أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

غير ما مرة تصيبني أزمة لعنة الكتابة التي تماثل لعنة الشيطان الكبرى، فأبيت ليلي محاطا بكوابيس من جهنم. مرات عديدة لا يُسعفني التفكير على إنتاج جملة مبعثرة، فبالأحرى الأفكار المتناسقة. مرات متكررة من ليلي، أبِيتُ ألعن كل الكتابات التي لا تقتحم مناطق الظل المتكهربة، والتي لا تبحث عن معنى جديد للحرية. ألعن كل الكتابات التي لا تحمل أسلحة مقاومة أشكال الفساد والتفاهة والتغرير بلا نهاية. ألعن كل الكتابات التي لا تُفزع عش الدبابير بنار التنوير والتجديد والحكامة.

لن تغنينا كل الكتابات نفعا إن لم تسعنا بوابة العيش المشترك، والسعيد في حضن تأمين السلام وجودة الحياة. وقد لا نصل إلى التحديث المتكامل بتلك العقلانية العمودية المنتصبة بالنقد وتفتيت صفحة البدائل، ولكنا في نفس الصفحة البيضاء يجب الإبقاء على السيرة التاريخية للوطن والمجتمع التضامني حاضرة، وتأصيلها بالتداول الرمزي والتكافلي.

حقيقة متزاحمة بالتراكم، فكم استهلك المجتمع توابل التنوير والحداثة (البعدية)، لكنا بالمقابل بقينا أوفياء لقيم ثقافة الأجداد، والإرث الشعبي المتواتر بالنقل. بقينا نلاعب التصورات الفلسفية والفكرية، من منظور وضعياتنا الاجتماعية والسياسية، ونحن نبحث عن حلول لاصقة لتحديد أجوبة عن (من نحن؟ ومن الآخر؟). ومن بين المستملحات، وكانت ضمن خيبة رسوبنا، فقد أصبحنا (نحن) لا نُحسن مشية الطاووس (الآخر)، ولا نتقن حتى ما علم الغراب (قابيل) من عمليات دفن أخيه القتيل.

لم يَعدْ أحادي المعرفة متمكنا ولا أقصد مسلك اللغة، بل بات البحث عن التنويع الثقافي مشروعا لتشكيل الهويات المشتركة، وسد فجوات الهوية الفردية المجحفة. فمن الأكيد أن البحث عن الملاءمة الكونية (أنا والآخر) أصبح بحث مُضنيٌ، وغير ميسر في ظل صراع الحضارات المتنافرة. ومن نوافل القول: حين يبقى التفكير متحركا على بِرْكة من الخوف، ويحتفي بالرمزية التقليدية في القادم من الحياة، دون التفكير في نواعم السعادة والتجديد، تنتهي سلطة الترقي العقلي.

من الأكيد أننا نفكر في السعادة وجودة الحياة، مثل رؤية قبلة البطل للبطلة الجميلة في نهاية فيلم الحياة، ونحن لا نفكر غير في النهاية السعيدة من همِّ الحياة. لنُقَعد قولا: فحين تُفسد السياسة العامة للدولة ومكوناتها الحزبية، قد تفسد المؤشرات الكبرى البنائية لزوما، ويصبح المستقبل متقلبا بالتوتر. من هنا فاعلم أن عيش الهوية لن يكون سويا في الغايات والموجهات المشتركة، بل يتحدد في إنشاء مخفضات للصدامات غير المحسوبة ولا المقدور على ضبط أثرها.

فكم كان فصاحة الحمار تصريحية حين قال: بصيغة المطالبة بمقاربة الإنصاف في الأكل والمشرب والنوم مع نوع جنس الجمل، فحين بقيت تلك الحصيرة الخفيفة لانطلاقة رحلة التغيير، صاح الحمار حكمة (زيدها ما نايضش ... ما نايضش...). هو التمثل الكافي بين رؤية الحمار و صمت الجمل حين حملنا الديمقراطية ما لا تطيق من كمّ تعليق الحرية على مشجبها. حينها أغفلنا سلطة الحكامة الحاسمة في التخطيط والمتابعة والضبط، حينها بتنا نصنف القوم بالتمايز والتفاضل فمنهم (الذهب الخالص) لمن يوافقنا الرأي ويقول: دوما (نعم) وبلا نقاش ولا جدال ولا مطالب، لأنه أصلا مستفيد من الريع (حلال) .

حينها صنفنا المعارضين والناقمين على الوضعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية باسم (الحديد المصدي). حينها بات أصحاب الأعراف والوسط، من الذين يجمعون حسنة (الذهب المشحر) من التحكم، و منقلب رمز (الحديد المصدي) عند من نصبوهم من الشعب للترافع عنهم. هم إذا، فصائل من قومنا من متغير (النحاس المصقول)، والشبيه بالذئب الذي يبكي مع الراعي حين ضاعت أغنامه ، ويلهو مع الغنم المغرر بهم خفية، وهو الذي يأكل من أغنام (الراعي)، ويستغل سياسة (الريع حلال) عند غفوة الجميع.

تسقط مِنَّا الحكمة لزوما، حين بات القوم خليطا غير متجانس من المعادن والكائنات المتحركة. تسقط الحكمة، ومن بابها تسقط لعبة الديمقراطية التي لم يقدر تعبير الحمار الاستدلال عن مفهوم (الإنصاف والمناصفة). اليوم بات الفعل السياسي والثقافي من الخطابات التي لا تصنع نمارق السعادة. بات فرح السعادة من الصعب أن تجسدها أية كوميديا (ملهاة) مسرحية. بات الفرد يمشي وهو يفكر بجسده كأنه جثة متحركة بلا عقل، وهو لا يعلم أفق الانفراج وجودة الحياة.

***

محسن الأكرمين

لا أريد السفر

لا أريد أن أرى بلاداً أخرى

أعيش وأموت هنا

هناك نوع من البشر يرتبطون في الأماكن لدرجة أن أرواحهم تصبح جزء من الحجارة والأشجار والتراب؛ هناك نوع من البشر لا يهتمون بالعواصم العالمية ولا السياحة الجذابة، بشر عاشوا في مكانٍ واحد بيتٍ واحد وتحول إلى عاصمة ودولة وكوكب صغير يمتلك أرواحهم وتسكنه أجسادهم؛ هناك بشر تجاوزوا كل الشهوات والمتع الجسدية وسخروا حياتهم للآخرين، ماذا يحبون وماذا يريدون، وقبعوا في ذلك البيت الصغير أو الكبير يرون العالم من خلاله دون تلهف ولا رغبة، وينظر إليهم العالم باستغراب لأنهم ليس لديهم أدنى فضول ليكونوا في مكانٍ آخر غير هذا المكان.

هذا النوع أصبح حجر في البيت وشجرة في الحديقة ونافذة في الجدار، لم يعيش سوى في ذلك البيت يزرع أشجاره ويرمم أي حجر به ويربي حيواناته التي يحبها وتحبه.

يكفي أن يجلس على شرفة منزله في الصباح يشرب الشاي ويفطر مع أولاده تحت أشعة الشمس الدافئة كي يتحول الكون إلى جنة على الأرض، يكفي أن يناديه جاره ليساعده في أي أمر من الأمور ليذهب راكضاً إليه لأنه جاره وأخيه منذ عشرات السنوات بل منذ الأزل وإلى الأبد، يكفي أن يذهب على شاطئ غزة يجلس على إحدى صخور الميناء المهترئ يراقب بحر غزة شديد الزرقة وأمواجه التي لا تتوقف عن ضرب أحجاره لسنوات وسنوات دون أن تتمكن من إغراقها وسحبها لأعماقه، تأبى أحجاره الميناء المهترئة أن تغرق كي لا يحزن أهل غزة لأنه الميناء الوحيد لمدينتهم، ميناء وحيد ومهجور ولكنه يجعل أهل غزة يشعرون أنه توجد لديهم صلةٍ ما مع العالم الخارجي، يحلمون بأنه ربما تأتي سفنٍ ما يوماً ما تحمل أقاربهم وأهلهم في الشتات، أن تأتي البضائع والتجار، أن تأتي الحياة مع تلك السفن الآتية من خلف الأفق، ولكن لا أحد يأتي ويبقى الميناء المهجور في الانتظار وفي مقاومة الأمواج.

يكفي أن يمشي في شوارع غزة يشتري سندويشات الفلافل مع أولاده ويأكلون البوظة في محل كاظم، ثم يشترون الأشياء الجميلة في شارع عمر المختار؛ يكفي أن يزور جدته وأقاربه ويجلسون تحت شجرة التين الكبيرة، يضحكون ويأكلون وينسون ولو لبعض الوقت من استشهد ومن تم إبعاده ومن رحل ولم يعد ومن مات قهراً ومن مات حزناً؛ يجلسون معاً كي ينسوا تلك البنادق المصوبة عليهم عند نقطة "إيرز"، كي ينسوا أنهم حين يسافرون يكون سفرهم قطعة من الجحيم.

يكفي أن يشعر بذلك الدفء والكرم والمحبة في قلوب من حوله، لم يكن يريد حباً آخر، ولا بلداً أخرى، ولا وجوهاً أخرى؛ اكتفى بغزة بحزنها وجمالها ووحدتها وعزلتها وصمودها، اكتفى بها قطعة في القلب ونور في الروح، حتى أنه حين يسافر لأي بلدٍ أخرى يشعر بالاختناق ويريد أن يعود مسرعاً إلى بيته وأهله وغزته.

أجل، هناك بشر يرضون بالقليل ويجدون أن هذا القليل كثير ولا يريدون غيره، ولكن حتى هذا القليل أصبح كثيراً بالنسبة للصهاينة ولابد من انتزاعه وتدميره.

تأتي رسالة تهديد صهيونية: غادر بيتك خلال ربع ساعة قبل أن يُهدم.

نظر حوله ماذا سوف يأخذ وكيف سيخرج مع أسرته وهل يمتلك الوقت الكافي كي يهرب معهم إلى أين، أين الأوراق الرسمية، أين ذهب زوجته، أين الأولاد، أين...أين...

وقف وسط بيته ينظر إلى كوكبه الصغير الذي لم يكن يريد من هذه الحياة سوى أن يكون به، أن يموت ويعيش به، وتخيل للحظات أنه يخرج مع أولاده وزوجته، يركضون في شوارع غزة يهربون إلى اللامكان، أو ربما يتم ترحيلهم إلى مدنٍ أخرى ودولٍ أخرى، والذل يحلق فوق رؤوسهم، والبؤس يسكن قلوبهم والقهر يكسر أرواحهم؛ وفجأة قرر وقال لأولاده وزوجته:

_ إذا رغبتم بالرحيل غادروا، ولكن أنا باقٍ هنا، عشت هنا وأموت هنا، الصهاينة كسروا الكثير في حياتنا ولكن لن يكسروا أرواحنا؛ نحن بشر ولم يعاملونا كبشر، لكن الموت فقط يُثبت لهم أننا بشر، وأن الروح لا تموت ولا تُقتل ولا تُحرق بقنابل الفسفور، روحي وأرواح الشهداء ستكون لعنتهم الأبدية. أريد الشهادة لأشعر أنني عشت ومت بشراً بعزتي وكرامتي. مقابل الذل أرحب بالموت؛ ومقابل التهجير أرحب بالشهادة.

***

سناء أبو شرار

ترجمة: محمد هاشم محيسن

خوسيه ماريا ميرينو روائي وشاعر وقاص وكاتب مقالة وعضو في الأكاديمية اللغوية الملكية الأسبانية ولد في مدينة غاليثيا الأسبانية عام 1941 ويعد من الكتاب الأسبان المعاصرين الذين لهم صدى واسع في المجتمع الأسباني لديه نتاجات أدبية في مجال القصة والرواية والشعر والمقالة وتتميز قصصه بموضوع السفر والغربة والخيال ووصف الطبيعة. حاصل على عدة جوائز أدبية منها الجائزة الوطنية الأسبانية للآداب في عام 1986عن عمله الموسوم "الضفة الغامضة"، والجائزة الوطنية لأدب الطفولة، والشباب في 1993 عن عمله الموسوم "قطارات الصيف". لديه دواوين قصصية مشهورة من بينها يبرز ديوان " المسافر التائه" الذي أصدره عام 1990، الحافل بالمتعة وجمال الأسلوب الأدبي، وبتقنية التشويق القصصي التي يثيرها عند القارئ، ويتحدث فيه عن السفر والغربة والخيال ووصف الطبيعة وحياة الناس اليومية. وضياع الأمل، والخيال القصصي الأدبي . هذا الديوان يضم مجموعة قصص ابرزها: "المسافر التائه" و"مضمار ريفي" و" الأسرى" و"مناظر خيالية"، و"اللحن الأخير". يقدم شخوص هذه القصص مسألة الغربة والسفر وضياع الفكر، واستحالة الذاكرة، يمزج فيهم الكاتب واقع الحياة اليومية والغموض الأدبي، ولا يمكن تخمين كيف تكون نهايتهم في نهاية القصة.

 في المقطع الاخير من قصة "اللحن الاخير" في ديوانه القصصي يقول الكاتب:

وصل الرجل العجوز منطقة (ريتيرو) المليئة بالأشجار والظلال وجلس على مقعد مستندا على عصاه الخشبية البالية. وبدأ يعزف بمزماره ووصل لحنه الجميل إلى أناس القرية، وتجمع حوله بعض الصبيه وهم يتأملون كيف يمسك بيد مزماره، وباليد الأخرى يمسك عصاه الخشبية وعندما شاهدهم حوله فرح وكان يرى في أعينهم ذكريات الماضي، في ذلك الحين كان الطقس جميلا والحرارة معتدلة، وضوء الشمس منكسر على أغصان الأشجار، وهذا المنظر ذكره بالجبال في قريته . وعندما انتهى من العزف ذهب الصبية وبقى يتأمل الأشجار وظلها متخيلا أشياء كثيرة كأنها تدور حوله، وعلى الرغم من الطقس المعتدل الحرارة إلا أنه شعر بالبرد ورفع مزماره، وعزف لحنا، ومن بعيد رأى مصابيح المدينة وترك العزف ليستعيد نفسه برهة من الوقت ثم عاود من جديد العزف لكنه رأى الشيء الغامض الذي كان يتابعه في سيره، وحاول أن يغمض عينيه كي لا يراه غير أن ذلك الشيء الغامض اقترب منه كثيرا، وانتهى عزفه. وفي ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي مر من قربه فلاح فرآه جاثما لا يتحرك فأدرك أنه ميت، وهو جالس ويده اليمنى على عصاه الخشبية البالية المعقوفة الرأس، ويده اليسرى على مزماره، وهو قرب صدره كأنه يرتاح برهة من الوقت، لينشد لحنا آخر جديدا.

***

علي مدى يومين متتالين استمعت بقراءة رواية الكاتبة جميلة بلطي عطوي وهي روايتها الأولى بعد إصدارات أخرى في الشعر أهدتني منها مشكورة ديوانها أحلام ومراكب

تحكي الرواية عن السيدة (تونس) وهي أم لثلاثة أبناء (ولدان وبنت) هاجروا كلهم إلي أوروبا (الحلم ) وتركوا لها الوحدة و أمراض الشيخوخة تنخر جسدها الضعيف .الأم كانت تسكن شقة صغيرة انتقلت إليها بعد أن باعت منزلها الكبير كي تساعد الابناء في دراستهم (خارج الوطن) لكن الأبناء استقروا ثلاثتهم هناك وأخذتهم مشاغلهم ومشاكلهم حتي أنهم لم يعودوا يتصلوا بها إلا نادرا فضلا عن أن يزوروها

لكن فجاة أصابتها موجة من فرح قادم عندما اتصل بها ابنها البكر سمير وأخبرها عن نيته في العودة إلي بلده والاستقرار فيه بعد أن فتح له مشروعا اقتصاديًا ناجحا أخذت الأم تعد شقتها الصغيرة لاستقباله وعائلته الصغيرة المكونة من طفليه وزوجته كاترين، تخلت لابنها وزوجته عن غرفتها ولجأت لغرفة (المعينة) التي كانت تساعدها في شغل البيت بعد أن تخلت عنها منذ مدة وخصصت غرفة للطفلين وهيأت كل ما يريحهم في اعتقادها

وحل اليوم الموعود و(تونس) لا تصدق أن ابنها وأسرته سيعمرون بيتها وحياتها من جديد وأنها أخيرا ستتخلص من الوحدة القاتلة والموت البطيء لكن الصدمة جاءتها مباشرة عندما فتحت لهم الباب حيث فوجئت بجفاء كنتها وبرودتها عندما اندفعت لتحضنها فاكتفت الكنة بأن مدت يدها لها مصافحة، أما المفاجأة الثانية فعندما أخبرها ابنها بأنه سيعيش في بيت مستقل مع أسرته وليطمئنها قال أنها اشترى بيتا قريبا من الحي الذي تسكن فيه الوالدة لكن والدته من شدة صدمتها قررت أن تلجأ إلي دار المسنين التي قبلتها على مضض لان حالتها الاجتماعية كانت جيدة ولا تحتاج اللجوء إلى الدار وهنا اكتشفت (تونس) معاناة المسنين مع الإهمال وسوء المعاملة وتعرفت علي مآسي كثيرة لأناس آخرين فظهرت مشكلتها أمام ما رأت وسمعت بسيطة لأن ولدها كان بارا بها ولكنه أراد فقط تجنب الصدام بينها وبين زوجته خاصة وأن والدتها (حماته) كانت تملأ رأسها بالكثير من الحكايات عن تخلف (العرب) وسوء معاملتهم للمرأة كما أنها لم تكن راضية عن هذا الزواج أصلا لكن كاترين زوجته تحدت والدتها وتزوجت سمير الذي أحبته بصدق والأكثر من هذا جاءت لتعيش معه في بلده بعد ما وعدها بالحياة الجميلة التي سيوفرها لها هنا.

لكن سوء التفاهم الذي وقع بين والدته وزوجته جعله يقسو عليها وهذا جعل الوساوس تسيطر عليها ودخلت في دوامة الشكوك ومن ناحية أخرى كانت والدته تتألم لسوء تصرف ابنها وحاولت الإصلاح بكل ما استطاعت كما استعانت بجارتها نجاة وبرؤي الفتاة الشابة التي كانت مترجمة لكل ما تقوله كاترين أو تونس أونجاة.

وبعد صراع طويل ومشاكل كثيرة توصلت إلى رأب الصدع وعودة المياه إلى مجاريها ، كما عملت على تحقيق حلمها بأن تنشئ ناديا لتعليم المسنين وتكون أول طالباته لأن عقدتها المستحكمة هي الأمية وذلك بمساعدة مديرة دار المسنين والاخصائية الاجتماعية وغيرها من شخوص الرواية الدين كان يتحاورون بشكل راق جدا

وبعد لأي تحقق حلمها وانضمت إلى النادي تلميذة تحلم بالطباشير والألوان وآلت على نفسها أن تتعلم وتتخلص من الأمية التي لازمتها حيث حرمها عمها من التعليم لأنها يتيمة وظلت في بيته خادمة لزوجته وأولاده إلى أن أنعم الله عليها بالزوج الصالح فتزوجت وعاشت ترعى بيتها وزوجها حتى وفاة الزوج وهجرة الأبناء لقد قررت أن تعمل على إسعاد الآخرين نكاية في المعاناة التي تعرضت لها في طفولتها وذلك بكل ما أوتيت من قوة ومال

وهكذا أزهرت وأشرقت من جديد (عند غروبها) وراحت تعطي وتنفع بلا حدود حتى أحبها الجميع فانحلت كل عقدها الماضية وتحررت من نفسها وعواطفها كما تحرر ولدها من الشعور بالذنب وربما (الواجب) في اتجاهها.

فكرة نبيلة جدا لا تخطر على بال الكثيرين من الآباء والأمهات الذين تراهم (يسيطرون) على أبنائهم عاطفيا فلا يجدون أنفسهم إلا وهم يخسرونهم أو يخسرون أسرهم

وإن كانت (تونس) قد وجدت حلا لمشكلة ابنها فإن الكثير من الأمهات لازلن يعانين من ألم البعاد و(الخلافات) والأدهى والأمر أن أبناءنا في الضفة الأخرى يعانون كثيرا من (الزواج المختلط) وعدم تقبل زوجاتهم لأية مبادرة من الأزواج محتميات بقوانينهم التي تقف كلها إلى جانب المرأة وخاصة (النسويات) اللواتي يتسلطن على الأزواج ويضغطن بواسطة الأطفال على الآباء وهكذا تجد هذا النوع من الأزواج بين سندان الأبناء ومطرقة الآباء والأمهات دون أن ننسى اختلاف العادات والتقاليد وأشياء أخرى تعيق نجاح هذا الزواج وهذه هي مأساة شبابنا المغاربي والوجه المأساوي الآخر لكل أحداث هذه الرواية

هذا ما خرجت به من انطباع بعد قراءتي لرواية الكاتبة الكبيرة جميلة بلطي عطوي التي أتمنى أن يرى لها الجزء الثاني قريبا ولم لا رواية أخرى في موضوع اجتماعي آخر كما فعلت مع هجرة الشباب.

***

فاطمة الزهراء بولعراس

سألني زملائي الروس القدامى – هل شاهدت شولوخوف وهو يجلس بالقارب في شارع غوغول بموسكو؟ ضحكت أنا من طبيعة هذا السؤال، وقلت لهم، لقد تذكرت كيف كنّا نمزح ونضحك عندما كنّا طلبة وندرس معا في جامعة موسكو قبل ستين سنة، ولكن هل يمكن ان نمزح بهذا الشكل السريالي الغريب الان، وقد بلغنا من العمر عتيا؟ فضحكوا جميعا على اجابتي، وقالوا لي، هيا لنذهب الى هناك، كي ترى بنفسك اننا لا نمزح ولا نضحك، ولكي تقتنع، بانك لم تعد تعرف موسكو اليوم كما كنت تعرفها سابقا في الايام الخوالي، لانك (بلغت من العمر عتيا!). اندهشت انا من اجابتهم الحاسمة تلك وقلت لهم انني حتى لم اسمع، ان شولوخوف يجلس في قارب و(يتنزه!!!) بشوارع موسكو، فقالوا لي،لا يمكن للانسان ان يرى كل شئ ولا ان يسمع كل شئ، فهل نسيت هذه الحقيقة البسيطة في حياتنا؟ فاضطررت ان اقول لفولوديا، وهو الذي كان ولازال اكثرنا جديّة وصرامة – حتى انت يا فولوديا؟ فضحك فولوديا وهو يقول – نعم نعم، حتى أنا، هيا لنذهب معا، هيا لنذهب، وهكذا توجهنا جميعا الى هناك، وكنت لاازال بين مصدّق لتلك الاقوال او غير مصدّق لها...

وها انا ذا امام هذا النصب الهائل والغريب لشولوخوف وروايته (الدون الهادئ)، هذا النصب الذي لم اشاهد سابقا شيئا مماثلا له بتاتا، حيث يجلس شولوخوف فعلا – كما قالوا لي - في قارب، وهو رافع الرأس بشموخ، وعن يمينه مجذاف، ويجري (نهر الدون) تحت القارب هادئا كما أسماه في روايته، واسفل هذا القارب تحاول عشرات الحصن ان تعبر النهر سباحة وهي متعبة، ورؤوسها تبدو واضحة فقط ليس الا، اذ انها غاطسة باكملها في النهر، وامام هذا النصب المدهش تقف مصطبتان متلاصقتان ببعض من الظهر وبينهما جدارية تعلو حوالي المتر، ومحفور على تلك الجدارية مشاهد من المعارك التي كانت تحدث بين (البيض!) و(الحمر!) في الحرب الروسية الاهلية آنذاك، والتي تناولتها رواية شولوخوف الشهيرة (الدون الهادئ)، وكل ذلك مصنوع طبعا بشكل باهر، فماء نهر الدون الذي يجري هادئا فعلا، والقارب الذي يعلو النهر حيث يجلس شولوخوف شامخا من البرونز، والحصن التي تسىبح في ماء النهر متعبة وهي تحاول عبوره بعناد واصرار، والمصطبتان المتلاصقتان والجدارية الجميلة التي تفصل بينهما، والمليئة بالنحت البارز لاحداث الحرب الاهلية الروسية آنذاك. لقد أدهشني هذا النصب بافكاره الرمزية العميقة جدا وحجمه الهائل وغير الاعتيادي بتاتا وتصميمه الرائع المتناسق الجميل وتنفيذه بهذا الشكل الفني الحيوي المدهش، وفهمت بما لا يقبل الشك، ماذا يعني نصب تقوم الدولة بانجازه تخليدا وتكريما لأحد اعلامها الكبار مثل شولوخوف...

