذهبت في نفس اليوم وضاجعت زوج صديقتها المقربة اليها، وهي بذلك سددت الدين وانتقمت من زوجها بهتك عرضها وعرضه. مُسلسل فريد يتزوج من فتاة جميلة زواج عائلي علماً ان لديه حبيبة وهي لديها صديق، لا ينامون على فراش واحد وحوار لا نهاية له بينها لم ينتهي بالموسم الأول وانما مُستمر الى الموسم الثاني. أما مُسلسل كرستال الرائع! مبنيٌ على صراع بين فتاتين بنت العائلة الغنية مصممة الأزياء المشهورة مع بنت السائق التي تخدم في البيت، نافستها في مهنة التصميم وعلى الدكتور الذي يُحبها. مسلسل طويل عريض مليء بالخيانات والسرقات والمكائد والصراخ وأجمل عرض للأزياء، حتى الخادمات يلبسن ماركات مشهورة.

نتيجة هذه المسلسلات ان "كلوا محصل بعضوا" ليس مُهماً ان تكون طيباً او حريصاً او شريفاً، المهم ان تعيش برفاهية وتملك قصور وسيارات وطيارات وووو. وإذا كان هذا يتطلب ان نغش بمنتوجاتنا فبها، او نتاجر بالمخدرات والأسلحة ماكو مشكلة إذا لم نوفرها نحن سيوفرها غيرنا ويكسب مكسباً نحن أحق به.

هل فكر المجتمع، ما هو تأثير هذه المسلسلات التافهة على الشباب وعلى الروابط العائلية. أنا شخصياً لا أؤمن بالرقابة الحكومية الصارمة، التي مهمتها كتم الأصوات، وحذف الانتقادات الموجهة للحكام، ومنع مشاهد الخلاعة، وحذف الكلمات البذيئة، وغير ذلك. ولكن هناك رقابة تربوية واجتماعية، وتوجيهية لمجمع أفضل مفقودة من المعادلة. لا أتوقع ولا أشجع تلقين مجتمعنا ما هو صح وما هو خطأ، لكن ذلك لا يعني ان اخضعهم لغسيل دماغ مستمر صورة وصوت وتشويق، كل دلالاتها تشير ان لا تكون غبياً في هذه الدنيا، لأنها لا تؤخذ إلا غلاباً.

لا أدرى هل لاحظ اساتذتنا في علم النفس والاجتماع هذه الظاهرة، هل بحثوا مدى تأثيرها على العلاقات الاجتماعية، هل هناك بحوث اكاديمية على مستوى الماجستير والدكتوراه، هل درسوا ما تأثير ان تكون الخيانة الزوجية مجرد خطأ، يُحل بالاعتذار، وما هو تأثير ذلك على خريجوا الجامعات الذين لم يحصلوا على وظائف، ويشاهدون في المُسلسلات كيف ان المجرمين يعيشون حياة بذخ دون حساب او كتاب. أسئلة كثيرة نطرحها امام المختصين بالسلوك الإنساني كي يُبدوا رأيهم، لأننا امام كارثة سلوكية حالية ومستقبلية من أجيال متأثرة بما تتعلمه من المُسلسلات التافهة التي احكمت سيطرتها على الإنتاج الفني الأكثر رواجاً. المُسلسلات أضحت المؤثر الأقوى على تربية الأجيال الحالية والقادمة.

***

محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

 

تاريخُ ميلاده غيرُ ذلك الّذي في دفاتره المدرسيّة والجامعيّة ولا حتّى في أوراقه العسكريّة والإداريّة وليس ذاك المُسَجّل في البطاقة الشّخصيّة وفي جواز سَفره.

تقول أمُّه إنّها وضعته عند الحصاد ولم يكن والدُه حاضرًا وقتَها فقد كان يعمل في تونس العاصمة… ذلك عهدٌ لم تكن الإدارة موجودةً ولا قريبة من – بئر الكرمة – القريبِ من بلد ـ غُمْراسِنْ ـ حيث رُبوعُ أهله الممتدّةُ على مدى البصر في الجنوب التّونسيّ.

كان الثّالث في المواليد.

أختُه ـ آسيا ـ هي الأولى وقد تُوفّيت بعد شُهور.

أخوه ـ الحبيب ـ مات وقد قارب عامه الأوّل.

وشاء اللّهُ للمولود الثّالث أن يعيش مِنْ بعدهما شهورًا حتى بلغ عامه الثّاني وبعد أن تأكّدت العائلةُ أنّ الموت لن يخطفه ـ مثل أخته وأخيه ـ قرّرتْ بالإجماع تسميته باِسم جدّه فقصد أبوه يومَ السّوق الأسبوعيّة شيخَ البلد وسجّله في دفتره بتاريخ ذلك اليومِ ـ وهو اليومُ السّابع من الشّهر الثّامن من سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وألف ـ لذلك يرى لزوم ما لا يلزم أن يحتفل بعيد ميلاده الذي لم ينتبه له أحدٌ قبل بلوغه العشرين وشكرا على كلّ حال لمن يُهنئنه ويذكّره بالمناسبة.

أمّا اِقتراحُ اِسمِه فقد اِتّخذه مجلسُ العائلة برئاسة الجدّات اللّواتي اِتّفقن بالإجماع أن يكون اِسمُ الحفيد الأوّل على اِسم جدّه وذلك على سُنّة قومه وتقاليدهم منذ سابق الدّهور جيلا بعد جيل.

وحكاية اِسمه…ما حكاية اِسمه؟

تَسَمّى على اِسم جدّه الّذي تَسمّى على الفارس والشّاعر اللّيبي ـ سُوف المحمودي ـ الّذي ذاع صيته وقتذاك أي في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر وكلمة ـ سُوف ـ في اللّغة العربيّة تعني الرّمل الرّقيق الليّن أمّا في اللّغة الأمازيغيّة فهي تعني ـ الوادي ـ والكلمة هي اِسم مدينة – وادي سُوف – في الجزائر وتعني كذلك اسم مدينة ـ سُوف الجين ـ أي الوادي الكبير وهي تقع في جنوب ليبيا وثمّة مدينة في بلاد الأردن قرب عَمّان تُسمّى أيضا ـ سُوف ـ وهي قائمة على وادٍ كذلك وقد زرتُها برفقة الصّديق الشّاعر يوسف رزوقة سنة 1992 بمناسبة مهرجان ـ  جرش ـ فظهر من غدٍ في إحدى الصّحف  خبرٌ عن هذه الزّيارة بعنوان “سُوف في سُوف”.

ومن طرائف المواقف التي وجدتُني فيها بسبب نُدرة اِسمي أنّه بينما كنت ضمن مجموعة من الشّعراء والشّاعرات العرب في أمسيّة شعريّة أقامها أحد الأنديّة الثّقافيّة على هامش مهرجان المربد بالعراق سنة 1986 إذ بمديرة الأمسيّة تقف على المنبر وترحّب بنا ثم تَفتتِح القراءات الشعريّة داعيّة في البداية – شاعرة تونسيّة – تكريمًا للمغرب العربي ّولتونس الخضراء قائلةً مرحبًا بالشّاعرة التّونسيّة الجميلة والأنيقة القادمة من بلاد الياسمين والزّيتون بلاد أبي القاسم الشّابي فتعجّبتُ واِستغربتُ حينها لأنّ المجموعة الّتي جئت معها إلى الأمسيّة لا شاعر ولا شاعرة فيها من تونس إلاّ أنا ثمّ أردفتْ قائلةً لتتفضّل ـ الشّاعرة سَوْفَ عُبيد ـ فاِنطلقتِ الأكُفّ بالتّصفيق الحارّ خاصةً من اِلّشباب فتسمّرتُ في مكاني لحظةً ثمّ عزمت ووقفتُ وقصدتُ خطوةً خطوةً المنبر ووقفتُ وقد ظنّ الحاضرون أنّني الشّخصُ المكلّفُ بتثبيت المِصدح والعناية به وعندما مكثتُ بُرهةً واقفا اِستثقلني الجمهور وأشار لي البعضُ بيده أن أنصرف بينما اِشرأبّتِ الأعناق باحثةً عن الشّاعرة التّونسيّة ـ الجميلة والأنيقة ـ فما كان منّي إلا أن اِقتربتُ أكثرَ من المصدح وقلتُ أهلا بكم أنا هو ـ الشّاعرُ التّونسيُّ سُوف عبيد ـ  فاِهتزّتِ القاعة الكبيرة والمكتظّة بالضّحك والتّصفيق غير أنّ تصفيق الفتيات كان أقوى وأحرّ وأظهرن الشّماتة بالفتيان…وكانت أمسيّة..!!

***

سُوف عبيد ـ تونس

سألت الذكاء الإصطناعي أن يكتب لي قصيدة حب بالعربية، مستخدما أحد تطبيقاته، ففاجأني بقصيدة مع ترجمتها وهذا ما كتب:

"في عيونك تسكن النجوم

وفي قلبك ينبض الحب

أنت نوري وأنت حلمي

أنت الوجود وأنت الغيب

*

معك تتلاقى الأرواح

تتراقص القلوب بالأنغام

يا حبيبي العزيز أنت

الشمس التي تشرق في الأفق الهام

*

أنت روحي وأنت حياتي

أسراري وأماني العميقة

دعنا نمضي سويا في الزمان

متشابكين في حب عاشق ورقيقة

*

أعشق عينيك الساحرتين

تنيران طريقي في الظلام

أنت لي القمر والنجوم

أنت لي السعادة والأحلام

*

دعنا نبني عالما لنا

مليئا بالحب والوفاء

أنت وأنا، يا حبيبي

نكتب قصة حياة جميلة

*

في عيونك أجد السلام

ومعك تصبح الحياة جنة

أنت حبي الأبدي يا حبيبي

أنت لي ملاذي وأماني الحقيقة

*

أحبك في كل لحظة

وسأظل أحبك إلى الأبد

أنت روحي وأنت قلبي

في حبك يا حبيبي نجد الأبد"

لم أحرر ما كتبه، وأخذت أتأمله متسائلا عن مستقبل الشعر، والحاجة للقشرة الدماغية، التي ربما ستصاب بالإضمحلال والضمور، لإنتفاء الحاجة إليها، ما دامت الآلة ستغني عنها.

ترى ما هو الشعر عند حضرة الذكاء الإصطناعي؟!!

وهل من مُفندٍ لِما كَتَبْ؟!!

فهل هو شعر أم ما يشبه الشعر؟!!

***

د. صادق السامرائي

2\12\2023

يكون الإبداع لأول وهلة ناقص الصورة غير مكتمل، لذلك يلجأ الشاعر ضرورة إلى مراجعته وتصفيته وغربلته، ويحذف منه الفضول والزوائد التي يمكن أن تنقص من قيمته، وتتحكم في مرحلة التنقيح والتثقيف "القوة المستقصية الملتفتة، ويعينها حفظ المعاني والتواريخ وضروب المعارف "، ويدل التنقيح في حقيقته على رغبة المبدع في أن يخرج إبداعه مبرأ من العيب، خالصا من الشوائب، مصفى من كدر العي، كاملا لفظا ومعنى ونظما و إيقاعا وتصويرا، ويدل التهذيب في جانبه الآخر على إحساس بالنقص، واتهام للإبداع، فالمنقح أو المحكك لا ينظر بعين الرضا لإبداعه لذلك نجده يعيد فيه النظر؛ ينقص منه ويزيد فيه، ويعد له، ويثقفه، حتى تكتمل صورته ويصير في حلة بهية وصورة مقبولة شكلا ومضمونا.

إن مقولة الطبع وربط التفوق الشعري بالقدرة على القول دون صعوبة أو معاناة، لا يتنافى البتة مع مراجعة الأشعار بعد أن تخرج إلى الحياة، إذ يأخذها بالرعاية والتهذيب حتى تستقيم متونها وتكتمل صورتها مشتملة على شروط الجودة، لهذا السبب وغيره رأينا جملة من الشعراء يربطون جودة الشعر بالتهذيب والتصفية، إذ كان الحطيئة يردد" خير الشعر الحولي المحكك"، والحولي هو الذي مر عليه الحول، وسبيل شعر ينظر فيه صاحبه حولا كاملا أن يخرج مستويا ناضجا صالحا لأن تلتهمه الجماهير، ومعروف أن الحطيئة ينتمي إلى مدرسة زهير بن أبي سلمى المعروفة بالصنعة، حيث كان المنتمون لهذه المدرسة يولون أهمية كبيرة لتنقيح أشعارهم وتهذيبها وإخراجها إخراجا واعيا متأنيا، وكان زهير قد أخذ هذه الطريقة عن أوس بن حجر وطفيل الغنوي، ومثل هؤلاء الشعراء يدخلون تحت مسمى" الشاعر المتكلف" وهو"الذي قوم شعره بالثقافة و نقحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر كزهير والحطيئة"، ولا شك أن تقويم الشعر وتنقيحه بطول التفتيش و المدارسة وإعادة النظر يعكس في حقيقته قناعة لدى الشاعر مفادها أنه لا يرضى بأول خاطر فيعمل على سد ما في إبداعه من ثغرات ورتق ما فيه من فتق قد لا يظهر للوهلة الأولى، لذلك حذر النقاد من مغبة إخراج الإبداع دون مراجعة، خاصة وأن الشعر عقل المرء يعرضه، كما حذروا من أن يغتر الشاعر بإبداعه ويحسبه بالغا مرقاة

التمام ويخرجه دون غربلة، فتكون النتيجة وبالا عليه.

٢ - اقتران الجودة بالتنقيح:

يقرن الحذق والجودة عادة بالتنقيح وتفقد الشعر إذ " لا يكون الشاعر حاذقا مجودا حتى يتفقد شعره، ويعيد فيه نظره، فيسقط رديه، ويثبت جيده، ويكون سمحا بالركيك منه، مطرحا له، راغبا عنه، فإن بيتا جيدا يقاوم ألفي رديء".

إن مراقبة الشعر وتفقده وإعادة النظر فيه يكون الهدف منه في الغالب إسقاط الرديء وإثبات الجيد لفظا ومعنى وتركيبا، وكان أبو نواس من الذين يفعلون هذا الفعل" فينفي الدني ويبقى الجيد"، وكان " يعمل القصيدة ويتركها ليلة ثم ينظر فيها، فيلقي أكثرها ويقتصر على العيون منها، فلهذا قصر أكثر قصائده "، وغالبا ما تكون القصائد الجياد قصيرة، وكان الحطيئة الذي يدخل ضمن خانة" عبيد الشعر" " يعمل القصيدة في شهر وينظر فيها ثلاثة أشهر ثم يبرزها"، وهنا تكون المدة بين الإنتاج والإخراج أربعة أشهر، وهي مدة طويلة تعطي للشاعر الفرصة لإضافة ما يمكن إضافته، وحذف الزوائد والفضول، وتغيير التراكيب، وتقديم ما ينبغي أن يقدم، وتأخير ما يجب أن يؤخر، حتى يستوي الإبداع ويصير مستحقا للعرض على الجمهور.

***

قلم: احمد عزيز الدين احمد

كاتب وروائي وشاعر

 

ضمن معارضه الفنية ومشاركاته الثقافية المتعددة ضم المعرض الشخصي للفنان محمد الهادي الشريف بعنوان " حنين 6 " بفضاءات المعارض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون خلال هذه الأيام والذي انتظم بحضور عدد من الفنانين أعمالا فنية بمختلف الأحجام والأشكال والمواضيع وهي تجربة بعد معارض ضمن عنوان الحنين سبق وأن انتضمت لسنوات بفضاء رواق الفنون ببن عروس...سنوات من المراكمة والعمل بشغف والحصيلة مئات اللوحات والأعمال الفنية والتشكيلية متعددة الأحجام والألوان والأشكال.. هكذا ينطلق الفنان التشكيلي محمد الهادي الشريف في الموسم الثقافي الجديد بمعرض خاص.. وتتواصل تجربة الشريف منذ سنوات وفي هذا الحراك الفني التشكيلي الذي تشهده الساحة الثقافية التونسية برز بروح الشباب بحيوية نادرة وحلم مفتوح وابتسامة عامرة وعارمة تفتح الأحضان تجاه الآخرين داعية الجميع الى المحبة والابداع والامتاع والمؤانسة.. هوفنان تتعدد لوحاته من خلال عمله بين أنماط وأشكال فنية باعتبار ما يراه في الفن من كونه  درب من الدروب المؤدية الى الكشف والاكتشاف وقد انطلق في معارضه الفردية والجماعية حيث رأى الفنان والناقد الأكاديمي الحبيب بيدة في منجز الرسام الشريف ضربا من " الفن الخام ".. و بهذه المناسبة يقول عم الشريف الفنان الذي تحدث عن التجربة واللوحات ومواضيعها وحضور المرأة والأمل والانسان "...في مجال الفن يظل لدينا الطموح حيث العالم السائر الى الفناء ولكن الفن هبة السماء.. و العمل الفني حين يكتمل نجد النتيجة والنهاية السعيدة ولوحاتي تعبر عن أفكار وأحداث فأنا اشتغلت على مواضيع.. يقولون عن عملي بأنه فن خام من ذلك رأي الدكتور الفنان الحبيب بيدة وفي لوحاتي عديد التقنيات والمدارس وهناك نزعات وألوان من الغرائبية والتجريدية ويحضر كذلك الفن المعاصر ومن ناحية أخرى المرأة كفاعلة في المجتمع والحياة نجدها حاضرة.. أنا أرسم ما يختلج في داخلي.. "

الفنان والناقد الحبيب بيدة متحدثا عن تجربة الشريف يقول " هو فن مقيم بين العصامية والممارسة المولدة لمنجز خام وهو فنان مع كل معرض يدهشنا بروح اصراره في تلقائيى بعيدة عن النعارف والفن كعلم بجانبه الأكاديمي فهو فنان منسجم مع تلقائية الوعي الفني لديه.. " ومن ناحية ثانية يقول الفنان علي الزنايدي عن الفنان الشريف وعمله الفني ".. هو فنان محب للتلوين والفن التشكيلي ويواكب الفعاليات الثقافية والمعارض ويعبر فنيا بتلقائية وشغف من صميم المحبة والولع بالابداع في تجربة عصامية سعى من خلالها لكسب حب الناس والفنانين...". معرض خاص للشريف ومحطة فنية أخرى لفنان وتخير هذا الأسر الجميل بين لوحاته التي هي العائلة الأخرى والحلم التلقائي والمفتوح.

***

شمس الدين العوني

أسوأ مساوئ الغربة السفر الى أي دولة او جزيرة في العالم والجلوس على أي شاطىء، شرط ألا يكون رفيقك في السفر عربياً لأنه يحول أجمل حدائق العالم الى مناحة ومزبلة، وتتحول جزر العشق والجمال الى قوافل إبل في احدي المقاطعات المتداخلة جغرافياً مع المانيا والدانمارك، جلست علي شاطئ بحيرة متخامة لبحر الشمال،الجو صافي الهدوء القاتل رغم وجود مصطفين علي الشاطئ للنزهة وركوب الخيل والمراكب الشراعية علي الشاطئ،قطعان من الغزلان حول الشاطئ ترعي في هدوء،جلست اتأمل بصمت،لاح لي بصيص من امل ان اشاهد هذا الحلم في بلدي، مبني علية علم الدانمارك، شغفي وحبي للمعرفة، اتجهت ناحية المبني،المبني كان لمدرسة وكان يوم استحقاق للإنتخابات البلدية،خانتني الذكريات والزمان والمكان والأحلام،، وتخيلت مراكز الإقتراع في قريتي وشباب ورجال ونساء مسلحين بالنبوت والعصي الشوم،مشهد متناقض، رغم جمال المشهد الإنتخابي علي بحر الشمال تذكرت ان مساوئ الغربة حتي ولو كانت جميلة"

في الوطن نكتشف الغربة، وفي الغربة نكتشف الوطن..، وعندما تعود للوطن تشعر انك في حلقة دراويش يطوفون حولك على ايقاع الصنوج والدفوف.

جلست علي الشاطىء، ضربني نسيم البحر في غفلة من نوم عميق علي الشاطىء من أضغاث احلام،، إن المجتمع العربي الإسلامي" مجتمعات تخيلية".

إذا كان الإنسان يعيش في مجتمع تخيلي، الصور والاعلانات والطقوس والأساطير والعادات والتقاليد أهم من الواقع، وفي الوقت نفسه يتحول الواقع فيه إلى أسطورة، ثم يتجه هذا الإنسان في الأحلام والتوقعات والآمال نحو مستقبل من الوهم، ما هي صلة وعلاقة هذا الإنسان بالواقع...؟

نحن كائنات أسطورية تعيش في تاريخ متخيل غير موثق بل سرديات شفوية، وكل طرف له رواية خاصة عن دفاتر التاريخ والجغرافيا والسياسة، وواقع متخيل لا تعيش الحياة بل في نظريات وأوهام وطقوس واحتفالات تخفي الواقع الحقيقي:

يمكن حجب الواقع الحقيقي بالصور والخطابات والاحتفالات المزيفة، والقوة والمال السياسي والسلاح لكي يظهر انه هو الواقع الحقيقي.،من يعيدنا الى الواقع..؟!

في هذة البلاد تنام في أي مكان، وتأكل وتفيق متى تريد، وأن تضحك وتبكي وتغني في الشارع وترقص في وقت واحد متى تريد .أو لا تريد، أن تعمل أو لا تعمل تستحق السكن والراتب والرعاية الصحية والعلاج مجاناً حتي الأدوية تصرف مجاناً مثل أي مواطن من اهل البلد، أن تغلق الباب في وجه اي مسؤول حتي ولو كان الملك، أن تتحدث مع أي وزير في الشارع وتقول له ما تريد،ألا تنتخب أو تنتخب من تريد،أن تصادق وتتزوج وتعشق وتقطع علاقة بمن تريد، بلا موافقة من أحد، لا من شيخ مسجد ولا من كبير العائلة، ولا رأي الجيران والأصدقاء، يحق للمواطن الإضراب عن الطعام وعن التنفس وعن المرح وعن النزهة وعن التصويت وعن عبادة ما يحب سياج الشجيرات بينك وبين جارك هو أرض حرام، يمكنك أن تطوف العالم لكن عبور السياج جريمة.

يمكنك أن تجلس في الشرفة وقتما تشاء وتغني ما تشاء، كما فعلت يوماً عندما ضربت رأسي نوبة حنين لا أعرف لمين ورحت في طور الحنين،وغنيت في الشرفة مع المطرب المفضل لي /محرم فؤاد / اغنية (اشكي لمين واحكي لمين واغنية غداريين) ..

وسمعت جارتي العجوزة الألمانية في الشرفة المجاورة قالت: " لماذا تبكي ايها العربي؟"

قلت: " لست أبكي، كنت أغني"فنفجرت ضاحكة،،

في مساء يوم في مدينة ميلانو الإيطالية جلسنا انا وصديقي علي مقهي (بار) في شارع "كورس بيونيس آرس" في منطقة "ليما "فوجئنا برئيس الوزراء السابق/سيليفو برلسكوني / الايطالي ورجل الاعمال الشهير يدخل الي الكافية، ويتحدث ويطلب من الناس سحب الثقة من الحكومة الحالية في مراكز للإبداء الرأي في خيام منصوبة في الشوارع ..ثم انتهي من كلمتة وهو يسير ومعة 3 /افراد من الحماية الشخصية لا موكب ولا انصار ولا حاشية ولا هتيفة من المرتزقه .وبعد فوزة تعرضت ايطاليا للآزمة الاقتصادية عام 2007 واثناء تجولة علي الأقدام في ميدان( الدومو) الشهير اعتدي علية بائع انتيكات قذفة بقطعه من تمثال صغير سال منة الدم امام شاشات العالم قيدت قضية جنح ضد المواطن،،رغم اشتباكة معة باليد لم يطلق علية الحرس النار ولم يعتقل ولم يتعدي علية الحرس كانوا يفضون الإشتباك بينهم،، لذلك منذ اكثر من عقد قررت لم أنتخب أحداً يوماً رغم تتعاقب الحكومات والنظام واحد، عشت سنوات في الغرب تخيلت ان اعيش واشاهد حدث واحد لتبادل السلطة هرمنا ومازال نحلم بهذا اليوم،، عندما يخسر حزب او نائب يقطع انصارة الطريق انها شبة دولة، في الغرب لايحدث فوضي، ولا تتعطل المستشفيات ولا المطارات، الرابحون والخاسرون يتبادلون الزهور وليس اعلان حالة الطوارئ واطلاق الرصاص في الشوارع، يذهبون الى الحفل معاً في اليوم نفسه، لأن الدولة غير السلطة:

الدولة مؤسسة خدمات محايدة تعمل بالتسيير الذاتي والسلطة نظام سياسي متغير كل أربع سنوات، في ديار العرب نحرق الوطن ونحوله الى ميلشيات تتناحر علي السلطة، أو نجعل الأنهار تسيل دماءً أو نفتح أبواب الجحيم الى اخره من يحلم بهذا مصيره إما السجن أو مستشفي للأمراض العقلية في دقائق،، مؤسف ما يحدث في ديار العرب من حروب اهلية علي انتزاع السلطة بالقوة من حالات تعذيب واعتقالات و خطف من الشارع والقتل علي الهوية،ولا يتوقف حركة المرور مجرد سرينة لسيارة مظللة الزجاج، ولا أن تدخل مركز تعذيب في الصباح وتخرج منه في المساء، اذا خرجت..!!، ودخلت مرحلة الهرم في الليل وكنت فتى قبل ساعات، حتى لا يتعرف عليك الأهل او يتم الإختفاء القسري لسنوات.،في بلاد كل شيء فيها مباح الذبح والتقطيع وحرق الجثث دون دراسة أو يقظة لهذا التوحش الذي لا يُحل بالسجن وحده أو الشنق لأن البيئة المشوهة قادرة على انتاج هؤلاء الوحوش.

