أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

تكاثرت الأعياد علينا والأيام حتى بتنا نعيش بين عيد وآخر أعيادا كثيرة. في صمت العينين قد يبدو التاريخ يؤرخ لكل الدموع النازلات من عيون بنات حواء ما بين يوم 8 مارس الماضي والآخر الحاضر بمتغيرات الذات والجسد، ثم يُنتج 8 يوم مارس في المستقبل قصة حب من زمن متاعب همِّ الحياة. مرات عديدة، تبدو التساؤلات عالقة بعلامات استفهام كبرى، وترتد على الشفاه المطبقات لتقتنص بَوح: أحبك سيدتي، حتى ولو كان يوم 8 مارس ممطرا من دمع السماء، فأنا كرهت الجفاف وجفاء العيون اللاصقات.

 لم أسلم من تيار شدِّ العيون العسلية استهلالا للحديث، وإعلان أنَّ الحب ليس رواية شرقية ولا غربية، ولا تربطه ب8 مارس إلا وردة عارية من أشواك الحياة !! مع الأيام بدوت أعشق تلك العيون العسلية، وحين يتموج اللون متغيرا مع قرب الأجساد والأرواح. في صمت كلام العيون، فأنا فقير في قراءة علامات الترميز والإضمار في يوم المرأة يوم 8 مارس، ولم أقدر يوما على فك شفرات ظلال العيون المخملية، لكني ما بعد يوم 8 مارس سأصبح متيما بحبك سيدتي.

في السرِّ أكتب رسالة حب في يومك سيدتي 8 مارس، وأُمزق كل ذكرياتي الباقيات، وأسميك الخوف والشجاعة. في كل الليالي الممطرة، أكتب شعر الصمت بأنين الرياح وموج البحار، ومن بدايات أُنشودة أمزق بوح الغزل على وجه الحياة، وأقف معاندا ظلي المعاكس في يوم 8 مارس الممطر من سماء الغيث بالبوح والحب.

أناديك يوم 8 مارس، بكل صور بلاغة فرح اللغة بذات (العينين الصاحيتين الممطرتين). أناديك الحكايات، التي لا تنقضي بنوم شهريار عند سماع حكي شهرزاد الأسطوري. أناديك في السر، وأعلن العصيان والثورة على يوم 8 مارس، وعند مرمى حرائق بقايا الحب، وأزداد جمالا بحضور أميرة (وجعي في حبي) أمام عيوني ابتداء من عيدك العالمي.

حبك سيدتي يحلو زهرا مع يوم 8 مارس، وجع من ذات الوجدان، آت من عمق قلب الحياة ومتاعبها. حبك مثل البارود يوقظ العشق والحكايات الأزاهير، ويُفتن بادية العشق. حبك قسمة ارث من وجعي الخفي والظاهر، فكيف لي أن أفسر ما لا يفسر وأنت الوجع الجميل؟ أحبك وجعي بلا منومات عشق، أحبك بلا انقلاب على عرف الحياة، ومواثيق عشاق العالم. أحبك، كالطفل وهو يرقص نشوة تحت تيار سحر العيون العسلية، وتحت رذاذ ماء المطر.

سيدتي صاحبة يوم 8 مارس: لم يكن عشقي الممنوع والمباح بفيضه الروحاني عالقا فوق الجسر، فهو دائما كان في مأمن بدوام روحي العاشقة، ولم ينجرف يوما بسرعة مياه عمق الوادي والتيار. يوما بعد يوم، قد كنت أَغلقت صفحات روايات الحب عند مرمى نار الحزن، مثلما ألغيت مسافات الذكريات البعيدة. يوما بعد يوم، لم أعد أستسغ طعم اختلاف عطر النساء، ولا فزع موج طوفان المواجع والألم، إلا أنت (وجعي في حبي... وفرجي الأبدي).

سيدتي صاحبة يوم 8 مارس: أيتها الأيام المتسربة بين الأيدي والقلوب، حبيبتي عرشها في سفينة بحر لا شط له غير قلبي. تتواجد عند كل حروف النداء: أحبك يا وجعي وفرحي، أنت القلب والحياة بحجم حنيني عشاق العالم. أنت الورد بلا شوك، ينبض مقطوفا بدم الحياة.

سيدتي ملكة يوم 8 مارس: ذات العيون العسلية، أرى العالم يتأثث في لوحة على مرمى كل العيون على الجدار. ألعب.. أرسم.. أبكي.. أضحك.. ألون الحياة من الأبيض الداكن بالسواد، بمساحيق تجميل العيون المخملية.. أنت وجع حبي، فمدي يديك.. نرقص على شرفة الحياة.

***

محسن الأكرمين

 

ماكس هايفلر؛ تعتبر احد روائع الأدب الهولندي، وهي للكاتب الهولندي ادوارد دوفاس ديكر 1820ـ 1887 م الذي اختار اسم مولتاتولي كاسم أدبي والذي يعني "أنا أعاني" باللغة اللاتينية. وقدا اختير هذا الأديب في سنة 2002 م كأكبر أديب في تاريخ الأدب الهولندي..

وُلد بالعاصمة أمستردام، ينتمي الى عائلة تمتهن التجارة، ولما صار شابا يافعا ً سافر الى جاوة، وفي تلك البلاد البعيدة  شرع في ممارسة أعمال تجارية وسياسية، اذ عُين سنة 1851م، حاكما في مالقا. وفى سنة 1857م عين حاكما في جزيرة جاوة.

وهذه الحياة السياسية جعلته يقترب أكثر من معاناة السكان المحليين، والظلم الذي يتعرضون له من طرف الإدارة الاستعمارية في اندونيسيا.

وبدأ يعلن عن تذمره من تلك المعاملة الغير عادلة، والانتهاكات اللا إنسانية، وبالمقابل اقترح بعض التصورات الإصلاحية التي تخص شؤون تسيير المستعمرات.

هَدد بأن يقال من منصبه اذ واصل الاحتجاج، فلم يأبه بذلك وعاد الى هولندة ساخطا، وفي  بلاده لم يستطع آن يبقى صامتا فشرع في نشر مقالات تحوي شهاداته عن الوضع السيئ في المستعمرات الهولندية القاصية ما وراء البحار والمحيطات.

وفي سنة 1860م نشر رواية ماكس هايفلر التي تصور وتفضحُ ممارسة المستعمرين الهولنديين في اندونيسيا، وحاولت السلطات أن تمنعها لكن عبثا فالرواية اشتهرتْ في هولندة، وفي كامل أوروبا، وهي اليوم تُعتبر من روائع الأدب الكلاسيكي الهولندي. وكان لها تأثير مباشر على السكان المحليين اذ باشرت الإدارة الاستعمارية في اندونيسيا إصلاحات واسعة تتعلق بالمجتمع المحلي والنشاط الزراعي.

وكانت هذه الرواية، بداية لإنتاج أدبي متنوع ومتميز، أشهره رسائل الحب 1861، أفكار 1862،توتييه بياتريس 1877، ومدرسة الأميرات. غادر مولتاتولي بلده هولندة، لكي يعيش في مدينة صغيرة في منطقة الراين بألمانيا، توفي سنة 1870م.

***

بقلم عبد القادر رالة

كما تاتي الغيوم وتذهب، وكما تتراصف السحب حتى يصبح الجو غائما معتما، يمكن بكل سهولة ان تنقشع بعد لحظات. قد تنزل الامطار غزيرة وقد تزخ زخا خفيفا ثم يصبح الجو بعد ذلك الطف. قد تهب العواصف عنيفة هوجاء تقتلع كل ما يعترض طريقها وتصب جام غضبها. لكنها في النهاية تهدأ.

أليس كذلك ؟؟

اذا لماذا تظل أنت عابسا؟؟

 لماذا تسمح أن تظل حزينا مطولا؟؟

لماذا تسمح للجو أن يظل مكفهرا في قلبك اكثر مما يجب؟؟

يقول ايكهارت تول في كتابه قوة الآن:" ...فالسلبية ليست الطريقة الامثل للتعامل مع أي حالة أو وضعية، وفي الحقيقةإنها في معظم الحالات تبقيك ملتصقا فيها ، محدثة تغييرا حقيقيا. أي شيء عمل بطاقة سلبية سوف يصبح ملوثا وفاسدا بواسطتها ومع مرور الوقت سيظهر ألما اكثر ، تعاسة أكثر وأكثر من هذا، فان أي حالة سلبية روحية داخلية ستكون معدية : التعاسة تنتشر بسهولة أكثر من المرض الجسدي"..

لماذا اذا تسمح لشمسك أن تظل غائمة مطولا؟؟

الآن عليك أن تأخذ القرار ان يكون ربيعك مزهرا مشرقا وشمسك دافئة لذيذة .

الآن خذه هذا القرار وانطلق ..

إن كان لك جناحان اطلقهما في فضائك الرحب وحلق.

وإن كان لم ينبت لك بعد جناحان إسمح لهما  ٱن ينبتا من ريش  أحلامك الصغيرة ..

لا شيء يمكن له أن يدوم  طويلاً في حالة سكون لأن الحركة والتغيير  والتطور والنمو هي سنة الكون..

لاتبقى حالة واحدة الى ما لانهاية ، فخذه قرارك بأن يكون الغد أجمل وأن يكون اليوم أروع.خذه قرارك أن تكون اللحظة الحاظرة هي لحظتك أنت والابنة الشرعية لشغفك وأحلامك وطموحك ولذاتك الحقيقية.المتاصلة فيك النابعة من فطرتك التي خلقك الله عليها ككائن لا محدود ..

يقول اكهارت تول:" ..ومن الممكن وبسهولة إسقاط أشكال عديدة من اللاوعي الاعتيادي عندما لاتريدها ولا تحتاجها بعد الآن ، حالما تعرف أن لك الخيار أنك لست مجرد إنعكاس لحزمة من الحالات، كل ذلك يؤهلك للدخول الى( الآن).من دونها لن يكون لك أي خيار."

يشرح لنا هذا الكاتب المبدع ان الموضوع كله يتمثل في صورتك الذهنية  لديك عن نفسك عن واقعك وماضيك وحاضرك، وهو أمر يعتمد على قدرتك على الحلم والتخيل التي حباك الله بها متى كانت عزيمتك قوية وإرادتك ثابتة وهدفك واضحا وتخليت عن الصورة الذهنية السلبية التي تخزنها في عقلك عن ماضيك المؤلم باوجاعه وجراحه ونفضت عنك رداء المفعول به وتخلصت من دور الضحية .واعتبرت ان كل ما تعرضت له مجرد درس قد يكون تعرض غيرك لاقسى منه ، درس تعلمته وخلصت من خلاله الى نتائج واضحة.

ستتغير صورتك الذهنية عن القادم متى تخليت عن كل مخاوفك مما يمكن أن يحدث غدا وفي المستقبل و انتبهت بادراك  وتبصر أن المستقبل في الحقيقة لازال في علم الغيب..لازال غير موجود أصلا..كيف تصنع بنفسك شبحا يخيفك ويعيقك عن التقدم ..

غير صورتك الذهنية عما هو قادم وهي سستتغير تلقائيا  نعم ورغم قتامه الصورة  السائدة ستتغير عندما تؤمن حد اليقين أن من خلقك يحبك.أليس رائعا أنك من صنع خالق عليم مبدع ورحيم؟؟

 فأنت في كنف عزيز مقتدر.

لقد وهبك الله القدرة على تغيير مابك بشرط أن تغير ما بنفسك. ووعدك بالتلطف بك ومكافأتك على حسن سعيك واجتهادك في اختيارك لطريقه هو.

ليس كل ما يحدث حولنا إلا آيات مفسرة وجلية  بأنه  مهما عظم الألم لا مجال لليأس. إنك ترى وتسمع وتعيش على وقع معركة الحق ضد الباطل كل تفاصيلها الموجعة لا تزيد المؤمنين الا ثباتا وفرحا يتعجب له الجاهل ولا يفهمه الا من ملك اليقين بلطفه جل في علاه .

" لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ" الشورى اية 19

***

عواطف نصرلي

تونس في 06 مارس 2024.