بعد ان مكثنا عند النصب اكثر من ربع ساعة ونحن نتأمّله من كل جوانبه بامعان واهتمام، قررنا الجلوس في مقهى قريب لتناول القهوة، وهناك بدأنا ندردش حول انطباعاتنا حول هذا النصب، فقال لي احد الزملاء، انه لاحظ باني لم انبس بكلمة واحدة بتاتا عندما كنّا هناك، فاجبته ضاحكا، نعم لاني كنت مندهشا أشد الاندهاش امام هذا الانجاز الفني الكبيبر لدرجة لم استطع فيها ان اقول اي شئ بتاتا، اذ اني طوال حياتي اهتم بالتماثيل والنصب، واطلعت على الكثير منها في مدن العالم التي سافرت اليها (وما اكثرها !)، وحتى بادرت بتنفيذ عدة تماثيل نصفية في روسيا والعراق لشخصيات عراقية (وحسب امكانياتي المتواضعة)، ولكني لم اشاهد ابدا مثل هذا النصب العملاق في اي مكان كنت فيه بالعالم. وأخذ الجالسون يحدثوني عن هذا النصب، وقد تبيّن من احاديثهم، ان الدولة السوفيتية اعلنت مسابقة عام 1980 لاقامة نصب لشولوخوف، وشارك طبعا عشرات النحاتين بتلك المسابقة، وفاز النحات روكافيشنيكوف بها، الا ان الدولة آنذاك لم تستطع تنفيذه، اذ كانت اوضاعها الاقتصادية والعامة في ثمانينيات القرن العشرين متدهورة، وليس عبثا ان الاتحاد السوفيتي نفسه قد انهار عام 1991، وهكذا بقي هذا المشروع الفني العملاق بلا تنفيذ، ولكن ابن النحات استطاع ان (يعيد الحياة الى هذا النصب!) لانه مشروع والده، وتمكّن من تحقيقه عام 2007، بعد اضافة بعض التعديلات عليه، وذلك بعد ان استقرت الاوضاع نسبيا في الدولة الجديدة، التي حلّت مكان الاتحاد السوفيتي، وهي - روسيا الاتحادية. امتدحنا جميعا موقف ابن النحات هذا، وقلنا يا له من ابن بار لذكرى والده. وتحدث بعض الزملاء ايضا عن اهمية هذا النصب مؤكدين، انه يجسّد موقف الدولة الروسية تجاه شولوخوف، اذ حاولت بعض الاوساط السياسية في خارج روسيا وحتى في داخلها تشويه سمعته الادبية والطعن بمكانته في مسيرة الادب الروسي، وقد جاء تنفيذ هذا النصب الكبير في موسكو لشولوخوف ولروايته الشهيرة (الدون الهادئ) جوابا حاسما على كل ذلك، اذ كانت تلك الحملة تدور بالذات حول هذه الرواية، ولهذا نرى شولوخوف في النصب يجلس بقاربه شامخا، وهو يعبر (نهره الهادئ)...   

***

أ.د. ضياء نافع

في الحنين الى اصوات عربية الجأ احيانا الى اليوتيوب بعد ما انتزعت الستلايت وتركت المحطات الفضائية العربية التي اتعبتني وكادت ان تقضي على ما تبقى من اعصابي.. فالبرامج الحوارية صار بعضها يقلد الاسوأ مثل برنامج فيصل القاسم واستعراض التهريج والتحريض فيه. بدل من متابعة برامج عمرو الليثي الحوارية الممتعة او برامج محمود سعد الغنية بمعلوماتها وغيرها من البرامج الحوارية الجميلة التي تعلم المشاهد كيف يصغي ويستمتع بما يسمع. من خلال تلك البرامج تعرفت على الكثير من المسلسلات الحديثة. وقد ادهشني مدى التطور فيها من ناحية المواضيع والاخراج والتمثيل والانتاج الذي يلعب الدور الكبير في اقناع المشاهد.

بدأت السينما المصرية قبل الايطالية او واكبتها في بداية الاربعينات من القرن الماضي. في البداية لم تكن هناك صناعة سينما وانما كان تقليد لكل ما ينتج في الخارج من افلام خاصة الامريكية. فيقوم فريق العمل من مخرج ومنتج وممثلين بتحويل نسخة من الفيلم الى مصرية لغة واسماء الابطال او شخوص الفيلم . مثل فيلم مرتفعات ويذرنغ وذهب مع الريح.. وغيرها العشرات من الافلام. بل كان يتم الحفاظ حتى على اجواء الفيلم من ديكور وملابس. ثم صار القائمون على تلك الصناعة بتمصير الفيلم الى حد ما. وهناك ايضا ملاحظة انه الكثير من الممثلين المصريين يختارون على اساس نقطة التشابه بينهم وبين ممثل اجنبي اخر. فعماد حمدي يشبه الى حد ما ممثل ايطالي قديم لا اذكر اسمه.

لكن اعتماد بعض المخرجين المبدعين مثل صلاح ابو سيف وعاطف الطيب على روايات لكتاب معروفين مثل روايات نجيب محفوظ ، خلقوا سينما لها وزنها وملامحها الواضحة والقوية.  اما بالنسبة للدراما التلفزيونية فهناك اعمال خالدة عديدة مثل مسلسل لحظة اختيار وزينب والعرش وثلاثية الساقية ورحلة ابو العلا ، والكثير من الاعمال المميزة. واخرى اعتمدت لقطات الكلوزاب واحيانا المبالغة والصياح. وطبعا كل مشاهد يراها وفق ثقافته ومنظوره للعمل.

بعد انقطاع عن المسلسلات الرمضانية، فرحت وانا اتابع مسلسلات اخرجها شباب وحتى منتجيها شباب ايضا ومعظم الممثلين شباب مبدعين. اراها طفرة في عالم الدراما المصرية من ناحية الموضوع والسيناريو والاخراج والتمثيل والتصوير ايضا. مثل مسلسل لعبة نيوتن بطولة منى زكي ومحمد فراج.. ومسلسل كأنه مبارح  بطولة رانيا يوسف ومحمد الشرنوبي  وخالد انور، ومسلسل افراح القبة الماخوذ عن رواية نجيب محفوظ بنفس الاسم، معالجة الرواية بشكل فريد وابداعي منحت المسلسل قوة لم نعرفها في المسلسلات المصرية سابقا. بطولة منى زكي ومحمد الشرنوبي وجمال اسماعيل وسلوى عثمان وصابرين ونخبة من الممثلين المبدعين. ومسلسل هذا المساء بطولة محمد فراج وخالد انور وحنان مطاوع واياد نصار وغيرهم من الممثلين الشباب. تلك الاعمال يجمعها وسبب نجاحها هو الانتاج الواعي الكريم والاخراج المميز واختيار الممثلين بتفوق واكيد اعتماد العمل والسيناريو الناجح بتفرده وتميزه.                      

***

ابتسام يوسف الطاهر

قراءة في بعض التجارب التونسية المعاصرة

ضمن مشاركاتها الفنية التشكيلية والأكاديمية العلمية شاركت مؤخرا الفنانة والباحثة آسيا الكعلي في الملتقى العلمي الدولي الذي أقيم بجامعة 20 اوت 1955 سكيكدة كلية الآداب واللغات بالجزائر مع مخبر التراث الأدبي الجزائري حول موضوع "الرحلة والرحالة ما بين المشرق والمغرب". وقدمت بالمناسبة مداخلة علمية تحت عنوان "الارتحال في الفنون المرئية وإنشائية الانتقال قراءة في بعض التجارب التونسية المعاصرة". وقد لقيت هذه المساهمة العلمية تقبلا مميزا من قبل المشاركين والحاضرين وهي محطة مهمة من محطات نشاطها العربية والدولية ..هذا وتواصل الفنانة التشكيلية والباحثة آسيا الكعلي أنشطتها الفنية التشكيلية من خلال الحضور والمشاركة في الندوات العلمية والمعارض الجماعية والورشات الفنية فضلا عن عملها الدؤوب لمزيد الابداع والابتكار والبحث والاعداد لمعرضها الفني الشخصي برواق فني بالعاصمة مع بداية الموسم الثقافي الجديد 2023/2024 ...و في هذا السياق الفني الثقافي والابداعي تم تكريمها لمشاركتها في أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بولاية المنستير حيث أنجزت عددا من الأعمال الفنية لتعرض ضمن مختارات من مجموعة الاعمال الفنية للفنانين التونسيين المشاركين في أيام قرطاج للفن المعاصر 2023. وقد عرضت الأعمال في المحطة الثانية للايام الجهوية مرحلة المنستير من 11الى 13 اوت بالمركب الثقافي بالمنستير. بحضور مديرة أيام قرطاج للفن المعاصر والمندزب الجهوي للشؤون الثقافية وأعضاء هيئة المهرجان واطارات المنستير الثقافية وعدد من الفنانين التشكيليين وأحباء الفنون الجميلة. وانتظمت أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بولاية المنستير خلال يوم الأحد 13/08/2023 بالمركب الثقافي بالمنستير حيث تابع الجمهور استعراضا للموضة والفنون كما انتظمت ورشة للفن والرسم وتم تدشين اللوحة الجدارية الفنية الجماعية في ساحة المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالمنستير في اطار أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر تحت شعار " الفن طريق "...و قبل ذلك بأسابيع وضمن تألقها واشعاعها وضمن فعاليات الدورة الاخيرة لملتقى المبدعات العربيات بسوسة لسنة 2023 وفي سياق الأنشطة المتعددة من ندوات ومعارض ولقاءات بحضور باحثات وفنانات عربيات ومنهن بالخصوص ضيفة الشرف الفنانة المصرية الكبيرة الهام شاهين تم تكريم الفنانة والباحثة آسيا الكعلي حيث قدمت عددا من أعمالها الفنية ضمن معرض جماعي بمشاركة كل من الفنانات التشكيليات حيث كانت الدورة مجالا لعدد من المشاركات من دول عربية هي ليبيا والعراق ومصرو اليمن والمغرب ولبنان وسوريا وفلسطين...و قد كانت للفنانة التشكيلية آسيا الكعلي عدة لقاءات مع المشاركات والصيوف وخاصة سلمى بكار والهام شاهين حيث تقول "...مشاركتي في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة حول أسئلة الجندر في إبداع المرأة العربية تميزت بعدد من اللقاءات والنقاشات مع المبدعات كما كانت اعمالي في معرض الفن التشكيلي للدورة الخامسة والعشرين مجال متابعة من جمهور وضيفات الدورة واحباء الابداع والفنون الجميلة...".والفنانة آسيا الكعلي تخيرت طرائق فنها وفق نهج مخصوص قائلة بالابداع والبحث والامتاع وقد انطلقت في تجربتها الفنية في الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، بغاية ونشدان لصفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، وهو مسار له صلة بالذاكرة وفق المتحوّل بين الحقب الزمانية ...هي سياقات جمالية انتهجتها الفنانة التشكيلية والدكتورة آسيا الكعلي وعملت عليها في تجربتها المفتوحة بين البحث الأكاديمي والرسم والتلوين.. آسيا الكعلي فنانة تشكيلية وباحثة في مجال الفنون المرئية وخرّيجة المعهد العالي العالي للفنون الجميلة بتونس، متحصلة على الإجازة في الفنون التشكيلية (اختصاص رسم) وشهادة ختم الدراسات المعمقة اختصاص "علوم وتقنيات الفنون" بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس. وأستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة منذ سنة .2011 . وشاركت في العديد من المعارض الجماعية بتونس، المنستير، سوسة، القيروان، الكاف، المهدية. كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات والندوات العلمية بسوسة والمنستير وتونس ونشرت لها العديد من المقالات في مجال الفنون المرئية المعاصرة. لها عديد المعارض الشخصية: معرض تشكيلي فردي بعنوان" تجليات" بدار الثقافة بقصر هلال مارس 2013، معرض تشكيلي فردي بعنوان "عود على بدء" بالمركب الثقافي محمد معروف بسوسة جانفي 2021. معرض تشكيلي شخصي بدار الثقافة القلعة الكبيرة مارس 2023. شاركت في الملتقى الدولي للمبدعات العربيات بسوسة بعنوان "الثالوث المحرم في إبداع المرأة العربية، في ماي 2022 .و شاركت في المنتدى الدولي للفنون البصرية تحت إشراف المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وجامعة سوسة والجمعية الوطنية لتأطير الشباب من 21 إلى 26 سبتمبر 2022.و عن تجربتها تقول الفنانة آسيا "...انطلقت في تجربتي مع فن الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، لخلق صفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، هذا المسار الذاكراتي المتحوّل من حقبة زمنية إلى أخرى انعكس في هذه التجربة التي عكست بدورها مرونة هذه التقنية وانفتاحها ومطاوعتها للتوجهات الجديدة في مجال الابداع الفني. وهي رسوم تنتقل بنا من مرحلة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، لتشكل رؤية أو قراءة في ذهن القارئ، بل تنتقل لتحيك رؤية فنية تترجم وتألّف ما بداخلنا من أفكار وذكريات، هي ليست رسوم صامتة، بل فيها روح مني، وأسلوب يترجم أفكاري وطريقة تناولي للمواضيع. فذاكرتي مع الرسوم، في تصفحها، وتأمّلها مؤانسة وحنين وعود واستمتاع، فالماضي عود وإمتاع ومؤانسة في الحاضر..

الفنانة الباحثة ىسيا الكعلي ودآب مفتوح على الفن والمعارض والورشات بكثير من السعي والاجتهاد والرغبة في الابتكار حيث تعد لمعرضها الفني الخاص بالعاصمة.

***

شمس الدين العوني - تونس

إحدى المنشآت التي عملت بها سابقاً، كنت تحت إدارة مشرفة وتعد هذه كارثة بالنسبة لي أن تترأسني "امرأة" والكارثة الأخرى أن يرأسني "رجل" كذلك!، لعل الكارثة الحقيقية في أنا..

المهم أنني قرأت شخصية هذه الإنسانة منذ اليوم الأول قرأت لغة جسدها، نظراتها، تصرفاتها لمست مايفيض منها من حقد وكراهية وشر محتمل وفوراً رسمت الشخصية التي سوف أكون عليها عند التعامل معها منذ تلك اللحظة..

علمت أن ردود الأفعال المباشرة لا تجدي نفعاً مع من هم على شاكلتها ولا يجب أن يُرَد لها الصاع صاعين على الإطلاق، بعض الشخصيات يجب أن لا تتوقع ردود أفعالنا وعلينا التعامل معها بإستراتيجية الغموض يقتلها عدم الرد عن الرد، يحرقها الصمت والبرود الشديد والطاعة العمياء وذلك بحد ذاته يتطلب مقدرة كبيرة على ضبط النفس ومراقبة كل كلمة وكل تصرف وقد إستغرقني الأمر سنوات حتى تعلمت هذه المهارة.

مشرفتي هذه كانت تفعل كل شيء لتخرج مني رد فعل واحد متوقع، غضب، إحباط، بكاء، فرح، امتنان أي شيء..

لكنها لم تقابل إلا جداراً خشناً رمادياً لا شيء فيه ملفت لأي إنتباه..

للدرجة التي جعلتها تكلفني بأربع تقارير مفترض أن ينجزها أربعة موظفين كحد أدنى، كلفت بإدخال بيانات يصل عددها إلى ١٨٠٠ قبل بداية كل شهر وعلي إنجاز هذا التقرير خلال ثلاثة أيام.

كنت أبقى بالمكتب إلى ما بعد وقت الدوام الرسمي الذي يمتد من السابعة صباحاً إلى الساعة الخامسة عصراً لأغادر المكتب الساعة العاشرة والنصف مساءً ثم أستيقظ الخامسة فجراً، بقيت على هذا الوضع لقرابة العام..

أعمل بطريقة غير طبيعية، في يوم قال لي أحد زملائي أشعر إنك تعيشي على التمثيل الضوئي أتمنى أن أراكِ تأكلي، تشربي شاي، قهوة ماء أي شيء !عمل عمل عمل لا يصح أن تضغطي نفسك لهذا الحد..

كنت أفعل ذلك لأختبر حدودي بهذه الحرب الصامتة، كيف لي أن أحرقها غضباً وإظهار أسوأ ما لديها بدون أي ردة فعل مني وواجهت ضغطاً كبيراً من قبل جماعة التبرع بالنصائح والتدخل بحياة الآخرين دون طلب بضرورة تقديم شكوى رسمية، ربما كانت معظم تلك النصائح منطقية ولكن كما أسلفت من خلال تحليلي لتلك الشخصية ولتلك البيئة الموبوءة لم تكن المواجهه المباشرة خياراً جيداً بل هي الحرب الباردة والتكتيكات بعيدة المدى هي ما أطاحت بهم جميعاً، ولأنني كنت مضطرة أن لا أكشف شخصيتي الحقيقية تحملت إتهامي بالسلبية والضعف والخضوع

لم يجدي تنمرها معي نفعاً فقررت تحريض المدير ليبدأ هو الآخر تلك الحرب التي لا مسبب حقيقي لها سوى أنها لا تستسيغ شخصيتي!

كنت أحياناً أدخل المكتب وأقطع حديثاً عني بين زملائي والذي على ما يبدو كان مثيراً للشفقه..

في مرة دخلت المكتب ولم ينتبه لي أحد وسمعت مديري يتكلم عني عند مجموعة من أعوانه يخبرهم برغبته بطردي وأنه لا يستطيع نكران الكفاءة الإستثنائية التي أقدمها لكني "بومة" وأسد النفس ويفضل إستبدالي بسكيرتيرة غنوجة تفتح له نفسه..

لا أدري ماهو مفهومه الحقيقي للسكيرتارية عدا عن حقيقة كونه إنسان فاشل سواء فُتِحت نفسه أم سُدت؟

المهم أحد الزملاء كان يدافع عني بإستماتة قائلا: "اذا طردتها سوف تندم فلن تجد من يأخذ العمل بكل هذه الجدية والتفاني ويحتمل كل المهام دون شكوى أو تذمر" كان متحمس جداً بالكلام ولم ينتبه لدخولي، فجأة إلتفت خلفه ووجدني جالسة بمكاني، إصفر وجهه من الصدمة وقال:

- بسم الله ..! منذ متى وأنتِ بالمكتب؟

- رددت: منذ أن كنت بومة

فاجئه الرد وحاول طوال ذلك اليوم رفع معنوياتي بمدحي وإحضار قهوة وحلويات وغداء

بعد إنتهاء الدوام قال: كنت أراقب تصرفاتك أحاول أن أرى دمعة، كتمة، زعل أي شيء معقول لم تتأثري بالكلام؟

أنا رجل لكن إذا حصل وسمعت كلام عني بهذا الشكل ربما أختنق"

رددت عليه بكل برود: "تعتقد إني فعلاً ممكن اتأثر من هذا الإمعه؟ خيشة البصل الجالسة بالمكتب؟" ضحك وأطلق علي إسم "حديد" تعبيراً عن القوة والصمود..

اليوم التالي دخلت لمديري هذا لمناقشة مهمة عاجلة كلفني بها

وقبل أن اخرج من مكتبه قلت له على فكرة حتى أنا أكرهك وأحمل هم ضغط العمل ورؤية وجهك لكن دعنا نحتمل بعض إلى أن تجد الغنوجة وتفتح لك نفسك وإلى ذلك الوقت يخلق الله ما لا تعلمون..

بعد سنة وشهرين نقلت إلى قسم آخر وفي حفلة توديعي قالت مشرفتي: سمعنا إن عندك هوايات ومواهب كلمينا عنها

قلت: الفنون القتالية والكتابة والقراءة والتمثيل والصيد

قالت إحدى الزميلات: صيد ؟ كيف؟

قلت لها: "في الموية العكرة"

ضحكوا كلهم وقاطعتنا المشرفة قالت بما إن هوايتك التمثيل مثلي لنا مشهد، تحمس الجميع: وأصرّوا على تمثيل مشهد صغير أمامهم

لكني نظرت إليها وقلت:

غريبة .. ألم يعجبك آدائي سنة وشهرين!؟

***

لمى أبوالنجا – كاتبة وأديبة سعودية

" بلقيس ..

يا بلقيس ..

لو تدرين ما وجع المكان ..

في كل ركنٍ ..

أنت حائمةٌ كعصفورٍ ..

وعابقةٌ كغابة بيلسان ..

فهناك .. كنت تدخنين ..

هناك .. كنت تطالعين ..

هناك .. كنت كنخلةٍ تتمشطين... "

بهذه الكلمات رثۍ نزار قباني حبيبته وزوجته والأهم من ذلك كله، ملهمته “بلقيس الراوي” وذلك بعد أن وافـتها المنية على إثر انفــجار سيارة مفـخخة أمام مبنى السفارة العراقية في بيروت عام 1981.

في رثاء المغدورة بلقيس طبع الحزن وجدان نزار وأعماقه حتى كأنك تكاد ترى الألم الذي أثخن قلبه يلف كل حرف من حروف القصيد. إن الله فقط يعلم كم تألم الشاعر، مرهف الحس،  بعد رحيل بلقيس وكيف كانت أيامه ولياليه من بعدها.

  في حوار مؤثر أجري معه بعد وفاتها قال نزار : "كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي"..

لسائل أن يسأل كيف ستمسي حياة من فقد واحة حياته وملاذه وهويته وأقلامه؟

ماذا لو أنا خلقنا ونحن لا نرزأ بأي مصيبة في الحياة، ولا يلحق بنا أي أذى، لا تعترينا أية أعراض صحية أو مرضية، لا نشيخ، لا نموت، لا نحزن، لا نبكي ولا نتألم، فكيف تراه حالنا!

يبدأ الإنسان حياته لحظة خروجه من رحم أمه بصرخة. يخرج إلۍ الحياة ليواجه مصيره بنفسه. تحديات كبرۍ في انتظاره. هو لم يختر وجوده لكنه سيحاول جاهدا، وهناك من لا يحاول، أن يختار الصورة التي سيتشكل من خلالها هذا الوجود..سيختار صورة لوجود جميل أو قبيح..وجود حقيقي أو مزيف.

في سعيه إلى الإختيار سيواجه الإنسان مجموعة من القيود التي ستعيقه..تضغط عليه..والتي قد تقضي عليه.

 هذا ما سيسبب له المعاناة .. سيعاني من من الفجوة بين ما لديه وما يريده.. بين حقيقته وما يحلم به.. وبسبب هذه المعاناة سيلازم الإنسان الألم في حله وترحاله.

الألم شعور سلبي بعدم السعادة، وهو معطۍ من معطيات الحياة ولا يمكن لأحد أن يفلت منه. الألم كالموت. إنه فدية البعد الجسماني لوجودنا. إلا أن القول بأن الألم لايكون إلا ألم الجسم هو ضرب من التجريد لأن الألم كذلك نفسي.

الألم النفسي Psychological pain هو ذاك الذي ينتج بشكل أساسي عن عوامل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق وفراق الأحبة والمشاكل العاطفية. ويُعرَف "إدوين شنايدمان" الرائد في مجال دراسة السلوك الانتحاري الألم بأنه «حجم الأذى الذي يتعرّض له الإنسان. إنها معاناة ذهنية، عذاب ذهني".

لقد برزت نظريات فلسفية عديدة بحثت في أسباب الألم.

 في كتابه Treatise of Man شبه رينيه "ديكارت" الجسد بالآلة.

فسّر "ديكارت" الألم على أنه اضطراب ينتقل عبر الألياف العصبية ثم يصل إلى الدماغ. فبعد أن كان يُنظر إلى الألم على أنه اختبار يجريه الخالق على النفس لتثبيت إيمانها حوّل "أبو الفلسفة الحديثة" إدراك الألم من كونه تجربة روحية إلى كونه إحساسا فيزيائيا. علاج هذا الإحساس يتطلب تحديد مصدر الألم عوضاً عن محاولة استرضاء القوة الإلهية للخلاص منه.

ومهما كانت أسبابه سواء كان جسديا أو نفسيا فالألم متأصل في عمق الوجود. هو موجود ليخبرنا أن هناك خللا يختبئ وراءه. خطب ما يتوارۍ في الجسد أو في الروح.

صحيح أن الشعور بالألم مرتبط بعدة عوامل كالهوية الجندرية والسمات الشخصية والثقافية، الأمر الذي يجعل نظرة المرء وتعاطيه مع الألم مختلفة عن نظرة وتعاطي غيره. لكن ليس هناك منا من لا يتألم لفقد حبيب أو مرض قريب.لا يوجد من لا يتألم لخذلان صديق. ليس هناك من لم يهرع إلۍ الطبيب ليخفف أوجاعه وطلبا للشفاء.  كلنا ننكسر ونسقط ونقوم وقد نبقۍ حيث أراد لنا الألم أن نكون.

مما لا شك فيه أن درجات الألم تتفاوت بين البشر لكن ما يجمعنا كافتنا هو الحاجة إلۍ مواجهته. مواجهة الألم هي أولى طرق الشفاء وأولى طرق النهوض بعد السقوط.

 إن قبول الألم ومحاولة التكيف معه هو ما يجعل منا بشرا فننسۍ كبرنا وغطرستنا. الألم يجعلنا بعد الفقد نتمسك أكثر بأحبتنا، هو كذلك ما يجعلنا نتذوق حلاوة اللقاء بعد الغياب وطعم الفرح بعد الحزن.

كم نحن مَدينون لك أيها الوجع فأنت ما تجعل لحياتنا معنۍ.

صدق من قال أنه لولا وجود عكس المعنۍ لما كان للمعنۍ معنۍ.

لكي يضفي الألم علۍ حياتنا معنۍ يتحتم قبلا أن لا يصرعنا ويلقي بنا في متاهات العذاب والحسرة. يجب أن يتحول النصب والوجع إلۍ محفز يدعم قدرتنا علۍ الحياة.

إن وراء كل إنسان عظيم ألما فظيعا!

***

درصاف بندحر - تونس

يقتحم الهلاك أنفاسهم، يتساقطون تباعا هكذا، تلتهم النيران أوجاعهم، ترتجف عروقهم، تجف بعدها على شاكلة أكداس تحترق، وبعد حين يغادر الجمع، يفترق الحضور، تُغتصبُ الحياة.