لا أحد في الشارع يحدق فيك أو يتابعك أو يحاسبك على ثيابك أو أفكارك أو دينك او قوميتك، العرف يحرم كما القانون، الإنسان هو الأصل بلا عمام أو مال أو حزب أو نفوذ أو خلفية عائلية، فقط الكفاءة والنزاهة والموهبة بلا كشف هيئة لقبولك في كليات معينة او ترشحك لمنصب او وظيفة في اجهزة معينة هذة إدانة للنظام من غياب العدالة والمساواة لا تستغرب .

عندما " يصبح الوطن منفى والبيوت سجونا..الحرية ليست هدفأ وشعاراً سياسياً فحسب، بل هي أن تحيا وتكتب كما تحب، لا أن تكتب شيئا وتقول وتفعل عكسه. فكرة المجتمع المؤسس على الوهم أو الجماعات المتخيلة بتعبير المفكر البريطاني بندكت أندرسن، أو مجتمع الفرجة كما في كتاب جي ديبور، أي مجتمع الصورة والاستعراض والدعاية الموازي للواقع، هذه الفكرة ليست جديدة ولكن تلوح عصية على الفهم أو التقبل:

أنت في شارع شرقي وفي مناخ ديني تكون الصور والاعلانات وشعارات الجدران ولوحات الفرسان والاعداء القتلى والابطال، وأخبار المآتم وعناوين طقوس الموت، أي نصفك غارق في عالم متخيل في الشارع، والنصف الآخر مكرس للذاكرة، أي نصفك خيال ونصفك ذاكرة، ماذا تبقى لك من علاقات مع الواقع بل مع نفسك...؟!

***

محمد سعدعبد اللطيف

.كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

(النصُّ توثيقاً بلا تنقيص ولا تمحيص لحوارٍ دارَ بيني وبين "عادلَ" الحلاق)

لا سَمَرَ أسمى من سَمَرٍ بَسَقَ في أماسيِّ أُناسِ بغدادَ وَأَنَاسِیِّ العراقَ، فأولاءِ هُمُ المَجمعُ للحَرفِ والمَنبعُ للأعراق.

وما كانَ أهلُ العراقِ قطُّ عبرَ تأريخِهم أهلَ شقاقٍ ونفاق، وما كانَ الشِّقاقُ والنِّفاقُ إلّا للمُخنِّثِينَ على الرِّيقِ يتريَّقونَهُ كتِرْياق، ولا يزالُ أهلُ العراقِ نَخلَةُ البأسِ ونَحلَةَ الأخلاق. لكنِ المُرجفونَ قد صَبغوا العراقَ بِصبغةِ الشِّقاقِ والنِّفاقِ، من واقعةِ ضوضاءَ عابرةٍ بانغلاق، لفئةِ غوغاءَ دابرةٍ خُوطِبَت بِعينِها ساعتئذٍ بأنَّها ذاتُ شِقاقٍ ونفاق، ولو كانت صِبغةُ أهلِ العراقِ شقاقاً مُنشَقَّاً مِن نفاقٍ، لَتَشَظَّى أَهْلُوهُ في أنحائِها باحتِراق وبافتِراق، ولمَا تَقَيَّدَ سجالُهُم بِتَوحّدِ الأحسَابِ والأصهَارِ والأعناق، بل ولمَا تَسَيَّدَ رِجالُهُم أحقاباً وأحقاباً في أرجائِها والآفاق.

وكنتُ قد يَمَّمتُ وَجهي شطرَ دكان أخي وصاحبي «عادِلَ» الحلّاق، ليَحلقَ شَعرَ رأسي بحرفةٍ لأهل الصَّنعةِ فاق، وليَفلَقَ نَثرَ أُنْسي بِطُرفةٍ لصَهلٍ السَّنعَةِ سَاق، فعادلُ مهندسُ كهرباء ذو فؤادٍ حَاضرٍ وللمعارفِ تَوَّاق، بيدَ أنَّهً ما أعْمَلَ هندَسةً ولا أَشْعَلَ مِصباحاً في زقاقٍ ولا في أنفاق. وجرّاءَ مَجْلَبَةِ بَطالةٍ وخَشيَةٍ من إملاق، فقد تَخَلَّى عَنِ مَنْقَبَةِ الهندسةِ ومَا حَوتْ مِن نطاقٍ بإشراق، وتَمَلَّى مَرتَبَةَ حِرْفَةِ الحَلّاقِ وما زَوَت من أرزاق، ثُمَّ تَجَلَّى لسانُهُ بطُرفاتٍ نقيَّةٍ وَفيَّةٍ عَفَويةِ الانفلاق، فتَراهُ يَقصِفَ بها كلَّ رأسٍ مُطأطِئٍ تحتَ مَوْسِهِ ولا يبغي انعتاق.

ثُمَّ إنّي قد باغَتُّهُ القَصفَ باستباق، بقَصفِ حَسبتُهُ عاصِفاً راق وذا ذَرفٍ رقراقٍ، وبمَا يَكنُّ صَدرُ "عادلَ" من قَصفٍ حَاق؛

«لو أنَّ لذا شَعرٍ مُتساقطٍ يا عادِلَ ثَمَناً باهظاً في الأسواق، لقَبَّلتَ رأسي مُتَوسِّلاً كي أحلقَ شَعرَهُ عندكَ باستغراق»

فنَظَرَ نظرَةً في المرآةِ فقالَ باتساق؛

«إنِّي وإيَّاكَ في وفاقٍ، بل ولسوفَ يحَمِيَ وَطِيسُ المَوائدَ ملتَهِباً على كلِّ طَبَقٍ سَبَحَتْ فيهِ شَعرةٌ بانزلاق». فَقلتُ بعدما قَهقَهتُ قَهقَهةً ولدٍ قَاصِرٍ شَقيٍّ عَاق؛

«وسأقطعُ يدَاً تَنسَلُّ لغَزوِ الطَّبقِ أو اليهِ تَتَسَلَّلُ باختراق. ويحَكم فذا طَبَقي ولكم ما دونَهُ من أطباق».

ثمَّ إنهُ كانَ مِن ورائِنا فتىً لحِوارِ تِجارةِ الشَّعْرِ بيننا يَصْغَى باِسْتِرَاق، فإذ بهِ يَرغَى لعادِلَ الحَلَّاق، أن أَنْبِئْ العَمَّ عن واقعةِ السِّدرةِ في دارِكم بتؤدةٍ وإطراق، فانعطَفَ عادِلُ بِمقصِّهِ يتلو حكايةَ السِّدرةِ بلطفٍ ولذكرياتِهِ باشتياق؛

«هذا وكانَ أبي رحمهُ اللهُ قد أمَرَنيَ لأهرَعَ فأقرعَ جيشَ صبيةٍ يقذِفُ سِدرةَ دارِنا بالحِجارةِ والأَنْعُلِ والأَعذاق، فَقَفَلتُ على جيشِ الحِجارةِ مُتَأفِّفاً لكنّي ما لبثتُ ان تجحفلتُ معَ الجيشِ مُتَلَهِّفاً بالتحاق لمّا علمتُ أنَّهُ قد نطَّ فحطَّ بين الأوراق، بَبْغاءَ آسراً للُّبِّ ساحراً للأحداقِ، فعَقَدْتُ بيني وبينَ الجيشِ عهداً بميثاق، أن يَمْدُدَني بمَددٍ من حجارةٍ وأَنْعُلٍ وأَعذاق باتفاق، فاقذفُ أنا بها على الطَّيرِ تتراً بانفلاقٍ، فرَمَيتُ بنَعْلي مُعلِناً بدءَ ساعَةِ الصِّقرِ للانْطِلاَقِ، وانطلَقَ المَدَدُ حتّى بِتُّ في الجيشِ قعقاعَهُ الجهبذَ العِملاق. وإن هيَ إلّا هُنيهَاتٌ حتّى طَارَ الطَّيرُ وتَوارى الجيشُ خلفَ خيبةِ الإخفاق، فقالَ أبي رحمهُ اللهُ بعدَ مُساءَلةٍ واستنطاق؛

«يا لكَ من حكيمٍ قدِ ارتقى جُؤْجُؤَ الحكمةِ من بُؤْبُؤِ الأعماق، وما مثلي وإيّاكَ إلّا كمثلِ رجلٍ استأمَنَ هِرَّاً هبرةً حينَ ظهيرةٍ في رُواق».

***

علي الجنابي- بغداد

..................

معاني المفردات؛

[مَوْسُ: حَلْقُ الشَّعَرِ من أوسَيْتُ رأسَهُ: حَلَقْتُهُ (القاموس المحيط) ومن الخطأ أن ننطقها مُوسَاً بضم الميم. بَسَقَ الشيء: تمّ طولُهُ. السَّنَعةُ: الجَميلة والسَّنيعُ: الحسَنُ الجميلُ، وسُنَيْعٌ الطُّهَوِيّ: أَحد الرجال المشهورين بالجمال الذين كانوا إِذا وردوا المَواسِمَ أَمرتهم قريش أَن يَتَلَثَّموا مَخافةَ فتنة النساء بهم. والمَنْقَبة: طرِيقٌ ضيِّقٌ بَيْنَ دارَيْنِ لَا يُسْتطاع سُلوكُه، والمَنْقَبة: كَرَمُ الفِعْل؛ يُقَالُ: إِنه لكريمُ المَناقِبِ مِنَ النَّجَدَاتِ وَغَيْرِها. المعجم؛ لسان العرب].

يغطي اللون الأزرق معظم مساحات فضاءات لوحاتها ... تعتمد بعناصر تكوين لوحاتها على (الكتلة والضوء واللون الأزرق) لتنسج من هذا الخليط عبر خيالها المتوهج الشكل المثالي لجمال لوحتها. ففي اللون الأزرق تمتزج الفلسفة بالأساطير والسحر بالجمال والهدوء بالمتعة والرفاه حيث سحر البحر، والمحيطات والشفق، وأفاق السماء الشاسعة في الليالي الصافية المرصعة بملايين النجوم المتلألئة والتي يهيم فيها القمر سابحاً مترفعاً مزهواً.

هكذا وجدت ابداع الفنانة الإيطالية (لاورا بولاتي) المقيمة في مالمو، والتي تقيم معرضها الفني على قاعة (كاليري أور) في (مالمو) والتي يديرها الفنان التشكيلي المبدع (جعفر طاعون).

في صالة العرض وعلى إحدى الجدران التي علقت عليها لوحتها الفنية كانت معظمها تصور أشكال وحالات وأوضاع ومنازل القمر (الهلال، البدر، المحاق) وهو بدورانه الأبدي الذي لا يهدأ حول محوره وحول الأرض.

يبرز مع كل لوحة (كأس أو أكثر) مترعة بعصير العنب الإيطالي أكسير اللذة والحياة، تبدعها من الواقع  والخيال، ومن خزين ذاكرتها حيت الأفق البعيد وهو يحفز الخيال للانطلاق والإبداع.

في لوحتها التي تستمد معظم صورها من مكان أقامتها السابق حيث تعيش في شمال (إيطاليا) قريبة على سماء جباب الألب، ومن صيف (إيطاليا) التي تحيط بها من كل الجهات سواحل الخلجان والبحار، ونوافذ وشرفات البيوتات الإيطالية المحاطة باللبلاب والزهور والورود والقصص المفعمة بالحب والغرام!

في مدخل قاعة العرض (علقت) مقالة طويلة مطبوعة على ورقة كبيرة (باللغة الإنكليزية) تتحدث المقالة عن انطباع كاتبها وأعجابه بلوحات وإبداعات الفنانة (لاورا بولاتي) المقالة بقلم (ماريو فانيلي) يقول في مقدمة المقال (يبرز اللون الأزرق، مثقل بذكريات لا تنسى، مطرزة بالنجوم، وإلهام القمر).

أثناء تجوالي في المعرض تبادر الى ذهني (الحديقة الغناء و البيت الأزرق في مراكش) والتي تعد من ابرز الأماكن السياحية في المدينة، والتي زرتها في (مراكش/المغرب ) في خريف عام (1919) أنها التحفة الفنية (المحمية النباتية) القصر والمنشأة العديدة التي تحتويها الحديقة المتنوعة النباتات النادرة، والتي تعود ملكيتها للرسام الفرنسي (جاك ماجوريل 1886- ت1962) الذي أسسها عام (1924)، المنشأة والحديقة تقع على مساحة تقدر بـ (10000) متر مربع، وأقد ابتكر من إبداعاته اللون (الأزرق) المتميز الخاص به وقد لون به هذه التحفة الجميلة ( القصر والبنايات والتحف الفنية التي يحتويها)

فذهب للفنانة (لاورا بولاتي) المنهمكة بتلوين احدى المنحوتات باللون الأزرق، وسلمت عليها وسألتها عن سر اللون الأزرق الذي اختارته لجميع لوحاتها وهل له علاقة بحديقة الرسام الفرنسي (جاك ما جوريل) في مدينة مراكش/ المغرب؟

تمهتْ قليلاً وأجابتني: 

أنا لا أعرف أي شيء عن هذه الحديقة ولا عن الرسام (جاك ماجوريل) ولمْ أزر مراكش.  

سريعاً تداركتُ الموقف وذهبت الى الاستعانة بالعم (كوكل) وكتبت حديقة (جاك ماجوريل) واخترت لها فيلم قصير عن الحديقة وبناياتها المطلية باللون (الأزرق) ونباتاتها الساحرة هي الأخرى، عندما شاهدتْ الفيلم، اعجبتْ به جداً.

وعند التحدث مع صديقي الفنان (جعفر طاعون) الذي كان بالقرب مني وهو يرصد المشهد، أخبرني أن هنالك فنان مشهور (ألماني) أختار اللون (الأزرق) لجميع لوحات إحدى معارضه، لا بل كان قد عمل شراب خاص (باللون الأزرق) وقدمه لضيوف المعرض لتكون المفاجئة الأكبر عندما أي شخص تناول من هذا الشراب (الأزرق) ويذهب الى التواليت للتبول يكون (الإدرار) قد تلون باللون الأزرق، أنه رسام الكرافيك والنحاة والمنظّر الفني الشهير (جوزيف بويس 1921- ت1986).

كان يرافق جولتنا في المعرض عزف موسيقي شجيّ جميل لفنان (موسيقار) أنهمك يداعب بأنامله مفاتيح آلة البيانو، فيما كانت شابة تقف بجانبه تقرأ باللغة السويدية مقاطع من أشعار الشاعر العربي الكبير(أدونيس) تختارها من كتاب أنجز حديثاً باللغة السويدية ديوان (حلم الألوان) لوحات الفنية في الديوان شارك فيها الفنان (جعفر طاعون) مع الشاعر القدير (أودنيس).

رغم الجو البار جداً خارج القاعة لكن الحضور للمعرض كان جيداً ومتنوع الجنسيات.

***

 يَحيَى غَازِي الأَميرِي

مالمو/2023

كلية طب الموصل، كلية عريقة أسهم في إنطلاقها أساتذة أفذاذ، وهي ثاني كلية طب في العراق تأسست عام (1959)، وكانت تتميز بصعوبة الدراسة فيها، وشدة أساتذتها وإلتزامهم بأمانة رسالة الطب، وضرورات الحفاظ عليها والوفاء الصادق الأصيل لها.

وتخرّج من الكلية أطباء لهم تأثير متميز في المعارف الطبية وطنيا وعربيا وعالميا، وكنتُ أحد طلبتها، وأعيش مع زملاء آخرين في غرفة واحدة في القسم الداخلي التابع للكلية، والذي كان قريبا منها.

وكانت الغرفة تضم تنويعاتنا العراقية (سامراء، الحلة، المشاهدة، الثورة، الأعظمية)، ولا أذكر يوما على مدى سنوات الدراسة أن دار حديث بيننا عن إنتماءاتنا الدينية أو المذهبية، فحواراتنا تعج بالأحلام والتطلعات الدفاقة، وكل منا يشعر بأن الحياة ملكه ويمكنه أن يصنع فيها ما يشاء.

وكان زملائي من الحلة والثورة والمشاهدة والأعظمية، ذوي طموحات فائقة، ويتجهون نحو القدرة على القيادة والتغيير.

وكان زميلي من الثورة، يتيما، طيب القلب، مندفعا نحو المستقبل، بالإصرار على أن يكون، وكم دعاني لمدينة الثورة، فأزوره ونمشي في شوارعها الطينية ودرابينها، وهو فخور بأنه سيصبح طبيبا، وقد عانى ما عاناه، وكان يحلم أن يبني عمارة (هنا)، كان يشير إلى بقعة معينة سوف يتمكن من شرائها، ويفتح فيها عيادته لمعالجة الفقراء من أبناء المدينة.

وكان صادقا في تطلعاته ورؤيته، وحسبته سيحقق ذلك، فأقول له: سأزورك ذات يوم وأنت في أحسن وأثرى حال، فيضحك ويقول : أنا واثق بأنني سأحقق ذلك.

وبعد أن تخرجنا، جاءني نبأ نهايته بإطلاقة في رأسه على جبهات القتال، فغاب ولم يحقق شيئا من حلمه، ولم يتمتع بعمله كطبيب إلا لعام واحد فقط، وهو فترة إقامته، ويُقال أن زميلنا من الحلة قد حرر شهادة وفاته!!

وزميلي من مدينة المشاهدة شمال بغداد، يحمل طباعا عروبية، وعنده روح الدعابة، ويختزن طاقات ثورية، ولا يهادن، ولا يعرف إلا قول الحق، فما في قلبه على لسانه، مما أورثه الكثير من المتاعب، لكنه كان متمسكا بالحق ولا يخشى لومة لائم، وقد أعلن ثورته ذات يوم على حالةٍ لم يتفق معها، وحصل له ما حصل، لكنه تمكن من الثبات والتواصل في طريقه، وكان متواضعا في طموحاته، أن يمارس مهنته ويتزوج ويرعى عائلته، ويتمتع بأيامه.

وزميلي من الحلة، كان في غاية الطموح، ويختزن طاقات وثابة وإندفاعات مطلقة نحو ما يريد، وكان يتسم بخصائص ذات تأثيرات قيادية، وقد مضى في هذا الطريق، ولا يزال متوثبا ومتمسكا بإرادته، فهو لا يعرف إلا أننا أمة واحدة ووطن واحد، ولن يتنازل عن هذه الرؤية، لأنه يؤمن بها إيمانا راسخا.

وزميلي من الأعظمية، كنت قد تعرفت عليه، أيام (مركز الرعاية العلمية) الذي كان يديره (كامل الدباغ)، ووجدته معي في كلية الطب، وكان والده قارئ قرآن معروف، وهو ذو صوت شجي، وبرغم ما يلوح من براءة ونقاء وصفاء في طلعته، لكنه سلك طريق العسكرية، وأصبح طبيبا عسكريا، وتواصل في حياته، وانقطعت أخباره.

أما أنا فكنت أحلم أن أكون جراحا، وأعمل في مدينتي، وأخصص وقتا لكتابة الرواية والقصة القصيرة، فهذا ما كنت أفعله منذ دراستي الثانوية.

كنا نحمل خمسة مشاعل أحلام، ونرى في فضاءات خيالنا بأننا سنكون ونغير، وأن الأيام ستكون أفضل وأروع.

وفي لحظة مباغتة، ذهبت أحلامنا وأصبحنا في مواجهة صاخبة مباشرة مع الموت!!

إنها الحرب، ولا بد من إلقائنا في الخطوط الأمامية، بل وحتى خلف الحجابات، في قرار عجيب غريب، لمدير الطبابة العسكرية آنذاك، فأصبح أربعتنا في جوف الموت أما زميلنا العسكري، فأنه أبعد ما يكون فيه من مواقع هو وحدة الميدان، التي تبعد عن خطوط المواجهة عشرات الكيلومترات.

وفي بضعة أشهر تأسّر من دفعتنا العشرات، وقتل العشرات، وتعوق العشرات، ولا أدري كيف أغفلنا الموت، وتحررنا من أسر الخنادق وحصار القذائف والصولات.

وخسائرنا الخمسة، أن إبن الثورة قد قتل وإبن الحلة أصابه ما أصابه، والآخرون تبعثروا في أرجاء الدنيا، وانقطعت عنا أخبار إبن الأعظمية.

وبعد أن دارت السنون، تساءلت عن تلك الأحلام التي كانت ممكنة، وكنا نمتلك القدرات والمهارات الكفيلة بتحقيقها، وتأملتها، فوجدتها سرابا، أو دخانا في تلك الغرفة التي كادت مدفئتها النفطية ذات يومٍ أن تقضي علينا، بعد أن أطلقت العنان لدخانها في ليلة شتائية موصلية قارصة البرودة.

هل أن الرياح تجري بما لا تشتهي السَفن؟

أم أن الإنسان هو الذي يقرر إتجاه الريح؟

أتمنى أن نلتقي أربعتنا، ويكون الحلم خامسنا، لنتأمله ونحلله وندرسه، ونكتب بمداده رسالة صريحة للأجيال؟!!

تحياتي لزملائي الذين ما عدت أعرفهم ولا يعرفونني، فقد أصابتنا الويلات والتداعيات بألف مقتل ومقتل!!

***

د. صادق السامرائي

14\11\2013

في 10 /11 / 2023 وجهنا استطلاعا للرأي العام كان بالنص:

(برايك ما الذي احدثه هؤلاء الثلاثة من تطور في مسار الاغنية العراقية: ناظم الغزالي، كاظم الساهر، ياس خضر؟. وايهم كان الاكثر تاثيرا؟.

وتوزعت الأجابات على أربعة مواقف:

الفريق الأول يرى في ناظم الغزالي بأن: لا احد يضاهيه، وأنه حالة استثنائية لن تتكرر، وأن تاأيره ما كان عراقيا فقط بل امتد من المحيط الى الخليج، وانه يمثل المدرسة البغدادية والمقام العراقي، وهو الذي نقل ألأغنية ألعراقية (المقامية خاصة) إلى ألفضاء ألأوسع ..من ألتنغيم وألألحان ألمفتوحة على ألإبداع، وانتشارها في ألوطن ألعربي في ستينيات القرن الماضي , ولحد ألآن يتغنى ألبعض بأغنياته وكأنها من أغاني ألوقت ألراهن، و" تحس بيه ريحة العراق القديم الحلوة وصوته الشجي".

ويرى الفريق الثاني ان كاظم الساهر كان اللامع عربيا وانه الأكثر ذكاءا الذي عرف اللعبة الغنائية باداء النص الفصيح خصوصا للشاعر نزار قباني، حقق بها شهرة عربية واسعة فاقت، بفعل الفضائيات، كل المغنيين العراقيين. وانه يمثل مدرسة معاصرة بقدرته على تلحين القصيدة وادخالها للبيوت بكل يسر وسهولة، وهو الاكثر انتاجا من الاخرين ويعرف كيف يلامس عقول كل الفئات بالحان متنوعه وبموضوعات متنوعة . ومع انه ملحن جيد أكثر من كونه مطرب، فانه هو المتسيد الان على الساحة الغنائية ويستحق لقب سفير الغناء العراقي والعربي ايضا.

ويرى الفريق الثالث ان ناظم الغزالي انطلق بالاغنية العراقية الى خارج العراق، فيما كاظم الساهر ابتعد عنها، وان الاكثر حضورا وتاثيرا هو ياس خضر، وهو الذي يمثل مدرسة الغناء السبعيني، ادى الاغنية العراقية بطريقة الفرات الأوسط والجنوب بحداثة واحساس لأنه تأثر بالقراءات الحسينية، وانه يتمتع بموهبة أصقلها محمد جواد أموري ثم طالب القره غولي. وستبقى اغانيه تتاثر بها الأجيال القادمة. واذا كان ناظم قد نال شرف سفير الاغنية العراقية لحقبة طويلة من الزمن فان ياس اكمل المسيرة، وسيبقى هو مطرب الاجيال وصاحب الفضل في دمج الغناء الريفي بالغناء العراقي، وأنه لا صوت يعلو على صوت الارض ..ياس خضر.

ويرى فريق رابع بأن لكل من هؤلاء الثلاثة بصمة كان لها تاثير كبير على الساحة الفنية، وانه يصعب المقارنة فيما بينهم، فلكل واحد منهم طريقته الخاصة التي ابدع فيها..وبيئته وثقافته وعصره. فالغزالي تميز على الجميع بجمال ورقة وعذوبة صوته واداء المقامات بدقة واتقان. ومع ان صوت كاظم الساهر ليس كصوت الغزالي ولا اجمل منه غير ان اداءه دقيق للغاية، وانه، بفضل كونه ملحّنا، فانه تفوق على غيره بغزارة تشكيلاته للجمل الموسيقية وابتكاره الوانا جديدة لم تكن شائعة واختراقه عالم الغناء العربي. اما ياس خضر فهو يتمتع بصوت جميل ونادر ولكنه ليس ملحنا، كما انه لم يخترق عالم الغناء العربي ولم يطرق كل الوان الغناء العراقي، لذلك فان فان المقارنة تتخذ محاور متعددة بين جمال الصوت والموهبة والتلحين والقدرة على اداء مختلف الوان الغناء العراقي والعربي ايضا. ويرى آخرون أن ناظم الغزالي وضع الأسس للغناء العراقي الحديث، وياس خضر رسخّها، وكاظم الساهر وسعّها، وانهم جميعا جسدوا الحزن العراقي عبر التاريخ والزمان الذي رافق الانسان العراقي منذ الازل ولحد الان .