 

لقد تغيرت أمور كثيرة في عصر الثورة التكنولوجية ولم يبق شيء على حاله كما يقال، فقد بدأ الإنترنت يذلل الكثير من الصعاب التي كانت مستحيلة منذ أكثر من عقد من الزمن فقد أصبح الإتصال والتواصل أسهل وكذلك سهولة إيصال المعلومات بطريقة مبهرة وبوسائل كثيرة منها المكتوبة والمسموعة والمرئية . وبين الحين والآخر تظهر التطبيقات والبرامج أكثر تطوراً مما سبق حتى أننا أصبحنا  لا نستطيع مواكبة اقتناءها أو الإطلاع عليها لسرعة تطورها وظهور الأحدث منها !، ولا أريد في هذا المقال أن أتحدث عن التطور في هذا الجانب من التكنولوجيا وإنما ما أود طرحه هو علاقة القارئ مع الكتب وتأثير التكنولوجيا عليه بصورة كبيرة فمن خلال ظهور مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، انستكرام، توتر ... الخ ) وظهور المنشورات والصورة وانتعاش فن كتابة الخواطر والومضات والقصص القصيرة جداً ؛ أثراً كبيراً في العزوف أو تفضيل تلك الفنون على فنون القصة الطويلة أو الروايات أو كتب السير الذاتية ... إلخ . ومن جانب آخر ان لظهور الكتب الالكترونية أثر كبير على طباعة الكتب التي تعتبر عمود الثقافة منذ أن اخترعت الطابعة على يد غوتنبرغ عام 1447 فأصبحت الكتب الالكترونية تحل محلها شيئاً فشيئاً، وصار بالإمكان قراءة المحتوى الأدبي أو العلمي من خلال التطبيقات الالكترونية الخاصة بالكتب إذ تتوفر بعض الكتب بصورة مجانية واقتناءها سهلاً للغاية، ولكن وبرغم هذه التسهيلات في الحصول على الكتب برزت ظاهرة جديدة بين جمهور القراء وهي ظاهرة الملل من القراءة وأظهرت بعض الدراسات أن السبب هو أن القراء يهتمون بالمنشورات القصيرة التي تُنشر في مواقع التواصل الإجتماعي وكذلك الفيديوهات والصور أكثر من اهتمامهم  بالكتب وينتهي الوقت بسرعة دون الشعور به!، في حين أن البعض من القراء لا يعترف  بالكتب الالكترونية ويهتم فقط بالكتب الورقية على أساس كونها فعلاً عاطفياً وليس معرفياً فقط من خلال لمس الورق وشم رائحة الكتب والاحساس بالتفاعل مع الكتاب الورقي أكثر من الكتاب الالكتروني . وهنا تظهر مشكلة غلاء الأسعار بالنسبة للكتب الورقية خاصة الكتب التي لها شهرة واسعة أو التي تصدر حديثاً، فيبقى القارئ في حيرة من أمره بين عدم حبه للكتب الالكترونية وبين غلاء الأسعار بالنسبة للكتب الورقية !. أما بخصوص استعارة الكتب كما في السابق فقد بدأ هذا النظام بالتلاشي نوعا ما فأغلب المكتبات أصبحت لا تفضل نظام الاستعارة لأسباب عديدة منها عدم إعادة الكتب أو إعادتها تالفة أو عدم وجود رواد لهذا النظام كما في السابق . ومن أسباب العزوف عن القراءة هو كثرة وسائل الترفيه وبنفس الوقت الكسل والملل الذي أصبح يغزو أغلب الناس بسبب اختلاف طرق العيش والبحث عن لقمة العيش . كذلك الاندفاع نحو التكنولوجيا الذي له أثر كبير في المزاج العام وعدم الاهتمام بالمطالعة، هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام الأبوين منذ الصغر بالأطفال وحثهم على المطالعة وقراءة كل ما هو مفيد في حين يتجه أغلب الآباء  إلى توفير الهواتف المحمولة للأطفال من أجل التخلص من مشاكستهم أو ازعاجهم !.  ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية الإنتباه إلى بعض الأمور من أجل الاهتمام بالمطالعة والقراءة ومن أهمها توفير المكتبات العامة من قبل المؤسسات الحكومية وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الخاصة، اقامة مسابقات للقراءة والمطالعة وتوفير جوائز من أجل الحث على المطالعة، زيادة الاهتمام من قبل الأهل بالجانب الثقافي للأسرة من خلال توفير القصص والكتب العلمية للأطفال وتشجعهم على القراءة، دعم الكُتاب والمبدعين من قبل المؤسسات الخاصة والعامة وتوفر مطابع من أجل نشر منتوجاتهم الأدبية والعلمية بكلفة أقل حتى يتسنى بيعها بمبالغ مالية معقولة وتكون سهلة وفي متناول الجميع .

***

الكاتبة سراب سعدي

في قاعة محمد العروسي المطوي باتحاد الكتاب التونسيين يوم 16 فيفري 2024 وقعت جلسة ادبية موضوعها "السردية في النص" تراسها الأستاذ الشاعر لطفي الشابي مدير نادي القصاصين وقد حضرها جمع محترم من الروائيين والقصاصين والشعراء والنقاد.. وكان لنا لقاء مع الكاتبة "روضة قعلول" التي امتعتنا بحديثها عن تجربتها وعن مجموعتها القصصية التي تحمل عنوان "امراة بنصف وجه" وبصراحتها التي يندر مثلها في الوسط الادبي والثقافي التونسي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل ما بعد الثورة.. تقول الكاتبة ان الكتابة ظهرت لديها فجاة ولا تدري كيف.. كما كان لنا لقاء ثانيا مع الكاتب "لسعد بن حسين" الغني عن التعريف

إلا ان هذا اللقاء كان استثائيا بكل المقاييس، ومختلفا تماما، قد كان حديثه شيقا ومتسما بالهدوء والرصانة.. رغم انه لا يخلو من السخرية المبطنة.. اثناء قراءته لأقصوصة من مجموعة يستعدّ لنشرها بدا وكانه في حالة مخاض لما يجتره ويخفيه داخل نفسه،.. فوضع ساقا فوق اخرى وكانه يبحث عن التوازن ثم اخذ يفضي بتان وبصوت فيه شحنة من شجن الحزن رغم ابتسامته الصفراء التي تبدو مغتصبة، من بين الانين.. عما خزن ويخزن بداخله من امور اقل ما يقال عنها شخصية.. ومن خلال سرده الذاتي عرفت انه في هذا النص لا يتحدث من فراغ.. او من خيال بل كان يروي او يقص احداثا ملموسة ومعيشية بحته ربما لا يعرفها إلا هو او بطل الاقصوصة.. لا تمت الى المخيال او التهيآت بشيء لا من بعيد ولا من قريب بل هي احداث واقعية صرفة حدثت في حياة البطل الخاصة والخاصة جدا.. كان من الممكن الاحتفاظ بها لنفسه.. إلا انه راى ان يطلع الناس عليها.. من هنا نستنتج لماذا قصص الكاتب "لسعد بن حسين" لا تزال تلاقي رواجا كبيرا.. وحظوة لدى المترجمين والمخرجين السينمائيين التونسيين لانه كاتب واقعي يستمد نصوصه من واقعه الحياتي، المعاش ومن تجاربه الشخصية، لا يلجا الى الخيال مثل اغلب الكتاب.. كما عرفنا انه يكسب درجة عالية من العناد النفسي او كما يقال بالعامية "صحة الراس" الذي يسكنه ويتصارع معه.. حيث ان هذا العناد يظهر جليا في قوله انه ذهب الى الطبيب وكيف نبهه بظهور خط برتقالي فجاة منبها ان بينه وبين الاصابة بمرض.. مسافة قصيرة جدا.. إلا انه ظل يدخن السجائر الى اليوم.. ورغم مقاطعته للبضائع الامريكية بقي يدخن كل صباح سيجارة اماريكية لانها خفيفة!.. أما بقية اليوم يدخن سجائر محلية لانها ثقيلة.. هنا تتجلى نفسه الماردة التي تتصارع بداخله.. والمسيطرة عليه فتظهر في التناقض مع ما يريد وما لا يريد.. وصراحته الجريئة التي طفت على السطح رغم اننا في زمن مقاطعة السلع الامريكية والاسرائيلية يمكن ان تنتج عنها مضايقات قد لا تحمد عقباها!..

بالرغم من مظهره الذي يعطي للوهلة الأولى انطباعا بانه متواضع جدا وبسيط للغاية.. ويوحي بانه انسان ثابت ورزين.. إلا انه لا يثبت في جلسته ورجلاه متشابكتان الواحدة فوق الاخرى وهو دائم التقلب تارة يميل الى اليمين وتارة الى اليسار.. إلا ان خلف هذا المظهر تختفي شخصية عنيدة.. قليلة الكلام.. وربما المغرورة المبطنة بالبساطة في هيئته.. إلا ان الكاتب حين يتكلم لا يترك مجال الكلام لغيره.. ولا المشاركة مع انه يرى الطرف المقابل يحاول مناقشته إلا انه يتجاهل الاصبع المرفوعة ويواصل حتى ينتهي من الكلام.. هنا نفهم انه من النوع الذي يستولي على مساحة الحديث.. او لنقل وقت الحديث.. وقد يكون من الذين لا يقبلون الحوار البتة او النقاش وهذا يعد نوعا من السلوك الدكتاتوري.. او الاستبداد الحواري.. وحتى لا نقول حب السيطرة على الموقف.. يذكرك بالرجل السيد الرجعي القديم الذي يمسك العصا ولا يتحكم بها سواه..

ان الكاتب في الحقيقة كان يبث في اقصوصته لواعج نفسه للسان القلم ثم للورقة ويشرّك القراء سيرته الذاتية وما يتفاعل ويتعامل بداخله.. وعله في نفس الوقت اراد ان يسدي نصائح للقراء.. فاخذ من نفسه انموذجا ومثالا حتى لا يقعوا في الخطا الذي وقع فيه.. حيث ان الكاتب اعترف اعترافات ضمنية مصحوبة بنقد ذاتي فيه صرامة مخفية لسيرته الحياتية في اسلوب خفيف فيه نوع من السخرية.. لقد برهن من خلال الاقصوصة انه كان موبخا لنفسه في قالب نقدي ذاتي.. كما انه ناقم عليها بل لنقل ساخط عليها وعلى تصرفاته، مقرا بانه انسان عنيد جدا وعصبي من خلال رفضه الاقلاع عن التدخين.. وهذا ظاهر جليا في اعترافه بانه " رغم مقاطعته للسلع الامريكية إلا انه كل صباح يدخن سجارة اماريكية لانها خفيفة" وبوصفها نعرف انه كان يبحث عن تعلة واهية يرضي بها نفسه لتدخين السجائر الامريكية رغم المقاطعة التي اصرها.. كما اننا من خلال الاقصوصة ايضا نجد الكاتب غير راض على تصرفاته فهو يوبخها ويؤنبها وذلك في تصريحه الذي قال فيه انه تزوج ثلاث مرات وطلق ثلاث مرات، وكانه متعجبا من حاله تلك.. إلا ان المرة الثالثة كانت مغايرة تماما لان زوجته الثالثة كانت حامل في شهرها الثالث حين طلقها.. وهنا يبدو جليا انه من الرجال الذين يخلون بواجباتهم الاسرية وإلا هل يعقل ثلاث زوجات لم يجد مع احداهن الانسجام والتفاهم!.. والراحة!.. والهناء!.. والدفء العائلي والحب!.. والسعادة الاسرية!.. والاستقرار!.. وهنا نتساءل هل كان يبحث عن زوجة سي السيد التي ترضي عناده.. ونفهم ايضا انه كان متفرغا تفرغا لا نقل كليا بل شبه كلي لحياته الشخصية المتمثلة في انغماسه في الكتابة،.. ربما يدري وربما لا!.. وربما يشعر انها ميدان حياته وعالمه الرحب الفريد المزروع والمغروس،.. والمطرز بالحروف.. والنقاط،.. والفواصل،.. والكلمات.. عالمه الخاص والخاص به جدا.. كما اننا من هذا السلوك ندرك انه كان زوجا مهملا لحياته الاسرية.. ولابوته وتاكد لنا هذا حين صرح في فضفضته التي اعترف فيها اعترافا صريحا بانه كان مهملا لنفسه واخطا في حقها خطا جسيما تمثل في طلاقه لزوجته الثالثة وهي حامل في شهرها الثالث ومع ذلك لم يسال عنها!.. ولا عن مصير الجنين الذي في بطنها!.. والمعروف علميا ان الجنين في مثل هذه الفترة الحساسة يكون عرضة للاخطار منها الاجهاض وهذا ليس بالخفي إلا انه ظل مهملا لها ولجنينها الذي هو في الاصل ابنه الوحيد والبكر.. حتى انه لم يحضر ساعة ولادته!.. ولا لحظة ختانه!.. لذا نستخلص من كل هذه الاحداث والاعترافات انه نادم شديد الندم خاصة حين يقول بكل اسف وعبارات تقطر حزنا «انه لم يتعجب من عدم حب ابنه له» وذلك عائد لعدم وجود الروابط العائلية!.. والابوية!.. والمحبة المتبادلة بين الاب وابنه الوحيد!.. والدفئ العائلي الرابط بينهما!.. واكتشف ان لا شيء يربطهما سوى الدم واللقب واسم الاب.. انه يوبخ نفسه بل يعذبها لانه ادرك تمام الادراك انه اخطا في حق نفسه.. وفي حق ابوته لابنه!.. وبذلك ضيع اجمل الفرص التي يتمناه كل انسان في حياته.. لذا لم ينعم بالحياة المستقرة!.. وفرط في الحياة الاسرية باستهتاره واهماله لها وبعدم اعطاء الاولوية لها وجعلها في الدرجة الثانية وربما الثالثة وربما الاخيرة وربما لم يكن لها اعتبارا ولا معنى في حياته اصلا وهذا ما انجر عنه الانفصال عن ثلاث زوجات!.. ومازاد اقراراه بانه اب مهمل.. يظهر هذا الندم والتوبيخ والتحسر الخفي في اقراره بانه فاشل.. ليس هذا وحسب بل هو ايضا انسان متناقض مع نفسه حين يقول انه لا يعد نفسه كاتبا إلا انه يحب ان يقدم نفسه للطرف المقابل بانه كاتب!.. متناقض حتى مع ما يريد وما لا يريد ويسمي نفسه فاشلا لانه لم ينجح في حياته الاجتماعية وذلك بتحطيمه لحياته الاسرية واخطا في حق ابنه في الابوة والتمتع بها.. احساس بالذنب الفضيع يطارده كنفسه المصارعة له..