تهوى أحلامهم، تتلاشى، تتحول إلى صراخ يعلو، يرتحل بعيدا، معلنا انقطاعه عن الألم، تعود ذكرياتهم تلك البطاقات التي تتناغم حروفها مع رجاءات ذلك المبتغى خائبة، تتداعى جميع الكلمات التي يكتبها العاشقان قبل الحفل.

يفتقد المكان بطاقات هيبته متعثرا بفستان زوجة مرتقبة، يخر صريعا لحظة انشغاله بمصابيح أزمنة مقفلة، مفترقا عن أحداث ماض مرتبك.

تتعاقب مشاهد وقفتها المذعورة، متلازمة مع ارتباك فرحتها، تزامنا مع أحداث تشبه في تدفقها إيقاع كوابيس تحط مخالبها على حين غرة، لتسرق آخر ما تبقى لها من أمنيات.

 تكشف الحرائق عن لبوسها المضطرم دون اكتراث، يلتف اللهب الأسود حول حلقات ذلك الاشتعال مصرحا بحقيقة خبثه الماكر.

يمسك الخوف هراوة بغضه المقيت، أملا بتسجيل أكبر عدد من الضحايا، بينما في ذات اللحظة يختبئ الطاعون خلف أستار أبجدياته التي ما انفكت تستأنف مفردات بثها الغادر بطريقة ماكرة.

تنشغل الشابة بمفاتن حضورها الذي ما زال يتناغم مع مظاهر كأنما تم إعدادها لاغتصاب ثوب عرسها، تصبح مرتاعة لا تعرف اتجاه وقفتها، بينما يستحكم اضطرابها، تعدو تقصيا عن مخبأ تلوذ به، أملا ببقاء آمن.

تدب حركة المحتفلين مع صيحاتهم وفقا لأنباء عودة غائبة، تضج مساكنهم بالبكاء، يذاع الخبر على أسماع الجمهور، حيث يلوذ الجميع بسقوف مائدة أخلفت بوعدها.

يجد أحدهم نفسه على سرير حتفه المؤكد، يؤرق آخر ما تبقى له من عدةِ حياته الآمنة، يهوى ذلك الشاب مثل صخرة تتهشم شظاياها إثر زلزال عاصف.

يؤكد الطاغوت نفسه منتزعا جذور حدائق أريد لها أن تنبت عند محفل أرواح بهيجة

يتحول مهرجان المهنئين إلى ركام تلتهب أطرافه لتحترق على غرار أفران الموتى*

***

عقيل العبود

…....................

- عن حريق قاعة ابن الهيثم في الحمدانية.

- كتب النص بالفعل المضارع تأسيا لآثار الفاجعة التي ما زالت أحداثها ماثلة أمام الجميع.

- في الغربة عرفت أن هنالك أفرانا لإحراق الموتى عندما لم يتعهد أحد بتكاليف دفنهم، أما في العراق فصرت أعرف أن بعض المباني كالمستشفيات، وصالونات الأعراس تكاد أن تكون أشبه بتلك الأفران استعدادا لإحراق الأحياء قبل موتهم.

المرأة المغربية، بل وبصفة عامة، المرأة في المغرب، لم تقف أبدًا عاجزة أمام تحديات الحياة والمجتمع. إنها دائمًا ما تثبت نفسها كعامل فعال وفاعل في بناء وتطوير الوطن، وهي تمثل جزءًا حيويًا من عجلة التنمية في مختلف المجالات الحياتية. المرأة في المغرب ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي كل المجتمع. منذ أسابيع قليلة، شهدنا الكثير من الشعارات والحملات التي رفعت شأن المرأة وأشادت بدورها المهم في المجتمع. هذه الشعارات ليست مجرد عبارات في الهواء، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المغربية التي دائمًا احترمت المرأة. إنها المستشارة والحكيمة والمسيرة لشؤون الأسرة والمجتمع. في مختلف المجالات، تبرز نماذج رائعة للمرأة المغربية اللواتي أبدعن وتفوقن على المستوى الدولي. في مجال العلوم الاجتماعية، لا يمكننا إلا أن نتحدث عن فاطمة المرنيسي، السيدة التي جعلت اسم المغرب يلمع على الساحة الدولية. بفضل مثابرتها واجتهادها، أصبحت شخصية محترمة على الصعيدين الوطني والدولي. دراساتها ومحاضراتها تخطت الحدود الجغرافية للعالم العربي والإسلامي. هي شخصية تحظى بمركز مرموق بين الباحثين في مجال شؤون المرأة.

فاطمة المرنيسي ليست فقط حاصلة على جائزة أمير أستورياس، بل هي أيضًا عضو في حوار الحضارات الكوني، حيث تجلس إلى جانب كبرى العقول العالمية لبحث مكانة المرأة وتعزيز حقوقها. في مجال العلوم والتكنولوجيا، نجد نموذجًا مثل كوثر حفيضي، التي قادت أكبر مختبرات الفيزياء النووية في الولايات المتحدة. تعتبر كوثر استثنائية بامتياز، حيث وصلت إلى قمة قسم الفيزياء النووية بمختبر أرغون الأمريكي، وهو مرمى لوكالة الناسا. تعكس إنجازاتها وجهودها الكبيرة تحقيق النجاح في ميدان العلوم.

وفي مجال الفنون والإبداع، نجد الفنانة اللامعة الشعيبية، التي تعكس موهبتها وإبداعها من خلال أعمالها الفنية. انطلقت من قرية صغيرة لتجعل اسمها معروفًا في معارض العالم. إنها نموذج للإرادة والتحدي والنجاح الباهر في عالم الفن.

هؤلاء النساء ليسوا مجرد نماذج، بل هم أيضًا مصدر إلهام للجيل الجديد من النساء المغربيات. إن قصصهن وإنجازاتهن تعكس القوة والعزيمة والقدرة على تحقيق الأحلام بغض النظر عن العقبات. إن المرأة المغربية تظل نجمة تتلألأ في سماء التميز والإبداع.

***

زكية خيرهم

الامتاع سمة رئيسة في العمل الابداعي، والتجارب الابداعية الحقيقية تكتسب أهميتها ومن ثم انتشارها بقدر ما تقدمه من عوالم ممتعة ومشوقة منسوجة بأدوات مبتكرة يميزها ويفرد نكهتها عن غيرها من التجارب وكذلك في تجاوزها ما هو سائد من أنماط متوارثة في الصياغة تفتقر الى روح التجديد، والشعر قادر على تقديم هذا الامتاع والتميز فهو عالم زاخر بالجماليات من موسيقى وايقاع ولغة وصورة، والشاعر الحقيقي هو ذلك الذي يستثمر هذه المفردات ليرتقي بالذائقة ويؤسس لوعي راق من خلال ابتكاره لأنماط جديدة من التعبير ومن بينها اثارة الأسئلة التي تستفز القارئ وتأخذ به الى التأمل والبحث عن اجابات في شؤون كونية وحياتية، فالشاعر أدونيس يرى بان الشعر الذي لا يطرح الاسئلة لا يستحق ان يؤخذ مأخذ الجد، وقد تبنى هذا الرأي واشتغل عليه عدد من الشعراء من بينهم الشاعر (سيد حجاب 1940- 2017)، وهو شاعر عامية مصري عرف بكتابة أشعاره باللهجة العامية المصرية للكثير من الأعمال الدرامية والتليفزيونية المصرية ومن اشهرها مسلسل " الشهد والدموع " و" ليالي الحلمية " و " المال والبنون "، وامتازت اشعاره بوضوحها المجازي وفنيتها العالية وكذلك تناولها مشكلات كبرى تدور في ذهن الانسان، ففي عدد من قصائده انتهج الشاعر اسلوب الحوار بأسئلة ارتدت ثوب القصيدة كشف فيها عن استفهامات كثيرة تخص مشكلات كونية واجتماعية شغلت الانسان واستطاع من خلال اسئلته التي تبنى نيابة عن القارئ فك شفراتها والنفاذ الى جوهر الاشياء واحداث تغييرا بدرجة ما في الوعي ونمط التفكير فهو يسأل ويجيب:

منين بييجي الشجن

من اختلاف الزمن

منين بييجي الهوى

من اتلاف الهوى

منين بييجي السواد

من الطمع والعناد

منين بييجي الرضا

من الرضا بالقضا

كما ان شاعرا أخر هو " رسول حمزاتوف " لجأ الى ذات النمط من الكتابة وذلك في عدد من رباعياته التي ضمها ديوانه "طالما الأرض تدور" حيث تقرأ فيها حيرة الشاعر وانشغاله بأسئلة عن الحياة وصراع النفس البشرية:

ــ من هو أكثر الناس مشقة في حياته؟

ــ من لا يسمع نصيحة من أيما انسان

ــ من هو أكثر مشقة من هذا؟

ــ من لا يعطي نصيحة لأحد

.....

ــ من الأحقر بين البشر على الأرض؟

ــ الرجل الجبان الرعديد

ــ قل لي من هو الأكثر حقارة منه؟

ــ الرجل الجبان الساكت

.......

ــ من هو أكثر سعادة من رجل

لم يعرف الداء منذ ولادته؟

ــ من لم يعرف الحسد طوال عمره

لا لعدو ولا لصديق

........

ــ كيف نشأت القوة والتسلط؟

ــ ولدهما الضعف البشري

ــ ومن أين جاء هذا الضعف البشري؟

ــ ولدته القوة والتسلط

***

ثامر الحاج امين

تم اختتام سمبوزيوم سيسيليا العالمي للفنون التشكيلية وذلك يوم السبت 30 سبتمبر 2023 وذلك بحضور أكثر من 60 من فناني العالم وبعد أيام من النشاط الفني من لقاءات ومعارض وورشات منذ يوم 23 سبتمبر كان الاختتام في احتفالية مميزة حيث تضمن في فقراته التكريمية تثمينا بمثابة التكريم وتسليم جائزة الأوسكار للفنان التشكيلي التونسيب الطاهر عويدة وهي ضمن جوائز الجدارة الفنية والتقنية وتمثل تكريما مضافا للفنان ضمن تجربته الفنية الممتدة على عقود حيث سعى الفنان التشكيلي الطاهر عويدة الى الغوص أكثر في التجربة بحثا وابداعا لابراز أعماله بجماليتها ومضامينها الفنية من خلال معارضه التونسية والعالمية في عدد من البلدان حيث شارك في هذا الملتقى الدولي " الفن من أجل السلام " بقصر الأمراء بمدينة بلارمو صقلية الإيطالية ومع 60 من الفنانين من العالم وذلك للفترة من 23 الى 30سبتمبر 2023 وقد ضمت مشاركته أعمالا من الحجم الكبيرو هي أعمال من أجواء البحر.. وقبل هذا كان للفنان الطاهر عويدة معرض شخصي هو مرايا البحر بفضاء " بول " بضاحية قمرت وذلك للفترة من 3 الى 10 أوت الجاري حيث كان هناك اقبال من أحباء الفنون ورواد الفضاء وتنوعت الأعمال التي ميزت حيزا من تجربة سي الطاهر التي كان من عناوينها الجدية والدأب والبحث والامتاع والمؤانسة فنا وذهابا نحو الحلم والأقاصي.. هكذا هو الشأن الفني الجمالي عند الطاهر عويدة الذي يعمل وديدنه الجمال والابداع ضمن مسيرة لعقود في ساحة الفن.. وهكذا نلج الآن عوالم الفنان العميق كطفل سابح في سماء البراءة.. تربى في مدرسة البحر وفق قصة لذيذة خطها الوالد والأهل.. علاقة استثنائية مع البحر والتلوين حيث لم يقل " بس يا بحر ".. واصل المغامرة بكثير من الامتلاء بالفن والحياة. نعم من البحر أتت مواجعه والبهجة العارمة.. تشرب من عوالم الأزرق ومضى في أيام خطاه كائنا آخر يعرف الينابيع.. لم ينسها. من طفولة مبكرة عالج صاحبنا أحلامه بهواجس البحر بحثا عن أصواته وتلويناته فغدا غواصا يبحث عن الكنه والجوهر وتلوينات أخرى للأشياء.. خبر لغة البحر وحاوره وحاوله قتلا للنسيان والفجيعة.. في تجربته الجمالية وضمن أعماله الفنية قدم مشهدية الخيل والحرف في عنفوان من ذاكرة الأزرق باتجاه الآفاق.. لوحة كبيرة بعمقها وبساطتها وتوهجها كل ذلك على سبيل المحبة والوفاء تجاه المحرس مدينة الفنانين.. قبل ذلك قدم أعماله في معرض بسيدي أبي سعيد في تنوع جمالي عرف به في أعماله.. هو عضو بالرابطة الدولية للفنانين التشكيليين ورابطة الفنانين التشكيليين التونسيين.. من مؤسسي مهرجان الفنون التشكيلية بجرجيس في 2001.. نسق لقاءات الفن المعاصر بفلوريدا الأمريكية سنة 2017، وصاحب رواق " art’riadhبجربة منذ سنة 2018. تعددت معارضه الدولية بأوروبا وأمريكا.. غادركرسيه المتحرك بمستشفى صقلية بايطاليا ليمضي مع نشاطه الفني ومن ذلك معرضه تحت عنوان ” فن وحياة “ برواق سامية عاشور.. نثر ألوانه ولوحاته وفي قلبه شيء من الرغبة الجامحة في التحليق أكثر هنا وهناك. تعددت تقنيات فنه بين والرسم والكولاج والخط العربي.. كون من الأشكال والألوان حيث لا يغيب البحر والجنوب الساحر.. تنوعت مشاركاته في تظاهرة " البحر يحتفل ".. عانق المتوسط غوصا.. وسافر بالحرف العربي في فضاءات تونس وسويسرا وفرنسا وايطاليا وبلجيكيا والولايات المتحدة الأمريكية..

الفن حياة أخرى برغبة واصرار وجموح. وموسيقى هادئة.. وحده الفنان يتقن الانصات اليها والتوقف عند ألوان الأحوال والأمكنة.. تجربة فنية يرعاها صاحبها الفنان الطاهر عويدة بكثير من الشجن والفرح والصبر والمحبة..

***

شمس الدين العوني

ولد هنري ترويا (واسمه الحقيقي ليف ارسينوفيتش تاراسوف) في الامبراطورية الروسية عام 1911 بموسكو في عائلة غنية منحدرة من اصول شركسية وارمنية، وهاجر مع عائلته الى فرنسا عام 1920 (اي بعد ثورة اكتوبر 1917)، وتوفي في فرنسا عام  2007، واصبح هناك اديبا فرنسيا كبيرا، واصدر اكثر من مئة كتاب بالفرنسية بين روايات وقصص ودراسات تناولت السيرة التاريخية والفكرية لشخصيات بارزة، ومن بينها مجموعة من الكتب عن الادباء الروس الكبار، ومن جملة تلك الاصدارات كتاب عن غوغول صدر بالفرنسية وتمت ترجمته الى الروسية بعد اكثر من ثلاثين سنة على اصداره في فرنسا ( بعد انهيار الدولة السوفيتية)، وليس عبثا ان هنري ترويا حاز على تسمية (اكثر الادباء الفرنسيين روسيّة)، وان ابنته اهدت لروسيا بعد وفاته كل ارشيف والدها ووثائقه الفريدة، واعلنت، ان تراث والدها الفكري (..قد عاد الى الوطن الام ..) .

لم استطع في حينها ان اطلع على كتاب هنري ترويا عن نيقولاي غوغول، ولكني وجدت في احدى الاعلانات حول غوغول مقطعا من ذلك الكتاب، وقد ادهشني ذلك المقطع بصورته الفنية غير النمطية، اذ يؤكّد ذلك المقطع على جوانب غير اعتيادية بتاتا حول حياة غوغول وابداعه، منها مثلا، انه كان (... أغرب شخصية في تاريخ الادب الروسي...) وانه (....كانت و لازالت توجد اساطير عن حياته ومماته اكثر مما توجد وقائع محددة...)، وهذا ما جعلني انتبه الى هذا الكتاب، وان ابدأ باليحث عنه فعلا كي اطلّع عليه بدقّة وامعان .

 اصدر هنري ترويا كتابه عن غوغول عام 1971 في باريس، اما الترجمة الروسية، فقد صدرت عام 2004 (واعيدت طبعاتها عدة مرات لاحقا)، وتقع طبعة 2004 في(640) صفحة من القطع المتوسط، وبعد الاطلاع على كتاب هنري ترويا عن غوغول فهمت طبعا، لماذا لم يترجم (بضم الياء) هذا الكتاب في الفترة السوفيتية، اذ ان الصورة الفنية التي رسمها هنري ترويا لغوغول تختلف تماما وكليّا عن المفهوم السوفيتي (ان صح التعبير) لصورة غوغول الفنية ودوره في مسيرة الادب الروسي وتاريخه،  فالمنظّرون السوفيت كانوا يعتبرون غوغول  واضع اسس الواقعية الانتقادية (او الواقعية النقدية وفق بعض المصادر) في الادب الروسي، والتي انتهت بانتصار منهج  الواقعية الاشتراكية في آداب شعوب الاتحاد السوفيتي قاطبة حسب تلك المفاهيم، وقد لاحظنا كل ذلك في دراستنا للادب الروسي في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين، اذ كان التأكيد دائما يدور حول واقعية غوغول وانتقاده للجوانب السلبية في المجتمع المحيط به، اي مجتمع الامبراطورية الروسية القيصرية، دون الاشارة الى ان هذه الانتقادات موجهة ضد الجوانب السلبية في الحياة الانسانية عموما، وبالطبع، دون الاشارة  الى غرائبية بعض نتاجاته الفنية وخياله الجامح في مضمونها، الا انه يجب القول رأسا، ان هذه المفاهيم قد اختفت تقريبا في النقد الادبي السوفيتي منذ اواسط سبعينيات القرن العشرين في الاتحاد السوفيتي نفسه، ولكننا كنّا نرى بعض انعكاساتها في بعض اوساط عالمنا العربي ليس الا، وذلك لان تلك الاوساط كانت بعيدة ومنعزلة تقريبا عن الوقائع السريعة الجديدة التي كانت تحدث في المجتمع السوفيتي آنذاك، ولهذا فانها كانت تكرر –  بعناد يرفض حتى النقاش - نفس المعلومات السابقة لديها ليس الا، بينما الوقائع الجديدة كانت واضحة المعالم جدا لمن يتابع مسيرة المجتمع السوفيتي واحداثه ويعرف طبيعة ذلك المجتمع وصراع التيارات الفكرية في اعماقه، هذه الوقائع التي ادّت في بداية التسعينيات الى تلك النتائج المعروفة من الظواهر الجذرية والحاسمة وظهور دولة  روسيا الاتحادية واختفاء الدولة السوفيتية وتحوّلها الى مجموعة كبيرة من الدول المستقلة والمتنافسة- بعض الاحيان - حتى فيما بينها، اذ ان تلك الظواهر الجوهرية الكبرى لا تحدث في المجتمعات بين ليلة وضحاها كما يقول التعبير العربي المعروف، وانما تنضج تحت نار هادئة وتستغرق زمنا طويلا، والادب هو احدى المؤشرات المهمة في تاريخ ومسيرة تلك المجتمعات، التي تحدث فيها التغييرات الجذرية الكبرى .

كتاب هنري ترويا عن غوغول هو نتاج فني ووثائقي في آن، فني لانه مكتوب باسلوب ترويا الحيوي وكأنه رواية يلتهمها القارئ بمتعة، ووثائقي لانه يعتمد على رسائل غوغول وابداعه الادبي وسيرة حياته، والكتاب باختصار كلمة جديدة بالنسبة للدراسات حول هذا الكاتب الكبير، اذ تناول ترويا حياة غوغول الذاتية متجانسة مع  خصائص نتاجاته، واستطاع ان يرسم للقارئ لوحة فنيّة لغوغول في مزيج هارموني يوحّد ابداعه ومسيرة حياته، لوحة تساعد القارئ ان يتفهم اسرار غوغول ولماذا اصبح اكثر الادباء الروس محاطا بالاسرار والاساطير عن حياته وابداعه، ومن الطريف ان نختتم مقالتنا هذه بالاشارة الى ان الترجمة العربية لهذا الكتاب قد صدرت في مصر عام 2010 بعنوان – (غوغول سيرة حياة ممزقة)، ويمكن القول ان هذا العنوان للترجمة العربية صحيح وملائم فعلا لمضمون الكتاب، ولم استطع ان اطلع على هذه الترجمة مع الاسف، وبالتالي، لا استطيع ان احدد، هل ان هذا العنوان موجود في النص الفرنسي للكتاب ام هو اجتهاد المترجم ليس الا، اذ ان عنوان الترجمة الروسية لا يشير الى تلك التسمية، وفي كل الاحوال، فان ظهور الترجمة العربية لكتاب هنري ترويا هو دليل آخر على اهمية هذا العمل الابداعي عن السيرة الذاتية لكاتب روسي وعالمي كبير مثل نيقولاي فاسيليفتش غوغول ... 

***

أ.د. ضياء نافع

نولد في هذه الحياة لنعيش فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر..نحيا خلالها أحداثا  وقصصا  كثيرة..تفرحنا بعضها..نحزن لبعضها.. وقد لا نفهم مغزى ما يحدث لنا إلا بعد وقت طويل.

ظروف الحياة الصعبة قد تعلم الإنسان المقاومة..تعلمه الصبر وتمرنه على السعي الدؤوب.

الأحزان كما الفقدان  قد تلين قلوب الناس فتُصيّرُها ملجٱ  للناس.

كذلك الأنانية والتدليل المفرط يجعل من البعض أشخاصا  متواكلين..سطحيين..تافهين فتلقاهم نتاجا لحياة قدمت لهم على طبق من ذهب.. تربوا على قصص الأخذ  ففاتهم التدرب على العطاء.

إلا أنه ولئن كانت هذه الحقائق صحيحة إلا أنها ليست مطلقة..بعض الاستثناءات لا تخضع للنتائج المنتظرة.

ههنا تلعب إرادة الشخص دورها في أن تغير وجهة النتائج المترتبة عن "قصته" إلى ما لم يكن من المفروض أن يحدث.

يقول الفيلسوف " شوبنهاور":

"نحن لا نريد الأشياء، لأننا وجدنا أسبابا لها، بل نخلق أسبابنا لأننا نريد أشياءً معينة".

 كانت تلك فلسفة شوبنهاور باختصار، وكانت الحياة بالنسبة له كفاحا أبديا وصراعا لا يهدأ إلا بالموت.

ويحدث أن يكون  لقصتك التي صنعتك تأثير مباشر أو غير مباشر على من يحيطون بك..3771 درصاف

غير بعيد عن هذا، عثر الفيلسوف الألماني "فريدريك نيتشه" على كتاب شوبنهاور «العالم إرادة وتمثلًا» عن طريق المصادفة، في دار لبيع الكتب القديمة في مدينة "لايبزج" الألمانية، وعندما فرغ من قراءته اجتاجه دوار عقلي لازمه تسع سنوات، وجعل صورة العالم تتبدل أمام ناظريه، فكتب:

«هنا يصرخ كل سطر عن رفض ونكران زاهد للذات، وترويض للنفس، هنا رأيت مرآة لمحت فيها العالم والحياة وروحي، في تمجيد رهيب، هنا رأيت المرض والعلاج، المنفى والملاذ، الجحيم والجنة».

كل ما نقرؤهُ..كل ما نعيشه..كل القصص التي نكون أحيانا موضوعها ..أو نكون أبطالها وفي أحيان أخرى ضحاياها، هي مصدر ليس فقط للتعلم، بل هي المصدر الأساسي للمذهب الذي نعتنقه  في الحياة..هي المحدد لرؤيتنا لأنفسنا وللعالم من حولنا.

بالعودة إلى تاريخ فيلسوف الإرادة "شوبنهاور"

 نقرأ أنه نشأ في ظل علاقة  متأزمة مع أبيه.

كان والده تاجراً ناجحاً، يروم أن يكون ابنه مثله، فجاب به أنحاء أوروبا  وعمل  على إغرائه بكل الوسائل لكي يمتهن التجارة ويحقق الأرباح المادية الطائلة.

قبل شوبنهاور على مضض وخضع إلى إرادة والده التاجر إذ قد " نشاء غالبا مالا نشاء"..

لم يكن شبنهاور  يجرؤ على الإفصاح عن رغبته الحقيقية في مواصلة دراسة الآداب والفلسفة. لكن  مثلت وفاة أبيه المفاجئة حدثا يرمز إلى تحرره من طريق كان سيقضي على موهبته الواعدة.

  إثر هذه الوفاة باعت والدة شبنهاور كل مصالح الأسرة التجارية، وأنشأت صالوناً أدبيا كان يتردد إليه الأديب الألماني العظيم "غوته". كذلك انصرفت الأم إلى الرواية، ومهدت لتنشئة ابنها تنشئة فكرية ساعدته لقاءات الصالون الأدبي في تهذيبها وإثرائها.

هذه قصة شبنهاور ..ونحن مثله لكل منا قصته..قصة صنعت من كل واحد ما هو عليه..فوجهت إرادته إلى ما هو عليه اليوم.. ربما لولا تلك القصة لما كان الإسم هو الإسم.

تقول الروائية المصرية رضوى عاشور:

"لكل شيء في هذه الدنيا علامة قد لا يفهمها الإنسان أبدا، وقد يفهمها بعد حين".