يتبع

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

أثار فيلم أنتجته مجموعة من الصحفيين الأستراليين ويعرض هذا الأسبوع الفيلم الذي اثار. غضَبًا دولِيًّا

ضد إسرائيل بعد أن عرض بشكل واضح استخدام قوات الإحتلال في "تل أبيب" للتعذيب ضد الأطفال الفلسطينيين.

ويوثق الفيلم الذي يحمل عنوان "العدالة الباردة الحجرية" كيف يتعرض الأطفال الفلسطينيون، الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية واحتجزتهم، للإيذاء الجسدي والتعذيب وإجبارهم على الاعترافات الكاذبة ودفعهم لجمع معلومات استخباراتية عن النشطاء الفلسطينيين.،،

علي الجانب الاسترالي

تحدثت وزيرة الخارجية الأسترالية، "جولي بيشوب"، ضد استخدام إسرائيل للتعذيب قائلة: "إنني أشعر بقلق عميق إزاء مزاعم سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين". ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسترالية، "إيجال بالمور"، انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في الفيلم بأنها " شيء لا يطاق".

وفي العام الماضي، خلص "تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة الدولي لحالات الطوارئ للأطفال"

(اليونيسيف) إلى أن الأطفال الفلسطينيين غالِبًا ما يتم استهدافهم بالاعتقالات الليلية ومداهمات منازلهم، ويُهدّدون بالقتل ويتعرّضون للعنف الجسدي والحبس الإنفرادي والإعتداء الجنسي. أثار فيلم

"Stone Cold Justice"

استنْكَارًا دولِيًّا بشأن معاملة إسرائيل للأطفال في السجون الإسرائيلية، وانتقدت جماعات حقوق الإنسان "تل أبيب" لعدم قيامها بأي شيء لخلق سياسة تحمي الأطفال الفلسطينيين من الاعتقال التعسفي والتعذيب.

فالعالم يجب أن يشهد السلوك الشيطاني لهؤلاء من النازيون الجدد..!!

هذا الفيلم الأسترالي "Stone Cold Justice" يوثق عن حالة تعذيب إسرائيل للأطفال الفلسطينيين،فأين جماعات حقوق الطفل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية....!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري ومتخصص في الجغرافيا السياسية

يا تمثال الحرية.. اطلق سراح الديمقراطية. الحق مقهور في الزنازين والعدالة روت التراب دماء زكية.. هم شهداء فلسطين شتلوا الارض دماء.. أخلصوا الله وعدا.. وغذا يزهرون على امتداد الكون فجرا.. يمسح جبين الدجى باليقين.. ينتشر زوبعة في ثياب المطر

يشعل شفة البروق لظى

بعيدا عن تكية الارزاق والنفاق

حيث خزائن العهر تمتليء مذلة

صناديق الخضوع تفيض هوانا

لتتهاوى منابر الخيانة تباعا

 القبرات النائمة تحت القبة.. التهمت الماء و الغذاء والهواء.. لم تترك غير الاكفان تلم الاشلاء.. في مقابر جماعية تودعهم أمانة.. حين تبرجت النار.. اهتز ايقاعها المعدني الرمادي.. خلف المتاريس جمعت الحوقلة ابناءها وتوارت.. وراء مدى من حديد.. لا صوت للحب.. لا صوت للانسانية.. لا شعارات هنا تغطي وجوه القتلة.. ملامح المتواطئين.. وخطابات المشاركين في المذبحة.. وحدها الوحشية كشرت أنيابها.. دكت الاسمنت.. مزجا بالدم الطهور.. والطفولة حلقت ملائكة.. غلقت الفضاء.. هي الجنة تفيض نورا بعيدا عن مهرجانات تزنر الثعالب.. ترقص الذئاب والكلاب على دماء الشهداء.. والصوامع المهدمةمن بين الانقاض ترفع الأذان في وجه العدا.. الله اكبر.. الله أكبر.. حي على الصلاة حي على الفلاح.. آن ميعاد الشتات الشتات.. فلا مناص.. مهما امعنتم في التضليل.. وتمرستم في التدجين والقتل والتشريد.

*

أيها الشهيد.. يا من ارهبت جنود الشر وحدك.. كيف تصمد في ارض توجه فيها الصواريخ نحو الحمام واليمام.. نحو السنابل والملائكة.. التين والزيتون.. والقمروالنجوم.. نحو الاجنة في البطون.. نحو المصلين الراكعين.. العمال الدائبين.. والاطفال الذاهبين والعائدين.. لا تستثني صغيرا ولا كبيرا.. مقعدا او سليما..

وصدى الصوامع يهتز نكاية في طائرات الموت.. اجراس المدائن تقرع رغم انف القنابل والدبابات الحاملة بني صهيون تدك الجدار والجدار والجدار.. لا يعلمون ان الدود في فلسطين لا ينهش الجثث.. لان دودا غيره اضاع في النهش عمره سدى.. الا يعلمون ان الشجر يموت واقفا.. ومهما هزته الريح تظل جذوره ضاربة.. ضاربة؟.

*

يا تمثال الحرية

اخبر القادمين من كل حدب.. ان المنية تصدر من كل صوب.. والصامدون المرابطون فوق الارض.. تحت الارض.. بين الانقاض.. فوق الانقاض.. مازال حولهم مليون مقاتل لا يموتون مهما بالقنابل تناثرت اشلاؤهم.. زهرا يبعثون.. يعلمون العالم كيف تصمد الزهور في وجه القنابل ؟  هم سوط العذاب الذي صبه الله على قوم عاد.. ليصدح الحق من الاشلاء زلازل تهز كيان ارم ذات العماد.. اطفال غزة يبنون من النور حصونا يضحد رؤى بني صهيون.. يتخدون الندى موطنا.. الرياح دروعا.. يقطفون النجوم.. ويقاتلون.. يجمعون الاشلاء.. ويقاتلون.. يشيعون الشهداء ويقاتلون.. في وجه العدا ينفجرون.. وهم مبتسمون...

مادامت الحقيقة في القلوب ثابتة.. لا تهون

يا تمثال الحرية.. قد فتشوا فوق النجوم وفوق السحاب.. بحثوا تحت البحار وتحت التراب.. بين الصخور وبين الضباب.. فتشوا تحت الجلود وبين كريات الدم.. لم يجدوا غير ناب وناب.. وسهم ايمان بقوة الله يشق حصون أبناء - السفارديم -.. هم الشك والخوف والارتياب.. دينهم اليأس والاغتراب.. ديدنهم اغتيال الزهور وصنع الخراب.. فمن يساوي مواجهة

الزيف باليقين.. من يساوي الثبات بالانسحاب ؟ تأكدوا.. لن يمر اغتيال البنفسج دون حساب.. ولن يمر اغتيال الحقيقة دون عقاب.. وطوفان الاقصى قد جدد الدماء في الاجيال.. والحق فتح الف باب وباب.

*

يا تمثال الحرية

اضرب على صدرك مليا.. واندب تاريخك مليا.. ارضك خائنة.. ذيولك خائنة.. فاحذر من تحلقوك.. كل شيء خائن.. مهما انتشيت بالوانك الفضية الذهبية.. أنت منذور لامة ظالمة... الطغاة يريدونك دما يتدفق في عروق الامة الظالمة.. فلا تدع الموت يغلق بابك.. انهم يهيئون اعدامك.. مادمت تصرخ : فلسطين عربية.. والارض كل الارض تصرخ - عربية.. عربية-

اعد المجد لامتداداتك بصرخة مدوية

تدعو فيها جموع الضحايا الى مذبحة الانظمة الفاسدة.. قد حان عقد المحكمة.. اطفال غزة اعدوا المقصلة.. ان لم يكن اليوم فغذا.. وان غذا لناظره قريب.. قريب

***

مالكة حبرشيد - المغرب

بقلم: سكوت ماينار

ترجمة: صالح الرزوق

***

أرسلت للصديق الشاعر والموسيقي الأمريكي سكوت ماينار Scott Minar نسخة من ترجمة مايكل سيلز Michael Anthony Sells  لمعلقة طرفة بن العبد. ونوهت له بغرامي الدائم لهذه الشخصيات الدرامية والمأزومة والتي لا تفارق ذاكرتنا العربية. وذكرت مع طرفة الملك الضليل امرؤ القيس والمتنبي وآخرين.  وبهذه المناسبة قارنت بشكل سريع بين أسماء الأماكن والنباتات في شعره، ونباتات الصحراء والبوادي في الشعر الكلاسيكي العربي . ففي أول حالة إشارة للرخاء والاستجمام وفي ثاني حالة ما يدل على أهمية التحمل والصبر والمشقة. وكأننا أمة منكوبة في كل لحظاتها. حتى العصر الذهبي لم يكن يخلو من الحروب (باسم الفتوحات أحيانا وباسم تحرير الأراضي المنهوبة في أحيان أخرى). بعد أيام رد برسالة تتضمن نسخة من مجموعة له قيد الطباعة، وهي بعنوان (براري أوهايو ohio wild) مع لمحة عن فهمه لمعنى وروح الشعرية من منظور كوني.3978 مايكل سيلز

نص الرسالة:

دائما يدهشني عمق وجماليات لغة الشعر العربي. وأتمنى لو يتقن العالم هذه اللغة مثل أبناء الشرق الأوسط.

نعم. في قصائدي العديد من الكلمات النباتية وغير ذلك. وأعتقد أنه يوجد ما يحرض القراء هنا على متابعة هذه الظاهرة. أضف لذلك أنا أستعمل مفرداتي على أنها أصوات وخيال لتصور سريالي، وربما تقارب أن تكون أفكارا سحرية. ولذا أعتقد أن القصائد في "براري أوهايو" ستكون صعبة على الجميع.

ولكن طبعا بالنسبة لي أنا أرسم، كفنان بصري، بالكلمات والأصوات والأفكار. وأحيانا لا أرى طريقة غيرها للتعبير. وتبدو لي المفردات العادية غير كافية لنقل تفاصيل حياتنا الداخلية، وهكذا أترك الحرية للكلمات لتقوم بأداء هذه الأمور الغريبة، وبتوظيف الصوت والمعنى. وأريد أن "أمدد" معنى وصوت الشعر والشعرية قليلا. فقط لإنارة شيء ما، وبحدود مقبولة من الإضاءة - ومع ذلك أخشى أن هذه القصائد تتطلب أيضا ما يتخطى حدود قدراتي اللغوية. وربما هناك، وأعتقد أن هذا قد يكون مثبتا، ما يرهق حتى الذي يتكلم بطلاقة اللسان الإنكليزي بنسخته الأمريكية. وهذا في النهاية عيب. ولكن ما أردت أن أقوله عن بلدي أنا، أن الولاية التي أنتمي لها تنطوي على أشياء وعناصر أكثر تعقيدا من عدة وجوه، بعضها يعبر عن رؤيتي الشخصية، وبعضها الآخر يعبر عن إحساس العامة  - وهي معروفة غالبا لكل من يقطن في هذا المكان. إنها مجموعة شعرية غريبة.

ولكن كلما زاد سوء أحوال العالم، أحيانا، لا توجد غير هذه الطريقة لنلمس بها قاع النهر أو البحيرة، وندفع أنفسنا إلى الأعلى نحو شيء أفضل. وأتمنى أن يحصل ذلك. الكائنات البشرية قادرة على أمور مرعبة، وكذلك قادرة على أمور رائعة في بعض الأحيان.

وآمل أن يتوفر توازن يجرنا إلى شيء أفضل، في الزمن المناسب، أو بعد حين  في الأيام والسنوات الآتية.

وسنرى.

 ***

سكوت - أوهايو

25.11.2023

 

الأنثى هي الأنثى: في إحساسها الواله، في صمتها، في شغفها الحيِيّ بعناق الحُلم، في لحظات بؤسها خلفَ قضبان الروح، وحتى في صرختها الصّمّاء كلما رماها الزمان بقسوته أو اخْتَلَجَتْ حبّاتِ الهواء الذي تتنفسه أشواكُ صبّار تَجرح الهواء وتقول له: «انْزِلْ» غيرةً منه لا أكثر..

حزن مُلَغَّم بالأسئلة أدفنُه في أقصى أبراج القلب أنا الأنثى الحالمة، وهَوَس بلعبة الحنين يَشدّني إلى الماضي السحيق..

كالوشم على الجبين تَصطَفّ أفواج الذكريات، تتسابق مع الزمن على الفوز برِهان مَن منهما يحظى بشرف السلطة..

مثل الطيف مَرَّتْ أشقى سنوات الاستعمار مخلِّفَةً وراءها جرحا يَغور في الذاكرة والقلب. الكلمة الأخيرة للرصاصة. وبرصاصة واحدة تتطايَر أسراب الدم مؤذنة بطلوع الروح وسقوط روح أخرى مِن بين دَفَّتَيْ منديل مضرج بالدماء. اللعنة على الرصاصة، والويل لي..

سِباق الزمن المحموم قادني إلى مُنْعَرَجات النسيان أوَّل ما سقطْتُ سَهْواً على الأرض مثل كومة قَشّ فقدَتْ السيطرة على نفسها بعد أن تراجعَتْ يَدَا منديل هَشٍّ كانتا حريصتين إلى أبعد حَدّ على ضبط أنفاسي وتوازن أضلعي الغَضَّة وترويضها على البقاء مُعَلَّقة في الهواء. هكذا قيل لي..

لم أَكُنْ لأذْكُرَ أنا شيئا يومها. والآخرون لم يُوغلوا في تفاصيل الحَكْي بحُكم هول الموقف وأثره على نفسي يومها وما كنتُ أكثر مِن طفلة مُعَلَّقة على حبل الحياة الذي طفق يُهَدِّدُني في كل لحظة بالانسحاب. فقد كانت لعبة الحياة يومها أكبر مِن أن يفقهها شيخ ضليع في شؤون الحياة، فما بالك بطفلة كُنْتُها!

كُلّ ما ذكره مَن تَبَقَّوا مِن ذلك الزمن المستحيل هو أن طلوع روح أُمِّي كان أسرع بكثير مِن طلقة الرصاصة التي اخترَقَتْ صدرها وفَكَّتْ عقالَ المنديل الذي كان يَلفُّني محمولة على ظهر أُمِّي.

تساقطَتْ أُمِّي كالشظية الخامدة، وسقطتُ أنا على ما تَيَسَّرَ مِن قَشٍّ كُنَّا نَفْتَرِشُه ليلاً لِجُثَثِنا المتعَبة..

لفظَتْ أُمِّي آخِرَ أنفاسها قبل أن تَستقر الرصاصة في صدرها وعَيْنا أُمِّي على قطعة لحم مُكَوَّمة في تلافيف ثوب ممزَّق. كان الثوب بعضا من أسمال أُمِّي البالية، وكُنْتُ أنا قطعةَ اللحم التي كادَتْ تَتَمَزَّق غيظا مِن جبروت اليد الظالمة التي اقْتَلَعَت الشمسَ التي تُشرق في بيتنا: أُمِّي..

عبثاً ثارتْ روحي الممزَّقة وهي تُطْلِق العنان لصرخاتي الْمُدَوِّية التي ضَلَّتْ طريقَها إلى روح أُمِّي وقد حَلَّقَتْ في السماء..

قِيل إنَّ جارةً لأُمِّي انتشلَتْنِي مِن ركام الموت المخَيِّم على بيتنا خوفَ أن تُصيب صدري هذه المرة طلقة أخرى ناقمة، وقد نَجَوْتُ في المرة الأولى مِن الموت بأعجوبة. ما أن وضعَتْ جارةُ أُمِّي يدَها عَلَيَّ حتى عادَتْ إلى مخبئها بسرعة الضوء اتقاءً لشرّ الرصاص الهائج..

لم يَطُلْ صمتي كثيرا بعدها لأفقه حقيقة الوضع أوَّل ما خَطَوْتُ بضع سنوات. كانت أَيْدِي الغرباء (الذين اشْتَهَوْا أراضينا جَنَّةً) أكبر مِن أن نَحُول دون نزولهم، لكن صُمودَنا كان أضعف الإيمان..

لم تَكُنْ أُمِّي تَدري أن عينَ الغريب كانت على أَبِي الذي واجهَ الموت مرارا بشجاعة قلَّ نظيرها. لم تَكُنْ تهمه حياته كثيرا بِقَدْرِ ما كان يَشغله الحفاظ على أرض أجدادِه بعيدا عن مَكْرِ ماكرٍ ولُؤْمِ لئيم..

لم يَكُنْ أبي يَدري أن يَدَ الغريب ستَحُطُّ على بيتنا وتَحرق الزرعَ والقلبَ. وما كان أبي ليُواصِل مسيرته الدفاعية خارج البيت لو أنه فَكَّرَ لحظة واحدة في أن الرصاصة ستَعرف طريقَها إلى بيتنا وإلى قلب أُمِّي..

ما ظَنَّه الغريب فِرارا مِن جهة أبي أوانَ طلقِ الرصاص لم يَكُنْ فرارا بالمرة. فقط كان أبي يَستأنف مشروعه الوطني الدفاعي في جبهة أخرى. وكان القَدَرُ يخبئ لي أنا يُتْماً مُبَكِّراً. ففي اللحظة التي استسلمَتْ فيها أُمِّي للرصاصة الطائشة داخل البيت كان أبي يَتلقى نصيبَه من الرصاص خارج البيت وهو يَهذي باسمي ويُرَدِّدُ الشهادة. كنتُ أنا الفرعَ الوحيد في شجرة العائلة. ولَيْتَنِي كنتُ ذَكَراً لِيَفْخر بي أبي عَساني أُعِيدُ أمجادَه..

الأنثى! الأنثى يومها لم يَكُنْ لها حول ولا قوة. وأنا وضَعَتْنِي أُمِّي أنثى، ونَسيتُ مع الوقت أنني أنثى..

مَسٌّ مِن الجنون أن أَذْكُرَ بأنني كنتُ أنثى في زمن الرجولة والخسارات. وأنا خسرتُ كل شيء..

إن لم يكن من المستحيل، فإنه لمِن الصعب جدا أن تعيش الأنثى بِطُولها وحيدة في الدنيا. وأنا تدربتُ جيدا على الاستسلام لجبروت الوحدة بحكم يُتْمِي المبكِّر..

لو يُعيد الزمن نفسَه لِأَذْكُرَ فقط شَكْلَ أُمِّي وأَبِي أو لِأُقَبِّلَ أَيْدِيهما فقط.. لو يُعيد التاريخ نفسَه فقط لأحاكِمَه وأَصرخ في وجهه: ماذا تَرَكْتَ لي بعد أُمِّي وأبي؟! ولمن تَرَكْتَنِي؟!

لو أُعيد أُمِّي وأبي فقط لِأَتَوَسَّلَهما وأرجوهما ألاَّ يَرحلا عني، فلا شكل ولا لون ولا طعم للحياة بعيدا عنهما، والزمان بدونهما أكثر سوادا وأشَدّ قسوة..

مِراراً صرخْتُ بصوتٍ مبحوح وأطلقْتُ العنان للساني المذبوح: لماذا لم تَأخذيني معكِ يا أُمِّي إلى حيث أخذَتْكِ الرصاصة البائسة؟! ولماذا لم تُلازِمْ البيت يومها يا أبي لِنَرحل سَوِيا إلى حيث تَقتادنا أسراب الرصاص؟! أُمِّي يا أُمِّي، ويا أبي، آه لو تَدريان كَمْ هي الحياة بعدكما جحيم جحيم..!

ما تَبَقَّى من حنان استَشْعَرْته سهوا في حضن أُمِّي وأبي، حَرَمَتْنِي منه جارة أُمِّي التي تَلَقَّفَتْنِي قطعة لحم بيضاء أول ما اسْتَشْعَرَتْ وابلَ الرصاص يمطر على سطح بيتنا في أقاصي الريف، وكانت أُمِّي القربان..

بين أُمِّي وجارتها امْتَدَّ حبل مَوَدَّة من الوريد إلى الوريد. لو كانتا أختين مِن أَبٍ واحد وأُمٍّ واحدة لما انْغَرَسَ في دواخلهما كل هذا الحُبّ لبعضهما البعض..

آه يا جارةَ أُمِّي! وأنتِ الأخرى حَرَمْتِني من فَيض حنانك لما رَحَلْتِ. باكرا رحلتِ يا جارةَ أُمِّي وترَكْتِنِي للمجهول يَفعل بي ما يريد، وكأنكِ أنتِ وأُمِّي وأبي تَواعَدْتُم على اللقاء في الجَنَّة وتَرَكْتُمُوني على شفا حفرة مِن جحيم حياة لا طاقة لي بها..

الحياة!

ضَيِّقاً كان ثوب الحياة أوَّل ما لبستُه، ثم صار يَضيق أكثر مع الأيام. وما خَبَّأَتْهُ الأيام لي تَخجل الشفتان مِن أن تَنْبِسا به، وتَرتعش الأصابع كُلَّما هَمَّتْ بتأريخه حَرْفاً حَرْفاً..

لم تُوَدِّعْني جارةُ أُمِّي عندما اسْتَدْعاها الموت. في بيتها فتحتُ عينَيَّ على الحياة بعد رحيل أُمِّي وأبي..

كنتُ أناديها بعفوية بالغة بأَحَبّ الألقاب إلى قلبي وقلبها: أُمِّي.. وكانت جارة أُمِّي تَسعد غاية السعادة بهذا اللقب..

كانت بطبيعتها امرأة مِعْطَاء تَفيض بالحُبّ وتتدفق حنانا. ولأنني كنتُ يتيمة الأُمّ والأب، كان يُؤرقها هي هاجس تعويضي بما ضَنَّ عليَّ به الفقدان والحرمان..

كانت جارة أُمِّي رقيقة معي وغاية في الأمومة. كانتْ تُشْعِرُني بأن عنايتها بي فرض وواجب كونها هي الأُمّ أكثر من أن يكون ذلك ضربا من الخدمات الإنسانية التي لا تَكُفّ هي عن تقديمها دون مقابل..

كنتُ كثيرا ما أشعر بالذنب كلما قرأتُ في عيون بنات جارة أُمِّي حجم الغيرة من هذه المعاملة الخاصة لي مِن جهة أُمِّهِنّ. وبِقَدْر ما كانت جارة أُمِّي تُبالغ في رفع جرعات الحنان تُجاهي، كنتُ أزدادُ أنا إحساسا باليُتم وما تَفتر رغبتي في البكاء..

سخاء جارة أُمِّي وكرمها كانا يُذَكِّرانِنِي في كل رمشة عين بافتقادي لِأَبَوَيَّ وكأنَّ لكل طفلة في العالم أُمّاً وأَباً إلا أنا. كأنني تُرِكْتُ بمفردي في أرض خلاء، لولا حنين جارة أُمِّي ولهفتها عليَّ..

لم يُسعفني ذاك الحنين ولا تلك اللهفة في ضبط توازني النفسي والإحساس بطفولتي ما أنْ فارقَتْنِي جارة أُمِّي. سريعا تَسَلَّلَ إليها الموت. لم يُمْهِلْني الموت لِأُوَدِّعَ جارة أُمِّي بآخِر قُبلة طفولية محمومة أُخَبِّئُ رحيقَها زادا للأيام التالية..

حين تَسَلَّمْتُ رزمةَ أسمالي مِن بنات جارة أُمِّي أَدْرَكْتُ أن إقامتي في ذلك البيت انْتَهَتْ. موت جارة أُمِّي لم يَشفع لزوجها أن يُمْهِلَ نفسَه شيئا مِن الوقت قبل أن يَدخل على بَناته بزوجة ثانية. كان دخولها إيذانا بخروجي قبل أن أَصطدم معها في خلافات لا تنتهي وهي الحادَّة الطبع والمتقلِّبة المِزاج..

أَشْفَقْتُ على بنات جارة أُمِّي. فقد أَحْبَبْتُهُنَّ مِن قلبي وأَحْبَبْنَنِي بالرغم مما شابَ ذاك الحُبّ من غيرة، وأَجِدُ لهنَّ كل العُذر في ذلك. في لحظة تَصَوَّرْتُ أنني تُرِكْتُ لعالَم موحِش، وأن عيون الذئاب تترصَّد بي من كل جانب. قبل أن أَسْتَسْلِمَ لهواجسي وتخوُّفاتي كانَتْ يَدُ إحدى بنات جارة أُمِّي تربتُ على كتفي وتطمئنني..

جارَةُ أُمِّي مرة أخرى تُحيطني بدفئها مِن تحت التراب. فقد عَلِمْتُ مِن أكبر بناتها أنها أَوْصَتْهُنَّ بإيداعي في بيت قريبتها في بقعة أخرى من الأرض. لم تَتْرُكْنِي أكبر بنات جارة أُمِّي حتى اطْمَأَنَّتْ إلى وصولي سالمةً إلى بيت قريبة أُمِّها الْمُسِنَّة..