***

الكاتبة: فوزية بن حورية

 

"سبحان خالق نفسي كيف لذتها

 فيما النفوس تراه غاية الألم"

كُتب الكثير عن الشاعر المتنبي الذي طغى على ساحة الأدب العربي منذ تألقه وإلى يومنا هذا، ففيما نكتبه نذكر أبياتا من قصائده، التي نتفاعل معها كمنبع للبلاغة والإبداع الشعري الألمعي الأصيل.

والعديد من أبياته تعادل عشرات وربما مئات القصائد التي قيلت بعده. فهو شاعر إخترق القرون وإنتصر على الزمن، فصرعه بكلماته الخالدة.

كان الرجل مغامرا يطارد حلما عصيا، فقرر تجسيده بالشعر، ليطلق مآرب نفسه فيه، ويكون مملكته وعرشه وكرسي وجوده الإنساني المنير، الذي لا يعادله كرسي أو مملكة أرضية، لأنه يصنع الخلود ويشيّد جنان الأبدية وأكوان السرمدية.

وهكذا أمضى عمره في تفاعلات متوهجة مع واقعه ورموز القوة والإقتدار فيه، فلم يعرف الهدوء والسكينة، كأن أيامه تستعر أينما حلّ أو نزل.

"أمط عنك تشبيهي بما وكأنه 

        فما أحد فوقي ولا أحد مثلي"

وعاش المتنبي حيا بيننا، لأنه قال ما فينا بوضوح وشجاعة وتقنية فنية متميزة.

وفي قصائده تتجلى صراعاته مع ذاته وواقعه، ومحاولاته للوصول إلى أهدافه النرجسية، ذات الرؤى الذاتية الكبرى.

وربما أمعن في حب ذاته ورؤيتها كما هي في خياله وأعماقه البعيدة، لدرجة أنه فاق في تقييم نفسه واقع حاله وحقيقة أيامه ومقاساته.

فكان منفصلا عن وجوده في واقع الحياة العراقية والعربية، ومنطلقا في فضاء خياله الرحيب. وفي قصائده يشير إلى نكران ما هو عليه ويقترب مما يراه عن نفسه ودوره وقيمته وحكمته وعقله.

" سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا 

           بأني خير مَن تسعى به قدم

*

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

         وأسمعت كلماتي مَن به صمم"

وقبل أن يغامر في رحلته التي كان واضحا بأنه سينتهي فيها، توفرت لديه المعلومات والأخبار التي تشير عليه أن يعدل عن طريق وجهته لأنه سيلاقي حتفه حتما، لوجود الاستعدادات للقضاء عليه .

لكنه أنكر ما وصفوه له بدقة وحذروه من عواقبه بشدة، وإتبع نداءات ذاته وصوت خياله، وإنقطاعه عن واقعه ونكرانه لمجريات الأمور والأحداث فيه.

ففي رواية ما جرى قبل شروعه برحلة الختام جاء ما يلي:

" وكان أبو الطيب قد مر بأبي نصر محمد الحلبي فأطلعه على حقيقة الأمر، وما ينويه فاتك من الشر له ونصحه بأن يصحب معه مَن يستأنس به في الطريق، فلم يزدد إلا أنفة وعنادا وأبى أن يصحب معه أحدا قائلا: أنا والجراز في عنقي، فما بي حاجة لمؤنس.

ثم قال: والله لا أرضى أن يتحدث الناس بأنني سرت في خفارة غير سيفي.

فحذره أبو النصر كثيرا فما كان منه إلا أن أجاب: أبنجو الطير تخوّفني ومن عبيد العصا تخاف عليّ؟!!

والله لو أن محضرتي هذه ملقاة على شاطئ الفرات وبنو أسد معطشون لخمس، وقد نظروا الماء كبطون الحيات، ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده، معاذ الله أن أشغل فكري بهم لحظة عين!! فقال له أبو نصر: قل إنشاء الله.

فقال: هي كلمة مقولة لا تدفع مقضيا ولا تستجلب آتيا.

ثم ركب وسار فلقيه فاتك في الطريق فقتله." (ديوان المتنبي، دار الجيل بيروت)

لقد عاش المتنبي خمسين سنة (915-965 م)، يمدح ويهجو، وفي الحالتين كان شعره مؤثرا ومدويا، وبقدر ما تجزل مدائحه العطايا عليه، فهجائياته تثير الضغينة والعداء.

"وفي قصة مقتله يُحكى أنه قال قصيدة هجا بها ضبة بن يزيد العيني، وكانت والدة ضبة شقيقة فاتك إبن أبي جهل الأسدي، فلما بلغته القصيدة أخذ الغضب منه كل مأخذ وأضمر السوء لأبي الطيب.

ولما بلغه مغادرة المتنبي لبلاد فارس وعلم بإجتيازه بجبل دير العاقول تتبع أثره، فاقتتلوا حتى قتل المتنبي مع ولده محسّد وغلامه مفلح على مقربة من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد في السابع والعشرين من أيلول عام تسعمائة وخمسة وستين ميلادية." (نفس المصدر)

والقصيدة التي قتلته عنوانها " أنصف القوم ضبه" ومطلعها:

ما أنصف القوم ضبه 

  وأمه لطرطبه .

وكلمة طرطبة تعني المرأة العظيمة الثديين أو المسترخية الثديين. وقد تبدو عيبا وعورة في زمانها، وتثير شكوكا عن معرفة ذلك، لأنه من خصوصيات المرأة التي لا يعرفها إلا أفراد عائلتها المقربين، ولهذا إشتد غيظ أخيها وقرر أن يقتله.

وعند قراءة القصة وتحليلها وما جرى قبل قتله بوقت قصير، يتبين أن السلوك كان أقرب إلى الانتحار، لأنه ألقى بنفسه في قبضة المتربصين له من غير إستعداد كافي، وإنما إمعانا بالفتك بالذات، وكأنه يريد أن يعاقب نفسه وينتقم منها، ويتخلص من ثقل الحياة وأوزارها.

وهو ينأى بكل ما فيه عن واقعه ويتفاعل مع فضاء خياله وهيامه النرجسي العظيم، فأصابه ما أصابه، ولما إستيقظ أدركته نهايته المريرة، فكأنه كتب شعرا عجز عن كتابته بالكلمات فكتبه بدمه وروحه، وبرأسه الذي تدحرج فوق التراب.

و"إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا

ألا تفارقهم  فالراحلون هم"

***

د. صادق السامرائي

6\12\2009

أمسكت بقلمي لا اعرف لماذا ولكن ربما تملكني شيطان الكلمة؟.

امام عيناي تنهمر ذكرياتي كالمطر المصحوب بالرعد والبرق،تارة اضحك ومرات عديدة تنتابني نوبة من الحزن لا اعرف لها سببا . وبدأت أتساءل هل سبب ذلك هو شعوري بالذنب ام القلق والخوف من ذلك المصير المحتوم الذي سألقاه بعد أن تغادر روحي جسدي؟.

واذا بعقلي وانا في هذا الشتات الفكري تسيطر عليه فكرة انني مدين باعتذار. وأتساءل وانا في حالة من الحيرة، في لحظة بين الأمل والرجاء من ناحية والخوف والقلق من الناحية الأخرى اعتذر لمن؟. وبلغة اخر من هو الي انا مدين له بالاعتذار؟.

هل هو الآخر سواء تجسد في شخص أو جماعة؟ هل هو العالم المحيط بي بكل ما يحوي من أشياء؟؟.

وإذا بي افيق من سكرتير للحظات وأجدني أقول لا ليس الآخر فهو أخذ مني وأعطاني، أراحني وأتعبني. حنَّ عليَّ وقسى. لذلك فالمعادلة متساوية لذا فأنا لست مدينا للآخر باعتذار. لمن إذا انا مدين بالاعتذار؟.

أدركت الإجابة نعم انا مدين لذاتي بهذا الاعتذار لما سببته لها من ألم ومشقة، من حيرة وقلق وخوف، جعلتها تقف حائرة بين الأمل واليأس، بين الحب والكراهية،بين الخوف والرجاء...الخ من هذه الثنائيات المتناقضة. لذا فإن حديثي موجه إلي ذاتي التي أشعر أنها فارقتني.

فيا ذاتي الغالية والقريبة مني والبعيدة عني اغفري لي خطيئتي في حقك ،تجاوزي تلك الجدران  التي جعلتك تقبعين بينها كسجين حكم عليه أن يقضي عقوبته في حبس انفرادي. اغفري لي تقصيري في حقك وجعلتك خادمة للآخرين وهم لا يستحقون ذلك، اصفحي عن تقصيري معكي في أدنى حقوقك وهو الحفاظ عليكي.

اعلم يقينا أنني مذنب في علاقتي معكِ فأغفري ذنبي وتجاوزي عن سقطاتي فأنت اكبر من أن تعامليني بالمثل. فأنا ملئ بالأثام والذنوب والأخطاء وأنت نقية طاهرة فهل لك أن تنتشليني من هذا المستنقع؟. ولكن كيف وأنا وأنت نعيش في قالب واحد تحيط به من كل الجوانب مغريات زائفة، آمال واهية، والحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها أننا نعيش حالة من الخداع والمراوغة المتبادلة بيننا وبين هذا العالم الخارجي بكل مكوناته ومحتوياته.

يا معشوقتي اقبلي اعتذاري لأني جعلتك تحلمين بعالم مثالي وتعيشين واقعاً حيوانيا بكل ما تحوي الكلمة من معنى. جعلتك تأملين في كلمات جوفاء-حب، مساواة، عدالة، حرية، كرامة....الخ- وتعيشين نقيضها. وعدتك بعالم مملوء بالمحبة والسلام وألقيت بك في غيابات جب يعج بالكراهية والحكام. جعلتك تغوصين معي بين أغوار الأفكار والكلمات في عالم تحكمه العملات. بحثت معك عن انا واعية في عالم يحكمه الجهلاء. جعلتك حبيسة عالم مثالي وتعيشين عيشة الغرباء. وأنت لا ذنب لك إلا أنك سكنتي جسد وعقل انسان مهموم بالفكر. فسامحيني وتقبلي اعتذاري.

***

ا. د. شعبان عبد الله محمد

أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج

 

ها أنتَ يا ساكنَ كوكب الأرض المنفي في دنياك تركض وتركض، تركض ركض الوحوش الضارية أحيانا وأنت لا تفكر إلا في ما تبتلعه وما تَقضمه وما تَحتَسيه بعيدا بعيدا عن أدنى إحساس بما يكتوي به أقرب الناس.

لِنَقُل إن لكل روح تسكن الأرض حكاية، وإن لكل جسد يذبل تحت وطأة الهموم أوجاعا، وإن لكل قلب آلاما تَعتصره وتمضغه في صمت قاتل، صمت جنائزي يُردي أصحابه ويعلقهم على حبل الحياة كشريط اللحم المالح.

ولهذا قد لا يخطر، على بال إنسان، أن الأطفال المعذبين، في كل مكان، لا يجرؤ الواحد منهم على أن يتقاسم مع ذويه والمقربين منه الكثير الكثير من الأشجان. لذلك يحتاج الأمر إلى شجاعة قلبٍ مبدع، فنان، يجيد التعامل مع الأزمات بإتقان.

فلا أحد من الناس قد يعرف ما يريدك هذا أو ذاك أن تعرفه عنه، وتحديدا نتحدث عن هذا الجيل الصاعد من فلذات الكبد التي تخطو خطاها الأولى على طريق الحياة جاهلة ما تُضمره ظلمة الطريق ووحشة الزمن.

صَدِّق يا صاحبي أنه الزمن الذي لا يسمح بانتشال من سقط منك، ولن يسقط منك إلا أطفالك وأنت غارق في عماك، ذاك عمى البصيرة لا البصر، عماك وأنت تنشغل بقسوة عن قطعة من قلبك ناسيا أو متناسيا أن من حقها عليك أن تجس نبض بوصلة روحها لتقيس ضربات الألم والأمل عندها إن كان هناك أمل.

من هنا بدأت فكرة المدرِّسة الأميركية كاتي شوارتز وهي تحاول أن تقرأ بحكمةٍ أسباب تخبط تلاميذها في دوامة الحياة إلى درجة تراجعهم عن تسديد الأهداف المرجوة في ملاعب التحصيل الدراسي.

فقد انتبهت كاتي شوارتز إلى أن الأمر لا علاقة له بفشلها في طرق واستراتيجيات التدريس التي تنهجها، وإنما الأمر أكبر من أن يتصوره عاقل، لأن المسألة تتعلق بحاجز، أو لِنُسَمٍّه سُورا نفسيا يقف حائلا بين التلاميذ وعملية التلقي.