***

درصاف بندحر - تونس

صدر حديثا عن دار الرعاة وجسور ثقافية (رام الله وعمان) الطبعة الثانية من ديوان " زفرات في الحب والحرب 3″، للأسير الشاعر والروائي هيثم جابر. ويقع الديوان في (230) صفحة من القطع المتوسط، ويتخذ الشاعر هيثم جابر من هذا العنوان "زفرات في الحب والحرب" عنوانا ثابتا لكل إصداراته الشعرية.

الديوان مقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول بعنوان "زفرات الحرب" والقسم الثاني "زفرات حب" أما القسم الثالث فهو

مجموعة نصوص قصيرة بعنوان "الإشراقات" تميزت بالتكثيف الدلالي والإيحاء.

غالبا ما يكون أدب الأسرى وسيلة نضال يعبر الأسير من خلالها عن مشاعره ويوثق حياته داخل الأسر، الشاعر والأديب هيثم جابر كتب الرواية والمقالة وقدم القراءات النقدية لعدد من كتّاب الوطن وفي زفرات في الحب والحرب يقدم ثلاثة أجزاء بذات العنوان وكأن الزفرات المكتومة في صدره لا تنتهي، ولم يكتف ببوح جل ما في خاطره من قصائد، فكيف نبتت تلك القصائد واستحوذت على لب القارئ ومشاعره!

لكتابة الشعر على الشاعر التمتع بقدر كافِ من الحرية، فالشاعر حين يكون حرا، تعانق عينيه الوديان والسهول ويسافر بنظره نحو السماء، يتأمل ملكوت الكون ويتعبد في مدى حده الفضاء ليوحى له، شاعرنا فقد الحرية هو حبيس القيد نشأ وكبر وغزا شعره الشيب مع الوقت ، ورغم ذلك في ديوانه زفرات في الحب والحرب تجد نفسك أمام شاعر متمرد تمرد على الأسر، وعلى ذاته الحبيسة، حتى أنه إحياننا رفض الوزن والقافية وتمرد عليهما، يتمتع بحرية خاصة لا تقبل القيد.

تخذلني قافية عند مفترق قصيدة حرة

هاربة من وزن مرتقب

تلوذ بالفرار من ضوضاء النظم

المفتعلة في عصر السكون القسري

تهب نفسها لنبي لم يزره الوحي أبداً ...صفحة 152

يستحضر الشاعر هيثم جابر الطبيعة بجمالها ورونقها تراها في شعره وكأنك لم ترها من قبل، ممزوجة بروحه الحرة التي تستدرجك لترى الكائنات وتوحي لك بمقاصد الشاعر العميقة الملهمة للحياة، غريب أمر الشاعر وهذا التناغم الآسر مع الطبيعة البعيدة جدا عن رؤى عينية، عاش سنوات أسره التي بلغت إلى الآن 21 عاماَ في صحراء النقب، ومن خلال شعره خضّر الصحراء، يحق له أن يكرر كلمة "أنا" في قصائده فهو حالة خاصة للحياة، لقد نبتت لغته الشعرية معلنة اختراقها للأسوار، نعم الأسير يحرر جزءا منه بالكتابة وقد حرر الطبيعة التي يخفيها الزحف العمراني، ووجه وعي القارئ لإدراك قيمة الطبيعة.

في البداية ومع زفرات الحرب يبدو هيثم ناقما ممن يطمسون معالم الوطن، ويستهين بزمن الأسر وصبر الرجال خلف القضبان

هي أضغاث أحلام يا فتى

والواقع أسود شديد

لا عدل... لا حق يسود

سقط العدل ومعه طفله الوحيد.

وفي زفرات الحب يزهر الحب بعد الحرب

وبإصرار العاشق على اللقاء يقول:

انتظرك في الشتاء القادم

وكل الفصول الرحلة إلى عينيك

تنام تحت مروج سحرك

تعشش في مفاصل الكلمات الوردية

قالت: انتظرك تحت المطر

تحت ظل غيمة ثائرة

تلقي علينا حمم السحر

والفتنة والأقحوان

غيوم السماء لم تعد باردة حين التحقت بالثورة تأججت حمم سحرية، البلاغة هنا تكمن أن مع كل كلمة مضافة يتغير المعنى، هي حمم وأضاف إليها كلمة السحر ثم الفتنة والأقحوان لتغدوا ثورة الغيم مطر مشتهى.

فأين هي حبيبتك يا هيثم التي تنتظرك؟!

هل هي حبيبة على الورق أم ظل حبيبة؟

الأنثى في قصائده جميلة قوية كالعاصفة

ومن الملاحظ استخدامه كلمة ظل بصيغ متعددة

الموت أطبق ظله حتى اكتمل

تتساقط أوراق القصائد

في فصول الموت

ويصفر الغزل

غيمة مثقلة بالدمع تبكي نجما قد أفل

وشتاء لن يعود أبدا

قبيل الفجر رحل

هنا... في أروقة الحب الصامت

من الموت ما قتل

الموت لا يأتي دفعة واحدة، هناك فرق بين موته وموته، الموت على دفعات مؤلم والحب الصامت إحدى تلك الموتات.

حين يجمع الشاعر الثورة والعشق يستعمل ضمير المتكلم "أنا"

أنا يا سيدتي عاشق وثائر... وينهي القصيدة فأنا عاشق حر وثائر

يكررها مرتين في قصيدة "دعوة" صفحة ، 198 والعشق يسبق الحرية والثورة، وسبق وذكر في روايته "الأسير 1578" أن عشق الوطن أصل العشق.

يتساوى الحب والحرب كلاهما يفتحان أبواب جهنم

قرع باب الحب

قرع باب الوطن

فتحت عليه أبواب جهنم.. صفحة 227

هي صحراء النقب التي طحنت عمره وكما يتسلل الموت إلى الدم في العروق تسلل البياض إلى سواد شعره معلنا مرور الوقت خلف الأسوار.

في صحراء الموت والدماء

مطحنة الأعمار

الأبيض سيد الموقف وجدار.. صفحة 222

في الختام منك وإليك يا هيثم رسالة اكتفي بها: القيد في يدي شمس تنام في كفي

منك الأمل قهرت الصحراء وجعلتها مروجا خضراء، وزينت ليلها المظلم بالنجوم والظلال، عالمك ليس بُرش بل أنت تمشي على الموج.

وإليك يا صاحب الحب المعتق على مدى السنين، ستلهم صحراء القلب أن تلتجئ إليك، الجندي الوحيد في معركة الغياب، قصائدك نبض وروح ، ورمحك حكاية منطلقة حدودها مداك، ستنهض يوماً من عالمك الخاص، وتضيء ليل الأمسيات كقمر اكتمل.

و من الجدير بالذِّكر أنه صدر للشاعر هيثم جابر عدة كتب؛ عدا هذه الدواوين، فقد أصدر روايتين هما "الشهيدة" و"الأسير 1578"، ومجموعة قصصية بعنوان "العرس الأبيض" كتاب "رسائل إلى امرأة"، تحت النشر

***

إسراء عبوشي

قامت الحكومة المصرية بهدم مناطق تاريخية واثرية واسعة شملت مدينة الفسطاط عاصمة مصر القديمة، وشملت عملية الهدم مقابر أثرية مثل مقبرة الإمام الشافعي والتي تضم مقابر علماء بارزين كالامام المقريزي وابن خلدون و يرجع تاريخها إلى آلاف من السنين منهم حكموا مصر طوال تاريخها فضلا عن مقابر شخصيات بارزة كابراهيم باشا نجل الخديوي اسماعيل وفي مدينة الفسطاط التاريخية التي كانت تمثل عاصمة مصر القديمة قامت الحكومة بهدم قرية القواصير التي كان يتركز بها صناعة الفخار وهو ما أثار غضب العاملين في تلك الصناعة الذين أكدوا أن ذلك يعد خسارة فادحة لمصر نظرا للدخل الذي يمكن أن تدره من إقبال السياح على شراء تلك الفواخير. رغم اعتراض السكان فانه سيتم بناء على انقاضها بناء كافيهات وأبراج يمتلكها رجال أعمال مصريين ومستثمرين خليجيين معظمهم من الامارات فضلا عن محطات وقود يتبع معظمها المؤسسة العسكرية وعلى الرغم من أن لجنة التطوير أكدت في تقريرها أنه يمكن إيجاد مناطق بديلة للمناطق التي تقرر تطويرها, وقدرت مصادر اقتصادية حجم الديون التي تكبدتها مصر في عمليات التطوير 56 مليار دولار وهو ما أثار حفيظة عدد من الاقتصاديين والمعارضين الذين رأوا أن تلك الأموال كان يمكن استخدامها في إقامة مشاريع اقتصادية لتشغيل الشباب ، ومع إصرار الحكومة على استمرار هدم المقابر والأماكن التاريخية تحرك عدد من أعضاء مجلس النواب لوقف عمليات الهدمهخكخاةااىهىهخ هدم المقابر الأثرية يعد جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معاني مؤكدة أن القاهرة تعد من المدن التاريخية الفريدة والتي تم وضعها على قوائم منظمة اليونسكو والتي يجب الحفاظ على تراثها التاريخي وتساءلت لماذا الاصرار على عمليات الهدم على الرغم أن اللجنة المشكلة وضعت حلولا لإيجاد مناطق بديلة وكشفت النائبة أن هناك عمليات سطو على القطع الاثرية التي تحتويها المقابر من قبل القائمين على الهدم واكدت النائبة أنها تقدمت باكثر من طلب إحاطة ولكنه لم يتم الرد عليها، فيما طالب النائب ضياء الدين داوود بضرورة توضيح الدراسات التي تشير إلى عمليات الإزالة ومن الذي وقع عليها مشيرا إلى أن المصريين والمهتمين بالآثار يتابعون بقلق وإحباط ما يجري في تلك القضية.

وتعاني المباني التراثية والأثرية بالعراق من تعرضها للإهمال والهدم والسرقة والتهريب، حيث أفادت إحصائية أن قرابة أربعة آلاف مبنى تراثي تعرض للهدم، وهو ما دفع الهيئة العامة للآثار لمطالبة الحكومة والبرلمان بتشريع قوانين صارمة تمنع هدم المواقع التراثية والأثرية, العديد من المباني تم هدمها، خاصة أن المنطقة مركز بغداد التجاري والصناعي، ويقوم مستثمرون جاء أغلبهم من خارج العراق بهدم المباني التراثية.

***

نهاد الحديثي

الاديب الاردني العالمي المتمرد.. المعايش للعواصم الحضارية الأربع (بيروت – بغداد – القاهرة – دمشق).. مبدع مشتبك مع واقعه ويمكن اعتباره وبحق مثقفا عضويا فلم تحتمله أي من العواصم العربية (بيروت وبغداد والقاهرة فدمشق) فارتحل بينها مرغما، وهذا الترحال الاضطراري أحياناأكسبه دراية عميقة بتلك العواصم فكتب عنها وكتبته، ولم يغب عنه الوطن الأم حيث مرابع الصبا، فكانت الأردن بكل جغرافيتها حاضرة دوما في وجدانه كما في ابداعه.

قاهرة الستينات بكل وهجها الثوري وثرائها الثقافي سكنته وسكنها على مدى عقدين ونيف من الزمان ولم يتوقف الأمر عند اتقان لهجتها والتحدث بها أينما حل، بل جاءت العديد من رواياته في مناخات تغلب عليها الاجواء المصرية؛ وفي هذا نذكر روايات الخماسين والضحك والسؤال وروايته الاخيرة المثيرة " الروائيون"، كل تلك الروايات تتردد في داخلها أجواء المثقفين المصريين ولم تخلو من اطلالات على الأجواء الشعبية الفقيرة وتوقف فيها أمام المرأة المصرية الشعبية.

أيضا سعى غالب في رواياته تلك كما في الكثير من رواياته الأخرى لاكتشاف معنى للحياة بالانغماس في الملذات الحسية، والاحتفاظ في الوقت نفسه بنزعة تأملية تحليلية للشخوص والمواقف تندرج في السياق الدرامي ولا تنفصل عنه، بما ينأى بالروايات عن الوقوع في فخ الذهنية، مع شحنة سياسية نقدية بل راديكالية وفي جميع الحالات تماهى مع الحياة المصرية واندمج في نسيجها الاجتماعي والسياسي والثقافي، كما تماهى مع الحياة العراقية في روايته ثلاثة وجوه لبغداد

كان غالب فضلا عن كونه روائيا وقصاصا، مثقفا عضويا، منشغلا بالواقع السياسي والثقافي والفكري في وطننا العربي والعالم، يحمل بين جنباته حلما بتحديث مجتمعاتنا العربية على كافة الصعد الاجتماعية والثقافية والسياسية. وفي سبيله لتحقيق حلمه هذا أنجز العديد من الروايات والقصص القصيرة، فضلا عن كتباته في النقد الأدبي، والفلسفة والفكر، وانجز العديد من التراجم.

فإلى جانب رواياته ومجموعتيه القصصيتين، كتب غالب هلسا عن "العالم مادة وحركة" (في محاولة لفهم بعض مفكري المعتزلة)، و"الجهل في معركة الحضارة" (في رد على كتاب لمنير شفيق)، و"قراءات في أعمال: يوسف الصايغ، يوسف إدريس، جبرا إبراهيم جبرا، حنّا مينه"، كما ترجم "الحروب الصليبية" للروائي الإسرائيلي عاموس عوز، و"الحارس في حقل الشوفان" للروائي الأمريكي جي. دي. سالينجر، و"جماليات المكان" للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار.

ما يكشف عن اهتماماته المتعددة وقدراته الفكرية والإبداعية التي جعلته واحداً من الكتاب المؤثرين في الثقافة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.

وإذا أردنا التوقف قليلا أمام رواية السؤال التي كانت اعادة طباعتها في مصر محفزا على ندوتنا تلك، فأن أعتقد أن رواية“السؤال” مثلت وبحق معالجة روائية فذه للحياة المصرية في ستينيات القرن الماضي حتى أن البعض وجد فيها رداعلى رواية “اللص والكلاب” لمحفوظ، حيث أنها تعالج ذات الواقعة الحقيقية التي جرت أحداثها في ستينيات القرن الماضي وتناولتها الصحف المصرية آنذاك تحت عنوان السفاح .

لكن معالجة غالب جاءت ضمن رؤية يسارية، وبأدوات كتابة مناهضة للرواية البورجوازية التي مثلتها اللص والكلاب للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ

لقد رحل المبدع الاردني العربي غالب هلسا عن عمرٍ ناهز الـ57 عاما في مدينة دمشق في العام 1989، تاركا للأدب العربي إرثا قيّما من الأعمال الأدبية والفكرية، أعمال عبرت ضمن ما عبرت عن النفس والذات والغربة، وعلاقتها بالسلطات وضيق أفقها السياسي، والبسطاء ومعاناتهم الاجتماعية.

غادرنا جسد غالب هلسا وترك لنا العديد من الأعمال الأدبية التي غاصت في أعماق مجتمعاتنا العربية وارخت اجتماعيا وسياسيا لواقعنا العربي الذي عاشه على مدى خمسة عقود ونيف فكانت : (الضحك عام 1971)، (الخماسين 1975)، (السؤال عام 1979)، (البكاء على الأطلال عام 1980)، (ثلاثة وجوه لبغداد عام 1984)، (نجمة 1992)، (سلطانة عام 1987)، (الروائيون عام 1988)… فضلا عن مجموعتين قصصيتين هما (وديع والقديسة ميلادة عام 1969) و(زنوج وبدو وفلاحون عام 1976).

ان المنجز الابداعي والثقافي الفكري لغالب هلسا يتطلب من المهتمين بالثقافة العربية أن يولوا اهتماما خاصة بهذا المنجز الذي يمثل اضافة نوعية للثقافة العربية .

وبما انني اتقبل جميع الآراء والتوجهات مهما كانت مختلفة عني

سواء اتفقنا مع اراءه او اختلفنا لا يسعنا الا ان نحترم شخصه النزيه الذي لم يكن غايته المال والمتاجرة بالقضايا انما كان رجل صاحب فكر ومبدأ عاش ومات لأجله

***

سارة طالب السهيل

بالفن يرى الكائن حيزا من ذاته وهو المسافر بكثير من التمني والأمل قبالة عالم مكتظ بالمشاهد والعناصر والحكايات التي تحيل الى سرديات ملونة طافحة بالمعاني وبالشؤون والشجون...هكذا نمضي الى عوالم الفنانة التشكيلية لبنى بوقلة التي تحلم بالعالم لتراه بمثابة علبة تلوين حيث أخذها الشغف بالرسم والتلوين منذ طفولة والى هذه الايام لترى في ذاتها تلك الأمنيات الملونة ...برز ذلك في مختلف أعمالها الفنية التي انطبعت من خلالها المشاهد ومنها قصر الجم الانيق وكذلك الحرفي المنهمك في خزفياته وشغلته الفنية مع الطين والطبيعة الميتة  والتراث والمراة وغيرها من الابداعات وما تحيل اليه من بهجة الفنانة لبنى وهي تنقل جمال الأشياء في صمتها وسكونها... وغير ذلك من مواضيع وثيمات اللوحات التي تنجزها.شاركت في معارض متعددة منها معرض "الفن والألفة " بسيدي بوسعيد وبمارينا المنستير سنة 2023 وفي معرض " استلهام ثلاثي " مع الفنانة نعيمة القيزاني والجامعي والفنان غازي حسني وذلك برواق فني بسوسة الى جانب أنشطتها المختلفة في الفنون بمدينة ليون الفرنسية.

لبنى بوقلة فنانة تشكيلية تكونت ضمن ورشات " الفنانون المبتدئون " بليون حيث دراسة التصوير والرسم والفن عموما وبالمعهد الفرنسي" في حصص الرسم والفن التشكيلي والابتكارات اليدوية فضلا عن تدريب مع الفنان التشكيلي سمير بن علية.Dagneux "

هذا الى جانب الحصول على البطاقة في الاحتراف من الديوان الوطني للصناعات التقليدية كما أنها كانت صاحبة العديد من المشاركات في المعارض والأنشطة الفنية التشكيلية. وعن جانب من علاقتها بالفن التشكيلي والرسم تقول الفنانة لبنى بوقلة ".. أنا أعتبر الفن تعبيرًا عن الذات أولاً وقبل كل شيء. حيث المشاعر من صميم الحياة وجوهر تفاصيلها وكل ما يحيط بي.. رسمت عوالم متعددة منها مشاهد الحياة والطبيعة والحيوانات التي أحبها قبل كل شيء ، وبالتالي تعبر لوحاتي عن جانب مهم من مزاجي وخيالي لأحكي قصة يمكن للجميع معرفة صميمها وهوامشها وذلك من خلال تجربة المعيش.قد يرى البعض اللوحة بالطريقة التي تتناسب مع متطلبات رؤيتها من خلال الألوان أو الموضوع. وما يهمني هو أنني أطلق العنان لخيالي تجاه تقبل الجميع.بالنسبة لي ، فأنا في بحث دائم عن نفسي في الرسم والفن بشكل عام ، ولا أتوقف أبدًا عن الحلم بالإبداع والابتكار. أنا أبحث دائمًا عن  مجالات جديدة للإبداع. لا أعرف ما إذا كنت قد انتهيت حقًا من العثور على أسلوبي ، ولكن على أية حال ، فأنا أعمل باستمرار على ذلك.بي طفلة في دواخلي هي لبنى بوقلة الفنانة الحالمة والرسامة المجتهدة المغرمة بالفن منذ الصغر، انضممت إلى نادي الرسم في اختصاص الرسم الزيتي ، حيث تمكنت من تقنية الرسم الزيتي وكان ذلك لمدة عام تقريبًا...".

هكذا هي المساحة الفنية للرسامة لبنى بوقلى حيث ترى في الرسم والتلوين مجالات للحلم والقول بجمال الأشياء وبهاء العناصر ضمن تخير أسلوبي ولوني تعمل عليه في سياق تعاطيها الجمالي أملا في عالم أجمل بالفن حيث الانسان ينشد جمال العناصر والتفاصيل في كون من الصراعات والتداعيات المربكة.

هذا ومن خلال تنوع لوحاتها وما تحمله من عناوين ومواضيع فنية تشكيلية تسعى الفنانة لبنى بوقلة لابراز خصوصيات تجربتها التي تشتغل عليها في عوالم التلوين وذلك بالاعداد لمعرضها الشخصي في احدى الأروقة المعدة للفنون بالعاصمة فالرسم لديها وعي وحب وجمال.

***

شمس الدين العوني

أن يكتب ليكتب فهو مجرد كاتب

وإن كتب ليحيا فهو كاتب حقيقي

أرفع ما في الكتابة هو قدرتها على اختزال الصور والمعاني، الأشخاص والمواقف، ويصبح مقامها أعلى حين تتمكن من جعل السطور الرقيقة على الأوراق عالم كامل يتحرك ويتحدث، يتفاعل أو يتمرد، ينسحب أو يبسط أجنحته في عالم الخيال أو يتجرد إلى أن يصبح صخره في واقع أقسى من ملمس الجبال.

هذا الكاتب المصور والرسام، المفكر أو المقلد لماذا يكتب؟ هل هي الموهبة فقط التي تدفعه لهذا العالم الموازي للعالم الحقيقي؟ الموهبة تكون السبب في بداياته في الكتابة، فهناك شيء ما دفين ولا يمكن تفسيره يدفعه للكتابة، شيء ما غامض يجعله ينفصل ولو لدقائق عن عالمه المجرد ليرسم عبر السطور عالم آخر ويبتدع أفكار أخرى، أو ربما يجد متعته بأن يُمسك القلم ويخط الكلمات بلا هدف ولا خطة.

ولكن مع مرور الوقت وحين يعلم أن الكتابة أصبحت جزء من ذاته، لا يكتب فقط لأنه يتمتع بموهبة الكتابة، فما كان يستمتع به أصبح مسؤولية تلازمه، لابد أن يفكر قبل ان يكتب، لابد أن يراقب ويدقق في الأحداث والظروف والمشاعر، يتحول دوره إلى المراقب والراصد ثم المحلل.

ولكن في مرحلة ما لابد أن يسأل نفسه أو بالأحرى تسأله نفسه: لماذا تكتب؟ فإن كان يكتب لأنه كاتب وهذه موهبته وربما حرفته فهو مجرد كاتب وسيبقى كذلك لأنه لم تُفتح له آفاق أخرى في الكتابة عدا عن الرصد والنقد والتحليل.

الفرق الجذري بين الكاتب الحقيقي والمجرد كاتب، هو ان تتحول الكتابة إلى حياة وليس مجرد انعكاس للواقع، أن تنمو في ذاته عوالم أخرى غير مرئية يتمكن من خلالها أن يكتشف ذاته وذوات الآخرين، فالإنسان في حالة اكتشاف لذاته وللآخرين كل سنوات حياته، فمن يعتقد أنه يعرف ذاته بشكل كامل سوف يكتشف أو حتى يُصدم في وقتٍ ما وبموقفٍ ما أنه على خطأ وكذلك فيما يتعلق بمن حوله، حين يدرك الانسان هذه الحقيقة يزول عنه عنصر الصدمة ويصبح أكثر حكمة بتقبل الأشياء؛ والكاتب الذي أدرك هذه الحقيقية يكون في حالة توقع لكل تغير وتقبل لكل تبدل في حياته أو حياة الآخرين؛ ولكن يبقى شيء ثابت في نفسه وهو قدرته على الانسحاب إلى عالم داخلي بناه بصورة فردية لم يشاركه به أحد، هناك حيث لا صديق له سوى قلمه واوراقه وهذا العالم الذاتي النائي عن الآخرين هو بالذات ما يجعله قادراً على الحياة بصورة مختلفة عن الآخرين، فهو يكتب ليحيا وليس ليكتب فقط، ومن هنا أيضاً يأتي صفاء الفكر واتساع الخيال، فلا صفاء بحضور الآخرين ولا اتساع بوجودهم الجسدي أو المعنوي؛ أن يتجرد الكاتب من حضور الآخر، وأن يتجرد من مفاهيم مكررة وان يبني مدينته الخاصة هو أن يحيا حياة إضافية، هو أن يكتب بعمق أكبر وأن يحتاج لهذه الكتابة لأنها تتحول مع الوقت ومع عمق الفكرة والسعي نحو الحكمة إلى إمداد معنوي وروحي لا يستطيع أن يعيش بدونه، فعوضاً عن أن يكتب لأنه هناك حاجة للكتابة بمواضيع كثيرة، فيكتب لأنه هو نفسه بحاجة للكتابة ليحيا في حيوات متنوعة، أو لينتقل إلى حياة أخرى، أو ليرحل لعالم آخر، فبدلاً من أن تكون الكتابة مركب شراعي صغير يطفو على مياه البحيرة الراكدة، تتحول إلى سفينة تجوب بحر أوسع وأعمق وأبعد.

مثلما لا يمكن لطفل ان يكتفي من البحر بأن يعبث برماله وتتبلل قدماه بمائه، فلابد له من أن يرغب بالذهاب لأبعد من ذلك، وكذلك الكاتب الحقيقي لا يمكن أن يحيا على الشاطئ لابد أن يُبحر بعيداً ولابد أن يكتشف أعماقاً أخرى، ولابد ألا يستطيع الحياة دون ذلك الإبحار البعيد والدائم.