بيت كبير يَنطق باليُسر والتَّرَف رغم بَداوَتِه. كثرا كانوا أبناء قريبة جارة أُمِّي وأحفادها. ويَبْدُو أن أزواجها أيضا كانوا كثرا ربما بِحُكم ثرائها، وربما بحكم سوء حظها في الاحتفاظ بزوج واحد حَيّ على مدى عُمْرٍ من العشرة الطيبة. ويبدو أن جارة أُمِّي لم تَعلم بآخِر أزواج قريبتها الْمُسِنَّة، وكان يَصغر زوجته بعشر سنوات..

بيت كبير جدا، عائلة كبيرة جدا، أَكْل كثير جدا، وشقاء بالجملة كان ينتظرني هنالك، شقاء أكبر مما تصورتُ..

صحيح أن قريبة جارة أُمِّي تَرَفَّقَتْ بي وعامَلَتْنِي بِلين ومَحَبَّة منذ حَلَلْتُ في بيتها، لكن مِن أبنائها وأبناء أزواجها وزوجاتهم وأحفادها مَن نَظَرَ إلىَّ منذ وصولي نظرة السيد للعبد. ببساطة اعتبروني خادمة..

منذُ يومي الأول في هذا البيت تَكاسَلَتْ زوجاتُ أبناء قريبة جارة أُمِّي حتى عن خدمة أنفسهن. لكن هذا لم يُحَرِّكْ شيئا في داخلي مثلما حَرَّكَتْهُ نظرات الارتياب التي قرأتُها في عيونهنّ..

شيء غامض كان يُؤذن بالحدوث، ولم أفقهه أنا. أكثر مِن نظرات الارتياب هذه، قرأتُ في عيون أزواجهنّ وزوج صاحبة البيت نظرات أخرى تَقول شيئا لم أفقهه في وقته..

تجاوَزْتُ تلك النظرات، وتَجاهَلْتُ الأمرَ. بدأتُ للتو في العمل نَظِيرَ اللقمة، واكتفيتُ بعلامات الرضا التي قرأتُها في عينَيْ صاحبة البيت قريبة جارة أُمِّي..

سُرعان ما عَبَرْتُ قلبَها، وسرعان ما ارْتاحَتْ لخدمتي لها، لاسيما وأن سِنَّها يجعل خِدمتَها لنفسها شاقَّة شيئا ما، وزوجات أبنائها لا يُمْهِلْنَها الوقتَ ولا يَدَ المساعَدة، ولا يَحْلُمْنَ بأكثر مِن أن تَغرب عن وُجوههن بعيدا عن هذه الدنيا، لأن غروبها يعني فُرْصَتهنّ الوحيدة في وَضع اليد على تَرِكَةٍ ثقيلة..

الغريب في بيت قريبة جارة أُمِّي هو تعذُّر العثور على خادمة واحدة تَفِي بمتطلبات البيت الكبير وأصحابه. في هذا البيت لكلٍّ طلباته، لكن ما مِن مُجِيب.. الأزواج يَأمرون، الأبناء يتمرَّدون، والزوجات كلّ منهنّ تتكاسل في الخدمة وتُعَوِّل على غيرها..

اليوم في هذا البيت يبدأ مع صياح الديك. التحضير للفطور وحده يُوازي الاستعداد لوليمة. وأوَّل خطوة إلى مائدة الفطور هي أن أُغادِرَ البيت في اتجاه خمّ الدجاج مصحوبةً بسَلَّتين مِن الحلفاء لالتقاط حبَّات البيض التي لا يَطيب بدونها فطور..

لِطَبَق العسل الأبيض وباقي أطباق البيض بشتى وصفاته في هذا البيت موعدٌ صباحِيّ إجباري. وغيابُ أحَد هذه الأطباق يُشَكِّل الاستثناء الذي يَشذّ عن قاعدة طُقوس بيت قريبة جارة أُمِّي..

في هذا البيت يُشْبِهُ اليومُ سابقَه ولاحقَه، ولا مجال للحديث عن الاختلاف سِوى في طِباع أصحاب البيت...

***

د. سعاد درير

ضمن مجالات الفن والذهاب في دروبه كانت بدايات الفنانة التشكيلية منيرة بن حميدة التي رغبت في الفن والتلوين تلقائيا منذ الصغر حيث كانت ترنو لما هو جميل كما تقول وتميل لرسم كل حالات البهاء وفق شعور داخلي يغمرها باعتبارها تنتصر في اختياراتها الفنية لكل ما هو يعبر عن تناسق في الألوان من مشهديات وأحوال ولباس مواضيع أخرى.. وتطور ذلك الى موهبة في الموضة والتصميم حيث تلقت تكوينا في هذا المجال لتبتكر عددا من التصميمات الأنيقة وبالتوازي مع الدراسة في مجالات التصميم والموضة والابتكار الجمالي في كل ذلك  كانت ممارساتها الفنية في الرسم التي بدأت بلوحة عن الزهور وتتالت أعمالها لتميل اثر ذلك الى ما هو غائم وغامض جماليا و.. الى التجريد الذي وجدت فيه عالمها فقد تنوعت أعمالها لتكتشف الكثير في ممارستها الفنية التشكيلية حيث كانت مشاركاتها في المعارض المتعددة بتونس والجزائر وفي دبي وكانت لها مشاركة مميزة مؤخرا بأعمال فنية ضمن المعرض الجماعي للفنون التشكيلية بعنوان " قلق " بفضاء

" الرواق " بسوسة.. هي تنشط وتعرض وتواصل حراكها في عالم الفن الذي أضاف لها الكثير كما تقول ".. الفن أعطاني التعبير والحرية والقول بما في داخلي من أحاسيس وتفاعلات هي في أعماقي ووجدت في الرسم ملاذا لأعبر عنها بقوة وبجمال.. أنا افتككت حياتي الفنية وضحيت بالكثير فالفن هو ملاذي وعالمي الرحب ومتنفسي الرائق والأنيق.. والرسم هو بهذا الشكل ومن خلال تجربتي علاج وابراز لمخزون وبكل جهد وحب وحرقة وتحد.. فالرسم عشقي وكذلك الموسيقى التي ترافقني عند مواجهة اللوحة.. الرسم هو الحلم بالنسبة لي والرسم أيضا هو عملية هروب مما هو مرهق ومدمر.. هو هروب جميل من ضغوط شتى.. والرسم هو جمال آخر نشعر به في لعبتنا الجميلة مع الألوان أثناء الرسم.. الفن عموما يمثل لي ملاذا وفرحا ومتعة بصرية لا تضاهى وهو كياني بعد مسيرة حياة متعبة.. الرسم وممارسة الفن يجعلان من الفنان طفلا على الدوام وأنا أعيش هذا الشعور.. الفن فسحة جميلة ورائقة بالنسبة لي ولي عديد الأعمال التي هي موجودة من سنوات كما أنني أعمل الآن على الأعمال الجديدة حيث أعد لمعرضي الشخصي بداية سنة 2024 وأتمنى أن يكون شاملا في ما يقدمه من فكرة عن تجربتي الفنية لسنوات.. ".

الفنانة منيرة تمارس فنها بروح طفلة وبشموخ فراشة وبرغبة طيور لا تلوي على غير التحليق عاليا وبعيدا في سماء شاسعة الجمال والنظر و.. الأحلام. معرضها القادم يضم عددا من لوحات تجربتها خلال سنوات وسيكون بفضاء للعروض الفنية التشكيلية بالعاصمة وخلال شهر جانفي من العام الجديد.

***

شمس الدين العوني

عندما قرأت كتاب "اعمل أقل تنجح أكثر الكسل هو سر النجاح " للكاتب الكندي إرني زيلنسكي شدني محتواه والأفكار الإبداعية التي يزخر بها وقرأته أربع مرات منها فكرة الكسول المنتج فهو يدعو في هذا الكتاب إلى العمل بإبداع وليس بكثرة الجهد فليس دائما المجهود الكبير يعطي ثماره ومع فلسفة الكسل المنتج نجد كثيرا من الكتاب والفلاسفة عبر العالم بتبنون اسلوبها ...

فهذا  الكاتب البريطاني جيروم كلابكا جيروم في كتابه “أفكار تافهة لرجل كسول ”  كتب عن حبه للكسل  قائلا: ” إنني أحب الكسل عندما لا يصح أن أكون كسولا، لا عندما يكون الكسل هو الشيء الوحيد أمامي، فمن المستحيل أن تتمتع بالكسل كما يجب دون أن يكون لديك عمل كثير، ليس ثمة متعة في ألا تفعل شيئا إن لم يكن لديك أصلا ما تفعله، إن تبديد الوقت سيكون مجرد تأدية واجب وسيكون مرهقا.. الكسل كما القبلة لا يستحب إلا خطفا”.

وعندما نتحدث عن فلسفة الكسل عند الكتاب والمثقفين  يبرز اسم روائي مصري كبير هو ألبيير قصيري، الذي طالب للجميع بـ”الحق في الكسل”

".كانت فلسفة ألبير قصيري في حياته هي فلسفة الكسل، لم يعمل في حياته وكان يقول انه لم ير أحدا من أفراد عائلته يعمل الجد والأب والأخوة في مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضى والأملاك، اما هو فقد عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول (حين نملك في الشرق ما يكفى لنعيش منه لا نعود نعمل بخلاف أوروبا التي حين نملك ملايين نستمر في العمل لنكسب أكثر).

عمل في البحرية التجارية ما بين عامى 1939 و1943 مما أتاح له زيارة العديد من الأماكن منها أمريكا وأنجلترا، زار فرنسا لأول مرة عندما كان في السابعة عشر من عمره قبل أن يقرر أن يستقر فيها في عام 1945م وكان حينها في الثانية والثلاثين.

عاش ألبير قصيري طوال حياته في غرفة رقم 58 في فندق لا لويزيان بشارع السين بحى سان جيرمان دو بريه منذ عام 1945م وحتى وفاته، وأختار العيش في غرفة فندق لأنه كان يكره التملك حيث كان يقول (الملكية هي التي تجعل منك عبدا).

تزوج ألبير قصيري من ممثلة مسرحية فرنسية ولكن لم يدم هذا الزواج طويلا وعاش بقية حياته أعزب وحين كان يسأل عن السعادة كان يقول أن أكون بمفردى.

تعرف ألبير قصيري في فرنسا على ألبير كامى وجان بول سارتر ولورانس داريل وهنرى ميللر الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال 15 عاما في مقهى كافيه دو فلور.

أصيب في عام 1998م بسرطان في الحنجرة حرمه من حباله الصوتية بعد عملية اجراها لستئصاله وفقد القدرة على النطق، وكان يجيب على أسئلة الصحفيين كتابة.

لم يطلب ألبير قصيري الحصول على الجنسية الفرنسية على الأطلاق وكان يؤكد (لست في حاجة لأن أعيش في مصر ولا لأن أكتب بالعربية، فإن مصر في داخلي وهى ذاكرتى)"(1)

وقد كتب المفكر الفرنسي بول لافارغ كتابا بعنوان" الحق في الكسل"  وكان مقربا من كارل ماركس تزوج ابنته لاورا وكان هذا المفكر ينتقد فكرة العمل لساعات طويلة ..

فثمة " مفارقات تدعوه لاقتراح نظام عمل لا يتجاوز الثلاث ساعات في اليوم، وهو كافٍ في نظره لكي يربح الجميع: العمّال وأرباب العمل، وكذلك الطبيعة، التي يربط بين عافيتها وعافية العمّال، فالأرض، مثلهم، ترتاح حينما يخفّ الإنتاج. وهو في مقولاته هذه يُعَدّ من طليعيي الفكر البيئي النقدي، الذي يدعو إلى حلول كتلك التي دعا إليها لافارغ في زمانه"(2)

فيا أصدقائي الكتاب خففوا من ضغط العمل وحافظوا على صحتكم باتباع فلسفة الكسول المنتج أي اكتبوا بإبداع وليس بجهد وفكروا خارج الصندوق وركزوا على الإنجازات التي تأخذ منكم عشرين بالمائة من وقتكم وتعطيكم ثمانين بالمائة من النتائج الإيجابية...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

..........................

المراجع:

1- وكيبيديا

2-الحق في الكسل بول لافارغ مفككا مبادئ المجتمع الصناعي، العربي الجديد.

 

بلا شك تختلف ذهنية الفنان والكاتب والروائي والشاعر عن غيره وهو لا يفكر ولا يتخيل بطريقة متشابهة مع الآخرين، هو أمر يرافق كل مهنة، لكن في كل الأحوال هل نحن نفهم بدقة كل ما يدور في القيعان العميقة..؟ في لحظة حنين قد تفتح ألبوم صورك أو قد ترى لوحة أو صورة صدفةً لطبيعة هادئة وصامتة ولا أثر لبشر، أو انقاض منزل، أو بيوت مهجورة، تقف صامت وتعيد ذاكرة المكان والزمان..، لكن ما تركته فينا من طيف واسع من الصور.

لا يصدق. قد ننتقل الى ذكرى في طفولتنا أودولة ما او شوارع ووجوه ومباني عمارات، هل صحيح نرى الاشياء بنفس المستوى من الرؤية..؟لكن فجأة بزغت في الذاكرة

عندما نقف أمام منزل مهجور مثلاً لا يثير فينا جميعاً التداعي نفسه، ربما نرى أطيافاً عابرة تخطف عن بشر لم يعودوا هنا لكنهم تركوا هذه الانقاض، ولكن تركوا لنا الذاكرة وتركوا لنا الحنين ليكون عنوان المنازل المهجورة.والصراعات علي أرث من الأنقاض..،  في ليلة صيف قمرية في  قريتنا في الليل شوارع مضاءة

بمصابيح خافتة وصامتة. استوقفني مشهد لمنزل مهجور، ومنزل من الأنقاض، في لحظة من ذاكرة الحنين حضرت الوجوه والأمكنة الغائبة في صورة طبيعة صامتة..؟

فإذا كنت على حافة الريف أو البحر اذا كانت حياتك واسعة ولست سجين اربعة جدران وفي هذه الحالة ستتمتع باقوى ذاكرة لاتفه الاشياء المحدودة.في نظر الأخرين..،، لماذا تتحفز الذاكرة من صور او منظر؟ما الذي يحدث من تحايل في الذاكرة..؟

يحدث ان يدفعك الصدفة الي مكان خارج الوطن او صورة الى أن تسافر عن طريق قطار تتذكر قطار الشرق الفرنساوي في مرحلة الدراسة من قريتك الي مدينتك وهو يقطع السهول المشرقة بين مدينة/ وارسو البولندية وبرلين في المانيا /، واتذكر وجه من خلف زجاج نافذة قطار عابر يلوح عبر النافذة، وحقول القطن والذرة والقمح،،

يلتصق بك كما لو تبحث عنه، وانت في مرحلة ما من شبابك عن أي شيء نبحث.. في هذا العمر؟ هناك شيء مفقود ننساه او نتهرب منه او حتى لا نعرفه لكنه يطاردنا ونحن لا نصغي للذاكرة المشفرة... هناك اجيال تبحث عن هوية جديدة وثوب جديد ترتدية في عصر القطط السمان والرأسمالية المتوحشة وتحاول أن تهرب من الماضي لكنها تعيش عصور التية وتحاول أن تعيش بالأقنعة المزيفة ولكن تجدها مصابة بأمراض السيكوباتية في بحثها عن أشياء مفقودة ... !

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

متخصص في علم الجغرافيا السياسية

يطول الطريق ويمضي العمر، وتموت الأحلام بين الأشواك. تأخذنا الحياة في رحلة معقدة، بداخل الألم والعذاب المرير. تدخلنا في متاهات لا نهاية لها. وترسم لنا جسراً بين الحقيقة والخيال، تأخذنا احاسيسنا إلى هذا الجسر، فنصعد بلا تردد. لكننا في منتصفه ...نقع

تدخل أرواحنا بحالة إدراك للواقع، فنفقد الشغف في تفاصيل الحياة. يالها من مسرحية مشوّقة. تقود الأصحاء فيها إلى الجنون. تفرض عليهم أدوارًا غير منطقية تضع أمامهم السعادة على طبق طائر فلا يمسك بها أحد...

لم أختر أن أشارك بهذه المسرحية لقد وجدت نفسي على خشبة المسرح دون سابق إنذار... وجدت بقربي مجموعة من الوحوش تتاجر بضمائرهم للبقاء على قيد الحياة. رأيت العديد من الأيادي التي صفقت للباطل. كانت تحمل في يديها سيوفًا مسنونة. تقطع بها لسان الحق ...

لقد أخضعتني هذه المسرحية اللعينة. لا زلت مجبرة على الاستمرار والخضوع لدوري، وسأبقى مجبرة على هذا، لأن وجودي على هذا المسرح لم يكن من اختياري. وبهذا استنتج بأن النهاية... ليست بيدي أيضًا. كل ما علي فعله... هو المحاربة. يجب أن أحارب كل شيء بلا رحمة

وأول الأشياء هي أحلامي الوردية!!

لقد كذبت الشعائر الإنسانية، وسقطت سطور الروايات الرومانسية. و تهشّم وجه الحرية...

لن أسجن بين قضبان الأمل، ولن أخضع لهذه الخدع السحرية.

استيقظي يا صغيرة... إن العمر يمضي... والمسرح ممتلئ بالوحوش.

والبقاء للطغاة فقط ...

***

جويل جرجوس

 

عادتي في القراءة مختلفة من كتاب إلى كتاب فثمّة كتب أقرأها بسرعة وأستوعب ما فيها وأنا أتجول بين رفوف معرض الكتاب وثمّة كتب أكتفي منها فقط بفهرسها لأعلم ما فيها وثمّة كتب أقرأها بين جيئة وذهاب في القطار بين تونس ورادس وثمّة كتب أتركها إلى حين حتّى أكون متهيّئا لمباشرتها وأقوم بحقّها وثمّة كتب لا أنتهي من قراءتها أبدا لأني أعود إليها من حين لآخر وثمّة كتب والحقّ يُقال أكتفي بقراءة بعض فصولها لأعرف ما فيها وقد أعود إليها بمناسبة بحث من البحوث لأنها في أحد مواضيع الاِختصاص وهي عادة تكون من الأطروحات الجادة

 من بين هذه الكتب الجليلة كتاب في نحو خمسمائة صفحة ممتلئة السطور صغيرة الحروف وفي طبعة رشيقة أنيقة  بعنوان ـ عمل الشهادة ودلالتها في نماذج من القصص العربي القديم ـ للدكتور محسن القرسان وهو  في الأصل حصيلة بحث تقدّم به لنيل شهادة الدكتوراة من كلية الآداب بمنوبة بإشراف صديقنا الدكتور العادل خضر وقد نال عليه أعلى درجات الاِمتياز من اللجنة المشرفة برئاسة صديقنا الدكتور محمد الجويلي .

قرأت بعض فصول هذا الكتاب بشغف فبدا لي بحثا معمّقا وشاملا في موضوع الشهادة التي عاد إلى اِشتقاقها اللغوي وفصّل ذكرها منذ ورودها في بعض أبيات من الشعر الجاهلي وتتبّع سياقاتها المتواترة ودلالتها المتنوعة في المجالات الدينية والقضائية والأدبية والتاريخية والاِجتماعية وغيرها وقد فتح آفاق بحثه على المدوّنة الأدبية والتاريخية العربية فأتى على ذكر الشهادة وحلّل مختلف سياقاتها من أخبار ووقائع  وغيرها بتفصيل دقيق معتمدا على ترسخانة كبيرة من المصادر والمراجع المتنوعة الاِختصاصات واللغات أيضا .

هذا عمل جليل لا يُقرأ دفعة واحدة لأنه يتطلب تمعّنا ودراية واِطّلاعا واسعا وهو يشرّف الجامعة التونسية التي ما فتئت تثمر لنا مثل هذه البحوث الجادة جيلا بعد جيل

فتحيّة اِعتزاز وإكبار لصديقنا الدكتور محسن القرسان متمنيا له أن يواصل على هذا النّسق معتنيا خاصة بالمدوّنة الأدبية التونسية الجديرة بالدّرا

***

 سُوف عبيد ـ تونس

 

اتهم أبو الفلسفة سقراط  بإفساد عقول شباب أثينا فتم عرضه على محكمة مكونة من 565 قاضيا. تحدى سقراط المحكمة بقوله "اعلموا أيها القضاة أنكم إن أخليتم سبيلي في هذه الساعة فإني عائد من فوري إلى ما كنت عليه من تعليم الحكمة" فحكم عليه بالإعدام.

رفض سقراط الهرب من زنزانة الإعدام بعدما أتاح له البعض من تلامذته وبصفة خاصة الأوفياء منهم فرصة الهرب.

عندما أصدر عليه الحكم تقبله بهدوء..رفض طلب العفو وقد أتيح له ذلك.

لو هرب سقراط من سجنه المادي لسجن نفسه في سجن من نوع ٱخر، لو اعتذر عن دوره في إنارة العقول لعاش نادما.. لو فر  لما أمكنه أن يواصل شغفه بالتفكير النقدي..لقضى بقية حياته هاربا، خائفا.

 وكما نعلم جميعا فالخائف لا يفكر.

لقد أدرك في قرارة نفسه أن الهرب يعني أنه سيدمر كل ما بناه.

أعدم سقراط وبقي أثره خالدا.

لقد علمنا هذا الفيلسوف أن الشجاعة ليست شجاعة القول بل شجاعة الفكر. أن تكون شجاعا لا يعني أن تتشدق بل  يعني أن تفكر..أن تفكر يعني أن تتخطى جدران ما يسجنك في بوتقة الجماعة، ما يصيرك  جزء من القطيع، لا يتأمل ولا يتساءل.

برغم الاختلافات بين المعرفة التي أسس عليها سقراط فلسفته وبين الرواقيين الذين يرون أن الفلسفة نوع من الممارسة أو التدريب  أي أن الدليل على إدراك الفرد يتمثل في تصرفاته وأعماله وليس في أقواله، إلا أنهما يتوافقان من حيث الغاية من الفلسفة.

 أسست الفلسفة الرواقية نفسها لغاية مساعدة الناس على عيش أفضل حياة ممكنة. تعرف الرواقية بأنها فلسفة الحياة التي تساعد على تطوير المشاعر الإيجابية والحد من المشاعر السلبية.

 الفلسفة عند الرواقيين لا تنحصر في ما هو نظري بل  هي فن الفضيلة ومحاولة تجسيدها في الحياة العملية.

من منظور المذهب الرواقي فإن العالم جميل وكل ما يحدث فيه هو لخير الجميع.

صحيح أننا تعودنا أن نختصر كل ما يحدث في الشر الظاهر لكن نحن نتناسى دائما أن الشر من زاوية أخرى هو خير ما.

منذ حوالي 2000 عاما كتب الفيلسوف الرواقي سينيكا  رسائل شكلت رائعة من روائع الفلسفة القديمة في فترة اعتزال الفيلسوف السياسة خوفا من بطش الإمبراطور، وقد كانت نهايته أكثر إيلاما وضراوة من نهاية سقراط.

 يقول سينيكا«..ما يجعل الأمور تبدو مخيفة عمّا هي عليه في الحقيقة، هي أنها غير مألوفة بالنسبة لنا. ولعلّ التأمّل المتواصل، سيضمن لك، إذا أصبح عادة لديك، أن لا تجدك الصعاب حديثَ عهد بها»

ما أحوجنا ونحن نواجه أكبر  مخاوفنا أن نغير طريقة تفكيرنا فيما يحدث لنا.. أن نعي أن مصدر غضبنا وحزننا يكمن في عقولنا، وأن كل واحد منا مسؤول على طريقة تعاطيه مع كل ما يصيبه..قوام على سعادته أو تعاسته بقطع النظر عن الظروف الخارجية.

فليس من المهم مدى سوء ما نواجهه بل الأهم هو أن نواجه كل الصعاب وكل الٱلام دون التفريط في تماسكنا وثباتنا.

***

درصاف بندحر - تونس

 

الفن عالمه حيث تتعدد الموضوعات لتبرز فيها وضنتها شؤونه وشجونه وهو الذي يمضي مع الألوان يحاورها ويحاولها قولا بالفن في فضاءاته المفتوحة وفي مشهديات هي ديدنه من سنوات في خلال التظاهرات التي يقيمها أويشارك فيها وهي على صلة بالفنون التشكيلية والثقافة وفي مساحات ما يمجزه ضروب من التعبيرية التي تغلب عليها نظرته الفنية الجمالية القائلة بالرسم والتلوين لأجل الانسان والجمال والقضايا العادلة وعلى رأسها القضية- الحق الفلسطيني  والتي تفاعل معها بوجدانه من خلال عدد من الرسوم والأعمال الفنية...3932 انور العرفاوي

أنور العرفاوي فنان تشكيلي ورئيس جمعية التظاهرات الثقافية بفوشانة  التي تقيم  مهرجان فن الألوان في دورته التأسيسية الاولى بمشاركة واسعة لعدد من الفنانين التونسيين ويتجه نشاط الجمعيه نحو الإهتمام بالشأن الثقافي بالجهة لتطوير الكفاءات الفنية وتاطير المواهب الشابه في جل الفنون والحرف وايضا تطوير التنمية الثقافية لادماج الفنانين في الحياة العملية والاجتماعية..