كانت فلسفة كاتي شواتز التعليمية والإنسانية مسعِفة لها لتجدد البحث في أبجديات علاقة الطفل/ التلميذ بالمجتمع أو البيئة التي ينحدر منها، لذلك وزعت على تلاميذها منشورا يبحث عن جواب لسؤال واحد: ماذا تريدني يا عزيزي أن أعرف عنك؟

ولا غرابة أن السؤال الذي طرحته كاتي شوارتز على كل تلميذ واسع وفضفاض إلى الدرجة التي تسمح لكل واحد منهم بأن يجيب بحرية ولا يجِد نفسه سجين التقيد بشرط من شروط الإنجاز.

المفاجأة أن أجوبة التلاميذ كانت صادمة إلى درجة قصوى، صادمة إلى الحد الذي لا يتوقعه خبير بلغة العقل والمنطق. غير أنها من ناحية أخرى كانت بداية الخيط الذي يبشر بإعادة نسج قميص الثقة بين التلميذ والمعلمة، وبناء على كل جواب تحددت خطة المعلمة في تجديد ربط جسر التواصل بينها وبين التلميذ من جهة، وبين التلميذ ومحيطه وبيئته من جهة أخرى.

سؤال كاتي شوارتز التاريخي مَهَّدَ لخطة عمل جديدة بطلها التلميذ الذي عِوَض أن يتم جَلْدُه، نفسيا، علينا أن نفكر في مشروع رد اعتبار لثقته بنفسه، ومن ثمة نعمل على تعزيز قدراته التي سيعرف هو لاحقا كيف يفجرها بأريحية.

لكل هذا، حبذا إعادة النظر في علاقة التلميذ ببيته وبيئته قبل إلقاء المسؤولية على المدارس، فقبل أن نسائل صُنَّاع الهندسة التعليمة، ونحمِّلهم مسؤولية فشل التلميذ، لماذا لا نتأسف على لامسؤوليتنا وتقصيرنا في ربط العلاقة كما ينبغي مع أطفالنا.

صاحِبْ ابنك الصغير، لاعِبْه، دعه يخبرك بشجاعة عما يضايقه ويسرق صرَّة الفرح من جيوب قلبه، عَوِّده على فن البوح والاعتراف بعيدا عن العصا المتمردة تلك التي تنهال عليه عمياء، رَتِّبْ أفكاره، وحاول أن تشرح له أن التعليم ليس معركة طاحنة تَكسر سيقان الرغبة في التعلم عنده.

كن شجاعا وتحمَّلْ شيئا من مسؤولية فشل أطفالك في الدراسة، ولا تجعل من الواحد منهم كبش فداء لخيبتك الثقيلة وأنتَ تُضمر عمق الهوة النفسية بينك وبينه.

شكرا كاتي شوارتز.

***

د. سعاد درير

 

من وحي رواية الحرف القرمزي

في عالم تتعمق فيه العواطف ويتم فيه الحفاظ على الأسرار بعناية فائقة، فإن قصة قصة حبي الحقيقية مع هيستر برين تقف بمثابة شهادة خالدة على قدرة الحب على التحمل. بينما كان ضوء القمر يتلألأ على الشوارع المرصوفة بالحصى في بوسطن في القرن السابع عشر، ظهرت من الظل قصة حب مزدهرة بين روحين، متحدية الأعراف المجتمعية وغارقة في أعماق الرغبة المحرمة. هنا، وسط خلفية من الحماسة البيوريتانية والأخلاق الصارمة، تكشفت قصة حبنا، ونسجت نسيجا من العذاب والفداء والتفاني الذي لا يتزعزع. جسّدت هيستر برين، منارة الأنوثة الغامضة، نعمة الملاك ونار التمرد. مزينة بالحرف القرمزي على صدرها، رمز خطيئتها، وأصبحت رمزا لللعنة ومثالا للصمود. وفي حضن هذه المرأة الرائعة وجد قلبي العزاء، متحديا التوقعات التقليدية وأشعل شعلة عاطفية لا يمكن إطفاؤها. نما حبنا في الظل، وهي علاقة سرية ازدهرت وسط الجمود القمعي لمجتمعنا البيوريتاني. بينما كان سكان المدينة العفيفون يهمسون بثرثراتهم التأملية، همسنا بوعودنا بالتفاني الأبدي، ونعتز باللحظات المسروقة من الأسرار الهامسة والقبلات المسروقة، غير مدركين بسعادة للعاصفة التي تتجمع في الأفق والتي من شأنها أن تضع حبنا على المحك النهائي.

لقاؤنا الأول:

كان اللقاء الأول بمثابة بداية قصة حب ملحمية مليئة بالعاطفة والشدائد، محفورة إلى الأبد في سجلات التاريخ. لقد كان يوما مصيريا، حيث ألقت الشمس ألوانا ذهبية على قرية نيو إنجلاند البيوريتانية الصغيرة، حيث جمعنا القدر معا تحت أعين المجتمع المتفحصة. وبينما كنت أتجول في ساحة السوق المزدحمة، ملأ الهواء صخب التجار الذين يبيعون بضائعهم. أحني رأسي قليلاً لتجنب نظرات الحكم واللوم، وارتفع قلبي عند فكرة الانخراط في صخب الحياة اليومية. لم أكن أعلم أن القدر قد قرر أن ذلك اليوم سيكون استثنائيا. في ذلك السوق المزدحم، وقعت عيني عليها لأول مرة، هيستر برين، المرأة التي تجاوز جمالها حدود الفهم البشري. كانت مزينة بحرف قرمزي على صدرها، وكانت تنضح بجاذبية جامحة، مما أثار همسات الفضول والرهبة لدى المتفرجين. ومع ذلك، لم يكن مظهرها المذهل وحده هو ما أسرني، بل الهالة الأثيرية المحيطة بها، مظهر من مظاهر القوة وسط الشدائد. عندما التقت أعيننا عبر بحر الأجساد الصاخبة، بدا أن تيارا كهربائيا يتدفق عبر عروقي، ويربط أرواحنا معا في لحظة. توقف الزمن عندما اقتربنا من بعضنا البعض، وكانت ظروف الترقب تزيد من كثافة الهواء. أكاد أسمع همس القدر وهو ينسج نسيجه المعقد، ويتشابك في قلوبنا إلى الأبد. مع كل خطوة تقترب، تسارعت نبضات قلبي، مرددة صدى الاعتراف الذي لا يمكن إنكاره بالأرواح الشقيقة التي انفصلت منذ فترة طويلة ولكن تم لم شملها أخيرا. في تلك اللحظة الواحدة، توقف العالم من حولنا عن الوجود، وأصبحت أرواحنا هي محور نظر الكون الوحيد. كان الأمر كما لو أن كل سحر القصص الخيالية قد امتد إلى الواقع. عندما وقفت أمامها أخيرا، كانت شدة علاقتنا واضحة، وتحدثت كثيرا في الصمت الذي يلفنا. بدت الكلمات غير كافية عندما كنت أحدق في عينيها، باحثًا عن آثار الضعف أو اليأس، ولكن بدلًا من ذلك، وجدت المرونة والتصميم. بينما كانت أوركسترا من العواطف تدور في داخلي، استجمعت الشجاعة لمخاطبتها، وكان صوتي بالكاد يفوق الهمس: "هيستر برين، جمالك لا يعرف حدودًا، لكن قوتك وتحديك هو ما يبهر روحي. هل لي شرف معرفة اسمك؟" رقصت وميض المفاجأة في عينيها الداكنتين، وابتسامة ناعمة تجتذب زوايا شفتيها. عندما لفظت اسمها، لم تكشف عن هويتها فحسب، بل كشفت أيضًا عن عمق روحها، الأمر الذي دعاني إلى التعمق في قلب هذه المرأة الغامضة. وهكذا بدأت رحلتنا، وبرزت قصة حبنا كمنارة أمل وسط عالم يعاني من الأحكام والأعراف المجتمعية الصارمة. لقد أرسى لقائنا الأول في ذلك السوق النابض بالحياة الأساس للحب الذي سيصمد أمام أقسى العواصف، لأنه كان حقيقيا ومصنوعا في بوتقة الشدائد.

اللقاء الثاني:

عانقت شمس الصباح الباهتة بكل لطف الشوارع الضيقة لمدينة بوسطن الاستعمارية، وأضاءت الحجارة المرصوفة بالحصى كما لو كانت جواهر متلألئة تحت الأقدام. وفي وسط هذه الأجواء الساحرة، قادني القدر، بكل طرقه الغامضة، إلى لقائي الثاني مع هيستر برين الغامضة. وبينما كنت أتجول في قلب المدينة، كانت ذكريات لقائنا الأول تستهلك أفكاري، والتي تركت بصمة لا تمحى على روحي. كانت رؤيتها تقف هناك على المشنقة، رمزا للحزن والقوة، تطاردني في كل لحظة من يقظتي. حتى في عزلتي الهادئة في دراستي، تغلغلت صورتها في أفكاري، وأثبتت أنها مصدر إلهام لا يقاوم ويلفت انتباهي. وهكذا، في ذلك الصباح المشؤوم، تآمر الكون، في مصادفته الغريبة، على إعادة توحيدنا مرة أخرى. كما لو كانت يدا غير مرئية، وجدت نفسي منجذبا نحو ضواحي المدينة، حيث يعرض سوق صغير مجموعة من الزهور النابضة بالحياة، كل زهرة تتفتح في رقصتها الحزينة. وهناك وقفت، هيستر برين، وسط مشهد فن الطبيعة، واقفة مثل صورة تنبض بالحياة. كان حرف A باللون القرمزي المعلق في عنقها ، وهو شهادة قرمزية لروحها التي لا تنضب، يزين صدرها ولكنه يحمل نعمة أثيرية تكذب الإدانة المجتمعية. كان حضورها يلفت انتباه المارة، ومع ذلك ظلت بلا خجل، كما لو أن ثقل حكمهم لا يعني الكثير في ظل ثباتها. عندما اقتربت منها، بدا أن هناك رابطا غير معلن يسد الفجوة بيننا، ويتخلص من تقاليد المجتمع ويتركنا وحدنا في عالم من صنعنا. التقت أعيننا، وفي تلك اللحظة، لمحت عمق مرونتها، وميض الضعف داخل نظرتها المظلمة التي كانت تعكس نظري. هناك، وسط سيمفونية الزهور، انكشف حديثنا، محجوبا بالعقلانية والعمق العاطفي. وتدفقت الكلمات بيننا بسلاسة، واختلطت بالتجارب المشتركة والفهم العميق للحالة الإنسانية. من خلال قصصها، تلك الحكايات الحميمة المحفورة في روحها، غامرت في عالم لم أكن أعرفه من قبل، حيث يتشابك الحب والألم في رقصة معقدة. وفي وسط حديثنا لمست شوقا غير معلن، شوقا حاضرا في رعشة صوتها ونعومة نظرتها. لقد كان شوقا مشتركا، قوة لا يمكن إنكارها تدفعها نحو القبول والتحرر. عندها أدركت أنه من خلال معرفتنا القصيرة، أصبحت صديقها المقرب، وحليفها في هذه المعركة ضد الأعراف المجتمعية القمعية. قبل أن يفترقا، كان هناك وعد خفي معلق في الهواء، يحمل معه ثقل الرغبات التي لم تتحقق. كنا نعلم، حتى في ذلك الوقت، أننا مرتبطون برباط لا يمكن تجاهله، وقد نسجته معا خيوط الارتباط العميق والتجارب المشتركة. وبينما كنت أشاهدها تختفي وسط الحشد الصاخب، وظلها محفورا في قلبي، كنت أتوق إلى المناسبة التالية عندما تتشابك مساراتنا مرة أخرى، مقدرا لنا إعادة اكتشاف أعماق حبنا وتفاهمنا المتبادل. في تلك اللحظة، وسط جمال نسيج الطبيعة وهشاشة الاتصال البشري، أدركت أن رحلتي مع هيستر برين قد بدأت للتو، وأن قصة حبنا ستظل محفورة إلى الأبد في سجلات الزمن كدليل على الانتصار. الحب على الشدائد.