***

د. سناء أبو شرار

أعلنت دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة العراقية، ترشيح فيلم “جنائن معلقة” للمنافسة على جائزة “أوسكار” أفضل فيلم عالمي في الدورة السادسة والتسعين للجائزة، لعام 2024وذكرت في بيان صحفي: “ترشح الفيلم العراقي جنائن معلقة للمشاركة في جائزة الأوسكار لعام 2024 الحاصل على منحة وزارة الثقافة والسياحة والآثار لعام 2019 بعد النجاحات التي حققها في المهرجانات العربية والدولية وحصوله على جوائز عديد،، وتدور أحداث الفيلم حول قصة شقيقين خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، وآثار هذا الاحتلال السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يعمل الشقيقان طه وأسعد في جمع المعادن والبلاستيك من مكب نفايات شهير يسمى (جنائن بابل المعلقة) في بغداد، وعندما يعثر أسعد على دمية مطاطية مهملة ويقرر امتلاكها، تتسبب الدمية في وضع علاقة الأخوين تحت الاختبار

وكان العراق  قد اعلن في شباط 2021 ترشيح الفيلم الروائي “أوروبا” للمخرج حيدر رشيد، لتمثيله في المنافسة على أوسكار أفضل فيلم دولي بالدورة الرابعة والتسعين للجائزة الأشهر سينمائيا يروي الفيلم ثلاثة أيام مأساوية من حياة الشاب العراقي كمال، الذي يحاول الوصول إلى أوروبا سيرا على الأقدام عبر الحدود التركية البلغارية ويقع فريسة لشرطة الحدود والجماعات المناهضة للمهاجرين، علما ان الفيلم الفيلم إنتاج عراقي إيطالي كويتي مشترك، وهو أحد الأفلام الروائية الخمسة المدعومة من قبل “منحة بغداد لدعم السينما العراقية” لعام 2021 المقدمة من وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية.، وهو من بطولة، جواد الشكرجي، ووسام ضياء، وكان عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي عام 2022 ليجوب بعدها مهرجانات مرموقة في السويد وكوريا الجنوبية والسعودية والأردن وجرى عرضه مؤخرا في دور السينما بالعاصمة العراقية بغداد. وكتب مخرج الفيلم، أحمد ياسين، على صفحته بفيسبوك "أنا كلي شرف وافتخار بعد الإعلان الرسمي لدائرة السينما والمسرح الذي أشير به بأن فيلمنا ‘جنائن معلقة‘ تم اختياره لتمثيل العراق في جوائز الأوسكار، ورشح العراق عام 2022فيلم "الامتحان" للمخرج شوکت امین کورکي، وإنتاج ممد اکتاش،  والذي يمثّل العراق في أوسكار 2023 حول قضايا المرأة ومشاكلها في الشرق الأوسط، في 3 ديسمبر 2022 في لوس أنجلوس وفي 6 ديسمبر 2022 في نيويورك وفي 8 ديسمبر 2022 في برلين بألمانيا، هو إنتاج مشترك لإقليم كوردستان العراق، وحصد الآمتحان هذا الأثر السينمائي البارز، جائزة أفضل فيلم في القسم الدولي من الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان سانتا باربارا في الولايات المتحدة،، وجائزة أفضل سيناريو في قسم "المسابقة الرئيسية" للمهرجان السينمائي الدولي التاسع عشر كما فاز مهرجان السينما الدولي الثالث للسكان في مصر،، والامتحان هو رابع عمل روائي طويل للمخرج الكوردي "شوكت أمين كوركيالن وأدى الأدوار في فيلم "الامتحان"مجموعة من الممثلين المشهورين وذوي الخبرة من إقليم كردستان العراق، إلى جانب عدد من الممثلين الشباب منهم؛ ئافان جمال، فانيا سالار، حسين حسن، شوان عطوف، هوشیار زیرو نیروه‌یی، نيجار عثمان، كاوه قادر، عادل عبدالرحمن

وتتلقى أكاديمية فنون وعلوم السينما الأميركية ترشيحا واحدا من كل دولة للمنافسة على جائزة أفضل فيلم عالمي والمخصصة للأفلام غير الناطقة بالإنكليزية ويقام حفل إعلان وتسليم جوائز الأوسكار في اذار من كل عام، بمدينة لوس أنجليس في الولايات المتحدة.

***

نهاد الحديثي

يُتحف "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآدب" في دولة الكويت، منذ سنوات بعيدة قارئنا العربي في كلّ مكان، بما فيه بلادنا، بالعديد من الهدايا الثقافية السخيّة، التي يقدمها إليه إما كل شهر وإما كل شهرين وإما كل ثلاثة اشهر، وتبرز من بين هذه الهدايا "سلسلة عالم المعرفة" الثقافية الشهرية واحدةً من العلامات الفارقة والمتقدمة في ثقافتنا العربية المعاصرة، فهي تحاول ربط هذا القارئ بالثقافة العربية الرصينة كما تصله بأفضل الاصدارات التي تصدر في لغات العالم المختلفة مترجمة إلى لغتنا العربية على ايدي طاقات مثقفة ومطلعة وذات خبرة واسعة في مجالات عملها، وهي في الوقت ذاته تقوم بمراقبة ما يُقدّم إليه وتحريره على أيد عربية متمرّسة، وتقدمه بأفضل ما يمكن وعلى حدٍّ عالٍ من الخبرة والمهنية.

صدر العدد الاول من هذه السلسلة الرائعة عام 1978، وتمحور موضوعه حول " الحضارة- دراسة في اصول وعوامل قيامها تطورها"، اما مؤلفه فهو الباحث العربي الدكتور حسين مؤنس، صاحب الدراسات الرصينة في ثقافتنا العربي. بعده صدر ضمن هذه السلسلة 484 كتابًا كل واحد من هذه الكتب يعتبر متفردًا بموضوع خاص ومن شأنه أن يثري من يطلع عليه بالمعرفة المتعمقة في موضوعه، ويذكر كاتب هذه السطور أنه تحدث ذات لقاء إلى عدد من محبي الثقافة وشداة المعرفة في بلادنا عن هذه السلسلة، طالبًا من كل منهم أن يقرأ خلال سنة واحدة اصدارات هذه السلسلة الاثني عشر، وان يرى إلى أي تغير حدث في حياته واية ثقافة باتت ملك ذاكرته واضافت إلى معرفته.

العدد الاخير من هذه السلسلة صدر هذا الشهر، ووصل إلى بلادنا، وقد حمل عنوانًا لافتًا هو " علم الاجتماع الرقمي- منظورات نقدية"، تحرير: كيت أورتون - جونسو، نيك برويور ترجمة: هاني خميس أحمد عبده، وواضح من عنوانه هذا انه يحاول ادخال قارئه العربي الى الاجواء الجارية في العالم المعاصر حول المجتمعات والرقميات، وان يطلعه على آفاق موضوع ملح يشغل افكار الناس في انحاء مختلفة من عالمنا، وان يضعه في صورة العصر الرقمي تحديدًا. هذا العدد يأتي استكمالًا وإضافة إلى الكثير من اعداد هذا السلسلة الهامة في مجال الرقميات والمجتمعات الحديثة، وبإمكان الاخوة القراء المهتمين الدخول إلى شبكة البحث العالمية العنكبوتية للاطلاع على ما ضمته وقدمته هذه الاعداد من الكتب في مجالها الخاص والهام في الآن. بل انه يمكن لهؤلاء قراءة اعداد من هذه السلسلة فهي حاضرة وجاهزة للتحميل المجاني، اما سعر العدد الواحد منها بعد وصوله الى بلادنا فانه بالكاد يساوي مقابل الارسال في البريد!!

لقد توزعت مواضيع المؤلفات والكتب التي ضمّتها هذه السلسلة خلال فترة صدورها المديدة، على العديد العديد من المواضيع في شتى العلوم والمواضيع، ونشير هنا إلى اعداد مختلفة منها مثل " التفكير العلمي"، للكاتب المبدع الدكتور فؤاد زكريا، كما قدمت اصداراتها الاولى كتابًا هامًا هو " اتجاهات الشعر العربي المعاصر"، للدكتور احسان عباس المعروف بموسوعيته الثقافية واطلاعه على اسرار وخفايا شعرنا العربي ببعديه المعاصر والقديم، ومن الكتب التي يشار اليها من هذه السلسلة الثقافية الشهرية كتاب حكمة الغرب تأليف الفيلسوف البريطاني البارز برتراند راسل ترجمة الدكتور فؤاد زكريا، وتراث الاسلام تصنيف: جوزيف شاخت وكليفورد بوزورت. ترجمة: كل من الدكاترة: محمد زهير السمهور، حسين مؤنس، احسان صدقي العمد. تعليق وتحقيق كل من الدكتورين: شاكر مصطفى وفؤاد زكريا، وكتاب " الذكاء العاطفي" تأليف: دانيال جولمان، ترجمة ليلى الجبالي، مراجعة محمد يونس، وكتاب "سيكولوجية فنون الاداء" تأليف: جيلين ويلسون، ترجمة: شاكر عبد الحميد. مراجعة: محمد عناني. اضافة الى مؤلفات الباحث في النقد الادبي الدكتور عبد العزيز حمودة، والباحث المبدع الدكتور شاكر عبد الحميد في الابداع وعلم النفس. اما المترجمون الذين تعاملوا مع هذه السلسلة الرائعة فيبرز من بينهم كل من الدكتورين امام عبد الفتاح، وشوقي جلال وغيرهم كثير.

كما سبقت الاشارة فان كل كتاب صدر ضمن هذه السلسلة يُعتبر وجبةً دسمة في موضوعه، علمًا أن مواضيع كتب السلسلة متنوعة ومختلفة وأهم من هذا تعمل ادارة السلسلة بدأب ومثابرة على مدِّ قارئنا العربي بأحدث الاصدارات العربية الموضوعة ونظيرتها الاجنبية المترجمة التي تضع هذا القارئ في صورة العصر وقضاياه الملحة، وتزوده بثقافة متعمقة، في كتاب انيق مُحرّر بأيدٍ وكفاءات ذات معرفة، خبرة وتجربة. يزيد في أهمية هذه السلسلة، اسوة بغيرها من السلاسل الكويتية المماثلة، أن اسرة تحريرها تشترط على ما يُقدم اليها من كتب مترجمة خاصة ان يزودها مترجموها او بالنسخ الاصلية المترجم عنها لغرض المراجعة، التدقيق والتعليق اذا اقتضى الامر.

من مميزات هذه السلسلة ايضًا، انها تصدر في تاريخ مُحدّد من الشهر، لا يتأخر يومًا واحدًا عن موعد صدوره، ويُذكر بكثير من الشكر والعرفان انها لم تتوقف خلال سنوات صدورها الا مرة او مرتين، احداهما عندما دخل الجيش العراقي إلى الكويت، وقد توقفت فترة عام على ما اذكر، والاخرى في فترة الكورونا سيئة الصيت، وقد افرح القلب واثلج الصدر، انها عاودت الصدور في تموز الجاري.

مُجمل القول ان هذه السلسلة تعتبر وجبةً ثقافية شهرية مميزة، وانها تضع القارئ في صورة العصر وقضاياه بعلمية ومهنية ملموستين، كما انها تُعتبر خطوة متقدمة في ثقافتنا العربية نحو العصرنة.. علمًا انها لا تنسى الماضي وتضعه في صُلب حساباتها معتبرة ان الحاضر ما هو الامتداد الطبيعي له.

إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والادب في دولة الكويت، كل التحيات على هديته القيمة هذه.. لكم منا فائق التقدير وخالص الامتنان.

***

ناجي ظاهر

الكاتب المصري المعروف احمد عباس صالح، اصدر قبل عقود، كتاباً عنوانه: اليمين واليسار في الاسلام.. عنوان كتابه ذلك، ألهَمَني عنوان هذه المقالة القصيرة.

في اوائل السبعينيات من القرن الماضي، ظهر جيل من الشعراء الشعبيين العراقيين ابدعوا في نظم القصائد العاطفية الجميلة التي تحول الكثير منها الى اغاني جميلة تداولها الناس..

السلطات صنّفت معظمهم باعتبارهم (يساريين)، اما لأنهم فعلاً يساريون او لأنهم رفضوا الكتابة السياسية لتمجيد تلك السلطات..

هؤلاء كتبوا صوراً شعرية تنقل عواطف الناس وظروفهم واحلامهم والعقبات والمرارة التي تطبع حياة الكثيرمنهم حتى في عشقهم.

بالمقابل، كان هناك جيل (أقل شأناً) من شعراء ترضى عنهم السلطات.  كانوا يكتبون شعراً عن الحرب والجماجم التي تعبد طريق الحرية والتنمية ودماء الشباب التي يجب ان تسيل كأنها نذر يقدم لألهة وثنية قديمة..

كانوا ينظمون شعراً عن نيران الحرب والسيوف البتارة والتضحية بالغالي والنفيس!!

لماذا كل ذلك الدمار والعذاب والنيران؟؟

لأن السلطات اعتقدت انها تستطيع تغيير العالم !!

المجموعة اليسارية، هم وعدد ممن غنّى لهم من المطربين، طوردوا وشُرِّدوا في اصقاع الارض. وبعضهم تعرض للاعتقال والتعذيب والعزل والاهمال والتهميش ومُنعوا من الكتابة والنشر ...

المحزن ان هذه الاجراءات حرمت المجتمع من نتاجاتهم الجميلة. واوقفت عصر الاغاني الخالدة التي كتبها هؤلاء ولم يستطع أحد من شعراء اليمين ان يأتي بمثلها..

من بقي منهم على قيد الحياة ويعيش في المنفى، توقف تقريباً عن الانتاج والعطاء .

كيف يمكن له أن ينتج نفس الجمال القديم وهو بعيد عن بيئته واهله؟؟

سؤالي: هل ان هؤلاء اليساريين كانوا اكثر حريةً وانفتاحاً وتحرراً من القيود الاجتماعية والموروثات، لذلك استطاعوا الابداع؟

***

د. صلاح حزام

صدر كتاب "مجالس الجٍنان في تجويد القرآن"، في سنة 2022م ، وهو عبارة عن مجموعة دروس ومحاضرات ألقاها سماحة الشيخ ميثاق محمد الزبيدي في جامع ومقام علي بن موسى الرضا (ع) في العشار/البصرة، قام بجمعها وترتيبها وإعدادها للطباعة الشيخ عباس محمد الأسدي. والكتاب بمئة وست وثلاثين صفحة تتقدمه كلمة تمهيدية للسيد طالب الحكيم صاحب كتاب "المراسلات"، ثم مقدمة للشيخ عباس الأسدي حيث قسّم الكتاب الى ثلاثة فصول. الفصل الاول: يتحدث عن التجويد لغة واصطلاحاً / اللحن الجلي والخفي / آداب التلاوة /مراتب التلاوة / العلامات في رسم المصحف /القراءة التفكيكية / مخارج الحروف / صفات الحروف اللازمة / وغيرها . والفصل الثاني: يتحدث عن صفات الحروف العارضة / التفخيم والترقيق / أحكام النون الساكنة والتنوين (الاظهار /الاخفاء / الاقلاب / الادغام / أحكام الراء (الترقيق / التفخيم) / أحكام الميم الساكنة / أحكام اللام الساكنة / أحكام المد وانواعة. والفصل الثالث: يتحدث عن الوقف والابتداء / السجدات في القرآن الكريم / ملحق بعض الكلمات الصعبة وتفكيكها، وغيرها.

طُبع هذا الكتاب بغلاف أنيق يليق بعنوان الكتاب، وعرض للمعلومات مميز ومريح للقارئين والقارئات، ومما لفت نظرنا في صفات الحروف عند الكلام عن صفات التوسط بين الشدة والرخاوة، أنه أثبت عبارة جديدة في الصفحة (43) تجمع حروف التوسط الخمسة، وهي (نُر عَلَم) بدلا من العبارات المعروفة (لن عمر / عن رمل / لم نرعَ) وإنّ شرح هذه العبارة مذكور في الحاشية.

ومع تقديرنا لهذا الجهد المميز في تأليف هذا الكتاب، وإعداده وإخراجه، إلا أن هناك بعض الملاحظات الثانوية، منها أنه بحاجة إلى فقرة قصيرة هي خاتمة أو خلاصة تتضمن نصائح وإرشادات عامة مختصرة عن أحكام التجويد ومراتب التلاوة وآدابها بخاصة للمبتدئين. أضف إلى ذلك أن المصادر التي ذكرت في آخر الكتاب، بحاجة إلى بيانات أكثر، كتاريخ الطبع، ومكانه، ودار النشر. كما أن الكتاب نفسه بحاجة إلى توثيق، وذلك بذكر أسم الناشر أو أسم المطبعة، ومكانها.

وفي الختام ندعو الدارسين لأحكام التجويد وآداب تلاوة القرآن الكريم، الاطلاع على هذا الكتاب أي كتاب: "مجالس الجنان في تجويد القرآن"، ففيه الجديد والمفيد، ومن الله تعالى نستمد التأييد والتسديد.

***

أحمد محمد جواد الحكيم - باحث وأكاديمي عراقي

عندما تقرا كتبا بعينها مرات ومرات ويشدك الكاتب بقوة أسلوبه وبجاذبية خاصة لا تعرف سرها تتساءل في قرارة نفسك: لماذا ينجح كاتب في جذب القراء ويفشل آخر؟ ..

أتذكر منذ سنوات وانا في مراهقتي في سن السابعة عشرة عندما وجدت على رف مكتبة مدينتي كتابا سميكا بني اللون يحمل صورة العقاد من 702ص بعنوان " في صالون العقاد كانت لنا أيام " للكاتب الكبير أنيس منصور رحمه الله  استهواني الكتاب وأبحرت في محيطه حتى انهيته وبين الفينة والأخرى ولفترات أعيد قراءته حتى وصل عدد القراءات إلى خمس.

وبدات رحلة البحث عن كتب أنيس منصور هذا المثقف الموسوعي الذي يجمع بين الصحافة والأدب والفلسفة والترجمة والدين وعشق الأسفار..

وأدمنت قراءة زاويته اليومية بالأهرام "مواقف" وعرفت بعد السنوات من خلال قراءة سيرة المبدعين الكبار الذين أثروا في الإنسانية بأعمالهم الخالدة أن للكتابة المتألقة الكونية التي تتجاوز الإيديولوجية الضيقة، خلطة سرية تتمثل في هذه التوابل منها:

أولا: التدريب على الكتابة اليومية مهما كانت الظروف ..

ينصح الكاتب الأمريكي ستيفن كينج الكاتب ألا يجلس لينتظر الإلهام حتى يأتيه من أجل أن يستعد لإمساك قلمه، ولابد عليه أن يدرب نفسه على الكتابة يوميًا وبشكل منتظم مهما كانت الظروف والعوائق..

فعلى الكاتب الجاد أن لا ينتظر الإلهام بل عليه أن يجلس أمام مكتبه ويشرع في الكتابة، يكابد ويصارع من أجل إيجاد فكرة جميلة يقيدها على دفتره او حاسوبه اوشاشة هاتفه...

ثانيا: الكتابة الجيدة تتطلب قراءة واعية مثمرة متنوعة وهذا ما تميز به أنيس منصور وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم واحمد رجب ونجيب محفوظ ومصطفى محمود فالتنوع في القراءة بين أدب وفلسفة وتاريخ ودين يثري ثقافة الكاتب ويجعله يتميز عن غيره من الكتاب الأقل قراءة وثقافة..

ثالثا: الخبرات الحياتية والرحلات والأسفار والانفتاح على العالم يثري ثقافة الكاتب ويمده بمادة ثرية مشوقة وهذا ما تميزت مقالات أنيس منصور فسرد تجاربه ورحلاته وخبراته الحياتية وما يحدث في العالم من مواقف غريبة محيرة للعقل فهذا ما يجعل القارئ ينجذب لقراءة المقال ومتابعة الكاتب في كل ما يكتبه..

ثالثا: الصفاء الذهني والروحي والتفرغ للكتابة، فالكاتب المحترف صاحب الاسلوب الجذاب يعطي الوقت الكافي لأعماله الإبداعية تتضج على نار هادئة فلا يتسرع في النشر وحب الظهور والشهرة الكاذبة لهذا لا نستغرب أن نجد كتابا كبارا عالميين الذين تحصلوا على جائزة نوبل تستغرق أعمالهم سنوات حتى تظهر للنور وتنال الشهرة ويكتب لها الخلود.. 

فالكاتب الكولومبي  غارسيا ماركيز قضى سنوات طويلة في التفكير في « مائة سنة من العزلة « و« وقائع موت معلن « قبل كتابتهما

والروائي الأميركي الذي انهى حياته بالانتحار أرنست همنغواي أعاد كتابة آخر صفحة من روايته « وداعا للسلاح « 39 مرة...

رابعا : الكتابة بلغة راقية شفافة تخاطب العقل والقلب ينتقي فيها الكاتب كلماته فلا حشو ولا غرابة ولا مفردات بعيدة عن العصر مدعمة بالحكمة وفلسفة الحياة وهذا ما اشتهر به أنيس منصور من آراء عميقة حول الحب والمرأة والسعادة

وكمثال على ذلك قوله:

-'الفرق بين الحب الفاشل والحب الناجح أن الأول يؤلمك شهرا، في حين أن الثاني يؤلمك مدى الحياة".

-"الحياة مثل البصل، قشرة تحت قشرة وفي النهاية لا شيء إلا الدموع ".

-" لقد وُلدنا وسط غابات من علامات الاستفهام، فتركناها وراءنا غابات من علامات التعجب ".

هذه بعض توابل الخلطة السرية للكتابة سيدة المقام لا يقدر عليها إلا أولو العزم من المبدعين الذين تركوا كل شيء وراءهم وتفرغوا لها وفي محرابها تفجرت مواهبهم فلونوا العالم بجمال أفكارهم فكانوا قيمة مضافة في هذه الحياة.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

تحية حُبٍ إلى الشَّاعر الكبير سُليمان العيسى

من خُضرة الضَّيعةِ ونبعِ الغَدير.. من حُقول الحنطةِ، وزغردةِ العصافير.. من حفيفِ الصَّنوبر وفيافي السنديان عند ساعات الهجير.. من إغفاءة وردةٍ باغتها شُعاعُ شَمسِ الصَّباحِ، من رائحةِ التُربةِ حين تُقَبِلُ وجناتُها حَباتَ مطرٍ تتوقفُ لوصالٍ حميمٍ.

من هناك جاء سُليمان العيسى .. من غاباتِ الحَورِ التي تَفرشُ بساطَ لواءِ اسكندرونة، هناك حيث غسلت عينيه ألوانُ الخضرة وفسحةُ السَّماء وتنشَّقَت رئتاهُ عبيرَ القَرنْفُلِ وشَذا الرَّياحين.. وغازلَ سمَعُهُ صُداحَ البلابلِ وطيور الحسونِ.. تَشرَّبت روحُه نسائمَ النَّقاءِ، فجاءت كلماتُهُ وريقات نَرجِسٍ صافيةٍ،سقتها ينابيعُ الطِّيب في تُربةٍ سَخيَّةٍ.

عَشِقَ الأرضُ وهامَ بحنايا البساتينِ وأغوتهُ بغُنجِها سهولٌ ووهادٌ.. عِشْقُ الأرضِ لا يُدانيهُ عِشقٌ أو غرامٌ.. فالأرضُ وإن نهجُرُها لا تَهجُرنا.. نَخونُ عشرتَها، ولا تُفكرُ يوماً بِخيانتِنا.. نقسو عليها، نسيءُ معاملتَها، ولا تفكرُ يوماً بمعاقبتِنا.. وحدَها الأرضُ هي الأمُّ وهي الحبيبةُ.. كم يَصعُبُ أن تجتمعَ الاثنتانِ في واحدةٍ من غير شجارٍ ومن غير عويلٍ.