الفنان أنور العرفاوي يواصل عمله الفني وتجربته بكثير من الدأب والحيوية حيث الفن لديه رسالة وقيمة وجدانية وانسانية وفق وعي شامل بالانسان وممكنات الوجود الضاجة بما هو ايجابي وفاعل برفعة وسمو في حياة الناس.و تعددت أنشطته في عدد من الفعاليات ومنها ما هو لأجل فلسطين على غرار تظاهرة " فن لا حرب" بفوشانة  لهذه الأيام .. في هذه الحرب المفروضة ظلما وعدوانا على شعب فلسطين الأبي وفي سياق التضامن التونسي والمساندة العميقة لأصحاب الأرض والحق من الأشقاء الفلسطينيين تعددت الفعاليات الثقافية والتظاهرات الفنية في عديد الجهات بالبلاد التونسية وفق عنوان عام هو اسقاط الظلم وعودة الحق الفلسطيني المهضوم من قبل الصهيونية العالمية والغرب الداعم لها حيث الكيان الاسرائيلي المواصل في عدوانه أمام صمت العالم المريب.و في هذا الاطار تنظم جمعية التظاهرات الثقافية بفوشانة برئاسة انور العرفاوي بالشراكة مع بلدية المكان الدورة الاولى لمهرجان فن الألوان بفوشانة تحت شعار " فن لا حرب " تضامنا ونصرة للقضية الفلسطينية وذلك غاية يوم 12 نوفمبر الجاري.. وتتواصل ضمن هذه الأنشطة للفعالية المذكورة  بدار الشباب بفوشانة أنشطة الفنانين التشكيليين المشاركين في هذه التظاهرة الفنية المميزة والفريدة التي تشمل الفن التشكيلي والرسم الحر والتعبير كما تم انجاز جدارية عملاقة " فن ..لاحرب " من قبل الفنانين المشاركين ضمن فعاليات مهرجان فن الألوان بفوشانة في دورته الأولى بالمركب الرياضي المتعدد الاختصاصات بفوشانة .181 انور العرفاوي

هكذا هو الفنان أنور العرفاوي الذي يمضي مع الألوان يحاورها ويحاولها قولا بالفن في فضاءاته المفتوحة وفي مشهديات هي ديدنه من سنوات في خلال التظاهرات التي يقيمها أويشارك فيها وهي على صلة بالفنون التشكيلية والثقافة وفي مساحات ما يمجزه ضروب من التعبيرية التي تغلب عليها نظرته الفنية الجمالية.

***

شمس الدين العوني

عندما نتأمل في تجربة الكاتب والشاعر والإعلامي القدير حسين عبروس نكتشف ذلك التنوع في مجالات الكتابة بين الدراسة والقصة والشعر والمقال الثقافي فهي تجربة عميقة ثرية تجاوزت اربعة عقود من الحضور الإبداعي الفاعل في الساحة الثقافية فهو أحد صانعي المشهد الثقافي الجزائري، يكتب في صمت بعيدا عن البهرجة والأضواء وحب الظهور  فهذه مقتطفات من سيرته الزاخرة.

"ولد بالشلف، عام 1960 تابع دراسته الأولى في بلدته حيث حفظ جزءا من القران ثم إالتحق بالمعهد الثانوي للتعليم الأصلي لينال قسطا من علوم الشريعة. وبعد ان حصل على شهادة الباكالوريا-آداب، التحق بمعهد اللغة والأدب العربي تكوين الاساتذة، دراسات عليا في الأدب . اشتغل بالتعليم كما اشتغل بالصحافة في عدة جرائد في الجزائر بكل من جريدة الشعب،المساء،السـلام،أضواء، جزائر اليوم، الوجه الأخر، العقيدة، النور، الأثير،الشروق،البـلاد، مجلة المعلم، الإذاعة الثقافية (أعد برنـامج " قطوف دانية "مدة عشرة سنوات)

فـي الخارج: نشر أعماله في مجلـة المشكاة، مجلـة اليوم السابع، المنتدى، الفكر، الأقـلام، الرافـد، الإتحاف، مجلـة فنـون، الإبـداع، العربي، أخبـار الأدب"(1).

وله أكثر من ثلاثين كتابا بين شعر ودراسات وقصص الأطفال...

والكاتب حسين عبروس اختار الكتابة للطفل " قصة وشعرا" عن قناعة ثفافية فهذا المجال الأدبي يفتقر لكتاب مبدعين تتوفر فيهم الشروط فما أكثر المتطفلين الذين يدخلون هذا المجال مستسهلين الكتابة فيه، لهذا يرى حسين عبروس أن الكتابة للطفل من أصعب التجارب وخاصة في مجال الشعر يقول:

"إن من أصعب التجارب أن تكتب للطفل شعرا، فالنص الشعري يتطلب شروطا معينة، منها موهبة الكتابة الشعرية، والقدرة على صياغة الموضوع شعريا بلغة قريبة من نفسية الطفل وذات مدلول معرفي، ومهارة كبيرة في الغوص في أعماق نفسية الصغار، وتحبيبهم للنص المقروء والمسموع… هي أصعب من الكتابة للكبار. وتجربتي المتواضعة واحدة من التجارب العربية التي يعتدّ بها الكثير من الدارسين والمهتمين بهذا اللون الأدبي، وأدب الطفل عندنا لم يزل ميدانا بكرا، وللأسف تحاول فئة من المتطفلين اعتلاء عرش الكتابة الموجهة للطفل، وهذا ما أفسد على المبدع الحقيقي متعة الكتابة.

فالنص الشعري الموجه للطفل عالم يحتاج الكثير من الخيال الإبداعي وللمرح من أجل بناء شخصية الطفل من الجانب النفسي، والوجداني والعاطفي. ولا معنى للكتابة ما لم تصنع وجود شخصية الطفل المتوازنة روحيا وعقائديا، وثقافيا ومعرفيا. وذلك ما حاولت التركيز عليه في كل النصوص الموجهة للطفل، والذي ينبغي أن يعمل عليه أصحاب التجارب الإبداعية الكبيرة في أدب الطفل في الوطن العربي. ولنا في ذلك أسماء محترمة ومبدعة وخاصة في مجال قصة الطفل".

فهذه الشخصية الأدبية بحاجة إلى تكريم وتثمين كتاباتها الإبداعية طوال عقود من الزمن فلنلتفت إلى مبدعينا فنندعم جهودهم الثقافية بطبع إصداراتهم وإعطائهم حقوقهم المادية ومنحهم فرص المشاركة في ملتقيات دولية لتمثيل الجزائر في تلك المحافل فهم صوتها الديبلوماسي الثقافي ...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

............................

1- وكيبيديا .

 

على غرار الارض فان سبعين بالمائة من اجسامنا متكونة من الماء والماء يحافظ على حياة البشر وعلى حياة جميع النباتات والحيوانات والتي تشترك  معنا في العيش على هذه الارض ولهذا السبب يجب علينا الاهتمام بالماء من التلوث بالبكتريا وبالجراثيم

الاخرى وكذلك الحفاظ عليه من التلوث  بالمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم والزرنيخ وغيرها وفي البحث والادلة

اثبت  بان للماء ذاكرة فريدة وعلى الرغم ان  جزيئة الماء تتكون من اتحاد عنصرين فقط هما الاوكسجين والهيدروجن يتواصل البحث ودراسة الالغاز الكامنة في هذه المادة السحرية والتي لا يمكن تفسيرها بالفيزياء التقليدية واول اخصائي وباحث قام بدراسة الخصائص الفريدة للماء هو الدكتور جاك بنفينست)- 1935 - 2004 - فقد وجد اذا اضيفت اية مادة الى الماء فالماء يحمل ذاكرة تلك المادة حتى لو ان جزيئات تلك المادة المضافة اليه اختفت وذابت فيه ونجح البروفسور عالم الفيروسات لوك موتثاتيه والحائز على جائزة نوبل  وبمزيد من البحث من قبله تم اثباته بان جزيئات الماء تمتلك الخصائص الكهروكيمياوية للمادة حتى بعد تخفيفه وقد اطلق على هذه الظاهرة اسم انتقال الحامض النووي.

2-

 الصلاة والذبذبات الصوتية تغير تركيب جزيئات الماء وتشير تجارب العالم الياباني ماسارو ايميتو ان الماء لا يمتلك ذاكرة فقط  بل تركيبة جزيئاته تتاثر بمشاعر الناس  الايجابية منها والسلبية ويكون تفاعل جزئاته بتكوين  بلورات جميلة  حين تاثره بالمشاعر الايجابية وبلورات قبيحة ومشوهة حين تاثره بالمشاعر السلبية.

***

سالم الياس مدالو

يؤسفني أن أراسلك في هذا الوقت المتأخر من الليل يا صاحبي، لا لشيء إلا لأقول لك إني تعبت كثيرا، ولم يعد هذا الجسد العليل يحتمل أكثر، ولا من ينصت لأوجاعه المزمنة غيرك يا صاحبي. فرغم غيابك وبعدك إلا أني أجد فيك بلسما لجروحي الغائرة، وشفاء لنفسي الممزقة. لن أطيل عليك هذه المرة؛ لأن لي كلاما كثيرا لا أستطيع البوح به كله لئلا أثقل عليك، ولكن اسمح لي أن أبدأ بما أعيشه منذ شهر من محن وإحن تئن نفسي لوقها حتى إني ما عدت أستطيع التنفس بشكل اعتيادي.

يجب أن تعلم أن هذا الجسد العليل يخوض حروبا عبر جبهات متعددة، ولا سلاح له إلا امتصاص اللآلام والعذابات المتتابعة في صمت وحسرة. فمن جهة، فإني أخوض حربا مع نفسي المضطربة والممزقة، إذ إنها لا تعرف مفرا ولا خلاصا لما تقبع فيه من هموم وأحزان. لم تستطع هذه النفس المعذبة أن تختار طريقة لإدارة الحرب، ولا معسكرا محددا تنضوي تحت يافطته، وإنما ارتضت أن تدخل معاركها اليومية بخلفية لا تجري وراء النصر أو الهزيمة؛ لأن هذا المعيار لا قيمة له في حرب يخوضها إنسان معذب ومتشظ مع نفسه، حرب تدور رحاها في نفس متشظية ومظلمة، حرب لم أعرف لها بداية ولا نهاية، لذلك فإن نفسي لا تسعى إلى النصر أو الهزيمة بقدر ما تسعى إلى خوض الحرب في كل الحالات؛ إذ إن هذا الانخراط في كل معركة عارضة أو مقيمة سبيل لتشعر الذات وجودها، وتتحسس دبيب الحياة يسري في عروقها ممزوجا بلزوجة دمها المتخثر في العروق.

لا أذكر أن نفسي ابتعدت يوما واحدا عن مجتمعيها الصغير والكبير؛ ذلك أن لكل نفس مجتمعين مختلفين لكنهما متكاملان متمازجان. فالأهل والأقارب والأصدقاء يشكلون مجتمع الذات الصغير الذي تتفاعل معه بشكل مباشر ويومي، في حركاته وسكناته، في حربه وسلامه، في صخبه وهدوئه، في أفراحه وأحزانه... لذلك، تتفاعل نفسي مع هذا المجتمع المصغر أكثر مما تتفاعلت مع المجتمع الكبير الذي يضم الذوات المتعددة المثقلة بهمومها وتطلعاتها وآمالها.

لعل هذا ما يجعل ذاتي تذوب في ذوات الآخرين الذين أتفاعل معهم، وتتشكل مرة أخرى بفسيفساء الذوات المتعددة، وفي هذا الفعل المتجدد بعث وانثباق متجددان لذاتي، ويجعلها تحمل أحزان وهموم غيرها، وتسعى إلى القبض على تلك الشعلة المضيئة التي تدخل فرحا بريئا وصغيرا على الذوات الأخرى، وتزرع فيها بذرة المقاومة والمدافعة دفعا للتلاشي والموت، وطلبا للاستمرار في تجرع العلقم وتشجم مرارته ومخاضه الصعب.

اعلم يا صاحبي البعيد أن المجتمع الكبير لا يخلو من محن ومصاعب هذه الأيام؛ إذ إن وطني الحبيب بات منفى مؤلما لأهله، كما أنه تخلى عن بنيه يوم تسامح مع من حارب ويحارب قيم الحرية والفكر والثقافة، ويروج للعالم كله صورة مشوهة للدموقراطية، فأضحى بهذا الفعل المشوه الوطن أما ذات أثداء خاوية، أثداء منكمشة لا تخرج إلا الدم، أثداء نساء لا حرمن شروط الحياة، فأصبحت أرحامهن بيداء قاحلة لا تلد إلا مزيدا من الضحايا الأبرياء.

يا صاحبي، لك أن تستغرب آلاف المرات من هذا السؤال الحارق الذي يشعل فتيل نفسي: ما الذي يجعل هؤلاء النساء المعذبات يلدنا ضحايا أبرياء على أرض جريحة لا توفر لهم إلا الهم والغم والندم؟ هل هؤلاء النساء يخضن تحديا لهذا القهر والفقر والقفر الذي يحبل به الوطن الجريح، أم أنهن ضحايا، أيضا، لنزوات وغرائز جلاد واحد؟

لك أن تفكر ما وسعك التفكير يا صاحبي، وإن وجدت جوابا فإنك ستسدي خدمة عظيمة لأجيال متعددة من وطني؛ إذ إن النساء سيعلمن أنهن يسهمن في تعميق جروحنا، وإلا فما الحاجة إلى إنجاب أبرياء في ظل وطن يضيق صدره بأبنائه وبناته، ولا يوفر لهم أدنى شروط العيش الكريم... لا صحة، ولا تعليم، ولا يوفر ظروفا اجتماعية ونفسية تنجب فردا سويا ومتزنا جسديا وفكريا ووجدانيا.

أيتها النساء المعذبات، أيتها الأمهات المتشبتات بالحياة، أرجو أن تتوقفن عن الجريمة التي تقترقنها دون قصد منكن، فلا ذنب لكن أن تلبين نداء الحياة، وأن تفدين بأرواحكن لتهبن الحياة لكائنات ضعيفة سرعان ما تختل في هذا الوطن، وتفقد جوهرها الوجودي وشرطها الإنساني: العيش الحر والكريم.

هكذا، يا صاحبي، أعيش هذه الأيام العصيبة وسط وطن يضن على بنيه بالصحة والتعليم، ويرمي بهم في براثن الجهل والأمية، في البحار طعما سائغا للحوت، في الشوارع ضحايا للاغتصاب والمخدرات والتشرد... فما الذي سأنتظره من وطن سياسيوه لا ينتجون إلا الأعطاب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يسوسون بقدر ما يسهمون في تأخر الوطن وتعثر عجلة تنميته؟ لم تطلب مني الحزن على وطن فقد أناسه الرشد في كل شيء يقومون به، وما من مجال وضعوا فيه أيديهم إلا وباء بالفشل، وتَحمل الشعب المقهور تبعاتهم وأخطائهم المتتابعة؟ إلى متى سنتحمل أعطاب سياسيينا وأخطاءهم؟ ألم يحن لهؤلاء الشرذمة أن يكفوا عن صبيانياتهم، ويصرفوا نقصهم وضعفهم صوب العمل والفعل؟

ستستغرب تساؤلاتي المتوالية يا صاحبي، وكما ألفتك، ستنكر علي السؤال وتقول في خلدك: "ما كان ينبغي له أن يسأل ويقحم نفسه المعذبة في خضم الأحداث الهاربة التي يعيشها وطنه"، ولكني لم أستطع الصمت يا صاحبي، وأنا أرى وطنا غاليا على قلبي يُغتصب من ذويه يوما بعد يوم، وتنهب خيراته وثرواته، ويجوع أهله وتُعرى أرواحهم كما تعرت أجسادهم، وبما أن لهم السلاح كله، والإعلام كله، والرقاب كلها، فإن لي قلما مضطربا لا يقر قراره، ويدا مرتعدة لا تتورع في كتابة كل ما تمليه نفسي المتعبة، وعقلي الذي يضج بالأفكار المتضاربة.

لا أدري إن كنت ستقرأ هذه الكلمات المتناثرة، ولكن حسبي أن نفسي قد تطهرت وتخففت، وروحي المثقلة بهمومها وتطلعاتها وآمالها باتت أكثر وهجا وتحديا، وأيقنت أن النضال بالقلم والكلمة قمين بأن يكفكف دموع المظلومين، ويضمد جروح المحرومين، وينصر قضايا الثائرين. فلتقبض على الجمر، يا صاحبي، ولتدفع المسير حتى نهايته، ولا تخش ظلمة الطريق وضبابية الأفق؛ لأن في ذلك بعثا للحياة في قلوب مكلومة على طول وعرض هذا الوطن الجريح.

***

محمد الورداشي

تقولُ العربُ؛ باعَ حاجةً، وباعَ ل، وباعَ على، وباعَ من، ولا تُستَعملُ عبارةَ "بعتُ منه حاجةً" على ان معناها "بعتُ له" إلّا قليلاً رغم أنها فصيحة، فيُقَالُ: بَاعَ من فُلانٌ، إِذا اشْتَرَى وباعَ مِنْ غَيْرِه. لكنه قياس شاذ.، علما ان البَيْعَ: مِنْ حُرُوفِ الأَضْدادِ في كَلامِ العَرَبِ. وإذاً، فلمَ قال الفصيحُ المليحُ القسيمُ الوسيمُ ﷺ (المسلمُ أخو المسلمِ، ولايحلُ لمسلمٍ باع من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له) وما قال (باع لأخيه بيعاً)؟!

لمحتُ هذا التساؤلَ موجهاً لدكتورأستاذٍ ضليعٍ في اللغة العربية في وسائل التواصل فأجابَ السائلَ بما هو متوفر بين يديه في المعاجم ومتيسر. فلم أقتنعْ بإجابتهِ فكتبتُ ردِّي للمتسائل بسطرٍ موجزٍ ثم رحتُ أبحثُ عن شرحٍ وافٍ شافٍ للحديث النبوي في سجلات آبائيَ الأولين فلم أجد شيئاً يغني ويسمن، لذلكَ سمحتُ لخافقي أن يقعدَ بينَ القاعدين لحظةَ نطقِ النبي ﷺ لكلمته الشريفة، كي يعيشَ النبضُ في جوِّ البيان حينئذٍ، ففهمتُ معنى الحديتِ بذا شرحٍ وبهكذا فهم:

( المسلم اخو المسلم، وتربطهم عروةٌ وثقى جعلت من المحال أن يتسلل الغش في تجارتهم، ولذلك فعلى البائع أن يُعطيَ أخاهُ مما لديه من بضاعةٍ طلبَها، (يُعطيه) وليس (يبيعُه)، لأن العروة الوثقى قد إرتقت بهما حتى جعلت من لسانيهما يستحيان نطقَ لفظتي "البيع والشراء" فأبدلاهما بالعطاء تودداً لأنفسهما وتزكيةً فيماهما فيه يتداولان، رغم أن لفظتا "البيع والشراء" لا عيبَ ولا عِللَ فيهما ولا زللَ، ولا فيهما ريبٌ ولا خللٌ ولا عطل)!

أجل، لا عِللَ ولا خلل، بيدَ أنه لمّا كانَ الأمرُ ههُنا رهيناً بتجنبِ الغشِّ في التجارة فقد أتى الفصيحُ المليحُ ﷺ بالحرفِ (من) بعد فعلِ (باعَ) لتضمين الفعل (باعَ) معنيي (العطاء والبيع) معاً بإلتقاءٍ وسويةً بإستواء، وكأني بالحديثِ يُشبه تماماً معنى الآية المباركة (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) وليس (على القوم الذين كذبوا ) أي: أنجيناه من القوم ونصرناهُ عليهم (نجاة ونصر) معاً وسويةً، وذلك ليُعلِّمَ النبيُّ  ﷺ المسلمَ البائع ويُشعرُهُ أنه لا يبيعُ لأخيهِ بل يُعطيه فيبادله أخوه المبتاعُ بدفع ثمنٍ مقدَّرٍ كي يتمكن البائعُ من مواصلةِ مهنتهِ في السوق ولا يُفلسُ فيقعدُ على رصيفٍ منقعرٍ بالفقرِ وللدراهمٍ مفتقر.

وإذاً، فلا حاجةَ لإمرئٍ أبداً من دراسةِ النحو لفهمِ معاني البيان، فعبدالله بن مسعود عاش بين إبلِ سيدِهِ وما سمعَ بالزمخشري ولا رأى سيبويه لكنه فهِمَ معانيَ البيان خيراً من الفٍ مؤلَّفٍ من سيبويه وابن جني وعنبسةَ الفيل.

وإذاً، فما على المرء  منّا الا  ان ينزعَ عنه لباس الضجر والتأفف حينما ينصتُ لكلام الله والرسول وكلام الجار وعابرِ سبيلٍ مار، وأن يلبس لباسَ الرزانةَ والتلطُّف حينما يتكلّمُ في الدار أو مع جارٍ أو مع ضيفٍ زار، ويومئذٍ...

نرى البائعَ الجوّالَ المنادي (شعر البنات، أبو اللفات) في دروب بغداد ودمشق والقاهرة يُفسِّرُ بيانَ القرآن بتبيانٍ أجود من ألف طبري وقرطبي ورازيّ. ويومئذٍ نرى المسلم يأنفُ أن يتضرع بدعاءٍ صبيانيٍ أجوف، ونداءٍ كسيفٍ وسخيف لنصرة أهلِ غزة لأنه سيزحفُ نحوها وسيحررها، ولا رادَّ لزحفِ زاحفٍ يفهمُ كلام معجز القرآن وحديث النبي العدنان.

(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)-الروم 4 و5.

وإنه لأمر لطيف أن يقوم أ.د متخصص في اللغة بإعادة تغريد إجابتي على سؤالِ سائلهِ على صفحته الشخصية رُغم جهالتي في علوم الضّاد، وذلك هو شأنُ أهل العلم الحق وليس العلم الزَّق، وما زادني نشرُ إجابتي معشار فخرٍ لأن جهالتي بعلوم الضاد مازالت قائمة ولن تزول لكني لبيان الضاد متذوق وحسب.

***

علي الجنابي- بغداد

أزقة المدينة والعلامات والزخرف على المرقوم.. معرض"ملامح" للفنان التشكيلي محمد الامين العثماني

في دروب الفن تخير السفر بحثا عن ذاته الموزعة بين الألوان في عوالم من الحنين والقول بالهوية والتراث حيث المشاهد المتأنقة ببهائها بين الزخرف والمعمار في كثير من الرغبة تجاه الجوهر والينابيع في عالم معولم يسعى لقتل الكامن في الجهات والأمكنة والبلدان من خصوصيات وصولا الى التنميط حيث الذهاب سريعا الى معالم كون هو أشبه بمتحف مهجور..

هكذا وبكثير من الشغف والحب تجاه الفن وأسوار ممالكه العالية يمضي الفنان باحثا عن لونه الخاص المعبر عن الكينونة واعتمالاتها في تنوع تختزله رغبته في ابراز الخصائص والمميزات للتراث التونسي حيث المدينة العتيقة في جمال أزقتها وما بها من كنوز محيلة الى عناصر التراث والهوية ..

هذا ما عبر عنه المعرض الفني التشكيلي بعنوان "ملامح" في رواق الفنون التشكيلية علي القرماسي بالعاصمة والذي افتتح يوم الجمعة 3 نوفمبر 2023 ليتواصل الى غاية يوم 15 من ذات الشهر وهو عصارة تجربة البدايات للفنان التشكيلي محمد الامين العثماني الذي رأى في الفن ومن خلال معرضه هذا " ...مناسبة لابراز ما هو كامن في الانسان من حب ووجد تجاه الأصيل من تراث ومعالم ومشاهد يجمع بينها الحرص على تثمين الجمال المبثوث في الأمكنة والمشاهد والزخرف والعلانات على المرقوم والنسيج وهي المميزة لتراث متواصل معنا من عهود الأجداد الى اليوم ...هي ملامح كما يقول عنوان هذا المعرض لكي نحرص على الحفاظ على هويتنا وجمال تراثنا وتقاليدنا ...".

تعددت اللوحات وعناوينها لينظر زائر المعرض تجاه القباب التي يحضنها النخيل في زخرف من الحروف والخط العربي بجماله وأناقته ...الى جانب لوحة أزقة المدينة ولوحات العلامات والزخرف على المرقوم وغيرها من اللوحات التي شكلت معرضا اسمه " ملامح " ليتواصل الى غاية يوم 15 من شهر نوفمبر الجاري بفضاء العرض برواق علي القرماسي بشارع شارل ديقول بالعاصمة.

***

شمس الدين العوني - تونس

يقال إن حياة الإنسان تمرُّ تِباعا أمام شاشة الأعين. اليوم، كان مَورد الصورة الذي مَرَّ قبل أن يرتد طرف عيني. درب طويل ليس له حدود ولا حرس، ولا إنارة نور اصطناعية. كان ذاك الدرب يحمل مُنعرجات غائرة، ويكسوه ظل شجرة يتيمة يانعة، تحمل من متنوع الفواكه ما لذ وطاب. من حسن ما صنع المشهد المخيف، استيقظت عيناي بالفزع والخوف من مستقبل غائر المعالم. وجدت أن جبيني تبللت عرقا، وذاك الفصل كان باردا. وقفت على أن مجموعة من مشاهد حياتي في الإخفاقات تتكرر بالتردد، وتزين حيطان الدرب، بلا تلوين، ولا تشكيل ملهاة كوميدية. تيقنت بالسليقة أن الصورة الملونة الفريدة من حياتي تحمل ملمحي شبابا وفي أسفلها: عليك أن تسرع الخطى، عندما يتمهل الآخرون في السير!!