التعاطف في عالم المشاعر الإنسانية:

يكون التعاطف بمثابة منارة رقيقة للضوء، تنير جوهر إنسانيتنا المشتركة. إنه شعور أثيري يسمح لنا بالتعرف على المعاناة والمصاعب والتجارب التي يواجهها الآخرون. ولم تكن هيستر برين، بطلة رواية "الحرف القرمزي" لناثانيال هوثورن، استثناء من هذه الدعوة العالمية للتعاطف والرحمة. عندما أتعمق في الطبقات المعقدة من قصة هستر المؤثرة، يتخلل قلبي شعور غامر بالتعاطف. منذ البداية، تجد هيستر برين نفسها محاطة بمجتمع لا يرحم، مجتمع تغذيه القيم المتزمتة والحكم الذي لا ينضب. بعد أن أدانها مجتمعها لارتكابها الزنا، فإنها تحمل العار العام للحرف القرمزي - وهو رمز لا يمحى لخطيئتها. ومع ذلك، في تلك اللحظة من الشدائد، يتردد صدى التعاطف في روحي مثل تنهيدة الفهم اللطيفة. لا يسعني إلا أن أشعر بعمق تجاه هيستر، وهي تجتاز تلك الشوارع غير المرحب بها، مثقلة ليس فقط بابنتها الرضيعة بيرل بين ذراعيها ولكن أيضا بثقل ازدراء المجتمع على كتفيها. على الرغم من تجاوزاتها المميتة، تبث هيستر القوة والمرونة، وهي سمات تدعو إلى التعاطف الخالص ليزدهر داخل كياني. وفي معاناتها الهادئة تقبل عقابها دون أثر للعداء أو الاستياء. في عزلتها، وسط أوراق الشجر الجامحة في برية نيو إنجلاند، تقوم بخياطة الملابس ذات الجمال الاستثنائي، بينما تتحمل بصمت النظرات المجهولة والهمسات القاسية لزملائها من سكان المدينة. إن قدرتها على الحفاظ على كرامتها وبوصلتها الأخلاقية في مواجهة الاضطهاد تثير الإعجاب والتعاطف العميقين. علاوة على ذلك، يتم تضخيم جاذبية هيستر المسببة للتعاطف من خلال التزامها الثابت بالخلاص ونكران الذات. وبدلا من الاستسلام لظلمة الذنب والندم، فإنها توجه حبها لبيرل إلى قوة من المودة العميقة، وبالتالي تروي قصة أم يستهلكها إخلاص لا يتزعزع. ومن خلال تفاني هيستر الذي لا يتزعزع، نشهد سيمفونية حنان الأم ومرونة الروح الإنسانية، مما يثير فينا شعورا عميقًا بالتعاطف مع تجاربها ومحنها. بينما تتعرج عبر الممرات الضيقة لوجودها، يجب على هيستر أن تتنقل عبر لقاءات مع عشيقها السري، القس آرثر ديميسدال، وهو رجل يعاني من الاضطرابات الداخلية والعار السري. في هذه الشبكة المعقدة من الحب غير المعلن، يتدفق التعاطف، متشابكا مع فهم مؤثر للأعباء الهائلة التي يتحملها كلا الشخصين. ترتجف قلوبنا شفقة على روابط الحب التي انقطعت، وتأسف على الفرص الضائعة للسعادة والرفقة المشتركة. في النهاية، يتجاوز كفاح هيستر برين سردها الفردي، ليظهر كنموذج مقنع للتجربة الإنسانية ككل. إنه يعيد إحياء الفهم بأننا جميعًا نؤوي ندوبا مخفية وصراعات شخصية، بغض النظر عن مدى إخفائها بدقة تحت طبقات من اللياقة. من خلال سعي هيستر الدؤوب لتحقيق النمو الشخصي، والتنوير الروحي، والفداء، نشهد كيف يمكن للتعاطف، في أنقى صوره، أن يتجاوز البنيات المجتمعية ويكون بمثابة شريان الحياة للرحمة والتفاهم والفداء النهائي. بينما أفكر في الرحلة التحويلية التي قامت بها هيستر برين ضمن صفحات "الحرف القرمزي"، فإنني أعترف بامتنان بعمق التعاطف الذي تثيره داخل غرف قلبي. إنها حكاية يتردد صداها مع الخالدة.

الوقوع في الحب:

 في أعماق مستعمرة خليج ماساتشوستس، وسط مجتمع قاسٍ لا يرحم، حيث سادت المعتقدات البيوريتانية والقواعد الأخلاقية الصارمة، تكشفت قصة حبنا مثل زهرة نادرة في حقل قاحل. بدأ الأمر بنظرة خفية، وتبادل الأرواح، وتشابك الأقدار الذي سيغير مسار حياتنا إلى الأبد. كانت هستر برين، التي كان اسمها همسا على شفاه أولئك الذين تجرأوا على التحدث بها، امرأة ذات جمال لا يمكن تصوره، مزينة بشعر أبنوسي لامع يتدلى على كتفيها مثل ستارة متلألئة. كانت عيونها الزمردية، المشعة والثاقبة، تشير إلى روح نارية مختبئة تحت رباطة جأشها. ومع ذلك، كان حرفها القرمزي، المزخرف على صدرها، هو الذي أسر قلبي منذ اللحظة الأولى التي التقت فيها أعيننا. كان ذلك في وسط سوق مليء بنظرات المجتمع البيوريتاني الدامغة، عندما حدقت لأول مرة في وجه هستر، مكشوفا وضعيفا ليراه العالم أجمع. في تلك اللحظة القصيرة المسروقة، كان هناك خيط غير مرئي يربط بين أرواحنا، ويجمعنا معًا بشكل لا يرحم، ضد تيارات التوقعات المجتمعية وثقل الضمير الجماعي. الحب في أنقى صوره وأكثرها اضطرابا، لا يعرف حدودا ولا قيودا ولا حدودا. وبينما تشابكت قلوبنا، وتبادلت القبلات المحرمة في فجوات سرية، وتبادلت النظرات المسروقة همسات خافتة، ازدهرت رابطتنا في جو من التمرد الإلهي. بدا أن جوهر حبنا ذاته يشع، متجاوزا هوامش وجودنا، إكسيرا قادرا على تحدي الأغلال الموضوعة علينا. في هدوء البرية، حيث حجب حضن الطبيعة الهادئ أعين معاصرينا المتزمتين الرافضة، وجدت قصة حبنا العزاء. لأنه في تلك اللحظات الأثيرية، عندما غابت الشمس وراء الأفق وأضاء القمر طريقنا المحظور، تناغمت أرواحنا في سيمفونية من العاطفة والرغبة. توقف الزمن، وتلاشى العالم في غياهب النسيان، ولم يتبق سوى كون يتكون فقط من حبنا وعاطفتنا. ولكن، للأسف، لا تخلو قصة حب من التجارب والمحن. كان ثقل علاقاتنا غير المشروعة يحمل ثقيلا على أكتافنا، مما هدد بكشف النسيج الرقيق الذي نسجناه. ومع ذلك، وبتصميم لا ينضب، تغلبنا على العاصفة، وظهر حبنا أقوى وأعمق وأكثر ثباتا من أي وقت مضى. كما ترى، فإن حبنا تجاوز ما هو سطحي، متحديا حدود التوقعات المجتمعية وملقيا جانبا زخارف المطابقة الدنيوية. كنا مقيدين بالمعرفة المقدسة بأن الحب الحقيقي هو قوة لا تعرف الحدود، تشرق بتحد وسط ظلمة الدينونة والإدانة. أن أحب هيستر برين، وأن أشاركها في أعماق روحها، كان امتيازا منحته لي السماء. لقد كانت رحلة عبر مشهد من المشاعر: العاطفة، والتفاني، واليأس، وفي نهاية المطاف، الخلاص. قصة حبنا، مثل سيمفونية محرمة، تعزف على خلفية من الخلاف المجتمعي، لكنها جريئة بحزم في رفض الصمت. في سجلات الزمن، ستبقى حكايتنا، تهمس في قلوب أجيال لا حصر لها. لأنها ليست مجرد قصة حب، ولكنها شهادة على روح النفس البشرية التي لا تقهر وقوة الحب لتجاوز الحدود الموضوعة.

استمتع بلحظات الحقيقة:

في نسيج الحياة المعقد، توجد سلسلة من اللحظات المحددة التي تضيء وجودنا، وتكشف لمحات عن ذواتنا الحقيقية. هذه اللحظات ثمينة، ومحفورة في سجلات رواياتنا الشخصية، وتذكرنا إلى الأبد بالمشاعر المذهلة التي شعرنا بها أثناء حدوثها. مثل هذه اللحظات، عزيزي القارئ، هي جوهر قصة حبي الساحرة مع هيستر برين الغامضة. بينما كشف الزمن عن قصته الآسرة، ونسج شبكة القدر المعقدة من حولنا، خلال لحظات الحقيقة هذه تم نطق شدة حبنا الخام بهدوء في الكون. كان العناق الرقيق تحت الامتداد الشاسع للسماء المضاءة بالنجوم يهمس بوعود الإخلاص الذي لا ينضب، مصحوبا بسيمفونية متناغمة من الزيز، كما لو أن الطبيعة نفسها استمتعت بعلاقتنا العميقة. مثل رائحة الوردة المتفتحة التي تنبعث في الهواء، كان حضور هيستر ينضح بهالة مسكرة استحوذت على حواسي. ومع كل لقاء عابر، تنكشف الحقائق، وتتجاوز تفاهات العالم، وتنتشر مثل بتلات زهرة متفتحة معقدة. في سكون هذه اللحظات العميقة، اكتشفت حبا عميقا جدا، يمتلك القدرة على شفاء الجروح المحفورة في روحي. في ظل عزاء الكلمات الهامسة والأحلام المشتركة، قمنا أنا وهيستر بتكوين رابطة غير قابلة للكسر، متحديين الأعراف المجتمعية وطغىوا على انتقادات عالم الأحكام. عشنا لحظات الحقيقة بشجاعة لا تتزعزع، عالمين أن حبنا سيصمد أمام الرياح العاتية التي تسعى إلى زعزعة أسسه. مثل جوهرة لا تقدر بثمن، كان حبنا يتألق أكثر مع كل لحظة تمر، ويلقي تألقه ضوءا مشعا على ظلال الشك. يقال أن الحب غالبا ما يكون مصحوبا بالتضحية والمعاناة، المنسوجة في نسيج العاطفة والرغبة. في لحظات الحقيقة هذه، وجدت أنا وهستر أنفسنا نبحر في مياه غادرة، ونكافح ضد تيارات الشدائد. لقد تم اختبار حبنا، وتم تجريد مشاعرنا، مما كشف عن العمق العميق لالتزامنا تجاه بعضنا البعض. في مواجهة بوتقة الحكم والرفض، خرجنا أقوى، وحبنا معزز بالإخلاص الذي لا يتزعزع. في التأمل، تكون لحظات الحقيقة هذه بمثابة منشور، يكسر الطبقات الدقيقة لقصة حبنا، ويضيء ظلالها وتعقيداتها العديدة. وفي هذه اللحظات أتذكر العمق العميق للعاطفة، التي تتجاوز حدود الفهم البشري. حب قوي جدا، يتحدى حدود الزمن، ويحفر بصماته على نسيج الأبدية.

عزيزي القارئ، بينما أروي لحظات الحقيقة الساحرة التي ترتكز عليها قصة حبي، أناشدك أن تبحث عن هذه اللحظات التحويلية في حياتك الخاصة. احتضن الضعف الذي يصاحبهم، لأنه في عالم الحقيقة تُزرع بذور الارتباط العميق. في هذه اللحظات، يتم ربح وخسارة الثروات، وتتشكل الأقدار، ويتم اكتشاف الحب الحقيقي. لأنه في هذه اللحظات، عندما أمسكت بيد هستر الرقيقة في يدي، عرفت، بما لا يدع مجالا للشك، أن حبنا كان قوة يمكنها التغلب على الجميع.

في الختام، أثبتت الحكاية الغامضة لقصة حبي الحقيقية مع هيستر برين الآسرة أنها رحلة غير عادية مليئة بالعاطفة والمكائد والتفاني الذي لا ينضب. كسيمفونية رائعة لحنتها السماء، تشابكت دروبنا في رقصة مبهرة، تقودها يد القدر المعقدة. روح هستر الحازمة، المزينة بأناقة ورشاقة لا يمكن إنكارها، سحرت روحي، ودفعت حدود الحب واختبرت حدود الأعراف المجتمعية. أثناء اجتيازنا متاهة بوسطن البيوريتانية، أشعلت قصة حبنا جحيما من العواطف، تغذيه الرغبات الجامحة التي تحدت الأعراف القمعية. أصبح حرف هستر القرمزي رمزا لاتصالنا المحظور، رمزا جريئا شجعنا على اعتناق الحب الذي تجاوز عالم التقاليد. وبصمودها الذي لا يتزعزع، تحملت ثقل ازدراء المجتمع، وبرزت كمنارة للقوة وسط بحر من الأحكام والنفاق. انكشف حبنا في الظلال المتألقة لسقالة المدينة، حيث كنا نسعى أحيانا إلى العزاء والحميمية السرية. وفي تلك اللحظات الأثيرية اكتشفنا عمق تواصلنا، الذي ربط أرواحنا في نسيج من المودة يتحدى حدود الزمان والمكان. كل لقاء مسروق كان يزيد من شوقنا، ويغذي رغبة لا تشبع لا يمكن إخمادها بإدانة المجتمع. من خلال التقلبات المتعرجة لروايتنا، تحولت هيستر إلى قوة لا تنضب من المرونة، تنضح بجو ملكي يستحق الاحترام والإعجاب. لقد ألهمتني روحها التي لا تقهر، إلى جانب الإحساس العميق بالذات، بالتخلص من أغلال التوقعات المجتمعية واحتضان ذاتي الحقيقية معا.