وما الحيلةُ إذا أرغمنا الباغي أن نهجُرَها قَسراً.. أن يجعلَنا رَغماً عنَّا ننسلخُ عَنها.. وحينها جُلَّ ما نستطيعُ أن نفعلَهُ هو أن نُبقيَ شيناً من روحِنا بين حبيباتِ تُربتِها.. نُغطيه بِعنايةٍ كي لا يكتشفهُ الغاصِبُ ذات مرةٍ.. وتُرغِمُنا أعقابُ البنادقِ على حزمِ بضع حقائبَ عتيقةٍ، نطوي فيها دمعةً، وجحيمَ ذكرياتٍ يلسعُ حناجرَ من بُكاءٍ:

"أذنتك هل أمضي من دون وداعِ الحيِّ

ورنوةِ عاشقٍ للدَّار

سأخلفُ شطراً من عُمري

باللَّهفة خَضبٌ والتِّذكارُ"

أسيراً يصبحُ لواءُ اسكندرونة وشريداً يصيرُ سُليمان العيسى، يؤرِّقُهُ ألمُ الرَّحيلِ، والجِراحُ كثيرٌ، جرحُ وداعِ أرضٍ طَيّبَةٍ، وجِرحُ التَشرُّدِ والضياعِ:

"العُمرُ رحيلٌ والحُبُّ رَحيلٌ

والمَثوى إما طالَ رحيلٌ

أُلامُ إذا غادرتُ الدَّارَ

ورحتُ أطوفٌ في الأفاقٍ

ولا أدري سأحِطُّ رِحَالي

أين لا أدري"

يُلَملِمُ أوراقَهُ ويحتضنُ تحتَ إبطهِ حُزمةً من سُطورٍ وكَلماتٍ ويركبُ فوق ظهرِ غيمةٍ ويسافرُ إلى حُدودِ المَتاهةِ:

"تلٌ يغيبُ

وقمةٌ تبدو

روادٌ كالخيالِ كالُّلغزِ

يزدحمُ السُّؤالُ

على شفةِ السؤالِ"

وتشتعِلُ في أعماقهِ جَذوةٌ من ثَورةٍ، راحت تموجُ في حنايا حُروفِهِ المُلتهبةِ، تنتظرُ يومَ العَودةِ وتَهفو إلى أرضٍ يجمعُها الِّلسانُ ذاته، فيفيضُ نبعاً يُسقي نبتَةَ أملٍ، راح يرنو إلى رؤيةِ شَبابِها، ذات ربيعٍ يجيءُ حاملاً بشائرَ الغَدِ الآتي وحُلُمِ الوعدِ والِّلقاءِ:

" هو نهرٌ يا صديقي

هو نهرٌ كان أحمرَ

وتَمطَّى الآن أخضرَ

ووسامي الضَّخم

أن أسمع أنباء الحبيبةِ أبداً

تزرعُ في الأرضِ الحبيبة أبداً

تزرعُ أشجارَ الغدِ الموعودِ

ميلادُ العُروبةِ"

سليمان العيسى طَوفانٌ من حُبٍّ أبداً يفيضُ.. أبداً يَغرِفُ من أطرافِ الحِكايةِ.. من يرتوي من مَّعِينٍ، لا يُمكنُ أن ينضحَ بُغضَاً.. من يعشقُ الأرضَ والزَّهرَ ولونَ السَّماءِ، لا يقوى على غيرِ العطاءِ.. من يتشرَّبَ أطيافَ الجَمالِ.. من غير أن يدري ينسابُ منه حُلوَ الكَلامِ، ومن أجملَ من الأطفالِ؟ ومن أصفى من عيونِهِم، ولهذا يُتوّجُ طَوفانَ الحُبِّ ناثراً من مخازنَ لا تنضبُ أشعارَ محبةٍ يغرسُها في دفاترِهم مَرةً وفي قلوبِهم الرقيقةِ آلاف المَرَّاتِ.. تعيشُ فيهم، تنبتُ غَرسَةً في النُّفوسِ العِطشى، وتنمو باسقةً في الوجدانِ.. تُعمِّرُ كالأشجار تَتَوَحَّدُ في العيونِ وفي البُنيانِ.

يتكلم بلسانِ الصِّغار، طفلاً يصيرُ يبحثُ في اهتماماتهم الأثيرة، والطُّفولةِ والأُمومةِ صِنوانٌ، وأجمل أطراف الحِكاية يهتفُ معهم:

"ماما ماما يا أنغاما

تملأ قلبي بنِدی الحُبِّ

أنتِ نشيدي

عيدُكِ عيدي

بسمةُ أُمي.. سِرُّ وجودي

أنا عُصفورٌ مِلءُ الدَّارِ

قُبلةُ ماما ضوءُ نَهاري"

ينشئُ بريشتهِ جيلاً.. يرسمُ بالكلماتِ شعراً ودفئاً، وألحاناً عذبةً، وبايقاعاتٍ من حنينٍ يجمعُ أُسْرَةً من محبةٍ ووطناً من ضياءٍ:

أرسمُ ماما أرسم بابا بالألوانِ

أرسم علمي فوق القممِ

أنا فنَّانٌ

أنا صيادُ الَّلونِ السَّاحِرِ

أرضُ بلادي كَنزُ مَناظِر

دعني أرسمُ ضَوءَ النَّجمِ

دعني أرسمُ لونَ الكَرْمِ

أكتبُ شِعراً بالألوانِ

أحيا حُرَّاً.. أنا فَنَّانٌ"

وبعد.. تلك بضعُ كلماتٍ صغيرةٍ ما استطاعت أن تُحيطَ سوى بجزءٍ يسيرٍ من فيضِ عطاءِ الشَّاعرِ الكبيرِ سُليمان العيسى صَيَّادِ الَّلونِ السَّاحرِ الَّذي اصطادَ بريشتِهِ قُلوبَنا، فاضحينا أسرى لعُذوبةِ أشعارِهِ.. حفظناها في حنايانا.. وغداً نُوَرِّثُها للصِّغَارِ، أناشيدَ مَحبةٍ تُبدِّدُ عن النُفوسِ زَمنَ الجَفاءِ.

سليمان العيسى شكرا يا نبع السخاء.. ونحن على يقين أن لون الشمس قدره دوما دفء العطاء، وكل الاحتراقات تحتمل ما دامت تفضي الى دروب الضياء.

***

جورج مسعود عازار

القول بالابداع كقيمة جمالية وانسانية جوهرية..

بعد مشاركاتها الفنية المتعددة ومنها المعارض الجماعية والشخصية شاركت الفنانة التشكيلية والمسرحية زينب النفزي في معرض جماعي بدار الثقافة ابن خلدون حيث قدمت عددا من لوحاتها وأعمالها الفنية التشكيلية.و قد تعددت معارضها في فضاءات ثقافية بالعاصمة لتبرز مناخات تلويناتها.. ثمة بهاء نائم في الأقواس والأزقة والأبواب وصراخ الفتية وبياض تلتحفه المر أة في ضروب كثيرة من الدهشة.. وفي خشبة المسرح وما تحيل اليه من خيال وحب وامتاع وابداع.. والحكاية هنا هي هذا الذهاب الى الدواخل في شواسعها نحتا للكيان وتأصيلا له.. انها فكرة الفن تقتحم عوالمنا اليومية بتجددها وانسيابها مثل نهر قديم يصنع موسيقاه التي لا نرى لها لونا غير صفاء الحال.. والأحوال.. خاضت التربة المسرحية لتعانق الركح من خلال دور في حكاية من حكاياتها هي وفق ولع وشغف بالمسرح كمجال للفعل الثقافي العميق.. ومن تفاصيل التلوين وهي تعد لمعرضها الخاصالرسم هامت بالأمكنة ومنها المدينة ومشاهد أخرى قريبة منها حيث تنوعت معارضها الجماعية والخاصة لتبرز جمال النظر والحلم.. تفعل كل هذا وكأنها تقول ".. تأسرنا الذكرى ويقتلنا الحنين وينهشنا الوجد.. فنلوذ بالألوان وبالكلمات.. ماذا لو حدثتك أيتها المعاني بشأن ما رأيت.. لكننه الحلم يبث شيئا من رغباته ينثرها على البياض.. في البياض.. نعم.. مثلما تنثر فكرة ألوانها هناك.. على الجدار.. في الجدران.. تدخل المدينة.. .تدخل المكان الجميل.. هناك نعم تجد اللوحات وهي تسعد بك مثل فراشات من ذهب الأزمنة.. والأمكنة.. كان سفرا ممتعا خضته ذات معرض هناك لتتواصل الرحلة.. ".كون من دهشة الجمال العابر للمسافات.. مسافات اللون والحركة والوجد والشجن والأمنيات و.. .. الأحلام.. ان الأحلام هنا تصرخ ترتجي كلماتها.. هي أحلام بمثابة العناوين ابتكرتها الرسامة وهي تلهج بالصور وبالذكرى والنوستالجيا.. معرض تتلوه معارض أخرى للرسامة زينب في تونس وهي تعد لمعرضها الشخصي برواق بالعاصمة.. وسعي ونزوع نحو المغامرة التشكيلية بكثير من الوفاء والبحث المفتوح والذهاب مع العناصر والتفاصيل والأشياء في عالم معتل.. و به الكثير من جنون البشر.. و ما الفن ان لم يكن مثل هذا الذهاب في البعيد من حيرتنا القديمة وسؤالنا الحارق ودهشتنا الطافحة بالصمت.. رحلة مفتوحة على الدهشة والحنين والحلم وفق المتاح في عوالم التلوين والمسرح ولأجل تحقيق الذات في هذا السفر الانساني المفعم بالابداع والامتاع.

***

شمس الدين العوني

الموهبة الشعرية ذاتها منذ أقدم الأزمان، فالموروثات الجينية تحملها وتورثها للأجيال، والمواهب القديمة توفرت لها معارف قليلة وتحديات محددة ومعروفة، ولهذا كانت أغراض الشعر عندها جلية ومتكررة.

وفي عصرنا تنامت منابع المعارف، وتبدلت صور الحياة، وتألقت العقول بمبتكراتها، والدنيا بمعطياتها المادية المتنوعة، وتطورت المواهب وفاقت ما سبقها بقدراتها التعبيرية واللفظية، وبصورها البلاغية الباذخة الروعة والجمال.

ويمكن القول بأن هناك العديد من الشعراء الذين يضاهون طبقات الشعراء الأولى، وربما لدينا المئات منهم، والأمة لديها نزوع للتجمد والتحجر، والوقوف عند حالة ما تضفي عليها ما ليس فيها، وترفعها إلى مقامات المستحيل.

فما قيمة الشعر القديم أمام فطاحلة الشعراء المعاصرين؟

أستمع لشعراء شباب لديهم مواهب متميزة وقابليات تعبيرية خارقة، ويأتون بأشعار لم يأتِ بها الأولون، فهم أقدر منهم وأطول باعا في اللغة والمعرفة والمهارة الشعرية.

والأمة تغمرهم وتلغيهم وتتمسك بأسماء شعرية قديمة، وتحسبها الذروة ولا مَن يتفوق عليها، وكأنها تقول بأنها لا تتقدم ولا تتجدد، وقد أعطت سلاف ما فيها وخمدت، مما يتنافى وإرادة الحياة وبديهياتها الفاعلة فوق التراب.

الأمة ولودة ولا وجود فيها لكلمة أوحد، وأعظم، بل تضم الرموز المتنوعة المتوافدة المترافدة، فلا يجوز التجمد عند حالة واحدة ، فعندنا أكثر من متنبي، ومن أبي تمام، والبحتري، وأحمد شوقي، وغيرهم،  فلكل جيل شعراؤه المبدعون.

الأمة ليست خاوية، بل يُراد لها أن تتشرب بثقافة الخواء والعقم، وتنوح على الغابرات، فالأمة التي أنجبت الأفذاذ في سابق عصورها، قادرة على إنجاب أمثالهم المتفاعلين مع زمانهم ومكانهم بطاقاتها الخلاقة وجوهرها الحضاري المتوهج.

فلننظر لواقعنا الإبداعي بعيون التفاؤل والثقة بولادات متجددة ذات قامات فارهة وعطاء منيف.

فعصرنا عصر التعبير الأمثل عن طاقات أمة ذات مقام رفيع!!

***

د. صادق السامرائي

قلة هم الشعراء الذين لم تكن للمحافل الشعرية ولا منصات الانشاد دورا في تسويقهم وانتشارهم ومن بينهم الشاعر (كريم العراقي) الذي غادرنا مؤخرا بعد معاناة طويلة مع المرض، ذلك ان الجمهور عرف العراقي وردد قصيدته الذائعة الصيت (فتاة الجسر) وبطلتها " بهيجة قبل ان يعتلي العراقي منصة الشعر ولأول مرة في مدينة الديوانية عام 1972، فقصيدته المذكورة جسدت بطولة الفتاة الثورية  " بهيجة " التي استشهدت برصاص السلطة الملكية على الجسر في التظاهرة المنددة بمعاهدة بورتسموث عام 1948، ويومها انتشرت هذه القصيدة بشكل واسع وصارت ايقونة الشباب اليساري يرددونها في احتفالاتهم وتجمعاتهم ويتغنون ببطولات فتاتها والتي لحن كلماتها لاحقا الفنان " كوكب حمزة "، بهيجة الفتاة الشجاعة التي لم تهاب رصاص القتلة عندما وقفت على الجسر بين المتظاهرين تجسد البطولة ووحدة المعاناة وهي تصرخ:

يا صدري كل للفرح

أوف الشعب أوفي

دم بالضمير اشتعل

شيلني يجفوفي

......

........

هيه يا رصاص وهلا

وطرزلي نفنوفي

شو جني ليلة عرس

تتراكص زلوفي

قبل سنوات ظهر الشاعر كريم العراقي في مقابلة على قناة السومرية يستذكر فيها بداياته مع الشعر حيث ذكر انه اعتلى منصة الشعر ولأول مرة في الديوانية، وفعلا كان ذلك في مهرجان قطري انعقد في صالة سينما الخيام وكنت من بين الحضور الذي شهد استقبال الشاعر كريم العراقي من قبل جمهور الديوانية والذي كشف به عن هويته اليسارية حيث كان الشاعر العراقي وكما اسلفت معروفا من خلال قصيدته " بهيجة "، صعد ذلك الشاب النحيف المسرح بقميصه الفضفاض ويبدو عليه الخوف والارتباك رغم الاستقبال المهيب له وقد ادركت لاحقا ومن خلال ما أدلى به في تلك المقابلة انه وقبل توجهه الى الديوانية للمشاركة في المهرجان حذره بعض اصدقائه ان تكون بدايته القراءة في الديوانية لأنها ــ وحسب قوله ــ  فيها (شعراء كبار ومثقفون كبار) وربما كانت اسباب تلك الرهبة التي ظهرت عليه وهو يقف خلف المنصة لا تعود الى صعوبة البداية فحسب انما لحساسيته من الوقوف امام جمهور كان يتمتع بذائقة شعرية لا تهضم ولا تستقبل الا الشعر الجميل والرصين وقد ظل الجمهور في تلك الجلسة الشعرية متحمسا لسماع شيء من قصيدة بهيجة مرددا ومستفزا ذاكرة ببعض ابياتها:

خدي بحلاة الخبز

والدم شتل حنطة

يا وجهي رد اللهب

دخان للشرطة

الا انه ولحساسية القصيدة وطبيعة الجلسة تدارك الشاعر بذكاء انشادها في ذلك المحفل الذي انفرط منذ يومه الأول وانتقاله الى مدينة السماوة بسبب الاصطفاف السياسي الذي ساد القائمين على المهرجان.

وبرحيل الشاعر كريم العراقي يكون السرب قد فقد طائرا جميلا ياما صفق بجناحيه مغردا في سماء الشعر راسما بألوانه الجميلة قوس قزح شعري.

***

ثامر الحاج امين

مكفهراً، ولا أقول ممتعضاً، سألني فولفغانغ المولع بتفكيك الخطاب نصاً ومفردات، سألني بحرقة، ونحن نجلس في مقهى ندردشُ:"لماذا لا تثورون على الأوضاع الكارثية في بلادكم ؟!"

لوهلةٍ، إضطربت مشاعري حد الفوضى، لأن سؤاله حرَثَ جرحاً في صدري..

قلتُ وجِلاً، مُتلعثماً، كمَنْ يدافع عن تُهمة وُجِّهت له: "لكن الناس خرجت إلى الشوارع والساحات، بمئات الآلاف خلال السنوات التي سبقت الكورونا، ولم ...! مئات القتلى وآلاف من الجرحى والمعوقين، ناهيك عن المغيبين!

غدت الناسُ تتضوّر وتَتَلوّى خرساءَ، بعد أنْ نَزَفَت دمها والخيال من كسورِ"ممكنٍ "مشبوه !

فقد جاؤوا (الحاكمون) في غفلةٍ من البحر والطير.. ذبحوا النسيمَ ونثروا أشلاءنا على سيوف الحقد والكراهية.. فتكلَّسَ التأريخ في الخراب!

طوفانُ بلاءٍ صَيَّرَ البروقَ رصاصاً..

من سيحملُ نقيَّ عظامنا المتبقية من المذابح "الرحيمة" والحروب "المقدسة"؟!

رسم إبتسامةً مشفّرةً وقال:" لن تُحرِّروا بلادكم بالهتافات في الساحات وبالخُطبِ من على منابر الوهم المُنوِّم.. فالحاكمونَ موغلونَ بأبتلاعِ البلاد ومواردها، تارة بالمداهنة وأخرى بالسيف.. فلا فائدةَ من الوَلوَلة، لأنَّ الأخيرةَ لن تُعيدَ ما إنسكبَ من ماءٍ إلى جرّةٍ الندم والأسى"!

+ " لكن ما ذنبُ الناس إذاً، في زمانٍ يقصف العمر ويهذي موتاً، حين تساوى الجبانُ مع الشجاع منذ إختراع المسدس والبندقية؟" أجبتُ.

-: " أين هو دور المثقفين والتنويريين، الذين طالما قرَّعتَ رأسي بالحديث عنهم ؟"

+ كثرةٌ منهم إستطابت النوم في حضن السلطان، أدارت "دفَّةَ السفينة" نحو المحتل والحاكمين ومَنْ تسيَّدَ المشهد عنوةً، فأصيبوا برُهاب المرآةَ حتى لا يصابوا بالخجل من أنفسهم! أما المثقفون الحقيقيون فلاذَ قسمٌ منهم بالصمت كي يحافظ على رأسه بين كتفيه..! وقسمٌ ضئيلٌ

***

* فولفغانغ باوتس أستاذ جامعي (سوسيولوجست) عمل عشر سنوات في نيكاراغوا أستاذاً في جامعة ماناغوا، قبل أنْ يحال على التقاعد، متابع للشأن السياسي في منطقتنا كذلك.

بقي يصارع الموج ضد التيار..لكن مَنْ يسمع وسط الضجيجِ والزعيق الهابط ؟!

فبسبب من الحروب الحمقاء والقمع المُمنهج لعقود خَلَتْ، تَردَّت الثقافة والعقول، حدَّ الإنحطاط المروع، وإنتشرت الأمية بكل معانيها، حتى غدونا أمةً مُتيمَةً بالميتافيزيق/ الخرافة والغيب.. أمة تصنع لافتة وتروح تسجد لها، مثلما فعل أجدادنا الأوائل حين كانوا يصنعون آلهتهم من التمر ولمّا يجوعونَ يلتهمونها..

لذلك صرنا أمةً تدخرُ الثورة حتى يسقط النظام أو يأتي مَنْ يسقِطَه..

أمةٌ تؤمن بأنَّ" العجالةَ من الشيطان والصبرُ والهدوءُ من الرحمان"!

أمةٌ يدخر حكامها قِرشَ الحرية الأبيض لأيامنا السود..

وأرباب العمل يدخرون الشغل لأحفادهم وأقاربهم..

زوجاتٌ يدخرنَ في الثلاجة مشاعر الحب والرِقّة لفارسٍ أفلَتَ منهن مذ نجا أتونابشتم من الطوفان!"

- متى ستلتهمون "آلهة التمر" اللعينة؟ أما ضرَّكم الجوع ؟!! قالها بشيء من التهكم والمُكر،

+ إنَّ شعباً يريدُ التحرُّرَ من القمع والإستبداد والإحتلال، لا يسكن الوفاء لأرضه قلوبَ أبنائه، وأبناؤه لا يحترمون حقوقَ المختلف الآخر ولا قدسية الحياة، ستظل حريته منقوصة ونضاله أعرج، خاصة بعدَ شيوع مظاهر التفاهة وتكاثر التافهين، حيثُ "تساوى" الإنسان المثقف والعالم مع التافه والجاهل والرقيع بفضل الإنترنت وغيرها من وسائل الإتصال الحديثة ..

لكن يا فولفغانغ، أنتَ تدري أنَّ الأمل- غير الخامل- يظل مرجلَ الإرادة ومحركَ النضال، فأنْ فقده الناس شُلَّتْ إرادتهم وعقولهم، وغزا الصمتُ حناجرهم !

فما زلنا نملك ما يمكن فقدانه !

لكننا لا ندري لمن نُهدي هذا الخراب ؟!

ومَنْ سيسقينا شراباً يعيدنا لسُباتنا الآمنِ في الخرافة .. ننامُ دون أوجاعٍ وكوابيس، فلا نصحو حتى يحين موتنا !!

........................

........................

- غالباً ما نميلُ إلى عَقْلَنَة وقَوْنَنَة كل شيء، لكن الإنتفاضات والثورات، يا صاحبي، قد تـأتيك من حيث لم تحتسب !!

+ أما ترى أنَّ في قولتك هذه شيئاً من القدرية؟!

- كلا ! لأنَّ ذلك لا يعني أنْ تضع يديكَ في حِجرِك وتنتظر..! عليك بالعمل الدؤوب لتسهيل ولادتها لمّا تحين ساعتها..

+ لكن للثورات شروطها، من دونها لا تتحقق، وإلاّ أُجهضت، وخلَّفَت بُركاً من الدماء والرماد دون

جدوى ! فلا ثورة بدون حوامل إجتماعية مسلحة بالوعي السياسي والثقافي ...

- أراك عدتَ إلى العقلنة والقَوْنَنَة إياها..!

ضحك صديقي و رَبَتَ على كتفي برفقٍ، كأنه يواسيني،

قلتُ صحيحٌ أنني هرمتُ على أكتاف الغربة،

لكنني لم أفقد نعمةَ الإنتماء لأرضٍ لم أُولد خارجها !

وسأكملُ الطريقَ الذي بدأته قبل ستين عاماً، فليس لدي طريقٌ آخر..

........................

نادى فولفغانغ على النادل ليكسر الصمتَ الذي سقط بيننا..

***

يحيى علوان

حديث ماتع مع الحبيب بكري أبوالقاسم

اللغة أوسع نطاقا من اللهجة وتتصف دائما اللغة التي تعارف على تراكيبها وألفاظها أكبر قدر من القبائل والأطياف بالجزالة والبعد عن الحشو والاسفاف.. أما اللهجة فمعانيها في القواميس ومعاجم اللغة العربية مرتبطة ارتباطا وثيقا باللحن ولعل ما يفيد أن اللهجة منحدرة من اللغة ما جاء في أحد معاجم اللغة "لحن الفصيل ثدي أمه" أي رضع منها.. وفي الكتاب المعظم قال تعالى:" ولتعرفنهم  في لحن القول"اي من خلال تعابير وجوههم ومساقط ألسنتهم تستطيع أن تسبر أغوارهم وتدرك ما تجيش به أفئدتهم.

واللهجة في الأساس هي المنهل الذي يسقي الطفل موارد اللغة داخل محيطة الأسري دون كد ذهن أو شحذ خاطر وفي الغالب تتكون اللهجة من خليط غير منسجم ولا متناغم من اللهجات أو الرطانات كما في لهجتنا العامية في السودان نجد أنها تحتوي على الكثير من ألفاظ موغلة في القدم تعود لحضارات السودان القديمة في كوش وغيرها.. واللغة أوسع اطارا من اللهجة وهي تمتاز بالجزالة والفصاحة ولها قوالب توافق عليها الناس واللغة في العادة تكون هي الماعون الجامع لعدد من اللهجات التي جبل الناس على تداولها والتحدث بها,أما اللهجة فهي تتناقض مع اللغة إذ أنها لا تلتزم بالنضج والأصالة في خصائصها وتراكبيها كما أنها تختلف وتتفاوت من منطقة لأخرى وأيضا تتسم بالهشاشة والضعف والهزال في نواحى البلاغة وأجراس الكلام ,شئ آخر اللهجة تفتقد لبريق الألفاظ وسحر الصياغة خاصة في مظان الكتابة الابداعية من شعر موزون مقفى أو رواية تخلب الألباب أو قصة تأخذ بمجامع القلوب.. اللهجة في الغالب لا نستطيع أن نضع عليها تلك المعايير الصارمة من القواعد والالزام كما في اللغة فهي أوهى من أن نرصفها بتلك القوالب التي تتطلب النقاء والتاريخية والامتزاج.. فليس للهجة مهما استطالت وامتدت عبر القرون ما للغة من إرث وتاريخ ضارب في القدم والحديث عن التفاوت بين اللغة واللهجة طويل وشائك حبيبنا بكري أبو القاسم.. اللهجة قبل أن أنسى تحتوي على تنوع فرعي نابع من خصائص اللغة الأم أو هو هجين من لغات متعددة تحيط بالبيئة أو القطر الذي تتوطن فيه هذه اللهجة لأجل ذلك نجد أن هناك ألفاظ محددة بعينها تكون كثيرة الدوران على ألسنة قاطني منطقة جغرافية بعينها ونفس هذه الألفاظ قد تجد بعضها أو لا تجدها إذا سريت شمالا أو سعيت غربا.

أما الرطانة فهي تراكيب شديدة الخصوصية تتحدث بها مجموعة من الناس في محيطهم العائلي أو القبلي هذه الرطانة يتوارثونها كابر عن كابر وهي لا تستحق عناء الوقوف لمعرفة ملابسات نشئتها أو احصاء أسباب تكوينها لفقرها وجدبها الأدبي والفكري.

وسقى الله تلك الأيام الغوادي في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا وحفظ الله أساتذتي الكرام الذي نهلت هذا المعين منهم: بروفيسور أحمد شيخ عبد السلام من نيجيريا.. بروفيسور أكمل خزيمي من ماليزيا.. بروفيسور أحمد سمساعة من السودان  وفي الأدب دكتور عوض الله الداروتي من السودان.. دكتور أسامة السيد من السودان.. دكتورة أماني عبدالفتاح  من مصر.. بروفيسور منجد مصطفى بهجت من العراق العظيم.. بروفيسور نصر الدين إبراهيم من السودان.. دكتور الطابولي من ليبيا وبروفيسور أحمد سليم عمران من ليبيا.. أدام الله شخصوصهم وحفظ سيرتهم من الهدم والاضمحلال..

***

د. الطيب النقر

كثير من القضايا والأسئلة البيداغوجية والتربوية والتعليمية الشائكة تثار مع كل دخول مدرسي أو جامعي .. وتتغير هذه الأسئلة بتغير وتطور مصادر التعلم والتكوين التي تطرحها أسواق الاختراعات التكنولوجية والتطبيقات الرقمية وغيرها ولعل أهمها اليوم تقنيات الذكاء الاصطناعي وكيف يمكن للمدرسين الاستفادة منها في الفصل الدراسي بطرق مختلفة لتعزيز تجربة التعلم، وتخصيص التعليمات والمهارات، وتبسيط المهام الإدارية.