اليوم كانت نيتي المبيتة بسلك الطريق المغاير، وملازمة قراءة علامات التشوير بتأن (انتبه !!قف !! )، وسيكون أول يوم من حياتي أقتحم فيه المجهولات والمسكوتات. فقد كان من طبيعتي أن أرتب نفسي لأي مغامرة غير محسوبة المداخل والمخارج. قلت بالاستضمار الذاتي: أنا آسف...يا أنا... !! كنت أرددها مثل (الكورال) الذي لا يحفظ إلا تلك اللازمة بالتردد الممل طيلة أداء الأغنية والرقص. لم أدر عمَّا أنا آسف عنه بالسبق!! ولا حتى سبب مُشاهدة بعض من مسارات حياتي الباقية عند ارتداد جفوني عنوة.

في متوسط الدرب الطويل الضيق، وبلا نهايات محدودة في الأفق، ضَعُف نظري في تحديد الأبعاد، وكنت قد قطعت وعدا بعدم الاستسلام مهما كانت حدة النتائج سلبا. كنت أستعمل حواسي الأربعة ككفايات حياة متمرسة على معالجة شدة المواقف، وقد ضاعفت حاسة السمع تعبئة. رباه، رباه !! إني أرى أبي في طيبة يوم الجمعة، وهو متوجه لمسجد سيدي امبارك لأداء صلاة الجماعة... رباه، رباه !! أبي لم يعر ندائي اهتماما حين خرج الصوت من حلقي صياحا (وَا بَا...وَا بَا...)، انتظرني... كان ألمي يزداد وقوفا، وبدون حركة إشارة تلوح بالسمع والتوقف. لم ينتبه لكلماتي ونظراتي، ولم يعر شوقي له توقفا. بكيت ألما وأنا أردد: أبي منذ عشرين سنة، لم أسمع صوتك، منذ رحيلك الأول عن منزل الأسرة، أداوم على زيارتك.

لم أقنطت من معاودة الكرة مرة ثانية، فسلكت الطريق المنعرج بحاسة شم بخور جلباب أبي المتوهج. لكن، حين تبدد الشم نكوصا، أحسست أن بوصلة الاتجاهات ضاعت مني، فتهت عند رأس الطريق، ولم أعد أقدر على التمييز بين متاريس الدرب الجانبية، وبين المسار المفضي إلى باحة الحياة الباقية.

كان هذا الضوء الآتي من متم نهاية نفق الدرب الضيق، يشدني لكي أتمم مهمة الوصول إلى المجهول. فقد كان من  الحمق أن يأتيني صوت العقل وأنا ألاعب أحاسيسي الوجودية الصغيرة، من العقل أن يُرْمِيني الواقع بشهب نارية حارقة وهو يقول: "علينك أن تُعيد الاعتبار للبداهة، يجب أن تطبق العدالة مع ذاتك، قبل أن تجدك العدالة الربانية، فالعدالة تبدو عمياء، ولا يمكن أن تسمع صوتها إلا باحترامك للذات والآخرين، فقد أصبح السجن اليوم هو الحرية، وخارجه في الفضاء العام، يمارس الاستبداد، ويقيد الألسن والكرامة الإنسانية...".

حقيقة مطلقة، حين يشتد تلاطم الأفكار بين ارتباك الحقيقة الوهمية، والمزيف من الواقع، بالإضافة إلى نزغ من شيطان الذكاء الاصطناعي، عندها أفتقد جزء من إيماني الداخلي بصوت الحق العادل، فأبدو تائها في مسيرة الدرب وبقرف مميت، وأنا أمارس حوار الطرشان مع الذات العليلة.

من البديهيات الفلسفية في ذاك الدرب المنغلق بالمنعرجات، أن الحرية والعدالة والعقل والحمق والتنوير والحداثة (البعدية) حق مشروع في فهم مَكْنُون (مستور) الحياة، لكني في نهاية الدرب تَصلَّفَ (تكبر) تفكيري عن فهم معادلة الفرق بين الوهم والمتخيل، والحقيقة الواقعية المتغوِّلة. مشهد الوالد في نهاية شعاع الدرب المنير، لم تأت من فراغ ولا من حياد المعالجة الفورية واللصيقة بحياتي، فهو رحمه الله كان سندي في إخراج من متاهات حياتية كانت قاب قوسين أن توقع بي أرضا. في نهاية الدرب، لم أر وجهه الوضاء، وإنما كانت لي فرصة من تقبيل يده اليمنى المتشبعة من تراب أرض الأجداد. (يتبع)

***

محسن الأكرمين

تطاوين: تعني العيون باللغة الأمازيغية وقد كانت الربوع الممتدة في الجنوب التونسي على مدى العصور الغابرة فضاء مفتوحا من الجبال والأودية والسّهول ويُعتبر هذا الفضاء الشاسع موطن قبائل ورغمّة وفروعها وعروشها التي اِنحدرت من أصول متنوّعة بعضها أمازيغيّ أصيل وبعضها عربيّ وافد وبعضها من جنوب الصحراء أيضا لكنّها مع مرور الأزمنة وتواتر الأحداث تجاورت وتمازجت حتى اِكتسبت شخصيتها ذات الخصائص الجامعة بينها ضمن نسيج مختلف جهات البلاد التونسية الثريّة بتنوّعها  غير أنّ شواهد الإنسان القديم وبصماته ما تزال قائمة في بعض نقوش كهوف الأودية وقمم الجبال وحتّى بقايا الدّيناصورات ما تزال شاهدة في الجنوب الزاخر بالحياة القديمة رغم حدثان العصور والآماد وما يزال شاهدا بآثار المعارك بين الثوّار والجيش الفرنسي مثل معركة رمثة 1915 وآقري  وغار الجاني1956 ورمادة 1958.

*

في السنوات الأخيرة شهدت الحياة الثقافية في مختلف مدن ولاية تطاوين إقلاعا ثقافيا واضحا من بينها ملتقى تطاوين الأدبي الذي عقدت العزم على بعثه همم ثقافية تؤمن بجدوى النشاط الثقافي في هذه الجهة النائية فأنشأت جمعية أحباء المكتبة والكتاب برئاسة الأستاذ علي بودربالة ويمساندة الدكتور محسن القرسان والسادة والسيدات فتحية العيدودي - أحمد بن زايد -كمال الفرجاني ـ أيوب تونكتي ـ آمنة التريكي ـ صفاء جابرـ عبد العزيز العزلوك ـ عبد الله الشبلي ـ مع دعم الأسرة الثقافية الواسعة في تطاوين ممّا جعل هذه الجمعية منارة أدبية مشعّة على جميع أنحاء الولاية بل قد وصل إشعاع مداها إلى أغلب جهات البلاد وهذا ما لاجظته في المدعوين والمشاركين في هذا الملتقي الأدبي الثاني الذي شمل عددا وافرا من الشعراء والنقّاد من مختلف جهات البلاد وقد ولّوا وجهتهم شطر المكتبة الجهوية  بتطاوين التي حفلت بهم كأحسن ما يكون

*

تشرّفت بدعوة كريمة من هذه الجمعية لحضور الدورة الثانية من هذا الملتقى أيام 1و2و3 نوفمبر 2023 ولتقديم شهادة عن مسيرتي الأدبية فلبّيت الدّعوة بكل اِعتزاز خاصة وأنّي علمت بجديّة نشاط هذه الجمعية في مناسبات عديدة وممّا زاد من عزمي في المشاركة ما لاحظته من حسن التنظيم الواضح في دقّة المتابعة والحرص على التفاصيل في المراسلات من عنوان المداخلة إلى ضبط البرنامج إلى تحديد ساعة السّفر ومكان الانطلاق فمثل هذه المعطيات الأوّلية تنبئ بأن القائمين على الملتقى يتوفّر لديهم كل أسباب النجاح وما كدنا نطوي المسافة طيّا حتى لقينا الاستقبال الحسن وكرم الضيافة والرفقة الوديعة والمعاملة اللطيفة ناهيك بأنس الأصدقاء القدامى حيث تجاذبنا أطراف الحديث .بين ذكريات وتاريخ وجغرافيا وأخبار الحرب على عزّة التي كانت جرحنا النازف في كل حين وآنما يمكن أن يكون خلاصة هذا الملتقى يتمثل في أن مدوّنة الشعر التونسي ما اِنفكّت في حاجة إلى القراءة والدّرس بما في ذلك أبو القاسم الشابي في ديوانه الثاني الصادر عن بيت الحكمة ـ صفحات من كتاب الوجود ـ سنة 2009 والذي يضمّ شعره المنثور ما يزال لم يحد الصدى الكافي والاِنتشار اللازم غير أنّ ما يثلج الصّدر حقّا ويبعث الطمأنينة حقّا هو أنّي اِكتشفت في هذا الملتقى جيلا جديدا من الدكاترة والأساتذة وقد اكتسبوا ناصية البحث ومناهج النقد واِبتهجت بإيمانهم بالأدب التونسي وعزمهم على مباشرة نقده ضمن بحوثهم القادمة والذي زاد من سروري حقا هو أني اِستمعت إلى أصوات شعرية جديدة تجاوزت مرحلة الهواية في قصائدها إلى مرحلة اِكتساب الدّربة والتميّز فأرجو لهذا الملتقى أن يكون بداية مرحلة جديدة في الأدب التونسي إبداعا ونقدا بما لاحظت فيه من باكورات هي بمثابة باقات يانعة في الشّعر والنّقد جديرة بالدّعم والتشجيع

*

أعود وفي وجداني أجمل الذكريات

- أعود ووطابي فيه بعض هذه الإصدارات الجديدة فشكرا للأصدقاء على إهداءاتهم وهم

- الدكتور محسن قرسان وإصداره - عمل الشهادة ودلالتها

- الدكتور محمد نجيب بوطالب وإصداره ـ الهروب ـ من الكامور إلى أوروبا -الأستاذ الشاعر رضوان العجرودي وديوانه فرج يختفي في المرآة

*

تطاوين...شكرا جزيلا على هذا الملتقى!

تطاوين شكرا وارفا على التكريم الذي حظيت به

***

سُوف عبيد

اِخترت "الحفر الفني" (Gravure) بعد ممارسة كل الاِختصاصات التشكيلية وشدّتني كل مراحل إنجاز المحفورة...

أوّل مشاركة لي كانت بالمعرض الجماعي الدولي بمدينتي الأم"الشابة" بعمل بتقنية(eau forte)   سنة 2004 حيث إقتنت الدولة هذه المحفورة.

***

الفن هذه الفسحة الباذخة المشرعة على العوالم والأكوان حيث القلب في عنفوان بهائه يبتكر أحاسيسه الأخرى من هيئات العناصر والأشياء والتفاصيل وفق ايقاع الذات في حلها وترحالها تقصدا لفكرة الاقامة على هذه الأرض وتأصيلا للكيان وتشوفا تجاه ما يبهج العين ويسعد الدواخل..

هاهي اللعبة الفنية التشكيلية تأخذ الناظر اليها طوعا وكرها بكثير من ألفة الابداع والامتاع وبتلوينات شتى ..هاهي تمضي الى تجربة تنحت قادمها بكثير من شغف وعناء ومتعة الفن بما في الأكوان من ممكنات جمال وسفر وتنوع .. لعبة تفضي الى طفولة مقيمة في الذات تبتكر نهاراتها العذبة بموسيقى الفن وهو يحفر في الكينونة والأشياء لينجز ما قالت به الأنامل وهي تستعيد نشيدها الذي يقود الى سحر وفتنة وجمال في الأثر الفني..

و هكذا اذن نأتي الى طفلة الفن القادمة من جمال المكان وأعماقه..المهدية أرض الحضارة والألوان الصافية حيث بحر وسماء في صفاء نادر وايقاع تعرفه أزقة مدينتها العتيقة وسكون المقبرة المطلة على البحر وشموخ القصر..قصر الجم وما حكاه من سرديات عبر تاريخه العريض...

من هنا لمعت فكرة الفن لدى الفنانة التي نعني ..سهام الشابي والتي نهلت من هذه العوالم ذات الجمال الأخاذ لتكبر لديها أغنية الفن والرسم والتلوين حيث الابداع في حواره المفتوح مع الذات والآخرين اذ تقول الفنانة شيئا من اعتمالات الشواسع في ضرب من الدهشة والألق...

الفنانة التشكيلية سهام الشابي  وفي معارضها الفردية والجماعية سعت لابراز هويتها الجمالية من خلال ما تخيرته وفق نظرتها للفن ورؤيتها ضمن مساحات التشكيل الفني حيث الحفر لعبتها الباذخة حتى وهي تدير نشاط الورشات في المهرجانات أو تبث في الأطفال ما بدا لها من تلوينات الفن وأساليبه وهي تدرس للتلاميذ مادة التربية التشكيلية كمتخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس في اختصاص حفر (Gravure )...

تنوعت معارضها ومنها معرضها خلال شهر أفريل المنقضي ومشاركتها في سمبوزيوم المهدية الدولي " عوم فنك " خلال هذا الشهر وبادارة الفنان التشكيلي محمد أكرم خوجة وبالتعاون مع مهرجان عيد البحر واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين حيث قدمت الجديد ضمن مشاركتها المميزة في برامج هده الفعالية الدولية.

و الفنانمة التشكيلية سهام الشابي أستاذة مادة التربية التشكيلية ومتخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس اختصاص حفر (Gravure ) مباشرة للتعليم الثانوي منذ 2009 بإعدادية نبر ومعهد نبر من ولاية الكاف ومن 2018 باعدادية اولاد عبد الله ومعهد ملولش. مشرفة على ورشة الحفر ضمن المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالشابة. عضو ناشط صلب "جمعية الشابة للفنون والمحيط" من 2018 مشاركة في عدة معارض بالجمهورية: المشاركة في صالون الحروفية في دوراته الثلاث بالعاصمة . المشاركة عدة مرات في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكليين التونسيين. المشاركة في معرض الحفر برواق موزاييك النصر 2 واعتماد احد اعمالها كتصميم لغلاف الكتاب الذي يجمع اعمال المعرض. المشاركة ضمن فعاليات ايام قرطاج للفن المعاصر في المعرض الدولي " الحفر والرسم ينجز "بمتحف باردو 2019 .المشاركة في معرض المدرسين المبدعين بمدينة الثقافة. المشاركة في معرض مدرسي للتربية التشكيلية بالمهدية 2022. المشاركة في سمبوزيوم عيد البحر للفنانين التشكليين من 11 الى 15 اوت 2020. المشاركة في سمبوزيوم يوم عيد البحر للفن التشكيلي في معرض مبدعات الفن التشكيلي احتفالا بعيد المراة من 13 الى 20 اوت 2020. المشاركة في معرض الحفر والرسم برواق الفن بقصر المعارض بالكرم. المشاركة في معرض" منارات " بالمهدية بفضاء المتحف وبرواق علي خوجة .المشاركة في معرض "صالون قبودية للفنون التشكيلية بالشابة"في كل دوراته. المشاركة في ورشة Educ/Art  باشراف الفنان السلوفاكي Peter KOCAK اكتوبر 2019 بفصاء "قلعة الحفر " بالقلعة الكبرى بسوسة وقد اقتنت لها الدولة العديد من أعمالها...

و عن حكايتها مع الفن والبدايات والمسار تقول الفنانة التشكيلية الحفارة سهام الشابي "...البدايات كانت كأغلب الأطفال خربشات ورسوم في كراس المحفوظات لي ولإخوتي الأصغر سنّا منّي وحتى في الفترة الإعدادية والثانوية. بعد النجاح في البكالوريا كان التوجّه للمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس واِخترت اِختصاص «الحفر الفني» بعد ممارسة كل الاِختصاصات التشكيلية في السنتين الأولى والثانية بالمعهد وكان الميل الأكبر لـgravure وشدّتني كل مراحل إنجاز المحفورة من الرسوم الخطية (les esquisses) مرورا بالحفر على الخشب واللينو أو النحاس (cuivre)  ثم السحب (les tirages) ومتعة عنصر المفاجأة والاِكتشاف لجمال المسحوبة والتباين خاصة بين الفاتح والداكن والمضيء والمظلم.

أوّل مشاركة لي كانت بالمعرض الجماعي الدولي بمدينتي الأم "الشابة" بمحفورة بتقنية (eau forte) سنة 2004 حيث إقتنت الدولة هذه المحفورة.

بعدها اِنغمست في تجربة التدريس بالمدارس الإعدادية وبالمعاهد الثانوية (بولاية الكاف) مع حنين متواصل لممارسة خاصة الرسم الخطّي والحفر الفنّي لكن نظرا لوجود بعض العراقيل كعدم توفر مستلزمات (الحفر الغائر) لم يكن بوسعي أن أمارس هذا الاِختصاص لبضع سنوات... ثمّ بمجرّد اِنتقالي وعودتي إلى ولايتي الأصل المهدية لحسن الحظّ سنحت الفرصة بإقتنائي (Presse) وعدت إلى ممارسة الحفر الفني: حيث أعشق التكوينات بخطوط رقيقة وتتضمّن قصصا خيالية تدور أحداثها فقط في ذهن الفنانة أبطالها القطط والأسماك ... تأثّرا بالبيئة التي نشأت بها الفنانة. ومن هناك تعدّدت الأعمال والمشاركات في عدّة معارض بالجمهورية ومهرجانات بجهة المهدية خاصة ثم كان المعرض الشخصي الأوّل بالمتحف الجهوي بالمهدية أفريل 2023… ".

ممارسة فنية ضمن تجربة تتشكل باحثة عن خصوصياتها حيث تعمل الفنانة التشكيلية سهام الشابي على المراكمة الفنية وفق تخيرها الجمالي لتعد لمعرضها الشخصي قريبا برواق فني بالعاصمة خلال الموسم الثقافي الجديد 2023/2024 حيث يكتشف جمهور الفن وأحباء فن الحفر بالخصوص حيزا من تجربة فنية تسعى لتشكيل معالمها بمزيد من الاشتغال والدأب الجماليين.

***

شمس الدين العوني

استعادة التراث الأدبي والفكرى هدف من أهم الأهداف الثقافية لهيئة الكتاب.. وبمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فإن هيئة الكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين بصدد إطلاق مشروع ثقافى مهم وجرئ يرتكز على إعادة نشر مؤلفات طه حسين المجهولة..

تحت عنوان "استعادة طه حسين" والمقصود استعادة تراثه الفكرى..تقوم الهيئة العامة للكتاب بإصدار مجموعة من مؤلفات طه حسين ومترجماته، ويقدم المشروع فى مرحلته الأولى 12 عملاً منوعاً فى توجهاتها ومحتواها الفكرى ما بين مؤلف ومترجم وعمل مشترك..فمن المعروف عن طه حسين أنه كان واسع الاطلاع غزير الانتاج..كتب فى الفكر والأدب والنقد والترجمة وشارك عدداً من الأدباء فى أعمال مختلفة..ولهذا يحاول المشروع المزمع تنفيذه التركيز على مثل تلك الأعمال غير المعروفة حتى بين المثقفين والقراء ومحبى كتابات طه حسين.

يقول الدكتور أحمد بهى الدين رئيس هيئة الكتاب متحدثاً عن هذا المشروع الطموح: (إن الهيئة حرصت على أن تكون باكورة مشاركتها في الاحتفاء بخمسينية رحيل عميد الأدب العربي بمجموعة متنوعة من الكتب غير المشهورة أو غير السائرة بين جموع القراء، بل وبعض المثقفين، ووقع الاختيار على طباعة (12) كتابًا تتنوع بين التأليف والتأليف المشترك والترجمة، وتمت المراجعة والاعتماد على الطبعات الأولى أو أقدم طبعة أمكن الحصول عليها، كما تم تكليف واحد من كبار أساتذة النقد والأدب المعاصرين لكتابة تصدير لهذه الأعمال، وهو الأستاذ الدكتور سامي سليمان، فكتب تصديرًا بانوراميًّا كاشفًا عن مجمل أعمال وأفكار طه حسين ومشروعه الفكري والثقافي، كذلك تم تكليف المصمم الكبير الفنان أحمد اللباد لعمل الغلاف، لتخرج الطبعة الجديدة في أبهى صورة على مستوى تصميم الغلاف والإخراج الفني الداخلي.

لعل من أهم عناوين الإصدارات التي أعيد نشرها 3 كتب مؤلفة هى: حافظ وشوقى، قادة الفكر، والحياة الأدية فى جزيرة العرب.. و3 كتب اشترك طه حسين فى تأليفها مع آخرين وهى: التوجيه الأدبي، آراء حرة، والحياة والحركة الفكرية فى بريطانيا..أما باقى الكتب فهى من المترجمات وأهمها أوديب وثيسيوس، وأندروماك، ونظام الإثينيين، وصحف مختارة من الشعر التمثيلى اليونانى، وزديج لفولتير.

واصل بهى الدين قائلاً: (إن طه حسين يعد من أعلام الثقافة العربية، ويحظى بمكانةٍ فريدة في نفوس قرائه بما أثرى مسارات الثقافة العربية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم.. لذلك كان لزامًا على الهيئة أن تشارك بإعادة إصدار بعض مؤلفاته في مناسبة الاحتفاء بمرور خمسين عامًا على رحيله، ليس لأن أعماله أصبحت ملكية عامة فحسب ولكن بغرض استعادة رؤية طه حسين الفكرية؛ لإعادة قراءته قراءة جادة وجديدة، تهدف إلى إلقاء مزيد من الضوء على طريقته ومنهاجه ورؤاه، لعل الأجيال الجديدة تدرك مدى تأثيره الفكرى الكبير ومقدار منجزه في المناحي الثقافية المختلفة من خلال توفير عدد من العناوين التي لم يُقدَّر لها الرواج بين جموع القراء، وبخاصة الشباب منهم).

لقد كتب طه حسين عدداً كبيراً من المؤلفات ذات الوزن الثقيل ثقافياً زادت عن 50 كتاباً ، وبعضها أثار الجدل بين المثقفين لفترة طويلة فى مصر والمنطقة..وما تزال كتاباته تحيا فى عقول وقلوب محبيه رغم مرور عقود على وفاته..وهو إلى جوار اهتمامه بالأدب والنقد الأدبى كان مهموماً بقضية التعليم فى مصر،ليس فقط بسبب توليه مسئولية وزارة المعارف وإنما قبل هذا بكثير، وربما بسبب معاناته فى مراحل التعليم المختلفة، تلك المعاناة التى صورها بتفاصيلها فى كتاب الأيام ، والذى تحول فيما بعد لمسلسل شهير من بطولة الفنان أحمد زكى..وربما لا يعلم الكثيرين أن طه حسين قد ترشح لجائزة نوبل مرتين وكان قريباً من الفوز بها، وقد منحته عدة جامعات عالمية الدكتوراة الفخرية، كما حصل على قلادة النيل.

لعل هذا وغيره يفسر مدى أهمية إحياء ذكرى وفاة طه حسين بمثل هذا المشروع الذى يمثل نوعاً من الوفاء والامتنان لمثقفى ومفكرى وأدباء مصر ممن هم فى وزن وقيمة طه حسين ..لهذا فإن هيئة الكتاب تستهدف طباعة عناوين إضافية خلال مرحلة تالية من المشروع ، لعل أهمها: (تجديد ذكرى أبي العلاء، ، ومع أبي العلاء في سجنه، ومع المتنبي، وعلى هامش السيرة، ومرآة الإسلام، والوعد الحق، والشيخان، والفتنة الكبرى بجزئيها، وصوت أبي العلاء، ومن أدب التمثيل الغربي، من هناك، الأيام، فصول مختارة من كتب التاريخ، ومذكرت طه حسين". كما سيتم جمع مقالات العميد المتناثرة في المجلات المختلفة،بهدف إصدارها فى كتاب، وهي تمثل كنزًا ثقافيًّا من كنوز العميد، ينبغي النظر إليها وقراءتها في سياق واحد...لقد أكد بهي الدين عزم الهيئة لاستكمال المشروع بنشر الكثير مما ألَّفه طه حسين أوشارك في تأليفه مع آخرين ، حتى ما تمت دراسته فى مناهج التعليم مثل كتاب "المجمل في تاريخ الأدب العربي"، وكذلك الكتب التي قدَّم لها طه حسين، ومن بينها "كليلة ودمنة"، الذي حققه عبد الوهاب عزَّام.. وهناك نية لإعادة نشر أعماله الإبداعية في سلسلة "أدباء القرن العشرين" التي تعاود الصدور، حيث تم إصدار خمسة عناوين أخرى من مؤلفات عميد الأدب العربي وهي: «الحب الضائع، وأديب، وجنة الشوك، والمعذبون في الأرض، ودعاء الكروان»، وسوف تستكمل باقي الإصدارات على مدار الأشهر المقبلة.

لا ريب أنه مشروع طموح ومهم يعيد بناء الجسور بين جيل الشباب، والجيل الذهبي للأدباء والذى كان طه حسين أحد أعمدته الرئيسية.

***

عبد السلام فاروق

انتشرت ظاهرة البيع بالإهداء والتوقيع في المعارض الدولية للكتب، فنجد كل دار نشر إلا وخصصت جناحا لكتابها ليبيعوا نسخا من أعمالهم الإبداعية والفكرية وهو نوع من التواصل بين الكاتب وقرائه وهو أيضا عربون محبة فالقارئ المحب لكاتبه المفضل يستغل الفرصة لشراء كتابه مع الإهداء وأخذ صورة تذكارية للتاريخ فهذا العمل يعد سلوكا حضاريا لا غبار عليه ..