***

محمد عبد الكريم يوسف

في زيارتي الآخيرة الى بلدي العراق وديرتي قرية الهويدر، حظيت بلقاء أهل وأصدقاء ورفاق وأحبة فارقتهم سنوات طويلة، كان من بين هؤلاء الأحبة الشاعر والروائي إبراهيم البهرزي، ذات مساء ندي، وأنا جالس على أسرة مقهى دردي الأثيرة في قرية الهويدر مع الاصدقاء فراس الشيباني رئيس أتحاد أدباء وكتاب ديالى والباحث والاستاذ عبد الكريم الكفشي في زاوية تلك المقهى وفي متعة الحوار حول هموم الوطن وعطر الذكريات . أقترح علينا الاستاذ فراس الشيباني بزيارة الشاعر إبراهيم البهرزي في بيته بمدينة بهرز، فقادنا بسيارته الى بيته، وقد أستقبلنا برحابة صدر وشوق كعادته مرحباً بنا، وعلى مجعات القهوة المرة دارت أحاديثنا المتنوعة حول الوطن والثقافة والسياسة بين الأمس واليوم في الموقف والمبدأ .

وبعد أن أرتشفنا فناجين قهوته المرة بادره الاستاذ فراس الشيباني بنشاط أتحاد الادباء القادم بأستضافتي للحديث عن تجربتي في الغربة والتجربة والكتابة . وقال له : نحن نرغب ستكون أنت يا إبراهيم في إدارة الامسية، ورغم تردده في البدء برغبته في العزلة وتردده في حضور تلك اللقاءت وبعده عن تلك النشاطات، لكنه أعرب عن تقديره لنا في حرارة هذا اللقاء بعد هذه السنوات الطويلة رحب بتلك الفكرة، وكنا ممتنيين له ولموقفه في تقديره لحضورنا وهذه من شيمه الكبيرة . وكان خير لقاء وحضور ومحاور .

في نهاية اللقاء أهداني روايته الآخيرة ” حسن أوبك ” المنشورة عبر دار نشر درابين في العاصمة بغداد وفي صفحة واقع ٢٦٧ من القطع المتوسط وبغلاف معبر بدقة وأنيق عن أسم وأحداث وشخصيات الرواية، والتي تدور أحداثها في العراق وحصراً في مدينة بعقوبة، كما كان واضحاً من خلال تجسيد الشخصيات وبناؤها ولغة حواراتها وواقعية الزمان والمكان .

ومن الصفحات الأولى في الرواية تشدك وتشير لك الاحداث عن عمق المأساة التي مر بها شعبنا بعدة حقب تاريخية قريبتين الى المتابع والمشاهد والمرحلة، حقبة نظام البعث وتعامله مع أبناء شعبه، وتهاوي ذلك النظام بفعل الدبابة الامريكية والنتائج المدمرة من خلال شخصيات الرواية بين الموقف والتزلف والتذبذب في المواقف في التعامل مع الوضع الجديد على حساب المباديء وسنوات النضال .

تمكن إبراهيم البهرزي وبحرفية عالية وبعين سياسي راصد للاحداث بدقة وأمانة في تتبع مسيرة التطورات التي عصفت بالعراق وأهله من خلال عرض تطورات كل شخصية في العمل ومواقفها من الاحداث في الفترة السابقة، فترة نظام البعث وما بعد رحيله في بناء درامي متصاعد على شتى الاصعدة السياسية والاجتماعية والفكرية والإخلاقية ومنظومة العلاقات بين تلك الشخصيات وتوجهاتها الفكرية والسياسية .

النموذج الساطع في مفصل التطورات التي حلت بالعراق جراء إحتلاله هو شخصية خليل الترزي وسرعة تنقلاته من حضن النظام الدافيء السابق الى حضن النظام السياسي الجديد والذي نصبه المحتل ومن خلال تشبثه السياسي الجديد بإنتمائه الشيوعي السابق وتسلسله عبر تلك المنظومة لكي يكون له شأن وموقع جديد متنكراً ماضيه التعيس وناكراً حقوق أم محمد وزوجة حسن أوبك السيدة سامية أخت البعثي المتغطرس الرفيق سامي والذي ينتهي به المشوار بقتله على يد الإحتلال بعد محاولته بنصب عبوة ناسفة لدبابات الامريكان، وهو أخ الشيوعي سمير المطارد، والذي يعيش في مملكة السويد، وقصة عودته الى العراق بعد الإحتلال والتداعيات التي واجهته .

في بدايات قراءتي للرواية تشدك أحداثها لتسلسلها الزماني وبناؤها الدرامي، إضافة الى الاسلوب والبناء واللغة الصافية والمعبرة عن تكوين أركان العمل وشخصياته ورؤاه المستقبلية بإعتباره شاعر وسياسي . أرتأيت أن أنشر هذا الانطباع الأول عن الرواية لغاية في نفسي لدراسة مستفيضة قادمة عن الشاعر والرواية والحدث !.

***

محمد السعدي

مالمو/ آذار ٢٠٢٤

 

بدعوة شَرف من المكتب الخاص للدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق ورئيس إئتلاف النصر، إلتئم بمنزله الكريم (70) كاتبا وأديبا ومثقفا وفنانا وناقدا وأكاديميا، ونَقل الدعوة لمجموعة (70)، الرجل  الإنسان الدكتور سلام الزبيدي، وقال، إنها جَلسَة أسبوعية مفتوحة، وتعقد بشكل دوري للنُخب المُجتمعية في العراق الحبيب، وكنت أحد ال (70) ..

و(إهتز قلبي) لكلمة الدكتور العبادي الترحيبية من فرط جمال الكلمات وعذوبتها، ومن فرط الموضوعية التي تحدث بها أمام مجموعة (70)، وملخصُها الثناء على الدور الكبير الذي يقوم به الكاتب والأديب والمُثقف والفنان والناقد والأكاديمي في دعم المُتغيرات والإصلاحات التي يشهدها العراق في جميع مناحي الحياة، و(حشى فوهة المدفع بالإطلاقة الصحيحة) حين أكد، أن أي بُنية للنظام السياسي لا يُمكنها الصمود من دون بُنية ثقافية، وغاص أكثر حين قال، أن الأدب يُمثل تأريخ ثقافة الشعوب كونه يُعزز الوعي بالهوية الوطنية ومواجهة التحديات الفكرية والإجتماعية التي يَمر بها العراق ..

وحديث الدكتور حيدر العبادي هذا صحيح مئة بالمئة حين قال: عندما نقول أن بُنيتنا ديمقراطية، فقَيم الحُرية والمسؤولية والعدالة هي البُنى الأساس لضمان كون النظام ديمقراطيا وعلى السِكة السليمة، ونشاطره الرأي حين ذهب بعيدا وهو يؤكد، أن هذه هي مُهمة الأديب الذي تقع عليه مسؤولية ذاتية، وأن يَخلص في تحمل المسؤولية كونه يقع عليه دورا مُهما في إصلاح المُجتمع والدولة ..

إستبدل (قلبي إهتزازه) ب (إهتزاز الجَسد) بأكمله، حين طرَّح بعض أركان مجموعة ال (70) المأساة التي يواجهها الكاتب والأديب والمُثقف والفنان والناقد بوصفهم الأداة المُهمة لإحداث التغيير الإجتماعي والسياسي، وعاد (قلبي) من جديد لِيشارك (إهتزاز الجَسد)، حين أتاح الدكتور حيدر العبادي فُرصة للنقاش المفتوح حول سُبل دعم المشهد الثقافي في العراق، بما في ذلك تحسين فُرص النشر لِلكتاب وتطوير منافذ الأدب والمساحات التي ينشط فيها، حتى (هاجم أصحاب النقاش)، الذي كان يُديره بعناية وحكمة شديدتين الزميل الأنيق سعد اللامي، على الدكتور العبادي بأراء وأفكار كانت مضامينها حزينة لكنها كانت موضوعية جدا، وكنت قريبا من التوقع من أن الدكتور العبادي سيمتعض لكن توقعي هذا لم يكن في محله، حينها تخلَّص (القلب) و(الجسد) من (الإهتزاز)، وصارا مُستقرين تماما حين راح الدكتور العبادي يزيح الحُزن والألم من (صدور المُهاجمين) وهو، يرد على نزالاتهم بموضوعية الفارس الشُجاع وحكمته في كيفية تخطي الصِعاب من خلال إيجاد الحلول المُناسبة لها، وتلك هي مواصفات الرجل  الإنسان الذي يُشجع على النقد الموضوعي، حتى صار مُقترحي الذي قدمَّته للدكتور العبادي يحظى بقبوله وقبول مجموعة ال (70)، ويقضي المُقترح هذا بتشكيل (مجلس لدعم الثقافة العراقية)، ويستهدف دعم الكاتب والأديب والمُثقف والفنان والناقد، وتبني نتاجاتهم الفكرية كونهم الأكثر تأثيرا في إحداث التغيير الإجتماعي والسياسي الموضوعي بحسب الدكتور العبادي، والهادف إلى تحقيق المصلحة العامة، وتعزيز المسار الديمقراطي من خلال وضع الإستراتيجيات وخطط تطوير الأداء، وتقديم الأفكار الإبداعية، وتفعيل التواصل والعلاقات بين بين الجهات المعنية، والإسهام بطرح مُبادرات مُنظمة في مجالات الأدب والثقافة والفن المُشتركة بما يخدم العراق، وذلك هو الهجوم الموضوعي الذي بدأه صانع الحياة الأديب الأريب شوقي كريم، وخَرَج منه سالما وهو، يتلقى ثناء الدكتور العبادي وشُكره وتقديره له على موضوعية طرحه ..

يومها تذكرت (الطركاعة) (إللي طاحت) على شوقي كريم حين كان قد هاجم (صدام) في عقر قصره مُنتقدا بذات الموضوعية، وقادته من (القصر الجمهوري) هذا، المُستبدل بمقترح صهيوني منذ اليوم الأول من أيام الإحتلال الأمريكي للعراق ب (المنطقة الخضراء)، إلى السِجن ليقضي فيه بضعة من سنوات الشباب، وتذكرت يومها (جماعة تضاد) التي أسست في زمن النظام السابق، وكان شوقي كريم أحد أركانها ..

وفي الختام أسال، هل تكون مجموعة ال (70) صنوا او بديلا ل (جماعة تضاد)، مع ملاحظة أن هذا السؤال قد يُؤوقنا ويربكنا، وقد يجعلنا نستعظم، نحن شريحة الأدباء، حجم المُهمة الفلسفية الموضوعية  العسيرة المُلقاة على عاتقنا في إحداث التغيير الديمقراطي ووضعه في الإتجاه الصحيح بدلا من (التغليس السياسي) القائم منذ (23) عاما، وما زالت أركان (التغليس) تتصايح (أشتردون بعد طمينة الدكتاتورية .. وجبنالكم الديمقراطية) ..

وفي هذا السِياق كان ذلك (التغليس) أحد أسباب مُهاجمة المجتمع للنظام الديمقراطي القائم، والسعي لمحاكمته كما لو أن البعض ينصبون أعواد المشانق من دون محاكمة موضوعية، ولم يعوا أن (الموضوعية) ونقودها هي عكس (الأنا  الذات) مُتناسين أن (الموضوعية) هذه مُعززة للوعي المُجتمعي، وإن التخلي عنها، وعن الفكرة، تبتعد عن الإدراك الحسي لفهم حقيقة ما يجري من حولنا وما يدور في الفلك السياسي ..

اِن ظاهرة تكريم المبدعين وذكر خصالهم الحميدة بعد موتهم لم تكن حكراً على الثقافة العربية، إنما هي عقلية عربية، فالموت عند الإنسان في الثقافة العربية يرتبط بالكمال، وعليه أعتقد أن هذه الامتدادات التراثية أثرت على السلوك الثقافي وهو أننا لا نحتفي بالتجارب إلا إذا مات صاحبها، وهذا الأمر يجب تجاوزه من خلال إعادة علاقتنا

يتعرض الكثير من المبدعين ممن قدّموا خدمات جليلة لأوطانهم للإهمال والنسيان وبخاصة في أواخر أعمارهم، فيعيشون الفاقة والفقر أحياناً، أو المرض في أحيانٍ أخرى وكأنهم نسيٌ منسي، بعد أن ذبلت سنيّ أعمارهم على طريق خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم

سمعنا خلال السنوات الماضية  الكثير من القصص لمبدعين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام، بل إن بعضهم لم يجد ما يسد رمقه أو علاج مرضه، ولم تلتفت لهم المؤسسات الثقافية العربية أو المسؤولين، وهذا يشكل نكراناً لجهودهم وخدماتهم.

يقول أحد الكُتّاب: “نحن نجوّع الرموز والكتاب والشعراء حتى نقتلهم جوعاً وغبناً، ثم نحتفي بهم بعد موتهم ونضع صورهم على العملات ونسمي الشوارع بأسمائهم، ونقيم المهرجانات التي تصرف عليها الملايين وتستفيد منها فئة معينة”، وعلى الأغلب لا يتم ذكرهم أو تكريمهم والاحتفاء بهم، إلا بعد موتهم، وهو ما سماه بعض الكُتّاب ب (التكريم القاسي) أو التكريم (بعد فوات الأوان)، وكان رحيل هؤلاء المبدعين منبهاً أو صحوةً أعادت لنا وعينا فاكتشفناهم ولم نكن نفطن لوجودهم بيننا، أو كنا نتجاهلهم، بل هم مبدعون لهم آثارهم التي عُرِفوا من خلالها.