فعلى مستوى التعلم الشخصي يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل أداء الطلاب وتكييف المناهج الدراسية مع احتياجاتهم الفردية، مما يوفر مسارات تعليمية مخصصة.

كما يمكن لأنظمة التدريس الذكية أن تقدم مساعدات مخصصة للطلاب لاستيعاب المفاهيم بالسرعة التي تناسبهم.

يستطيع الذكاء الاصطناعي تصنيف أسئلة الاختيار مثل ملء الفراغات أو الأسئلة ذات الإجابات القصيرة، مما يوفر الوقت للمعلمين ويقدم إجابات فورية للطلاب.

يمكن للذكاء الاصطناعي تقييم المقالات والمهام الكتابية وتقديم تعليقات عليها بناءً على القواعد والبنية والمحتوى.

بالنسبة لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها الإجابة على أسئلة الطلاب وتوفير المعلومات وتشجيع المشاركة داخل الفصل الدراسي وخارجه وإنشاء تجارب تعليمية مخصصة قائمة على الألعاب لجعل الدروس أكثر جاذبية وتفاعلية.

اقتراح الموارد التعليمية ومقاطع الفيديو والمقالات والكتب المدرسية ذات الصلة للمعلمين لاستخدامها في دروسهم. وإنشاء اختبارات وأوراق عمل ومواد تعليمية أخرى بناءً على أهداف تعليمية محددة.

أتمتة عملية تسجيل الحضور وإنشاء تقارير للمعلمين وهيأة الإدارة.

تعلم اللغة من خلال توفير المساعدة في الترجمة والنطق في الوقت الحصري. وتقييم الكفاءة اللغوية للطلاب واقتراح تمارين مخصصة لتحسين مهاراتهم وتطوير أدوات وتطبيقات متخصصة لمساعدة الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل تقنيات تحويل النص إلى كلام وتحويل الكلام إلى نص. تحليل مجموعات كبيرة من البيانات لتحديد الاتجاهات في أداء الطلاب، مما يساعد المعلمين على اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات لتحسين التدريس.

من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قيمة في التعليم، إلا أنه يجب أن يكمل دور المعلم فقط، ولا يحل محله. يجب أن يظل المعلمون مشاركين بنشاط مسؤول في توجيه وتسهيل عملية التعلم، في حين يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم دعم ورؤى قيمة لتعزيز التجربة التعليمية للتلاميذ . بالإضافة إلى ذلك، يجب على المعلمين أن يضعوا في اعتبارهم خصوصية البيانات والاعتبارات الأخلاقية عند استخدام الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي.

من المؤكد أن خصوصية البيانات والاعتبارات الأخلاقية لها أهمية قصوى عند استخدام الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي.

جمع وتخزين البيانات اللازمة للأغراض التعليمية فقط، والتأكد من الحفاظ عليها آمنة ووضع سياسات واضحة بشأن مدة الاحتفاظ بالبيانات ومتى سيتم حذفها.

التأكد من أن التلاميذ يفهمون كيفية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي والأغراض التي يتم من أجلها جمع بياناتهم وتحليلها.

أن نكون على دراية بالتحيز المحتمل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، خاصة في التقييمات والتوصيات والتأكد من أن أدوات الذكاء الاصطناعي غير متحيزة بأدائها بانتظام.

حماية خصوصية التلاميذ من خلال عدم مشاركة بياناتهم الشخصية مع أطراف ثالثة دون موافقة صريحة أو غرض تعليمي مشروع.

تنفيذ تدابير أمنية قوية لحماية بياناتهم من الوصول غير المصرح به أو أي انتهاكات.

تجنب استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق قد تضر برفاهية التلاميذ أو تؤدي إلى إدامة عدم المساواة.

والامتناع عن استخدامه للمراقبة دون وجود مبررات وضمانات واضحة.

التأكد من أن المواد والتقنيات المعززة بالذكاء الاصطناعي متاحة لجميع الطلاب، بما في ذلك الطلاب ذوي الإعاقة.

من جانب آخر يجب أن يتلقى المعلمون التدريب المناسب على الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم وأن يظلوا على اطلاع بأفضل الممارسات. حيث يجب توضيح من يملك البيانات التي تم إنشاؤها بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي. التأكد من أن المعلمين والطلاب والمدارس لديهم فهم واضح لحقوقهم ومسؤولياتهم.

التعرف على القوانين واللوائح ذات الصلة المتعلقة بخصوصية البيانات والتكنولوجيا التعليمية في منطقتنا وبلدنا والقيام بالتقييم المستمر لتأثير وفعالية أدوات الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي للتأكد من توافقها مع الأهداف التعليمية والمبادئ الأخلاقية.

لا مفر من إنشاء آليات للتلاميذ وأولياء الأمور لتقديم الملاحظات أو إثارة المخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي، والاستعداد لمعالجة هذه المخاوف.

من خلال مراعاة خصوصية البيانات والاعتبارات الأخلاقية، يمكن للمدرسين ضمان استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي لتعزيز التجربة التعليمية مع حماية حقوق ورفاهية طلابهم.

***

عبده حقي

اطلعت على حوار مع سفيتلانا ديومكينا – مديرة متحف مكسيم غوركي في معهد الادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية، وجرى هذا الحوار بمناسبة الذكرى (155) لميلاد غوركي، والتي احتفلت به الاوساط الادبية الروسية في مارت / آذار عام 2023، وقد وجدت في هذا الحوار الحيوي جوانب طريفة و مهمة حول مكسيم غوركي، وأظن، انها ربما ستكون ممتعة ومفيدة وجديدة للقارئ العربي بالذات، اذ ان غوركي هو واحد من أشهر الادباء الروس بعالمنا العربي، بل انه كان في فترة (مالئ الدنيا وشاغل الناس في عالمنا العربي !!!)، وكان رمزا كبيرا يحتذي به بعض الادباء العرب باعتباره مؤسس منهج جديد في الادب هو الواقعية الاشتراكية، وكلنا نتذكّر (سيل!!!) الكتابات العربية النظرية والتطبيقية في اواسط القرن العشرين عن هذا المنهج الادبي الجديد وكيف انعكس – كما كانوا يكتبون - في نتاجات ادباء عرب كبار مثل عبد الرحمن الشرقاوي وحنا مينا وغيرهم، وكيف ان هذا المنهج سينتصر لاحقا ويسود في دنيا الادب العربي، ويمكن القول طبعا ان هذه (الموّجة!) قد انحسرت الان بشكل عام، رغم ان (بقايا و آثار!) هذه الكتابات لازالت لحد الان تظهر هنا وهناك احيانا في الدوريات العربية دون الأخذ بنظر الاعتبار، ان الكلام عن منهج الواقعية الاشتراكية قد اختفى واقعيا في الساحة السوفيتية نفسها منذ سبعينيات القرن العشرين تقريبا .

ولهذه الاسباب والعوامل بمجملها ارتأينا عرض المضمون العام لهذا الحوار حول غوركي في مقالتنا هذه، خصوصا وان الحوار يجري بالذات في وقتنا الحاضر (اي في عام 2023) مع مديرة متحف غوركي في اكاديمية العلوم الروسية، اي مع شخص اكاديمي روسي يعمل من أجل الحفاظ على تراث غوركي ومكانته، وكي يطلع عليه الناس في متحف خاص بهذا الكاتب الروسي الكبير، ولا يمكن لهذا الشخص طبعا ان يكون مضادا لغوركي (وما أكثرهم بيننا وحتى بين الروس ايضا!!!)، ويجب ان تكون افكار هذا الشخص حول غوركي بعيدة عن الشعارات الطنانة وهادئة و موضوعية (وهذا هو المهم جدا) بعد اكثر من قرن ونصف على ميلاد غوركي واكثر من ثمانين سنة على وفاته.

السؤال الاول الذي نود ان نتوقف عنده في هذا الحوار كان يدور حول منهج الواقعية الاشتراكية في الادب، باعتبار ان غوركي - قبل كل شئ – هو، كما جاء في نص السؤال (... واضع اسس هذا المنهج...)، فقالت مديرة المتحف في اجابتها عن هذا السؤال، ان هذا المفهوم الذي تنطلقون منه في سؤالكم (.. عتيق وغير دقيق ..)، واوضحت، ان منهج الواقعية الاشتراكية لا يرتبط بغوركي، وانما يرتبط بافكار ستالين حول الادب، هذا الزعيم السوفيتي الذي كان متابعا دقيقا للادب الروسي المعاصر له ويتفهمه بعمق، ولهذا فانه (اي ستالين) كان يعرف الدور الكبير و الحاسم للادب في توجيه الرأي العام، وبالتالي في بلورة الوعي الاجتماعي للشعب، وكان يضع آماله حول هذا الادب وتوجيهه، وتستشهد مديرة متحف غوركي بقول ستالين الشهير حول تعريفه للاديب بانه - مهندس الروح الانسانية، وقالت ديومكينا، ان ستالين كان بحاجة الى ربط هذه الافكار باسم اديب كبير وبارز مثل غوركي، والذي كان اكبر الادباء الروس شهرة داخل روسيا وخارجها آنذاك، والذي كان مقبولا ومعترفا به من جميع الاطراف الادبية الروسية رغم خلافاتها وعدم انسجامها، اي ان غوركي لم يكن (واضع اسس مفهوم الواقعية الاشتراكية)، وانما ربطوا هذا المفهوم باسم مكسيم غوركي ليس الا، علما، ان رواية (الام)، التي استشهدوا بها واعتبروها (النموذج!) لهذا المنهج قد أصدرها غوركي عام 1906، اي قبل ميلاد هذه المفهوم باكثر من ربع قرن، وقبل الافكار عن الاتحاد السوفيتي نفسه، وتضيف مديرة المتحف الى ان مكسيم غوركي واسلوبه ومنهجه في الكتابة الابداعية و مكانته الادبية في مسيرة الادب والفكر الروسي قد تبلورت كلها قبل ثورة اكتوبر بمدة طويلة، وانه لم يكتب اي شئ يتناسب او يتطابق مع مفهوم الواقعية الاشتراكية بعد المؤتمرالاول لاتحاد الادباء السوفيت (1934)، الذي اقر منهج الواقعية الاشتراكية . تختتم مديرة متحف غوركي اجابتها عن هذا السؤال قائلة، ان الحديث عن منهج الواقعية الاشتراكياة الان هو (... شئ شكلي وبلا حياة ...)، اذ يعني البحث في زوايا بعض النتاجات الادبية آنذاك، ومحاولة ايجاد بعض المقاطع فيها، وهي مقاطع تتناول الواقع عندها لا اكثر . 

الحوار مع مديرة متحف غوركي طويل ومتشعب، اذ تحدثت فيه عن الطريق الذاتي العصامي الصعب، الذي اخترقه غوركي، واستطاع ان يصل به الى مكانته المتميّزة في روسيا والعالم، وتوقفت عند قيصر روسيا آنذاك وعلاقته السلبية تجاه غوركي، لأنه اصبح في روسيا رمزا للحركة الثورية، وكيف تدخّل القيصر في قضيّة اخراجه من اكاديمية العلوم وكيف تضامن معه تشيخوف و كورولينكو، وتحدثت بتفصيل عن مواقف غوركي تجاه الادباء الروس وكيف حاول حمايتهم في بداية السلطة السوفيتية، وكيف عرض افكاره بكل شجاعة امام السلطة ...الخ ...الخ، وكم اتمنى ان يقوم أحد المترجمين بترجمة هذا الحوار باكمله الى العربية، لأن مديرة المتحف رسمت صورة حقيقية لمكانة غوركي واهميته في تاريخ الادب الروسي، صورة لغوركي كما هو في الواقع و دون رتوش واضافات من هذا الطرف او ذاك، وكم يحتاج القارئ العربي ان يطّلع على هذه الصورة الموضوعية، كي يعرف قيمة غوركي الحقيقية ومكانته في مسيرة الادب الروسي والعالمي . 

***

أ. د. ضياء نافع

اضاءات سريعة في حياة بيرم التونسي واشعاره

قدّم الشاعر العربي المصري بيرم التونسي (23 اذار 1893- 5 كانون الاول 1961)، في حياته وشعره الغزير نموذجًا حيًا للشاعر الشعبي الذي يعيش همومه الخاصة في بُعدها الاجتماعي، فكان شاعرًا ناقدًا ساخرًا من الدرجة الاولى، رائعًا في لغته، حتى أن طه حسين قال عنه إنه لا يخاف على اللغة الفصحى إلا من عامية بيرم التونسي، أما كامل الشناوي- صاحب "لا تكذبي"، فقد قال عنه: "فنان ثائر، عاش طوال حياته يعاني العرق والقلق، وشظف العيش، وقد يتهيّب-خاصة المثقفون- عندنا من الاعتراف به في حين كانت جامعات أوروبا تدرس آثاره وتعترف بموهبته الأصلية وفنّه الرفيع"، فيما وصف أحمد شوقي زجله قائلًا: " هذا زجل فوق مستوى العبقرية".

المنشأ

كما ذكرت المراجع الوفيرة التي كتبت عن هذا الشاعر الرائد، فإننا نعلم أنه ولد في الاسكندرية لعائلة من أصول تونسية، وأن والده كان تاجر أقمشة، كما نعلم أن والده توفي وهو لمّا يزل فتى غض الاهاب، فيما تزوّجت أمه بعد وفاة والده، لتشهد حياته نجاحات قليلة واخفاقات كثيرة، وليتقلّب في شتى الاعمال الشعبية والمهن، متنقلًا من منفى إلى منفى، كما ذكر هو ذاته في كتاب مذكراته، وكيف اعترفت السلطات المصرية الحاكمة عام 1954 به مواطنًا مصريًا ومنحته الجنسية المصرية بعد حرمان طويل له منها. عاش شاعرنا تجربته المُرة هذه من أقصاها إلى أقصاها فاكتوى بنارها ونَعِمَ بأنوارها، مرافقًا دائمًا لمعشوقه الاول والاخير القول الشعري الزجلي او العامي. فما هي قصة هذا الشاعر مع محبوبه هذا؟ كيف جاء إليه، وماذا قدّم فيه؟

عاشق الملاحم الشعبية

تذكر المصادر، وهي وفيرة عن بيرم التونسي، أنه جاء إلى عالم الشعر عبر طريق الحكاية الشعبية، وقد تمّ مجيئه هذا، بعد أن أنس في طفولته إلى أحد عمال البناء في ورشة خاله، واستمع منه إلى قصة بهرته، فأمضى فترة من عمره في انتظار هذا العامل، ليستمع إلى قصصه وحكاياته. بعد أن تعلم القراءة والكتابة في الكُتاب، اكتشف عالم الملاحم الشعبية العربية أمثال ملحمة بني هلال وعنترة بن شداد والاميرة ذات الهمة، وربّما كان هذا التوجه سببًا في أن يمارس كتابة القصص وفي أن ينتج عددًا وفيرًا فيها، ومن المعروف أن وقوع ديوان الشاعر العربي القديم ابن الرومي في يده قد أثر في حياته أيما تأثير، فتوجّه إلى كتابة الشعر، وكان أول انتاج له في القول الزجلي هجاء للمجلس البلدي في مدينته، وذلك ردًا على فرض ضرائب باهظة عن سنوات سابقة، لا يعلم عنها شيئًا، على بيته الذي اشتراه بشق الانفس، ونقدم فيما يلي شيئًا من هذا الهجاء:

يا بائع الفجل بالمليم واحدةً

كم للعيال وكم للمجلس البلدي

كأن أمي بلَّ الله تربتها أوصت

فقالت: أخوك المجلس البلدي

أخشى الزواج فإنْ يوم الزفاف أتى

يبغي عروسي صديقي المجلس البلدي

أو ربما وهب الرحمن لي ولداً

في بطنها يدعيه المجلس البلدي

تذكر المصادر أن هذه القصيدة كانت من أوائل ما كتبه التونسي من شعر بالعامية، مشيرة أنه فضل العامية على الفصحى، لأنه كان يعرف انه يكتب إلى شعب 95% من افراده أميون لا يقرأون ولا يكتبون، وتتوقف هذه المصادر عند محطتين هامتين في حياة التونسي، تمثلت إحداهما في علاقته بسيد درويش والاخرى بأم كلثوم. علما أنه كتب الاغاني للكثيرين في مقدمتهم فريد الاطرش.

علاقتان مميزتان

ابتدأت علاقة التونسي بسيد درويش عندما طلب منه الاخير أن يضع له أوبريت/ مغناة تحرّض المصريين على رفض الحكم الانجليزي لبلادهم، وتُعلي من شأن الانسان المصري، ضمن محاولة لإثارته وتثويره ضد الحكم الانتدابي الانجليزي على بلاده، فقام بيرم التونسي باقتباس المغناة المطلوبة من أوبريت «دوقة جيرولستين الكبيرة» للكاتبين الفرنسيين: ميلهاك وهاليفي. ومما جاء فيها قوله:

أنا المصري كريم العنصرين

بنيت المجد بين الأهرمين

جدودي أنشأوا العلم العجيب

ومجرى النيل في الوادي الخصيب

من هذا المنطلق الوطني الشعبي المُحب، ما إن قامت ثورة الضباط الاحرار في 23 تموز من عام 1952، حتى وقف بيرم التونسي إلى جانبها نفرًا مجندًا لخدمتها ورفدها بنسغ الحياة، ومما قاله في العيد الاول للثورة:

العيد ده أول عيد عليه القيمة، مافيهشي تشريفة ولا تعظيمة

صابحين وأعراضنا أقله سليمة، والقيد محطم، والأسير متحرر

مرمر زماني يا زماني مرمر

أما علاقته بأم كلثوم فقد ابتدأت عام 1940 عندما عاد بيرم إلى مصر متسللًا بعد نحو العشرين عامًا من معاناته النفي، خارج البلاد المصرية، وقد مرّت هذه العلاقة بمرحلتين هما:

- المرحلة الأولى وبدأت بأغنية "أنا وانت" عام 1941 واستمرت حتى عام 1947، وكانت جميع أغانيه لأم كلثوم في هذه الفترة من تلحين زكريا أحمد.

- بين المرحلتين كان فيلم "فاطمة" نقطة فاصلة حيث غنت أم كلثوم لأول مرةٍ من تأليفه وتلحين محمد القصبجي، ورياض السنباطي.

- المرحلة الثانية بعد فيلم فاطمة حيث لحن رياض السنباطي جميع الأغاني التي غنتها أم كلثوم من شعر بيرم، باستثناء أغنية "بالسلام إحنا بدينا" لمحمد الموجي، و"هوّ صحيح الهوى غلاب " لزكريا أحمد.

أما الاغاني التي كتبها بيرم التونسي لأم كلثوم فهي:

تلحين زكريا أحمد: "أنا وانت"، "كل الأحبة"، "اكتب لي"، "أنا في انتظارك"، "الآهات"، "إيه اسمّي الحب"، "حبيبي يسعد أوقاته"، "أهل الهوى"، "الاولى في الغرام"، "غني لي شوي"، "سلام الله على الحاضرين"، "قو لي ولا تخبيش"، "يا عيني يا عيني"، "في نور محياك"، "برضاك يا خالقي"، "الأمل"، "حلم"، "الورد جميل"، "نصرة قوية"، "هوّ صحيح الهوى غلاب."

تلحين محمد القصبجي: "يا صباح الخير يا للي معانا"، "نورك يا ست الكلّ".

تلحين رياض السنباطي: "بطل السلام"، "بعد الصبر ما طال"، "الحب كده"، "شمس الأصيل"، "صوت السلام"، "ظلموني الناس"، "القلب يعشق كلّ جميل"، "يا جمال يا مثال الوطنية"، "يا سلام على عيدنا".

تلحين محمد الموجي: "بالسلام إحنا بدينا."

مُجمل القول، ان الشاعر بيرم التونسي قدّم نموذجًا حيًا للشاعر الزجلي الشعبي، الذي انحاز إلى جانب الطبقات الشعبية المسحوقة ونطق بلسانها المُعذّب معتمدًا النقد الحاد والسخرية المرّة، وهو ما كلفه أثمانًا غالية من النفي والتشرد في بلاد الله الضيقة، وقد أصدر خلال حياته صحيفتين ساخرتين هما :" المسلة" و"الخازوق". ليكون بهذا كلّه واحدًا من رواد شعر العامية المحكية/ الزجل في مصر، وليأتي بعده العديد من الشعراء الذين سيواصلون نهجه هذا وسيمضون في دربه الحافل بالأشواك والاشواق.

***

ناجي ظاهر

عاش الفنان الممثل السوري المبدع خالد تاجا، (6 تشرين الثاني 1936- 4 نيسان 2012)، حياة صاخبة ومات ميتة هادئة، تاركًا وراءه العشرات من الاعمال الفنية في مجالات التمثيل المسرحي، السينمائي والتلفزيونية، وقد اعتبرته مجلة "تايم" الامريكية عام 2004 واحدًا من أفضل خمسين ممثلًا في العالم، أما الشاعر محمود درويش فقد أطلق عليه لقب " انطوني كوين العرب".

بداياته الاولى

تعود جذور الفنان خالد تاجا إلى عائلة سورية كردية، وهو من مواليد مدينة دمشق. تقول المعلومات المتوفرة إنه كان ولدًا مشاغبًا حتى أن أمه اصطحبته إلى مصحة اجتماعية عندما كان في التاسعة من عمره، فقال لها أهل الشأن هناك إنه ولد فائض الطاقة. كان خالد طفلًا مشاغبًا. وكان يحب الرسم. ابتدأت موهبته في الفن التمثيلي بالظهور في العاشرة من عمره.. وذلك خلال دراسته الابتدائية، أما انطلاقته الفنية الاولى فقد كانت عام 1957، عبر مشاركته في العديد من الاعمال المسرحية السورية، وقد كان دوره الأول في السينما، في فيلم "سائق الشاحنة" الذي أنتجته "المؤسسة العامة للسينما" في دمشق عام 1966 حين اختاره المخرج اليوغسلافي يوشكو فوتونوفيتش للقيام بدور البطولة فيه، ومن ثم توالت أعماله الفنية السورية، ومن أفلامه الشهيرة فيلم "الفهد" وفيلم "رجال تحت الشمس".

حياته الشخصية

تزوج خالد تاجا أربع مرات، وقد انتهت حياته الزوجية بالفراق حينًا وبالطلاق حينا آخر، في أواسط التسعينيات قرّر أن يعيش وحيدًا برفقة فنه وذكرياته.

في أواسط الستينيات من عمره أصيب خالد تاجا جراء إفراطه في التدخين بالسرطان في إحدى رئتيه، مما اضطر الاطباء لاستئصالها، وقد توقف عن التمثيل مدة سنوات. في مطالع السبعينيات من عمره عاوده زائره المرض اللعين، وقد فارق الحياة وهو في الثالثة والسبعين.

حساسية مفرطة للموت

اتصف خالد تاجا بحساسيته المفرطة تجاه الموت، وبإمكان مَن يُبحر في الشبكة العنكبوتية مشاهدة العديد من مقاطع الفيديو التي يتحدّث فيها عن الموت/ موته أيضًا، باسى وحسرة عن لحظة الفراق الأبدية، وكثيرًا ما ردّد فيها مقولة " الموت حق". ومما يذكر في هذا السياق أنه كان يخطّط لكتابة قصة حياته ليحولها إلى مسلسل درامي، وعلّل السبب أن حياته فيها الكثير من الآلام والصعوبات والإصرار والعمل على تحقق الهدف.

عندما شرع شبح الفراق الابدي يدق بابه بقوة أسس خالد تاجا قبره بنفسه وكتب عليه “مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها، لحظة ثم مضت”، كما حمل جملة “منزل الفنان محمد خالد بن عمر تاجا من مواليد عام 1939".

حظي خالد تاجا بالعديد من التكريمات والجوائز، منها جائزة أحسن ممثل ثان عن دوره في مسلسل التغريبة الفلسطينية، وذلك في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون الذي أقيم عام 2005.