ولكن في رأيي أن هذه العملية تنجح وتحقق مبتغاها مع مشاهير الكتاب الذين يملكون صفحات فيسبوكية يتابعها الملايين فهؤلاء الكتاب عندما ينظمون جلسة بيع بالإهداء يتهافت عليهم مئات المعجبين فتنفد أعمالهم بسرعة وهذا ما حدث في طبعات سابقة من المعرض الدولي للكتاب مع الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي أو مع الكاتب محمد مولسهول "ياسمينة خضرا" أو مع الكاتب الروائي الأردني أيمن العتوم الذي باع في العشر سنوات الأخيرة بالإهداء أكثر من مئة الف نسخة من كتبه ...

أما أن يأتي كاتب نكرة مثلي ومثل غيري من الكتاب المسكونين بالوهم ويبقى ينتظر ويستجدي عابر سبيل عساه يتفضل عليه فيأخذ نسخة منه ولو بالمجان فهذا في نظري سلوك غير حضاري يذهب هيبة الكاتب غير المشهور...

من هذا المبدأ رفضت فكرة بيع كتبي بالإهداء حتى تتوفر الشروط المناسبة من شهرة وانتشار وإلا رحم الله امرأ عرف قدر نفسه ...

***

الكاتب: شدري معمر علي

لعل القارىء النهم إلى مجال الأدب الوسيط في أو ما يسمى بالعالم العمري الوسيط، يلاحظ أن الأدب الروائي كان أكثر حيوية وعضوية وفنية وجمالية من تمظهرات الرواية الحداثوية أو ما يطلق عليه حساسية الرواية الجديدة. أنا شخصيا لا أجد في هذه الروايات سوى ذلك الطابع البنائي من القصص القصيرة المجملة في سلم تتابعية تلصقية من مسرود يطلق عليه الرواية، في محاولة منها أي هذه الرواية إتباع الشكل النوعي من بنية تراصف الصفحات المعنونة إلى مجال خطية مفتعلة من الزمن الروائي، ولكن ليثق كل قارىء بأن ما يقرأ اليوم من حشود مصدرة بأسم الرواية، هي حقيقتها النوعية السردية، لا تتعدى بناء وأسلوب وإطار القصص القصيرة المجمعة في شكل سلس من التسمية للرواية، أين هذه الهزلات من روايات عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وتجارب أخرى من الأدب الروائي. أنا شخصيا ليس ضد ما ينمو في سلم تطور الحداثة الروائية، ولكن ضد هذه المهزلة التي صارت فيها القصص القصيرة تلصق في أشكال بنائية وتدعى إنها صناعة روائية ولا يمكن بخس شرعيتها في مجال تطورها الحداثوي: أي حداثة هذه قسرية. لقد زورتم دماء وروح الجسد الروائي، من خلال حكايات لها طابع ومزاج الأدب القصصي القصير ليس إلا. أنتم خلقتم في نصوصكم هذه رواية تحمل نكهة وطعم وظلال القصة القصيرة ليس إلا؟!.

***

رأي: حيدر عبد الرضا

يسألونك لماذا تكتب قل لهم في زماننا الردئ؟..

الكتابه هي صراخنا الذي فقد صوته.

هي الوصيه الأخيره للكبرياء.

هي الروح الممزق أشلاء.

هي الأحلام المتناثره.

هي حياه رغم اللا حياه هي كل ما تبقى من الوجود المعدوم.

هي كل ما تعانيه من الألم هي الحزن المدفون الذي يسكن داخلنا.

ليس كل من يكتب هو باحث عن شهره أو غايه، أنما هناك أرواح أرهقت..

فأحبت أن تبكي بالحروف هذا كل ما في الأمر.

يقول محمود درويش / الفقراء يعشقون الإبداع والجمال، وقد كنتُ فقيراً، كذلك المكان لعب دوراً كبيراً فقد عشتُ في مدينة تمتهن الشعر، فعاصرتُ الكبار من المبدعين في مدينتي، كذلك الرغبة العارمة في التعرف على كبار المبدعين العرب، إنها عوامل كثيرة دفعتني للدخول إلى هذا العالم.

ويقول احد الفلاسفة  / هناك صراع بين الآباء والأبناء، وهناك صراع بين جيل وجيل عندما يتمسك كل طرف بآرائه ومعتقداته، نتيجة التغيير الحاصل في مجمل التصورات نحو الكون والحياة. في مجال الإبداع تكون القراءة المستمرة والاطلاع على تجارب الآخرين، ودراسة مناهج النقد بروح رياضية منفتحة والتفاعل الإيجابي مع ما يستجد تساهم جميعها على تضييق الفجوة بين زمن وآخر. لقد انسلخت من مسيرة حياتي سبعة عقود وثلاث سنوات، وما زلت أشعر بالفتوة مع قلمي رغم أن جسدي يقترب من نهايته وكل مؤشراته تنذر بالرحيل.

ونتساءل احيانا... هل نكتب عن اولئك الذين امتطوا صهوات المجد؟ ام اولئك الذين امتطوا صهوات الأمال البيضاء؟ ام نكتب عن الحائرين والمتلظين بالجمر من شظف الحياة ومأسيها؟ ام نكتب عن الواقع المتردي لمجتمعاتنا بوجه عام؟

ونتسأل ايضا/ اين وضوح الطريق لهذه الوجوه الكالحة المتخبطة في ظلمات الجهل والأنانية والتصرفات اللاخلاقية—احيانا—في مجتمع فوضوي، انعدمت فيه الرؤيا وضاعت معها الاحلام!!

لابد آن يدرك الجميع أن الكتابة وجع وهم ولن يكون لها الحضور المشرف ألا من خلال انسياقها في قانون يحررها من النفاق، والكاتب الجيد لابد أن يتمرد على القيود فهو يموت بين حضيض الورق لان الكتابة تظهر بدون وساطة وتخرق كل القوانين وتكشف العيوب ولا تلمع الباهت فهي نظام يقوم على الحق أو الباطل بحسب نوعية الضمير الذي يحمله الكاتب لكي يُمتع الآخرين ويلغى نموذجه ويكون هوية لقلمه الذي يمثل وعية أو يكون مطبل لمن يكتب عنهم أو لهم !! لكي تكون كاتب جيد يجب أن لاترقص لمن حولك بقلمك أو بفكرك أو بورقك لكي يكون اكثر بياضا!! يعتبر الكثير من المبدعين أن الكتابة وجع يتشرب الروح ولا يستطيع الإنسان أن يساير الواقع إلا من خلال العمل، والكتابة من الأعمال الشاقة التي تربط بين الجسد والروح بين الحياة والموت، والكتابة خلدت الكثير من المبدعين في ذاكرة التاريخ وكل مبدع وكاتب قادر على أن يدخل قلوب الآخرين والكاتب اقرب الناس آلي القلوب إذا أراد أن يكون له السبق في شرف الحضور لذلك يعيش الكاتب اجمل لحظات العذاب والروعة والألم لان الكتابة لغة المعارف والتجلى مع وظيفة الحياة لأنها الروح التي تضخ الدم للحياة والموت!!

وجيل الخمسينيات وماتلاها انجب ابداعا عربيا غزا المشرق والمغرب بروائع الاقلام والحكم السياسية والنضالية والثقافية، واسسوا لنهضة عربية اعلامية- ثقافية تفتخر بها الاجيال لقرون طويلة، واليوم نعود ونبحث عن كاتب كبير يملأ الساحة الثقافية والابداعية كايام نجيب محفوظ والمنفلوطي والسباعي واحسان عبد القدوس، وشعراء ملؤا الدنيا ضجيجا ولكننا.. للاسف لا نجد الا احباطا وغزارة في الانتاج وكتب الرفوف!! حتى الكتاب والمثقفون ماعادوا يقرأون الا اعادة قراءة كتب ودواوين قديمة

لمن نكتب ايها السادة؟!، فاعيد القول ان عبقرية الادب العربي  انه جسد شخصيات الناس البسطاء لمن عضهم ناب الزمان بمكره وكفره واستوحشتهم وعود صفراء تبرق كالسراب اذا طلبته لم تجده شيئا ووجدت الموت عنده، وعندما تصرخ وامعتصماه تجد صدى الف صرخة وليس ثمة معتصم هناك!.

***

نهاد الحديثي

التراث الثقافي خاضعا للحجر الصحي

إلى جانب كل ما يرتبط بها من رهانات تنموية شاملة، فإن السياحة الثقافية تعد ركيزة أساسية محققة لقيمة حوار الثقافات بين الشعوب؛ الشيء الذي يجعل هذا المجال في بحث مستمر عن إيجاد أنجع السبل للتسويق السياحي الثقافي، كخطوة موازية للسعي نحو جعل الثقافة مدار الأمر في الاهتمام العالمي، بمكونيها المادي واللامادي. واعتبارا لسياق الطفرة التقنية والثورة الرقمية التي طالت كل مجالات الأنشطة البشرية، فإن قطاع السياحة الثقافية وجد غايته المثلى بولوجه أحدث الإمكانيات التي توفرها التقنية الرقمية.

غير أن علاقة السياحة الثقافية بالعالم الرقمي تجاوزت بساطة التوظيف التسويقي، لتكون من بين المواضيع المستجدة التي كانت قد تصدرت النقاش خلال أزمة "كوفيدـ19"، كونها أزمة وجهت ضربة قاضية مباشرة لقطاع السياحة، الذي طالما شكل دعامة أساسية في تنمية الاقتصاد العالمي؛ وذلك نظرا للانهيار الشامل الذي كان قد أصاب حركة السياح في العالم بأسره. ففي إعلان مشترك بين "منظمة السياحة العالمية" (UNWTO) و"منظمة التجارة والتنمية" (UNCTAD) التابعتين للأمم المتحدة، جاء أن جائحة "كورونا" تمكنت من إحداث خسارة فادحة في السياحة العالمية سيكون من الصعب جبرها وتداركها، وهي الخسارة التي قدرت بأزيد من أربعة تريليونات دولار  فقدها الاقتصاد العالمي جراء أزمة الوباء.

أمام هذا الشلل السياحي العالمي المفروض إذن، والحاجة الفطرية إلى التنقل والاستكشاف لدى الإنسان ـ المخلوق الثقافي بطبعه ـ فقد كان لعلاقة السياحة الثقافية بالعالم الرقمي أن تكتب لها قصة أخرى تكون تَرِكةً لوباء "كورونا".

ـ منصات سياحية افتراضية في الحجر الصحي:

تزامنا مع ما كان قد عرفه العالم في مطلع عام 2020 من فترة طوارئ صحية مشددة، فمن المؤكد أنه لا يخفى ما أدته التكنولوجيا الرقمية من خدمات وأدوار حاسمة في مختلف المجالات، إذ إن جوانبها الايجابية بدت جلية واضحة في عمومها ولا تنكر، بما في ذلك الجانب السياحي الذي يهمنا منه هنا شقه الثقافي.

فمن إيجابيات التكنولوجيا الرقمية إبان الظرفية الاستثنائية التي عرفها العالم، أنها أتاحت بدائل ذكية للسياحة، تمثلت في ظهور العديد من المنصات الرقمية التي وفرت جولات سياحية افتراضية، شملت مختلف المعارض الفنية والمتاحف والمواقع الأثرية عبر العالم، بعرضها للمستخدمين ـ أو بالأحرى للسياح الافتراضيين ـ بجودة تصوير ثلاثية الأبعاد متناهية الدقة. ومثالا على ذلك أن رقمنة موقع «وَلِيلِي» الأثري، كانت أولى المبادرات في هذا المسعى على الصعيد المحلي بالمغرب، بوصفه أحد المواقع المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي لدى منظمة "اليونسكو"، والذي طالما كان بؤرة جاذبة للسياح من مختلف أنحاء العالم. وبهذه الصيغة إذن وفرت الجولات الافتراضية في الحجر الصحي متنفسا وفرصة في متناول الجميع للوصول إلى المواد الثقافية المرقمنة بكل سهولة ويسر؛ الشيء الذي مثل بديلا فريدا أمام تعذر إمكانية السياحة بمعناها المحسوس.3889 رقمنة السياحة

(صورة لمتحف «أنثروبولوجيا» الوطني بميكسيكو، مثال للمتاحف التي تمت رقمنة أروقتها وموادها الثقافية بالتقنية ثلاثية الأبعاد، أثناء أزمة "كورونا").

ورغم أن رقمنة المواقع الأثرية ومعروضات المتاحف خصوصا، كانت في الأصل استجابة لحدث عالمي طارئ، فإن أبعادها امتدت أبعد من مجرد الترويح عن النفس في مثل ظروف الحجر الصحي العصيبة؛ إذ تمثل الدور المستدام لرقمنة التراث الثقافي في دور الأرشفة تحديدا؛ فأرشفة المتاحف والمواقع التراثية، إنما تعني حفظ صورتها المادية الأصلية، التي من شأنها أن تمثل لاحقا بوصلة دقيقة لعمليات الترميم وإعادة هندستها إذا ما تعرضت لحالات التلف لسبب من الأسباب، أو لعوامل أخرى كالكوارث الطبيعية مثلا؛ خصوصا وأن تقنية التصوير الثلاثية الأبعاد ذات الجودة العالية الدقة، تتيح حتما أرشفة في أحدث ما يمكن اليومَ أن تمد به الرقميات ميدان الثقافة؛ هذا بالإضافة إلى تحقيق أكبر نسبة من الاطلاع المعرفي العابر للحدود، خاصة لدى فئة الطلاب المتخصصين الباحثين عن وثائق رقمية من التراث الثقافي، والتي من شأنها أن تختصر عليهم مشاق وتكاليف السفر لأغراض علمية.

ـ «اليونسكو»: التراث الثقافي في مواجهةٍ نوعية للوباء

في تقرير صادر عن منظمة «اليونسكو» جاء التعبير على أن ما تعرض له العالم من إغلاق شامل زاد من تأزيم الأوضاع النفسية لسكان العالم أجمع بسبب تقييد الحركة، واصفة أن السياحة والسفر والتنقل هي حقوق طبيعية كانت مصدر أمن نفسي، وحاجة وجودية لا تختلف عن بقية الحاجات البيولوجية في الانسان.

كما وصفت الجهةُ ذاتُها أن رقمنةَ التراث الثقافي العالمي، تزامُنا مع أوضاع الحجر الصحي، كانت استجابة طبيعية تدل عن مدى الحاجة الوجودية لدى الانسان إلى تراثه الثقافي، مؤكدة أن هذه المواد الرقمية ستساهم ولو بنسبة ما فيما أسمته بـ«التشافي العالمي».

مع الاشارة إلى أنه منذ بداية انتشار وباء "كورونا"، واكبت منظمة «اليونسكو»    الحدث العالمي بإصدار مجلة أسبوعية بعنوان «الثقافة وكوفيد 19» (CULTURE & COVID-19)، التي رصدت فيها تأثير الإغلاق على مختلف القطاعات الثقافية، بما في ذلك التراث الثقافي الذي أولت له أعداد المجلة أهمية خاصة.

ـ السياحة الافتراضية واستشراف نحو عالم «الميتافيرس»

من المؤكد أن السياحة الافتراضية حل بديل أملته أزمة الوباء العالمي، غير أن الإمكانيات الرهيبة التي أثبتتها الرقمنة منذ انتشار الوباء نبه إلى التفكير بعمق في مستقبل الإمكانيات التي توفرها التقنيات الرقمية الحديثة.

على سبيل المثال، ليس من الغريب أن تغير شركة «فيسبوك» اسمها إلى «ميتا»؛ كونه اسما يحيل إلى مصطلح تكنولوجي رقمي جديد هو «الميتافيرس»؛ على أن «عالم الميتافيرس» هذا، حسب ما يتوقع خبراء التكنلوجيا الرقمية، سائر في طريق قلب الواقع التكنلوجي الرقمي رأسا على عقب.

وعليه، فإن التقنية الرقمية الثلاثية الأبعاد العالية الجودة، التي تمت بها رقمنة المواقع الأثرية والمتاحف والمعارض الفنية، وإتاحتها على المنصات الرقمية للمستخدمين، تزامنا مع فترة الطوارئ الصحية التي استحال فيها التنقل والسفر، أثبتت عن جدارة أن العالم يسير حقا نحو توجه رقمي فائق سيغير حياة البشر كل التغيير. نظرا لكون هذه الجولات السياحية الافتراضية قد أتاحت للسياح الافتراضيين فرصة معاينة المواد الثقافية المرقمنة عن قرب، وتفحصها إلى الدرجة التي يتماهى فيها الزائر في تفاعله مع ما يشاهده تفاعلا شبيها بالتموقع الفيزيائي في عين المكان.

بالتالي، فإذا كانت هذه الجولات مجرد تجربة آنية أملتها صدفة أزمة كورونا، فإنها تساهم قصدا في التوجه نحو صياغة واقع سياحي تفاعلي جديد ينشق من رحاب عالم «الميتافيرس».

***

كاميليا الورداني

كل الدول تحتفي سنويا بمعارض الكتاب، يلتقي الناشرون والكتاب وعشّاق الثقافة ومحبي الفكر والمعرفة كل يبحث عن ضالته عن كتاب يحتضنه، يستمد منه رحيق المعرفة يغذي به عقله حتى يطفئ لهيب الجوع المعرفي...

"مَعْرِض الكِتَاب هُو معرِض ومُلتقى سنوِيّ يُعنى بِالكِتاب؛ يجمع مُنتِجِي ومُسوِّقِي الكِتَاب وصُنَاعِهِ مِن مكتبات ودُور نشر ومُوزِّعُين ومُنتِجُي الوسائِط التَّعلِيمِيَّة ومُؤَسَّسات الثَّقَافة ومُنظَّمات حُكُومِيَّة وشبُه حُكومِيَّة والمكتبات العامَّة ومراكِز البُحُوث والجمعِيَّات ومُؤَسَّسات التَّعلِيمِ ووسائِل الإِعلام ومعارِض الكِتَاب ونحَّوها مِن التَّصنِيفَات ذَات الاِهتِمام والصِّلة؛ مع الجُمهُور والمُهتَمِّين وفِي أَغلَب الأَحيَان يتجاوز معرِض الكِتاب كونُهُ مُجرَّد سُوقٍ كبِيرٌ ومُؤَقت لِلكِتاب؛ فيشمُل العدِيد مِن الفعَّالِيَّات والأَنشِطة مِثل النَّدوات الثَّقافِيَّة ووُرُش العمل والمعارِض واللِّقاءات؛ ضِمن إِطار الكِتاب ومُحتواه وصِناعته"(1)

اول وأقدم معرض للكتاب عرفته البشرية هو معرض فرانكفورت الدولي يعود إلى خمسمئة عام، يعود إلى الفترة التي ظهرت فيها الطباعة على يد يوهانس غوتنبرغ في بلدة مينز القريبة من فرانكفورت بحيث فكر ناشرو الكتب إلى إقامة هذا المعرض للإعلان عن كتبهم وإصداراتهم ...

وفي عصرنا الحالي بدأ  تاريخ تأسيسه الفعلي يوم 18 سبتمبر 1949م...

كان أول معرض عربي  يقام للكتب في بيروت في 23 نيسان سنة 1956، ثم تتابعت بعده المعارض العربية كمعرض القاهرة الدولي

بدأ في عام 1969، آنذاك كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي،  فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب وهكذا بدأت الدول العربية تنظم معارضها للكتب وتجعل منها عرسا ثقافيا تقام فيه الندوات وتلقى المحاضرات وتدعى إليه الأسماء الثقافية الكبيرة المشهورة لتقدم تجاربها وخبراتها الثقافية وتستغل دور النشر الفرصة لعقد صفقات البيع وكذلك الكتاب يبيعون كتبهم بالإهداء ويسوقون إنتاجاتهم الإبداعية وينتهزون الفرصة لإجراء حوارات ولقاءات مع وسائل الإعلام وكذلك الفنادق تتهيأ لاستقبال الضيوف الذين يأتون من ولايات بعيدة فيضطرون للحجز فيها والمبيت طوال أيام المعرض...

فالمعارض الدولية للكتب هي مقياس ومؤشر على مدى تطور الدول واهتمامها بالثقافة والاستثمار في عقول ابنائها ...

وقد صدق ديفيد ثورو حينما قال: "الكتب هي ثروة العالم المخزونة، وأفضل إرث للأجيال والأمم "..

والحضارة تبدأ بالاهتمام بالكتاب، قال والفيلسوف والأديب اللبناني ميخائيل نعيمة : "عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قوما متحضرين ".

***

الكاتب: شدري معمر علي   

..........................

1- وكببيديا.

1- الثقافة هي التي تسمو بالإنسان، وتقرّب بين البشر بصرف النظر، عن الجنس والعرق والدين واللون، وهي جسر حقيقي للتقريب بين الشعوب.

2- تدمير الدولة يبدأ بتدمير الثقافة ورموزها.

3- ثقافة القراءة جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة والتعليم، وهي قادرة على زرع

الفضائل في النفوس وحماية المجتمع من الشرور.

4- للمثقف الحقيقي أفكار وآراء خاصة به، ولا يردد أفكار وآراء الآخرين.

5- تتقدم المجتمعات بفضل أولئك القادرين على التفكير بشكل مختلف عن 99٪ من الأشخاص الآخرين.

6- القراءة رحلة عبر الزمن لا تنتهي. 

7- القراءة إختيار طوعي، وهي متعة ذهنية وجمالية، ما بعدها متعة.

8- يتوقف الناس عن التفكير،عندما يتوقفون عن القراءة.

9- قراءة الكتب تلبّي عدة حاجات نفسية لدى المرء، بينها الحاجة الإنسانية الأساسية للشعور بالانتماء.

10- قراءة كتاب واحد بتأن وتأمل أفضل من قراءة مائة كتاب على نحو سطحي .

11- ان الشيء الذي تقرؤه في سهولة ويسر، هو شديد الصعوبة في كتابته.

12- الكتب المفضلة لدى اي شعب، هي التي تحدد وعيه وثقافته.

13- السمة المميزة للكتاب الجيد، أنك تستمتع بقراءته أكثر فأكثر كلما تقدم بك العمر.

14- أفضل وسيلة لفهم الأمة ونفسيتها وثقافتها هي الأطلاع على الأعمال الأدبية للمبدعين من أبنائها.

15- الحياة هي التي تخلق الكتّاب المبدعين، وليس النظريات والتيارات الأدبية.

16- الفن يمكن ان يساعدنا في إستعادة الإحساس بالحياة.

17- التأريخ يحدثنا عمّا حدث، والأدب يحدثنا عمّا يمكن أن يحدث.

18- ليس مهمة الروائي ان يقصّ احداثا عظيمة، بل أن يجعل الأحداث الصغيرة مثيرة للإهتمام

19- الكتابة الإبداعية واحدة من أقوى طرق التخدير الذاتي، وهي طريقة فريدة لمكافحة انعدام معنى الحياة والوجود.

20- يخشى العبقري دائمًا أن يكون ما يكتبه سطحيًا، في حين أن الكاتب السطحي لا يخالجه الشك بأنه عبقري.

21- الكاتب الذي يفتقر الى الافكار وموهبة التخيّل، يلجأ الى الحذلقة اللغوية الفارغة.

22- الفن هو التفكير بالصور. وعندما لا تكون الصورة واضحة في الذهن، تأتي غامضة في الكتابة.

23- لكل منّا قيمه الخاصة، ونظرته الذاتية الى الأشياء، والتي تظهر دون وعي منّا فيما نكتب.

24- الأدب الحقيقي يسبق المجتمع في إستشراف المستقبل.

25- ما أكثر الأحاسيس والمشاعر التي يعجز الانسان - أي إنسان - عن التعبير عنها بالكلمات.

26- كل الكتاب المتوسطين متشابهون . اما الكتّاب الكبار فانهم مختلفون، ولكل منهم عالمه الابداعي الخاص.

27- ليس ثمة أية قواعد للعمل الروائي، ما عدا تلك التي يضعها كل كاتب لنفسه.

28- رواج الكثير من الروايات السطحية يعود الى ان مستوى تفكير مؤلفيها هو بمستوى تفكير قرائها.

29- لا يمكن لأي كاتب أن يكتب نصاً إبداعيا حقيقيا، الا اذا نسي خلال الكتابة االرقابة الحكومية، والرقابة الذاتية والتابوهات.

30- الروايات العظيمة تأخذنا بعيداً عن الواقع لتملأ الواقع بالمعنى.

31- الكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

32- العالم الجديد الذي تصوّره وسائل الاعلام يروعنا ليس بفظاظته فقط.

، بل بتجاهله التام والشامل للقيم الأخلاقية والروحية.

33- لا توجد محكمة أشد وأقسى من محكمة الضمير.

 34- مأساة الوجود الإنساني تسهم في فهم الحياة على نحو أقوى وأعمق.

35- الأمل آخر ما ينطفىْ قي روح الإنسان.

36- أثمن ما يمكن أن تقدمه لأي انسان، هو وقتك، لأنك لن تستطيع استعادته أو تعويضه أبدا.ً

37- يخشى العبقري دائمًا أن يكون ما يكتبه سطحيًا، في حين أن الكاتب السطحي لا يخالجه الشك بأنه عبقري.

38- الإبداع ينقذ الانسان من رتابة الحياة اليومية الباهتة، ويسمو به الى ذرى الوجود الانساني.

39 - الهدف الأسمى لأي عمل إبداعي، هو إدراك معنى الحياة وقيمتها.