وفي مكان آخر يقول كاتب آخر: “كلمة مديحٍ لي وأنا على قيد الحياة خيرٌ من ألف كتابٍ يُكتب بعد موتي، ولكن للأسف يكرّم المبدع بعد موته فأين نحن منه في حياته”. وكأننا في حالٍ كهذا نقول له: أيها المبدع العربي الكبير، إننا ننتظر موتك لنقوم بتكريمك والاحتفاء بك، ولكنك ستبقى مهملاً لا أحد يهتم بك وأنت حي، وكأني بلسان حال الفقيد يقول:

لأعرفنك بعد الموت تندبني

في حياتي ما زودتني زادي

*

فإن حييت فلا أحسبك في وطني

وإن مرضت فلا أحسبك عوادي

إن تكريم المبدع العربي في حياته يرفع من شأنه أمام مجتمعٍ يعرف به أبناء وطنه أكثر فأكثر ويزداد إبداعاً، والمبدعون في جميع المجالات بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، يمثل التكريم بالنسبة لهم اعترافاً من المجتمع بإبداعاتهم، والاهتمام بالمبدعين في حياتهم يعطي صورة عن احترام الأمة ثروتها البشرية واعتزازها بحاضرها من أجل بناء مستقبلها، كما أنه يمثل صورةً إيجابيةً للأجيال اللاحقة لتشجيعهم على الإبداع والتميّز، أما إهمال هذه الفئة فإنه يمثّل تجاهلاً للجهد الذي قدّموه وعدم الوفاء لتاريخهم الإبداعي وسنوات عمرهم التي أفنوها في سبيل خدمة وطنهم العربي ومجتمعاتهم.

د. رحيم هادي الشمخي

تكريم المبدعين ظاهرة ثقافية وسلوك حضاري في حياة أي مجتمع كونه يحفز ويحافظ على التوازن الفكري والنفسي للنخب المثقفة من شعراء وأدباء وفنانين تشكيليين، غير أنه وبحسب ما تمليه ذهنيات تأبى التغيير ولا تريد تخطي أشياء ما عادت نافعة ولا لائقة سواء لشريحة المبدعين أو للحراك الثقافي ككل، وهي متفشية في الوطن العربي، لا يعترف بالمثقف والمبدع إلا إذا تمدد في قبره وتأكد أنه لن ينهض أبداً... عندها يفزع الكل ويجري أولو الأمر من مسؤولين وقائمين على الشأن الثقافي لإقامة احتفاليات التكريم وتنظيم الملتقيات والندوات على شرف رحيل المبدع، فكأنما يعربون عن فرحتهم بمغادرته الحياة وتخلصهم منه...

وإن كنا لا نعارض تكريم المثقفين الراحلين لما يحمله من عرفان لأعمالهم وما أضافوه للحقل الثقافي والمعرفي، فإننا نتساءل مع جل المثقفين والمبدعين: متى نقلع ونكف عن هكذا حرمان وتنكر وتجاهل للمثقف فقط لأنه موصوم بالحياة ويعاني من شبهة الحاضر ونجري لتبجيله والاحتفاء به فقط لأننا تأكدنا أنه ما عاد هنا... مات وغاب عن الوجود؟

لقد سمعنا خلال السنوات الماضية  الكثير من القصص لمبدعين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام، بل إن بعضهم لم يجد ما يسد رمقه أو علاج مرضه، ولم تلتفت لهم المؤسسات الثقافية العربية أو المسؤولين، وهذا يشكل نكراناً لجهودهم وخدماتهم.

وللأسف الشديد فالرموز والكتاب والشعراء نقتلهم جوعاً وغبناً، ثم نحتفي بهم بعد موتهم، نسمي الشوارع بأسمائهم، ونقيم المهرجانات التي تصرف عليها الملايين وتستفيد منها فئة معينة، وعلى الأغلب لا يتم ذكرهم أو تكريمهم والاحتفاء بهم، إلا بعد موتهم، وهو ما سماه بعض الكُتّاب ب (التكريم القاسي) أو التكريم (بعد فوات الأوان)، وكان رحيل هؤلاء المبدعين منبهاً أو صحوة أعادت لنا وعينا فاكتشفناهم ولم نكن نفطن لوجودهم بيننا، أو كنا نتجاهلهم، بل هم مبدعون لهم آثارهم التي عُرِفوا من خلالها. وكأننا في حالٍ كهذا نقول لهم: أيها المبدعون العرب الكبار، إننا ننتظر موتكم لنقوم بتكريمكم والاحتفاء بكم، ولكنكم ستبقون مهملين لا أحد يهتم بكم وأنتم أحياء.

اِن ظاهرة تكريم المبدعين وذكر خصالهم الحميدة بعد موتهم لم تكن حكراً على الثقافة العربية، إنما هي عقلية عربية، فالموت عند الإنسان في الثقافة العربية يرتبط بالكمال، وعليه أعتقد أن هذه الامتدادات التراثية أثرت على السلوك الثقافي وهو أننا لا نحتفي بالتجارب إلا إذا مات صاحبها، وهذا الأمر يجب تجاوزه من خلال إعادة علاقتنا بالحياة إلى مجراها الطبيعي وأن نكون أبناء الحياة وإذا جاء الموت كنا أبناء الآخرة، أما أن نكون أبناء الموت قبل أن يأتي ونكون سفراؤه بالحياة وهو لم يكلفنا بذلك أمر غريب وبشع، بالمقابل لا يمكن أن نقول عن التكريم سوى أنه تقليد طيب مهما كانت نوايا القائمين عليه لأنه يدخل في ثقافة الاعتراف وعليه لابد من تكريسه في مشهدنا الثقافي والسياسي والاجتماعي والإعلامي، علينا أن تكون لنا الجرأة وأن نعترف بالتجارب الجيدة والجادة مهما كانت حتى وإن لم توافق مزاجنا الفكري، وعلينا أن نعترف بالجيد حتى نخلق نوعاً من التراكم والإمداد والتواصل.

ولا يختلف كثيراً عما يحصل حالياً مع بعض المبدعين وأصحاب الفكر، والذين يعمون أعينهم تحت وطأة ضوء خافت لتأليف كتاب تاريخي وثائقي مهم أو للكتابة عن أديب يستحق الوقوف عنده، وتفنى عظامهم على بسط يتيمة ترسم نقوشها على أجسادهم ثم يموتون عليها ويدفنون تحتها دون أن يدري أحد بهم أو يعيرهم أدنى اهتمام.

وفي ظاهرة غريبة نسمع أن فنانين ومبدعين عرب كرموا في الخارج بدول عربية وأوربية بينما يقومون بدور مزمار الحي الذي لا يطرب ببلدهم... و إذا أتينا لمعاناة الأدباء والكتاب نرى المشكلة أكثر تعقيداً وأشد إيلاماً، فربما تكون مقولة أن القارئ هو من يمنح الكاتب انتشاره صحيحة، حينما يتم الترويج لهذا الكاتب بالشكل الذي يستحقه. أمّا حجة أن شعبنا العربي لا يقرأ في زمن تغلبت فيه الصورة على الكتابة ليست دقيقة، بل إن صحوة ثقافية تسود مجتمعنا بعد ابتذال الصورة وعدم تعبيرها. كما لن نقول إن الأدب الأصيل اللافت للانتباه ذهب مع الريح، بل يجب أن نسأل كيف لأديب يفترش البساط ويلتحف السماء أو السقف القرميدي أن يحقق انتشاراً لرواياته ويوزعها بآلاف النسخ وبتكلفة باهظة حتى يُعرف، وهنا تبرز مسؤولية الحكومات العربية وغيرها في البحث عن المبدعين، وتكريمهم بتحويل كتاباتهم إلى أعمال سينمائية ودرامية تلفزيونية.

اِن التراجع والانحسار الذي حدث على المستوى الثقافي العربي، جعل المثقف في حالة يرثى لها، نحن مصابون بالانكسار، كل ما في واقعنا يسيطر عليه أشباه المثقفين الذين يتيوؤون مناصب في مجالات مختلفة في هذه الحياة لا سيما في مجال الإبداع الثقافي، المثقف عندما يصاب بالترف الفكري أي يصبح لديه كماً معرفياً وحشداً للمعلومات في مخيلته وهذا الترف يستخدمه للممارسة اليومية للتعبير عن هموم شعبه وعن محيطه، وإن لم يستطع أن يعبر عن ذلك فهو يمتلك آلة تعطيل الحركة والتفاعل والحيوية والتواصل ويمتلك من القدرات، آلة التآمر لجعل المثقفين الحقيقيين في موقع هامشي، لأنه يخشاهم وهو يعرف أنهم الأحق بمنصبه وأنهم الحق في أن يتبوؤوا المكانة التي يستحقونها في وجدان الأمة، حين نقول إننا متخلفون فهذا ليس وصفاً شعرياً، إنما نمط علاقة الناس فيما بينهم لأننا لسنا منفتحين على العالم وعلى ذواتنا، وحين نتكلم عن الأمراض والأوبئة التي تعشش بدواخلنا فإني لا أحمّل الناس مسؤولية ذلك إنما أحمّل الأزمة الشاملة التي تمر منها الأمة العربية، ولهذا أقول إن التكريم الذي يأتي بعد الموت يعتبر انتقاصاً من قيمة المبدع، ولا يقدم هذا التكريم أي إضافة للمكرم الراحل، لأنه في حكم الغائب ولا يرى ولا يحس بطعم ولذة تكريمه لا من بعيد ولا من قريب.

فالمبدع إجمالاً يعيش حالة انهزام مستمرة وحنين دائم إلى وطنه وإلى حالة مجتمعه، فهو يحتاج إلى مساعدة ومساندة الآخرين له، وحالة المبدع في الوطن العربي تنذر بالخطر إذ هناك من لا يتوفر على على قوت يومه ويستدين أموالاً حتى يتمكن من الاستمرار في هذه الحياة، وهناك الكثير من الحالات التي تعاني من ضيق العيش وتحيى حياة الضنك والفقر، رغم أن المبدع يفرط في صحته ويستهلك طاقته ويتآكل داخلياً، كل ذلك في سبيل إنتاج مادة فكرية تستعمل كمرجع يستمد منه حلولاً لتساؤلات تطرحها التنمية البشرية والاقتصادية…

في محاولة منه لتبيان أننا لا يجب أن نحيل واجب التكريم والجزاء إلى اللاهوت، بل يجب أن نبدأه نحن. وأنا أقول: (ما أجمل أن ينال العظام الخلود الذاتي قبل موتهم أيضاً، وحينها لا بأس من الأسف عليهم بعد وفاتهم لا بسبب تقصيرنا نحوهم بل لفقدانهم فحسب).

عندما اشتد المرض على الدكتور علي الوردي وبعد أن تجاوز الثمانين من عمره أرسلت له دعوة لتكريمه في أحد النوادي الأدبية أو الثقافية -وهو المؤرخ وعالم الاجتماع العراقي المعروف- فاعتذر بهذا البيت «لأبي فراس الحمداني»:

أَتَت وَحياض المَوت بَيني وَبَينَها

وَجادَت بِوصل حَيث لا يَنفَع الوَصل!

نعم يا وطن.. فلا بعد الموت تكريم، ولا بعد المرض عرفان، وسيكون من اللائق جداً أن يكرم المفكر والعالم والمبدع ورجل الدولة في أوج عطائهم كمحرك لتطور الوطن بتطور مبدعيه وتحفيزهم ودفعهم إلى الأمام، فاجعلوا التكريم مرتبطاً بالحياة لا بالموت.