***

ناجي ظاهر

خضت رحلة البحث عن ذوات حرة متفردة، وانصهرت في صخب الحياة الاجتماعية، وشاركت المثقفين والمفكرين همومهم وطموحهم، وسعيت إلى التغيير الفكري والثقافي، وأعليت من شأن الكلمة الشفافة العميقة، وعزفت عن الأدلوجات المتآكلة والشعارات الرنانة الخاوية، وعشت بين ظهراني الدهماء زمنا طويلا، فغرت في نفوسهم المضطربة، ووضعت اليد على دائهم المزمن، ثم فكرت كثيرا وقررت أخيرا بأن تعتزل مضمارهم، وتجتنب ما خاض فيه دهاقنتهم، وتكتشف لنفسك سبيلا قاصدة، سبيلا لا اعوجاج فيها.. ثم ارتميت في أحضان الوحدة والعزلة باحثا عن إنسانك المثالي، بيد أنك لم تحمل مصباحك في واضحة النهار كما نقل عن ديوجين الكلبي، ولم تحمل مطرقة الهدم سعيا وراء بناء الإنسان الأعلى الأقوى كما فعل نيتشه، ولكنك حملت ذاتك المثقلة بالهموم، ارتأيت مشاركة الناس في حياتهم، ومحاولة فهم طبائعهم وطرائق تفكيرهم، ثم ماذا كان المآل؟ هل وجدت الإنسان الذي يشبهك ويحمل الهموم التي تثقلك؟ ها أنت عايشت المثقفين والمفكرين، وشاركتهم همومهم وطموحهم، ولكنك لم تستطع أن تنتسب لزمرتهم؛ لأن ما سعوا إليه لم يجد له سندا في الواقع، وطوباويتهم لم تصمد أمام واقع زئبقي لا يقر له قرار، وكلما ظنوا أنهم فهموه واستوعبوه في شموليتهم ظهرت لهم ظواهر وقضايا اجتماعية جديدة، فخلصت إلى ضرورة الاستفادة من أفكارهم، واستلهام روح فكرهم وطموحهم، وانطلقت وحيدا تبحث عن طريق مخالف لطرقهم، وسبيل خلاص لنفسك ولمن يحمل همومك. ثم هؤلاء الدهماء الذين خالطتهم في حيواتهم، وجالستهم في أماكن عمومية سنوات عديدة، هل هتكت حجب نفوسهم؟ هل غصت في لجج نمط تفكيرهم وسلوكهم؟

بحثت طويلا عن مثالك فلم أجد إلا نفسك؛ لأن الطريق التي سلكتها لم تكن طلبا للعثور على من يشاركك نمط تفكيرك وسلوكك وهمومك، وإنما كانت طريقا نحو ذاتك التي لم تستطع فهمها، والغوص في أعماقها المضربة: فذاتك هذه تضعف كلما ادعت القوة، وتحزن كلما زعمت الفرح، وتحجم إذ تقدم، وتسكن حينما تدعي الحركة والفعل.. ذاتك التي لم تسطع هتك حجبها، ووضع اليد على جرحها الغائر، هذا الجرح العميق الذي صاحبك منذ صغرك، وظل وشما في ذاكرتك ووجدانك، وقيدا محصنا يكبلك ويثقل خطوك. ألا ترى أن سبيل الخلاص لا يكمن في البحث عن مخلص؟ ألم تتمعن قول الفيلسوف بوئتيوس في عزاء الفلسفة حيث استغرب بحثنا عن السعادة خارج أنفسنا؟ أليس البحث عن الخلاص والسعادة والقوة والتفرد خارج ذواتنا جهلا قاتما منا لذواتنا؟ ثم لماذا تدعي الفكر وأنت لا تعرف نفسك؟ ولم تسعى إلى التحرر وأنت تجهل إمكاناته في نفسك، ومواطن القوة فيها؟

يا صاحبي المثقل بهمومه، الغارق في أحلامه وطوباويته، لعمري إني مكلوم لحالك، ومتأسف لخيبة أملك في رحلتك التي لم تكن من أجل نفسك؛ لأنك لم تدر أن لا سبيل لمعرفة الغير إلا بمعرفة ذاتك، ولا إمكان لتحررهم وتغيير منطق فكرهم ونمط سلوكهم إلا بالانطلاق من ذاتك أولا.. ولعل رحلتك القادمة تكون نقطة بدايتها ذاتك المثقلة، ومآلها الإقبال على معانقة الذوات الأخرى علك تستطيع أن تحدث فيها تغييرا فعالا، وتضيء ما عتم في عقلها ووجدانها، فتكون قبسا مضيئا، وسراجا منير تهتدي به الذوات في طريق البحث عن جوهرها، ومواطن قوتها وإخفاقها.

***

محمد الورداشي

هل يستطيع المتابع لآخر إفرازات الحركة الشعرية العربية المعاصرة أن يتغاضى عن اسم كبير ظلت إسهاماته الأدبية تلقي بظلالها وتمنح الحرف قيمة عليا، نتيجة اشتغاله المكثف على اللغة وتقنيات الكتابة وأبعادها الجمالية.. هذا الاسم اللامع والمحرك للسواكن والمشاكس للمشهد الثقافي العربي، وهو بلا منازع الشاعر والروائي والفنان التشكيلي الأردني المولد والفلسطيني الوالدين إبراهيم نصر الله صاحب الرواية السداسية( ستة أجزاء) زمن الخيول البيضاء. هذا الرجل الآتي من مأساة وملهاة القدس والذاهب كل صباح إلى ينابيع التساؤلات الوجودية الكبرى، لم يستطع أن ينزوي عن الدنيا أو يكتب نصا " شعريا " بعيدا عن صخب الحياة ومفارقاتها، وهذا المسار يعتبر أمرا طبيعا وبديهيا، ذلك أن الكتابة التي تروم الوصول إلى عتبات الإبداع، لا يمكن أن تتحقق بمجرد امتلاك مفردات اللغة وتقنياتها الدلالية والبلاغية

فقط، إنما تتحقق بتوفر الشروط السالفة الذكر واستحضار قضايا الراهن محليا وعربيا وكونيا، وهذا ما خطته أصابع كبار الشعراء على مدار التاريخ الإنساني القديم والوسيط والحديث.

إبراهيم نصر الله الذي ليس له من شغل منذ نعومة أضفاره سوى الكتابة، لم يجد من مسارات الحياة المتشعبة عدا مسار مسك القلم والريشة والترحال بين القصيدة والرواية واللوحة. في المدة الأخيرة، نشرت له إحدى الجرائد العربية الصادرة في لندن قصيدة مطولة، يزعم كاتب هذه السطور أنها أرقى ما وصلت إليه المدونة الشعرية العربية الى حد اللحظة الراهنة. حملت القصيدة عنوان" آخر الأرض ".. ولم ينسى هنا نصر الله

 أن يشتغل بشكل مكثف وعميق على التراجيديا الدامية والمربكة التي يحياها الإنسان العربي الفلسطيني والإنسان "الكوني" بشكل عام:                

"يتأمل غيم بلادا على حافة الهذيان

تتأمل عاشقة نافذة

لم تجد أفقا منذ عامين في عتمات المكان

يتأمل طفل أباه الذي لم يزل واقفا تحت شجرة توت منذ

سنين يراه يموت

كأن الزمان هنا واقف شبحا في الزمان

يتأمل حقل ذبول خطى النهر فجرا

وينشد مرثية الروح، صمتا، بلا شفة أو لسان

يتأمل زرع هبوب الخماسين

في أعين الناس والحيوان

تتأمل هذي الدمى طفلة

فوق ذاك الرصيف تشير بجبهتها نحوها

و اليدان مقطعتان"

هكذا، وبلغة مكثفة دلاليا وبلاغيا، يأخذنا الشاعر العربي الكبير إبراهيم نصر الله إلى ضفة الإبداع، ممتطيا صهوة اللغة المخاطبة للروح المنكسرة الباحثة عن مستقر لأحلام مهدورة وأجساد معذبة  وأقاليم أتعبتها ذاكرة الحروب وتداعيات العزف والحيف. إن اللافت في كل مقاطع القصيدة / النموذج هو تركيز نصر الله بدقة بالغة على صور وأحاسيس وتفاصيل تحدث الرجة في الجسد، ممعنا في سرد آهات الكائن الإنساني المراوح بين اليأس والأمل، العائد من طقوس الجنازات والدموع والعويل والصياح، الذاهب بأجنحة الخيال  الى حدائق النور والبهجة والانتشاء.. ولعل النقطة المفصلية التي زادت القصيدة أبعادا جمالية وفكرية دون السقوط في فخ المباشرة والوضوح الفج، هو المراوحة بين المكان والزمان وتأثير الواحد على الآخر، مما أثرى القصيدة بزخم كبير من الدلالات والمجازات الأمر الذي أعطى بشكل آلي النص الشعري تأويلات شتى لا حدود لها، علما بأن قصيدة محبكة فنية كهذه، بإمكانها  أن تعطي دروسا لا تنسى لبعض " شعراء " هذه البلاد، الذين لاعمل لهم سوى كتابة" نصوص " باهتة والتفكير في كل لحظة في بعض الامتيازات.. والحال أن الكثير منهم لازال متعثر في خطواته، ولا يعرف من أجواء الشعر والأدب والفكر والفن سوى السطح، أما العمق والتفاصيل والاشتغال الفني والتقنيات والجماليات، فحدث ولا حرج.. فهؤلاء  " الفطاحلة " لا يعرفون هذه القواميس ومن نظر لها شرقا وغربا، بل بإمكان أحدهم أن يقدم لنا في إحدى الفضاءات الثقافية مداخلة " قيمة" عن الحداثة في  الخطاب الشعري العربي المعاصر ولكن بمنظور سطحي شريطة أن نحظر له مكافئة رمزية تليق بمكانته الرفيعة في سماء الوهم!!.   هل بإمكان هؤلاء "الشعراء"

 المتسمرين في أماكنهم الفخمة والمسافرين إلى مدن وعواصم العالم للتحدث باسم الشعر التونسي.. أن يعطوناأجوبة ضافية وشافية عن أسئلة حارقة تهم المدونة الشعرية التونسية وإضافاتها إلى المشهد الشعري العربي الراهن؟

***

البشير عبيد - تونس

كاتب مهتم بقضايا التنمية والمواطنة والفكر التنويري وإشكاليات النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية....

هناك كتاب مشهور للكاتبة الأمريكية "دوروثي برااندي" بعنوان "لياقات الكاتب".  تقدم فيه  “دوروثي براندي” خريطة طريق للكتاب الناشئين كيف يتغلبون على صعوبة الكتابة و ما هي المهارات التي يحتاجونها حتى يواصلوا السير على درب الإبداع الشائك..

قسّمت دوروثي الصعوبات التي يواجهها الكتّاب الناشئين إلى أربع صعُوبات رئيسية:

الأولى؛ صعوبة الكتابة بشكل عام، معلّقةً بأنّ مقولة ”(مَن لا يمكنه الكتابة ليس كاتبًا وعليه تغيير مهنته) هو استنتاج مستفزّ ومحض هراء! قد يكُون جذر المشكلة هو السنّ الصغيرة وتقليل الشأن من الذات … وقد يكون مصدر المشكلة ببساطة هو الخجَل.“

الثانية؛ المؤلف لكتاب واحد وعرّفته بأنّه المؤلف الذي ”حرّر نفسه من الشعور بالنقمة تجاه والديه ومجتمعه وثقافته كلها، وبعد أن بق البحصة واستراح، أصبح عاجزًا عن إكمال جولة الانتصارات .. وبهذه الطريقة قد يخسره عالم الأدب!“

الثالثة؛ الكاتب الموسمِي وهو الذِي يكتبّ بتدفّق رائع ومؤثر ثمّ يمر بفترة جفاف مؤلمة

الرابعة؛ الكاتب النيئ، وهو العاجز عن كتابة ما يريد بطريقة واضحة يستطيع فهمها القارئ، وذلك لافتقاره إلى الثقة بالنفس.

و إن كانت هذه اللياقة المهارية من حيث امتلاك أدوات الإبداع يحتاج إليها الكاتب في بداية الطريق ولكن هناك لياقة أخرى لا تقل اهمية عن اكتساب المهارات والفنيات و الوسائل وهي اللياقة الروحية المعنوية والنفسية فما أكثر الكتاب الذين يفتقدون لهذه اللياقة فتؤثر في كتاباتهم بحيث تفتقد للجانب القيمي الجمالي المنفتح على الإنسانية فالكاتب الذي يفتقد للجانب الروحي لا يملك ضوابط في كتابته لا بهمه إغراق عمله الروائي أو القصصي بالمشاهد الجنسية الفاضحة بدعوى ضرورات الإبداع حتى بطل رواياته هو بطل مهزوم سلبي غارق في الخمر و الضياع فهل هذا البطل يصلح أن يكون قدوة؟

فاللياقة الروحية إذن مهمة للمبدع حتى يرتقي عمله إلى مصاف الأعمال الإنسانية الخالدة...

فليست الكتابة اكتساب مهارات فنية والتدريب عليها فقط  وإن كان هذا ضروري فينبغي على المبدع أن يغوص في أعماق نفسه ليطهرها من كل الأدران و يدخل محراب الروح ليرتع من ينابيع الحب والخير والجمال بل ليفتح قلبه لأشعة الدين الساطعة تضيء دهاليز روحه التي تسكنها العتمة..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

 شدري معمر علي

...........................

المرجع:

1- دروثي براندي، لياقات الكاتب، موقع تذكرة.

تأسست جامعة قازان (وقازان عاصمة تتارستان  ضمن روسيا الاتحادية) عام 1804 حسب أمر اداري أصدره قيصر الامبراطورية الروسية آنذاك الكساندر الاول (الذي يرتبط اسمه بالانتصار على نابليون في حربه ضد روسيا عام 1812)، وعندما كنت قبل اكثر من عشر سنوات في زيارة رسمية لجامعة قازان لاحظت لوحة كبيرة جدا لهذا القيصر تتصدّر القاعة الكبرى في تلك الجامعة، ولدى سؤالي عن ذلك، اوضحوا لي، ان هذه اللوحة كانت منسية ايام الاتحاد السوفيتي، ولكنهم اعادوها بعد ترميمها، وتبدو وكأنها مرسومة الان، وذلك احتراما لمؤسس جامعة قازان في الامبراطورية الروسية آنذاك، علما، ان هذه الجامعة تحمل اسم لينين ايضا، والذي اطلقوه عليها بالاتحاد السوفيتي في عام 1924، عندما توفي قائد ثورة اكتوبر الاشتراكية، وذلك لان لينين كان طالبا بكليّة القانون في تلك الجامعة، وهكذا، فان جامعة قازان ترفع صورة الكساندر الاول قيصر الامبراطورية الروسية، وتحمل اسم لينين مؤسس الدولة السوفيتية في نفس الوقت التزاما بمسيرتها التاريخية واحتراما لتلك المسيرة عبر اكثر من قرنين من الزمان وبغض النظر عن النظام السياسي السائد في روسيا (وكم يبدو ذلك الامر غريبا ومدهشا ورائعا بالنسبة لنا، نحن العراقيين، مقارنة مع واقعنا الاليم!!!)، علما ان هذه الجامعة تعدّ الان واحدة من الجامعات العشر الاولى بين الجامعات الروسية كافة، وهو موقع علمي متميّز فعلا في مسيرة التعليم العالي بدولة كبرى مثل روسيا الاتحادية، الدولة المتعددة القوميات والاعراق والثقافات والتي يوجد فيها المئات من الجامعات العامة والمتخصصة، اضافة الى مؤسسات التعليم العالي المتشعبة  الاخرى من معاهد ومدارس عليا...الخ.

من جملة ما تفخر به جامعة قازان، هو ان الكاتب الروسي تولستوي كان طالبا لديها في القرن التاسع عشر (التحق بالجامعة عام 1844)، ورغم انه قضى سنتين دراسيتين فقط في صفوفها ليس الا، حيث  كان في البداية طالبا يدرس اللغات الشرقية (درس اللغتين التركية والعربية)، ثم انتقل للدراسة في كليّة القانون، وترك تولستوي الدراسة الجامعة بعدئذ نهائيا، الا ان جامعة قازان لا زالت تحتفظ بوثائقه وتعتزّ طبعا  ان تولستوي كان طالبا لديها في فترة ما، ولهذا، فان الجامعة تقيم بين حين وآخر ندوات علمية ومحاضرات وسمنارات حول هذا الاديب الروسي الشهير، باعتباره  كان احد طلبتها، اضافة الى انها اطلقت اسمه على عدة مؤسسات داخل الجامعة، ونود ان نعرض للقارئ العربي في مقالتنا هذه بعض جوانب تلك الفعّاليات الثقافية في جامعة قازان حول تولستوي، اذ اننا نرى في جوهر هذه النشاطات جانبا مشرقا ورائعا للتعبير عن وفاء الجامعة تجاه طالب سابق لديها درس سنتين دراسيتين فقط، وكم يذكّرنا هذا الوفاء بواقعنا المرير عن (عدم الوفاء، ولا اريد استخدام كلمة اخرى !!!) لمؤسساتنا الجامعية العراقية تجاه اعلام عراقيين كبار درسوا في صفوفها  (لم نشاهد مثلا في مئوية الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة اي مشاركة حقيقية لجامعة بغداد في تلك المناسبة المهمّة، وكأن نازك الملائكة ليست خريجة تلك الجامعة، ولم نسمع بأي مبادرة حول خريج جامعة بغداد  بدر شاكر السياب ايضا، وهناك الكثير الكثير من اسماء المبدعين العراقيين طبعا في هذه القائمة !!!) . ان المؤسسات الجامعية لدينا لا تتذكر خريجيها او الذين درسوا فيها من هؤلاء المبدعين العراقيين بتاتا مع الاسف، بل ولا تشير الى ذلك نهائيا حتى في اصداراتها وادبياتها، ولهذا لا تعرف الاجيال العراقية الجديدة الجذور والاسس الفكرية والحضارية لهؤلاء المبدعين . لقد اطلعت على محاضرة تم تقديمها لطلبة الكورس الاول في جامعة قازان عن دراسة تولستوي في تلك الجامعة، وتحدّث المحاضر بالتفصيل عن مسيرة (الطالب تولستوي)، وكيف انه لم يتقبّل نظام التعليم الجامعي بشكل عام، ويشير المحاضر الى تفصيلات طريفة، منها، ان تولستوي لم يكن يستسيغ المحاضرات (الجافة!)، التي كان بعض الاساتذة يلقوها على الطلبة بالطريقة الاملائية، وكان الطالب تولستوي في هذه الاثناء يجلس في الصفوف الخلفية (..ليقرأ الجرائد ..)، وذكر المحاضر ايضا، كيف ان تولستوي كتب في مذكراته عن تلك الفترة، حيث جاء في تلك المذكرات السبب الذي قرر على اساسه ترك الدراسة الجامعية، وقال تولستوي في تلك المذكرات، ان  أحد الاساتذة طلب منه مرّة كتابة تقرير علمي، واستهوى تولستوي الموضوع فذهب الى القرية، وهناك اندمج مع قراءة مونتيسيكيو، وفتحت هذه القراءة المعمقة لتولستوي آفاقا واسعة، فانتقل لقراءة جان جاك روسو، واستمرّ في القراءة والبحث العلمي، وقرر بعد ذلك ترك الجامعة (...كي يتعلّم ..)، ويوضّح المحاضر للطلبة، ان هذا القرار كان يتناغم مع نفسية تولستوي (الانسان الحر، والانسان المتمرد) منذ ان كان في ذلك العمر اليافع، وانه استمر هكذا طوال حياته، ويشير المحاضر، الى ان روايته (الحرب والسلم) هي في الواقع (.. نقاش مع علم التاريخ، الذي كان سائدا في عصره ...)، وان موقفه المعروف من الكنيسة الروسية هو تعبير آخر من مظاهر ايمانه المطلق بالحرية، وصولا الى حادثة هروبه الغريب من البيت قبيل وفاته،  ويصل المحاضر الى استنتاجه المنطقي الاخير عن سبب تركه  الجامعة، وهو ان تولستوي كان يجب ان يترك الجامعة، لأنه لا يمكن ان يخضع دون نقاش لقوانينها الصارمة .

تولستوي وجامعة قازان موضوع واسع جدا في الدراسات الروسية عن تولستوي، اذ توجد العديد من الكتب والبحوث حول ذلك، حيث يجد الباحثون في ثنايا التفاصيل الدقيقة لتلك المرحلة المبكرة ملامح وخصائص تولستوي الكاتب والمفكّر، والتي سوف تتبلور في مسيرته اللاحقة .

متى نرى بحوثا علمية عندنا بعناوين مثل – نازك الملائكة ودار المعلمين العالية، بدر شاكر السياب ودار المعلمين العالية، غائب طعمه فرمان وكلية الآداب ......  

***

أ.د. ضياء نافع

يتحدث عن مشاركته في تونس وعن دور الفن في السلام بين الشعوب والبلدان:

من عوالم الفن الرحبة اكتسب حميمية النظر والتلوين فراح مسافرا يحمل حلمه وبعض طفولة يانعة حيث الرسم والفن التشكيلي عموما من عناوين الترحال لديه وفق ما يعتمل في دواخله وما وسعته شواسع قلبه ... بثقافة جمالية وفنية انسانية وكونية وبرسالة الفن العارمة كان تطور الابداع لديه وهو القادم من سيبيريا الروسية ليستقر في سلوفاكيا مكان ابداعه وشغله الفني كطفل حالم في سماء البراءة يقتفي أثر الفراشة...تلك الفراشة المزركشة بأبهى الألوان.

ألكسندر جازيكوف حامل فكرة الرسم والألوان هذا المتجول  في الخرائط حيث تعددت مشاركاته في عديد البلدان من الصين....والى تونس بالمحرس وما بين ذلك من بلاد متعددة ومدن فيها الفن والفنانون ضمن بيانال وسمبوريوم ومعرض و...ورشات وتفاصيل أخرى معنية بما في رغبات الطفل الفنان الكسندر .

قبل أسبوعين كانت زيارته المميزة والحافلة بالتعارف والرسم والمشاريع بالمهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس الدورة (35) بتنسيق مع الفنانة التشكيلية سهيلة عروس وذلك الى جانب مشاريع قادمة ضمن التعاون الفني الابداعي والثقافي بين فنانين من سلوفاكيا وتونس ...

و عن مشاركاته العالمية ومنها بتونس يقول "... بالنسبة الى مشاركاتي في العالم متنوعة حيث أنه في عام 2019، أقيم البينالي العالمي الثامن للفن المعاصر في بكين في المتحف الوطني للفنون في الصين. (8 BIAB. بينالي بكين الدولي الثامن للفنون، الصين 2019.) وقد تم ترشيح  فنانين من 117 دولة من جميع أنحاء العالم في هذا المنتدى الفني الفريد. أنا سعيد جدًا باختيار لوحتي لهذا المعرض الكبير ولأنني أستطيع تمثيل سلوفاكيا. انطباعات لا تُنسى من المعرض، لقاء فنانين رائعين وأعمالهم، وكذلك فرصة رؤية الصين !!!! ذكريات رائعة!!!!!...و البوم في مهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية ضمن الدورة (35) لمست حيزا مهما من شواعل الفن وجماليات عناصره لأتعرف على فنانين من تونس ومن بلدان عربية أخرى على غرار المغرب والجزائر وليبيا وهذا مهم الى جانب اللقاء بالناس الطيبين وسعدت بالاطلاع على تجارب مهمة في الفن وجمال وسحر المحرس وتونس بصفة عامة...".

الكسندر تم تكريمه بالمحرس وفي هذا الاطار كان هذا الحوار معه:

ماذا عن البدايات مع الفن؟

- في البداية لم أكن أنوي أن أصبح فنانا ولكن فيما بعد أحببت علم الحفريات والفن والرسم وبدأت أشعر بالرغبة والهيام تجاه الفن ..دخلت أكاديمبة الفنون لأتخرج بمرتبة الشرف ثم صرت أعمل كفنان مستقل فالفن صار يملأ حياتي وتعددت مشاركاتي الفنية في بلدان العالم .

و مشاركتك هذه بمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية

لقد كانت جيدة وثرية وسبقها تعرفي غلى فنانة تونسية هي سهيلة عروس التي ساهمت في ربط جسور التواصل مع الساحة الفنية التونسية وبالخصوص مهرجان المحرس وفي سنة 2019 كانت لي مناسبة عرض اعمالي عن طريقها وتعرفت على تونس البلد الجميل بأهله وفنانيه ومدارس الفن واتجاهات الفنانين الجمالية وأعمالهم وأسعدني كل ذلك كفنان باحث ومتعاون وحالم.

الوالدان ينحدران من سيبيريا ومنذ 30 عاما أعيش في سلوفاكيا وأنا عضو باتحاد ابداع سلوفاكيا وعضو في اليونسكو ومع كل هذا وبعده صار لي اعتقاد أن الفن يساهم في مد العلاقات بين المبدعين والشعوب بروسيا وسلوفاكيا وافريقيا وآسيا وغيرها من جغرافيا العالم ..الفن هو السلام والحب والانسجام والعالم اليوم في حاجة الى كل هذا بعيدا عن الحروب والصراعات والتفرقة...الفن يوحد ويجمع.

وماذا عن عملك الفني وتقنياته؟.

أعمل بتقنية الزيتي والأكريليك وهذا يبدو في أعمالي حيث أحرص على التوغل في التجربة وابتكار أسلوب جديد ..الرسم عندي بمثابة مشروع يتوافق مع ما أفكر فيه ففي أعمالي جوانب كبيرة من الروحانيات والمشاهد والورتريهات.

و كان ضمن هذا عملي المشارك في بيانال الصين بمناسبة دورة الالعاب الشتوية بمشاركة واسعة لفنانين من العالم وبعنوان " الصين في عيون فنانين من العالم " سنة 2022 وهي مناسبة للرياضيين للاطلاع على أعمال فنية لفنانين من العالم وما تضمه من جماليات وابداعات عالمية. كما تم اختياري كفنان وحيد من سلوفاكيا للمشاركة في بنغلاديش ضمن المهرجان الفني  .

وأخيرا ما ذا تقول أيها الفنان:

أود أن أشكر تونس وشعبها على الضيافة والمشاركة ..لمست عمقا ثقافيا لتونس وحبا للفنون ووعيا بما للابداع من دور في تقريب الثقافات والأفكار والشعوب ..المحرس بها مهرجان مهم وأشكر بالمناسبة القائمين عليه وقد استمتعنا بمختلف الفقرات من المعارض والشعر والفكر والنقد والورشات والهامش المهم الذي به أصوات الناس وحياتهم وأحلامهم.. شكرا لتونس الفن والابداع والمحبة.

***

شمس الدين العوني

في المثقف اليوم