40-  لكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

41- الحبر الوحيد الذي يستخدمه الكاتب الحقيقي هو دمه.

42- الكاتب الحقيقي يكتب عن عالمه الروحي ورؤيته للحياة في زمنه، لا عن أسطورة ملفقة يثرثر حولها في رواية من مئات الصفحات.

43- الكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

44- تتصف الرواية الجيدة بثلاث خصائص رئيسية وهي: الإبداع، والإمتاع، والإقناع.

45- لكل منّا قيمه الخاصة، ونظرته الذاتية الى الأشياء، والتي تظهر دون وعي منّا فيما نكتب.

46- مهمة النقد غربلة الحركة الأدبية المعاصرة، والنظر اليها بعين الحق، لا بعين المجاملة.

47- لا يمكن للانسان الواعي أن يعيش في هدوء وسعادة ما دام هناك أناس يعيشون في شقاء.

48- لا تقاس الحياة بعدد الأيام التي عشتها، بل بتلك التي تذكرها جيداً.

49- العقل يصبو دائما الى المستقبل، والقلب يرنو الى الماضي.

50- االسلطة الفاسدة أو الجاهلة تخشى المثقفين الحقيقيين وتريد قطيعا مطيعا لا اناسا يفكرون.

51- ليس المهم ما حققته في الحياة من إنجازات، بل كيف عشت كل لحظة من حياتك.

52- نحن لا نموت حين تفارقنا الروح..بل قبل ذلك، حين تتشابه ايامنا، ولا يتغيّر فيها شئء سوى اعمارنا و اوزاننا.

53- التقدم التقني من دون التطور الأخلاقي والروحي، لا يسهم في تحسين الطبيعة البشرية، بل يهدد بقتل إنسانية الإنسان.

54- يمكن للإنسان أن يتحمل أقسى المحن إذا كان لحياته معنى.

55- الوقت أثمن ما يملكه الإنسان .ومن العبث، إضاعته في قراءة روايات هزيلة، في حين ان الأدب العالمي زاخر بروائع أدبية عظيمة.

56- على الإنسان أن لا يخشى الموت، بل الحياة الفارغة.

 57- يمكن للإنسان المثقف أن يتحمل أقسى الظروف، إذا كان لحياته معنى.

58- نحن لم نختر الزمن الذي نعيش فيه، بل نحاول أن يكون لحياتنا معنى. 

59- لا تستطيع المرأة تغيير الرجل لأنها تحبه، أما الرجل فإنه يغيّر نفسه لأنه يحبها.

***

جودت هوشيار

تنوعت الأعمال الفنية في  المعرض الشخصي للفنانة التشكيلية عائدة الكشو خروف والذي تواصل الى حدود يوم 25 أكتوبر الجاري بفضاءات العرض في المسرح البلدي بمدينة صفاقس وذلك بالتعاون مع مندوبية الثقافة وبلدية صفاقس ..

المعرض تجربة أخرى تخوضها الفنانة عائدة ضمن سياقات عملها التشكيلي وفق وعي مخصوص بعلاقة الابداع الفني بعوالم أخرى ومنها الطاقة وما تمثله للانسان والكائنات من حاجات حياتية مهمة..عنوان المعرض كمضامينه الفنية وهي المحيلة اليه وهو" الطاقة " وقد تطلب الاعداد والعمل بخصوصه فترات من الزمن ويندرج ضمن مشاريع الدعم لصندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني لوزارة الشؤون الثقافية..

في هذا الخصوص وعن منجزها الفني في معرضها هذا تقول الفنانة التشكيلية عائدة الكشو خروف "...أعرض هنا أعمالا فنية متعددة التلوينات والتقنية تماهيا مع الفن في علاقته بالطاقة حيث العلم يتقدم في مجال الطاقات وقد افدت من الجوانب الفيزيائية وكذلك من الناحية التقنية ومنها الطاقة البحرية وقد بحثت فيها حوالي سنة ..في مثل هذا العمل الذي توغلت فيه كان هناك احساس..نعم ولا بد من الاحساس بالقوة في هذا العمل المضني والممتع  وهو ما عشته كما أني عملت على المادة والتشاف وفي لوحة "طاقة "هناك عمل تقني  مع " داتاشو "حيث ما هو لا مرئي يصبح مرئيا كما ان ذلك مكنني من عرض ما هو فراغ واعني طاقة الفراغ وعملت بقواعد كيميائية عبر تقنية الحفر ..و هناك أعمل اخرى. وكل هذا تم بحساسية فنية عالية عشتها مع الطبيعة في علاقة حميمة ويومية منذ صغر سني الى جانب ما يتوفر في البيئة من تنوع وطبقات وهذا رافقني منذ طفولتي والمهم في كل هذا انني اعي واعرف ما يلزمني عمله وفعله وانجازه...".

عمل فيه بحث أفدت خلاله كثيرا من المعارف والتقنيات والعلم وبالمناسبة أشكر هنا كل من المختصين في المجال على غرار الدكتورة إيناس الصافي والأستاذ خالد الكراي.

أعمال فنية.. لوحات مختلفة الأحجام والأشكال قولا بحسب الفنانة صاحبة المعرض عائدة كشو خروف بالفن اللامرئي المحيل الى ما هو غير مرئي في عناصر الطاقة وقد استعانت في منجزها الفني هذا بخبراء في مجالات الطاقة لمزيد اثراء الأعمال الفنية واكسابها حالات من التعبيرية الجمالية البينة .

المعرض شهد اقبالا من الفنانين التشكيليين وزملاء وزميلات الفنانة العارضة من المجالات الابداعية والتشكيلية فضلا عن النقاد والأكاديميين من معهد الفنون الجميلة بمدينة صفاقس.

تجربة جديدة للفنانة عائدة الكشو خروف ضمن نشاطها الفني التشكيلي بعد عدد من المشاركات الفنية والمعارض الجماعية وكذلك المعارض الفردية التي أبرزت فيها نظرتها المخصوصة للفن ومنها هذا المعرض الذي يشير بحسب الفنانة عائدة الى مكانة الطاقة كمعطى حيوي في حياة الناس وما يمكن أن يحدث بسببه من ارباكات ونزاعات وحروب وهنا تمضي الفنانة في رسالتها الفنية الدالة على كون الطاقة فكرة أمان وسلام قبل أن تشكل مشاغل ومشاكل في العالم وفق فهم الانسان المختل والمنقوص للأشياء والعناصر.

عائدة كشو خروف في سياق تجربتها ومعارضها الفنية ومنها المعرض الأخير "طاقة " بالمسرح البلدي بصفاقس فنانة تخيرت نظرة مخصوصة في كون الفن لا يعيش لوحده معزولا ومنعزلا عن قضايا الناس ومشاغل العوالم بل انه في صلب الاهتمام الانساني وقضاياه وحاجاته الملحة..انها لعبة الفن كطاقة حسية وجدانية حالمة ومعبرة تجاه الانسان والعالم.

***

شمس الدين العوني

Broken heart syndrome - هي حالة مَرَضية للقلب تحدث خاصة بسبب التعرض إلى مواقف مثيرة للتوتر ومشاعر شديدة الوطأة.

تسمى أيضا هذه المتلازمة باعتلال "تاكوتسوبو القلبي" (Takotsubo) وهو اسم  ياباني يستخدم لوصف الوعاء الدائري ذي القاع الذي يكون ضيقا من العنق، ويستخدمه اليابانيون لصيد الأخطبوطات وجعله فخا للإيقاع بها، ولأن شكل هذا الوعاء يشبه بدرجة كبيرة مظهر البطين الأيسر لقلوب المصابين بالمتلازمة، فقد سميت بهذا الاسم.

وتتمثل  متلازمة القلب المنكسر في أنه  نتيجة للحزن  و الضغوط النفسية والجسدية فإن الجسم يفرز هرمونات التوتر في الدم، مثل الأدرينالين والنورأدرينالين فتتداخل هذه الهرمونات بشكل مؤقت مع وظيفة القلب وتؤثر عليها، مما يسبب تشنجا في الشرايين التاجية لينتهي الأمر بحدوث خلل في تدفق الدم إلى القلب..خلل يؤدي إلى ضيق في التنفس وأوجاع في الجنة اليسرى للقفص الصدري.

ما أكثر الأحداث التي عشناها فانكسرت لها قلوبنا..فقدان قريب ..خذلان حبيب..انطفاء صديق..

إن ذاكرتنا وهي تستحضر تلكم المواقف التي عشناها وانفطرت قلوبنا بسببها نعجز معها على وصف ما ٱلمنا، حينها، بالعبارات التي تقتضيها مشاعرنا..تكون الذكرى موجعة إلى درجة نعجز معها عن وصف شدة الأسى.

 ربما أصبنا وقتها بمتلازمة القلب المكسور..

من المؤكد أنها لم تود بحياتنا ولكن من الراجح أننا أحسسنا بمضاعفاتها.

ربما  لو راجعنا الطبيب خلال حزن ألم بنا أو وصب كابدناه  لأكد لنا المضاعفات التي حصلت بسبب ذلك  كتراكم السائل في الرئتين أو عدم انتظام ضربات القلب أو احتمال حدوث جلطات دموية في القلب.

ونحن نتابع ما يتعرض له إخوتنا في ف-ل-س-ط-ي-ن من إبادة تدمى لها القلوب..صحيح أننا نشعر بألم كبير من أجلهم ..ولكن ماذا يساوي ما نحس به بالمقارنة مع أم يدفن العدو أولادها أحياء أمام عينيها..أمام رب أسرة قضى كافة أفراد أسرته بفعل قنبلة ألقاها العدو..ماذى يساوي ألمنا أمام لوعة من يشاهد أشلاء أقاربه وجيرانه متناثرة وليس هناك أكفان تكفيها وتسترها..أمام والدين يتضور أطفالهما جوعا وعطشا والمؤونة تنفد والحدود مغلقة..

أمام كل هذا وأكثر.. أمام كسر قلوب إخوتنا..أمام التنكيل بهم، ماذا تساوي انكساراتنا..وماذا تعني معاناتنا ..ومامدى وجع خيباتنا وٱلامنا بالمقارنة مع ما يشعرون به؟

***

درصاف بندحر - تونس

ترميم الثقافة بمكناس يشابه تأهيل المدينة العتيقة المهترئة من حقب الزمن الماضي. فالمدينة باتت تنتج القصور الثقافي الملازم، وتسلية الزمن التنموي التكميلي بمهرجانات لا أثر لملمح الجدوى فيها. فيما القبة الخضراء، فهي تعيش في جفاء إن صح التعبير مع مكونات الثقافة بمكناس. قد لا نتعلم من نقاش أزمة الفعل الثقافي بمكناس الحوار الديمقراطي، ولكن قد نتعلم لزوما منه، التخلي عن مواقفنا السلبية المسبقة، وعن فكر الإقصاء والاستئصال. نتعلم بدايات طرح السؤال المستفز: هل مكناس تعيش أزمة ثقافة، أم بنية الأزمة الكلية؟ من هذا قد نتعلم فسحة من الأجوبة غير السفسطائي، وغير البلهاء بالتراخي.

مكناس تَهربُ الثقافة منها بدا، ونحن لازلنا نقعد ونفكر في استلهام علامة لمدينة الثقافات! ففي النقد المباح، نرفع الحرج عن الذات، وعن الآخر المؤسساتي (الرسمي)، لكنا في الحقيقة سواء في تحمل تبعات نكوص وتخلف الفعل الثقافي بالمدينة. وعند البحث عن السبب والعلل، نجد عوامل صغرى وأخرى كبرى، ساهمت في التخلف الثقافي، ساهمت وبقوة العوامل الداخلية المنتجة للفعل الثقافي المؤسساتي بالمدينة في تتميم وتثمين بناء هرم أزمة الثقافة بمكناس!!

من حقيقة الفرضية، أن معوقات التنمية بمكناس ليست لصيقة بالسياسة، ولا بالنمو الاقتصادي، بل هي آتية من عوامل إتلاف الثقافة المرجعية للمدينة، والتي ضيعنا فرصا بمتتالية (ادفع) لإعادة الاعتبار لمكناس بالمكانة المعيارية، وصناعة نهضة ثقافية تكون الحصن الحصين لموجهات التنمية الركيزة في بناء الإنسان والمكان. فإذا كانت المسؤوليات الأولى في القبة الخضراء (المركز الثقافي محمد الفقيه المنوني)، في شق حماية الوجه مُسْبقا من كل الضربات الجانبية، تعمل على افتتاح الموسم الثقافي بالاحتفاء والصورة النمطية (الثقيلة) و(المفبركة)، فإن إمطار النقد لهذه القبة بوابل من العتاب اللين، ممكن الوجود بالترميز والتصريح، على اعتبارات أساسية فرز المعوقات الداخلية لهذه القبة الخضراء بالتشخيص !! والعمل على إيجاد حلول لما سد الخبر من مبتدأ الثقافة المغيبة بمكناس.

طبعا، نحن لا نتحدث عن ثقافة المهرجانات (المنشارية) المدعمة بالكرم الحاتمي، ولا عن ثقافة ندوات الظل والرطوبة الوسائطية، فاليقظة الثقافية العالمة بمكناس باتت سلعة تاريخية نادرة، بمرجعيات المدينة المنهكة في خلافاتها الجدلية. وهذا ليس هو القاعدة القطعية في الثقافة السائدة بثابت الحمولة النظيفة (الاستثناء)، وبمتحول المؤقت الدخيل بالتفاهة الرخوة (المتغير). لن نختلف باعتبارنا للثقافة سلطة واضحة وحاكمة وغير مرئية (طَاقيةُ الإخفاءِ)  لصناعة مستجدات القيم والسلوكيات، وتجسير التحولات الاجتماعية بتوليفة التواؤم. لن نختلف بتاتا، ويمكن الافتراض أن تكون أزمة الثقافة بالمدينة، معولا يعوق نمو ذكاء الساكنة، وسياسة التمكين الشمولية.

إن عطب المدينة الأول، هو عطب أزمة الثقافة التفاعلية. عطب في غياب امتلاك الثقافة السياسية والتنموية. عطب مزدوج آت من شق البناء الاجتماعي والديموغرافي، وغياب استيعاب عناصر التحولات التي جانبت القيم والأخلاق النظيفة. إن الهندسة الثقافية بالمدينة، لن تتم عبر برنامج سنوي من مند وبيات وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بل الهندسة الثقافية المندمجة، وما يليها من هندسة الأبعاد السياسية والاقتصادية، تتكون بداية من فهم رهانات المدينة الكبرى، وتلك الأذن للإنصات صاغية على اعتبار أن" الثقافة مسلك تكوين أكاديمي/ هندسي/ تواصلي...).

فالدعوة التي يطفو الرأي الرصين من خلالها كخلاصة من هذا (البوليميك/Polemique) في أزمة الثقافة بمكناس، هو البحث عن الفئة المستهلكة للثقافة من ساكنة مكناس، وعن حاجياتها السبقية، قبل إيجاد المثقفين الأوائل والجدد، والمتفهمين من جيل مهرجانات الثقافة (المنشارية/ طَالعْ وَاكلْ... نَازَلْ وَاكلْ)!  إنها مكناس يا سادة  من فضلاء ثقافة القبة الخضراء، ومن يليهم بالصفات والألقاب، التي تحاول الإقلاع من دوامة دوارة المعيقات المتعددة المشارب! إنها مكناس التي باتت تُراهن على إحياء عمقها التاريخي، وإعادة توظيف الموروث الثقافي الأصيل المادي واللامادي، في غياب النهضة الثقافية الموازية.

***

متابعة للشأن الثقافي محسن الأكرمين

قضيت سهرة في حوار إستنزف طاقتي وأعصابي مع مراهقي جيل الألفية كنت أحكي لهم عن مراهقتنا وعن تلك الفجوة السحيقة بين الأجيال..

أنا من جيل الثمانينات الجيل الذهبي  الذي شهد صراعات وحروب وبداية تحول العالم إلى التطور التكنولوجي الممل الباهت وغياب للمتعة الحقيقية. شهدنا حرب الخليج وغطينا نوافذنا بأوراق الألومنيوم والأكياس السوداء في حالة من الرعب والترقب والكثير من الأمل، أقمنا في منزل عمي الأكبر رحمه الله مع عائلة من أشقائنا الكويتيين لعدة أشهر،  كأطفال كنا نلعب في الفناء ثم ننقسم إلى أحزاب وينشب نزاع حاد على قطعة حلوى ينتهي حالما تنزل أمهاتنا ليخبروننا أننا إخوة نحضن بعضنا ونتقاسم الحلوى بالتساوي ثم نتعاهد على الصلح.

عند كل صافرة إنذار يحملني أخي على أكتافه قائلاً "عند بدء الصافرة يستطيع بابا سماعنا" ألوّح لأبراج المراقبة والأقمار الصناعية بكل قوتي وأصيح في الشارع وأنا على يقين تام أن صوتي سيصل إلى والدي المرابط في الجبهه كي يعود إلينا سريعاً، لا أذكر كيف إنتهت الحرب ولا متى ولماذا بدأت ، معتقدة أن الحرب كان من الممكن أن تنتهي كما ينتهي شجارنا في الفناء، تأتي أمهاتنا ويذكروننا أننا إخوة ثم نتقاسم الحلوى بالتساوي ونتعاهد على الصلح ، يؤرقني سؤال "كيف لنا كمسلمين أن نقتل بعضنا؟"  أسأل بقلب طفلة يلتهمه الحيرة ولم أتلقى إجابة مطلقاً.

في الحب..

كفتيات إستشعرنا معنى دعاء "اللهم إنا نعوذ بك من كآبة المنظر وسوء المنقلب" ورأينا "كآبة المنظر" أمام أعيننا ، شباب يتصرمحون في الشوارع بأشمغة الكوبرا يتجولون بسيارات من نوع "الكوريلا والكامري والكرسيدا" يمسكون بلوحات بيضاء مكتوب عليها رقم هاتف بأكبر خط ممكن يعبرون عن إعجابهم عبر أغاني مسرّعة وبمعجزة ما كانت أسماؤهم جميعاً "فهد أو خالد"

أما "سوء المنقلب" فهو وقوعنا بالحب.

ومع ذلك وبالرغم من كل الرذى أحببنا بصدق..

لعنّا المسافات وكرهنا البعد، وعرفنا ماذا يعنيه الشوق والحنين،إشترينا بطاقات  "ألو وزجول" للإتصالات المحلية والدولية وتعلمنا أن نقول كل ما أردنا خلال عشرة دقائق لأن الوقت والظروف المادية لم تسعنا لدفع ثمن بطاقة أخرى فضلنا أن نوفره لشراء "كاسيت" لألبوم أغاني كاظم الساهر وماجد المهندس وإيهاب توفيق وأغاني الزمن الجميل لنشغله في محادثتنا القادمة على مسجل محمول ونسمعه للحبيب.

تعلمنا كيف نحشو كلماتنا بالعاطفة بأي طريقة نعبّر؟ وأي شعر نقرأ؟ وهل نتكلم نحن ونعترف بكل صراحة وجرأة؟ أم نختبيء خلف أغنية؟

كان إشتياقاً حقيقياً ساخناً موجعاً، شعوراً يختلف كثيراً عن الشوق الإفتراضي الآن..

قرأنا دواوين نزار قباني والأمير خالد الفيصل وكبرنا على قصص الحب الخالد والعذري. في صالوننا مسجل قديم يعود لجدي وإسطوانات أغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ،كنا نجلس على ضوء الشموع وتلك الألحان تصدح بالمكان بسهرة شاعرية دافئة مع أمي وخالتي وعماتي يحكين إلينا عن زمنهم الجميل ويشتكين أيضاً من صراع فجوة الأجيال..

كتبنا رسائل ورقية مرفقة مع صورنا التي انتظرنا تحميضها ووضعنا معها ورود حمراء ذبلت وماتت في طريقها الشاق للحبيب  إحتفظنا بها في علب حديدية بمفتاح صغير لايملكه سوانا، ذهبنا لغرف كبائن الإتصالات لمحادثاتنا العاطفية وعرفنا معنى السرية، معنى الخصوصية ، معنى القداسة قبل أن يتجسس علينا العالم..

رغم أنني كنت صغيرة جداً على الحب لكني أردت دوماً أن يعترض طريقي بالصدفة وأعيشه على تلك الطريقة التقليدية.

دائرة معارفنا محدودة ولاتتخطى الجيران وصديقات المدرسة لعل هذا ما أضاف لها عمقاً إستثنائياً ، لم نمتلك وسائل ترفيه كبيرة لهذا كان علينا أن نخلق متعتنا بأنفسنا..

إعتدنا انا وبنات الجيران أن نجتمع في السطح نحضر الكعك والشاي والقهوة العربية وسجادة حمراء نجلس عليها نخبيء مسجل صغير لسماع أغاني عبدالكريم عبدالقادر بصوت منخفض  خوفاً من أن يصعد جارنا الملتزم ويكشف أمرنا،نصغي بإنتباه إلى قصة الحب السرية لجارتنا بإعتراف إنتظرناه سبع سنوات نتجاوز حقيقة أن ذلك الحبيب الشبحي لايعلم عنها شيئاً وأن قلبه مع فتاة أخرى ..لم يكن المكان ولا الأجواء شاعرية بل كان سطح يعلوه الغبار تتدلى منه الأسلاك الكهربائية وخزانات المياه وحبال الغسيل، يختلط صوت عبدالكريم عبدالقادر بأغنية "الحب لك وحدك" مع صراخ الأطفال في الشارع وشتائم لاعبي كرة القدم النابية.

ومع ذلك وجدنا المتعة في تفاصيل صغيرة، منظر غروب الشمس،  نسمة الهواء، جمال عيون خلود وجاذبية كثافة شعري، في بساطتنا ومنظرنا بالبجامات وقمصان النوم وذوق فاطمة الكارثي في الملابس في جمعتنا، في مواضيعنا وقصصنا حقيقة كانت أم ملغمة بالأكاذيب..لايهم

و لأنني كنت لا أمتلك قصتي الخاصة أعيش الحب بحياة الآخرين أتقمص معاناتهم وأكتب النهايات التي تمنيتها طويلاً، أعتقد أن كيوبد"إله الحب في الأساطير الإغريقية" قد زارني في إحدى الليالي المظلمة ليطلق سهم حب واحد أصابني في رأسي ثم أدار ظهره وهجرني للأبد ليتركني بطاقة حب مهدرة وبثروات عاطفية مهملة أسأت إستخدامها ..

في المدرسة..

معظمنا ذهب للمدرسة مشياً على الأقدام، داومنا في الحر وفي الصقيع وتحت المطر وإمتحنا في نهار رمضان لأننا كنا نعلم أن للنجاح طريقاً صعباً وشاقاً لايختصر بمجرد فتح حساب على سناب شات والتيك توك وتجميع متابعين وثمناً حقيقيا غالياً غير صناعة المحتوى الرخيص وإثارة الجدل..

كان للمعلم قيمة وتقدير وهيبة والمعرفة صعبة والوصول لمعلومة ما ليس في متناول الجميع وتحصيل الدرجات إشترينا أشرطة الفيديو ذات الجودة السيئة لشرح أساتذة الرياضيات والكيمياء والفيزياء

كنا نبيت مع بعضنا أيام الإمتحانات لنداكر سوياً وللكثير منا عضوية في مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة نتفاخر بدرجاتنا لأننا لم نحصلها بسهولة  نذهب مع أمهاتنا لإستلام الشهادات صباحاً بفساتين العيد ثم نتسلل خفية للبقالة نشتري تسالي وألعاباً نارية..

في العطل المدرسية..

لم يمتلك العديد منا رفاهية السفر كل عام نسلي أنفسنا بالمجلات الفنية وأخبار المشاهير نقرأ صفحات الأبراج وصفحات طالبي الزواج نقلب التلفاز على قنوات الفيديو كليب ونلعب لعبة إختيار رقم عشوائي لقائمة العرسان في المجلة ونهديه الأغنية القادمة نعطيهم أسماء ونتنمر على بعضنا بإختيارتنا وتعاسة حظنا الذي كثيراً ما حذفني إلى اليوم على العجائز ومراهقي الخمسينات ..

نجتمع لمشاهدة أفلام الرعب أو سماع قصص عفاريت كبار العائلة وبطولاتهم الماورائية

إلتزمنا بنظام حمية غذائية صارمة وتابعنا برامج مريم نور وأعشابها السحرية فتناولنا الطحالب البحرية وشربنا شاي الكمبوكتا والأمبوشي وخبز الشعير ومحلول الكركم  وجدول عناية شخصية طوال عطلة الصيف لنبدو بأجمل صورة عند عودة المدرسة أو ربما لعريس منتظر..

كنا نملك دليل الهاتف الضخم بأوراقه الصفراء لأرقام معظم عائلات مدينتنا ولأني أبتليت بخرافة الحب الأسطوري الذي سوف يظهر من العدم تخيلت أني ربما أعثر عليه برقم عشوائي أختاره مغمضة العينين من دليل الهاتف  كل مصيبة وقعت بها أكبر مما قبلها بسبب هذه القناعة..

نحن جيل لم تركع عند أقدامنا الفرص ولم نصل إلى ماوصلنا إليه بسهولة ولم نتعلم فنون الإقناع والغواية والوصول السريع.

لهذا ..نقدر كل شيء.

***

لمى ابوالنجا – كاتبة سعودية

في المثقف اليوم