أعلان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ، توقيع محضر عقد مع شركة مصرية لتشييد مدينة "علي الوردي" السكنية الجديدة، جنوب شرقي بغداد، وفيما وصف المشروع بأنه "الأكبر" بين مشاريع المدن الخمس,, واطلاق اسم الفنان الكبير فائق حسن على المجسر الجديد ببغداد فعل من أفعال التخليد , تحسب لصالح حكومة السيد السوداني،كذلك قامت الحكومة المحلية في البصرة بإطلاق اسم الاديبين محمد خضير وكاظم الحجاج، على شارعين في المدينة، ولا يقع تمثال الشاعر موفق محمد في بابل خارج التفكير العملي هذا، الذي يقضي ببعث الروح الوطنية، عبر قناة الثقافة في ضمير الشعب التي مزقتها الاديان والمذاهب والطوائف والحروب بالنيابة وغيرها

يفرحنا جداً حين يكون قادتنا بهذا الوفاء , ويؤسفنا جداحين لم يبادر أي مسؤول في الدولة ولا الوزير المعني طيلة السنوات الماضية لجعل تكريم المبدعين في مجالاتهم من أولويات سياستنا الداخلية فلطالما سمعنا عن تكريم فلان بعد وفاته، وهذا لا يتفق إطلاقاً ومبدأ الوفاء والعرفان لمبدعينا من أدباء وشعراء ومفكرين وموظفين في كل القطاعات، فأتساءل دائماً لماذا لا يتم تكريم المبدعين وهم أحياء؛ بل وفي عز عطائهم وليس بعد أن يبلغوا من العمر عتيا. حتى أصبح لسان حال البعض أن لا يأتي ذلك اليوم الذي أُكرم فيه لارتباط هذا اليوم بالموت أو أرذل العمر في أحسن الأحوال وكأن المرض أو الموت يوقظنا من غفلتنا عن تقدير هؤلاء والاعتراف بعطائهم,, لقد صدق أوغست كونت حينما قال: (الرجال العظام ينالون الخلود الذاتي بعد موتهم عن طريق تكريم الأجيال المتلاحقة لهم) إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟ أما التكريم ما بعد الموت فإنه وفاءٌ متأخر, لذلك نرى أنه من الضروري من القائمين على الهيآت الثقافية والفنية في العراق , وربما, الوطن العربي أن يهتدوا إلى تكريم المبدعين قبل أن تغلق جفونهم ويغادرون عالم الأحياء ويلتحقون بعالم الأموات لأنه حينها لا يجديه التكريم نفعاً ولا ضراً، فالتكريم بالنسبة للمبدع وهو حي يزيد من قيمته ويضاعف أعماله وطاقته مما يمكنه من مواصلة إنتاجه وعطائه. فمن المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه, من المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه, إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟

تختلف الشعوب على الزعامات السياسية، وتزداد نسب الحب والكراهية بين شخصية وأخرى، وبين نقطتي اليمين واليسار يتأرجح كثيرون، ممن اختلفوا على هذا وذاك، وهو امر طبيعي في السياسة، وفي الاقتصاد ربما، وباقي مفاصل الحياة المادية، لكنها لا تختلف على قيم الفن والجمال والشعر والموسيقى، فهذه أدوات محايدة، لا تؤثر فيها الميول ولا الاتجاهات، ورأينا خلود امرئ القيس والمتنبي والجاحظ وناظم الغزالي ومائدة نزهت ووو في ضمائرنا، ولم تنل من بريق اسمائهم وافعالهم تقاطعات الحياة، ولا بنادق المحتربين. كان وزير المستعمرات البريطاني يقول:" بأن حكومة جلالة الملكة اليزابث فخورة بانها تصدر الى العالم أرقى المكائن والمعدات ومعها شكسبير".

ربما يرى البعض بأننا لم نخلق في ثقافتنا وأدبنا من الاسماء الى ما يرقى الى الافعال تلك، وأنَّ ثقافتنا عاجزة عن استيعاب مثل هكذا تسميات في شوارعنا وساحاتنا العامة، وهو قول مردود، لا قيمة له، ذلك لأننا لم نسوّق مثقفينا كما يجب، وأنَّ أسماءهم واعمالهم تم تجاهلها بفعل ممنهج وقصدي، لصالح كل ما هو ديني وطائفي ومذهبي ومحترب في حياتنا، إذْ لم تأخذ الاسماء التي فرضتها على أعيننا بعضُ الجهات أهميتها وشيوعها من كونها فاعلة، ومؤثرة في الحياة، لكنَّ الاصرار على وجودها هناك هو الذي منحها حق الشيوع والتسيد. هناك العشرات والمئات من الصور التي تصادفنا يومياً ولا نعرف تواريخ ومنجزات أصحابها، ولم نقف على شيئٍ عن أعمالهم، لكنها لم تكن لتوجد وتكتسب شرعية وجودها خارج الرافعات الدينية والطائفية التي تقف وراءها.

نعلم أن وجود أمثال هؤلاء هو وجود آني، مرهون بوجود القبضة الحديدية التي تفرضهم، وأنَّ البقاء للأصلح، كما تقول القاعدة الحياتية، إلا أنَّ ذلك يضرُّ بمصلحة البلاد، ويبقي على الكراهية والبغضاء في النفوس، لأننا مجتمع متعدد الطوائف، ومختلف المشارب والاهواء، وعدد الذين ينشدون الحياة فيه يفوق عدد الذين مازالوا يرددون نشيد الموت، وسنن الوجود ترجّح كفّة الصفح والعفو والعيش الآمن المشترك. ذات يوم ستنتهي الحاجة الى أمثال هؤلاء، فلماذا نضع العصيَّ بعجلة التحول والتطور الانساني والمديني، لماذا لا نقدم رموزنا التي لا يختلف عليها أحد، بدلاً عن الرموز المختلف عليها عقائديا وطائفيا؟

لا يستجيب الجنديُّ السنيُّ لنداء من يقول: دافعوا عن وطن جعفر الصادق، ومثله لن يستجيب الجندي الشيعي إذا سمع نداء يقول: دافعوا عن وطن ابي حنيفة، لكنهم سيدافعون مشتركين، ومن خندق واحد إذا سمعوا نداء يقول دافعوا عن العراق! لم نسأل ونحن طلاباً عن هوية الاب الكرملي ومعروف الرصافي والزهاوي و الكاظمي والجواهري والسياب ونازك الملائكة... ممن صنعوا ثقافتنا والجانب المشرق من هويتنا، ولولا النبش القميء الذي قام به زعماء حروب الطوائف لما عرفنا عن معتقداتهم شيئاً. في المدن التي نزورها نقرأ اسماء ادبائها وموسيقييها وفنانيها في لوحات التعريف بالشوارع والساحات، فكانت مدعاة لنا للبحث عن نتاجهم في مشغل الجوكل، وكثيرا ما نقع على الجميل والعظيم من كتبهم ومؤلفاتهم، ترى على ماذا سيقع المتصفح العراقي إن بحث عن عشرات الصور المعلقة في شوارعنا اليوم؟

***

نهاد الحديثي

 

لمناسبة عيد المعلم  في الأول من آذار.. يتطلب الامر منا جميعا دعم المعلم اجتماعياً.. ومؤازرته معنوياً.. وعدم الحط من شأنه، والإشادة بدوره في محافلنا الاجتماعية، والاعلامية،وذلك بقصد تمكينه من القيام بواجبه التعليمي بحس مسؤول، وأداء رسالته التعليمية والتربوية على أفضل وجه ممكن.. اذ ان التهكم  والتقليل من شأن المعلم، والذي نراه شائعا بيننا اليوم للأسف الشديد.. يمس هيبة المعلم، وينال من مكانته في المجتمع.. وفي الوسط الطلابي معا، حتى بات المعلم يشعر بدونية موقعه، عندما يحضر في أي مناسبة.

ومعروف للجميع ان مهنة التعليم انبل مهنة.. وخاصة في ثقافتنا العربية الإسلامية.. فقد احتل المعلم في تراثنا مكانة  مرموقة، سواء في المجتمع، او في أوساط الطلبة، حيث ورد في الأثر (من علمني حرفاً ملكني عبدا)، واستمرت مكانة المعلم برفعتها العلمية، ورمزيتها الإجتماعية، حتى فترة متأخرة من العصر الحديث، حيث قال الشاعر  في ذلك:

قـــــم للمعلـــم وفه التبجيـــــلا

كاد المعلم ان يكون رسولا

*

اعلمت افضل او اجل من الذي

يبني وينشئ انفسا وعقولا

ولا غرابة في ذلك، فالمعلم مربي الاجيال الذين سيكونون قادة المستقبل.. من المهندسين، والاطباء،والعلماء، والموظفين.. ومن هنا فلسنا بحاجة للإشارة إلى مكانة المعلم العالية، وحجم الامتيازات الكبيرة التي يحصل عليها في في الدول المتقدمة، وفي بعض نمور دول جنوب شرق آسيا، التي حذت حذوهم. فقد انتبهوا إلى اهمية دور المعلم في العملية التعليمية، وكيف ان الإرتقاء بمكانته، وتعظيم امتيازته، ينعكس إيجابيا على مخرجات العملية التعليمية بشكل مباشر، وذلك من خلال تحفيزه مادياً ومعنوياً للانشداد للعملية التربوية، والتواصل الصميمي الحي مع طلابه، مع توفر المتطلبات الأخرى من المناهج المتطورة، والأسرة الواعية، والمجتمع المتنور، وهو ما يفسر نجاحه بتخريج دفعات من الطلاب، متمكنة علميا، ومؤهلة تربويا، لتأخذ دورها الفعال في تنمية البلد.

وفي كل الأحوال، يبقى المعلم بشرا، يخطئ مرة ويصيب،شأنه شأن أي إنسان آخر، ومن ثم فإنه إذا كان هناك قلة مقصرة من المعلمين المتلكئين في أداء واجبهم التعليمي، والتربوي، فإنه لا يصح أبدا تعميم التهكم على كل المعلمين والمعلمات.

***

بقلم نايف عبوش

في مداخلة إبداعية له تعقيبا على مضمون نص منشور لي في موقع التواصل الإجتماعي، مفاده (عندما يولد النص من رحم معاناة الكاتب.. فإنه غالباً ما يأتي إبداعيا.. ومكتضا بالدلالات والصور التعبيرية.. التي تعكس إرهاصات حس اللحظة..)، علق الكاتب التراثي محمد اليونس، وهو يخاطبني قائلا ..

ماذا عساي أن اقول.. نايف عبوش.. وانت تنفخ في اوراق الذكريات.. لتحيل صفارها للون البهجة والحياة، وكانها ولدت من رحم ربيع ابداعك......

 ايها العاشق للجمال، ايها المحب، ايها المملوء حنينا حد الثمالة وانت تمسك بتلابيب اعوام تلاشت.. وتعتلي  صهوة الوقت بعينين ترقبان خطو طريق قد يحمل ريح اهلنا بعد فرط انتظار..

(طوب) الشخاط.. من أساسيات الصوغة والكاره  في ايدي جدتي وگبل عالكندور  تا مايسترطب بعد اخراج مفتاحه الاسطواني وبدون أن تنزعه من جيدها.. بحركة رشيقة وظهرها علينا..تضع (شخاطة) في طية عصابتها..والأخرى لچنتها الخبازة...حطيها (بالطاگة) العالية (بچادينة) التنور تا مايصلونها الجهال....!!

والثالثة لعمي (شراب تتن) مايتوزدلو...ريحة الچبريت تخترق خياشيمنا، وكأنه عطر تيروز.....

انوفنا لم تعتد سوى رائحة المسچ والجويفة من (خرج البگال) شمعون....

وحشوة كبة عليه الإعمير في اخر الزقاق..و ريحة دهن الحر عند الختياره عمشه العاشور في الحارة البعيدة..

وريحة الجيل و(عريف الديج) والذي نشم عبقه بمواعين النحاس والفافون..

ذاك هو عالمي، وبواكير صباي..والذي ران عليه الخمول..

لأشحن وجداني بداينمو الحنين...لأعوام حفرت أخدودا في حنايا الروح.

 هكذا إذن يولد النص الإبداعي في اللحظة..  كما انثال حسا مرهفا في مخيال الكاتب التراثي الزاخر محمد اليونس.. مغمسا بكل عبق محكيات مفردات حياة ريف الديرة أيام الزمن  الجميل، التي أبدع في توظيفها ببلاغة، سواء جاءت بالمعايشة، او بالمعاناة، أو بالموهبة المتوهجة.. فسلمت اناملك الاديب المبدع محمد اليونس،  ودام قلمك سيالا بالابداع..

***

نايف عبوش

حين تزدحم الأفكار في رأسك دون أن تجد لحظة لتوقفها ودون أن تنتهي بهذا التفكير الى رؤية واضحة. وعندما تتوالى الأحداث في أيامك وتكثر الحكايات والمواقف  من حولك ولا تجد  سلطة لوقفها أو تغييرها أو حتى لفهمها ..

تذكر قول شوبنهاور :"التغيير هو وحده الابدي الدائم".

احيانا يكون أعظم انجازاتنا ان نقبل ونتقبل ونستقبل ونتوقف عن الاعتراض والرفض.

احيانا تكون أروع قراراتنا ان ندع الامور تسير كما تريد ونمتنع عن المواجهة.

احيانا كثيرة تكون أهم اختياراتنا ان نختار السلام لانفسنا المرهقة ونختار ان تغير نحن ردة فعلنا تجاه الأحداث...يقول ايكهارت تول في كتابته قوة الآن: .."ما الحقيقة التي تقاومها ؟ انك تجعل اللحظة الحاظرة عدوا لك .انك تخلق التعاسة, الصراع بين دواخلك وخوارجك.ان تعاستك لاتلوث فقط وجودك الروحي بل كل هؤلاء من حولك...."

اذا عندما يصيبك هذا الدوار لا تفزع ولا تسمح له  أن يلفك بالتيه أويسافر بك الى البعيد في مجاهل الاحزان والمخاوف ..

لا تستسلم للأفكار السوداء لا تخفض رأسك وتتبعها في خضوع العاجز ..

لا تفعل!

أرجوك لا تفعل.

تذكر أنك محور هذا الكون وتذكر فقط  انك كائن من إرادة حرة،  وعليك أن تنقذ نفسك!

في هذه اللحظات العصيبة دع كل الأفكار تمر كأنها فلم شاهدته ولا تمثلك احداثه، تاملها تمر أمامك في هدوء وراقب شعورك، لا تهرب منه.

 مشاعرك تلك هي  كنزك الثمين هي أهم ما يعنيك عشها بكل مافيها من تدفق وبكل ما فيك من قوة، ولا تهرب منها .

توقف عن التفكير تماما، وخذ ورقة وقلم، وافرغ كل مشاعرك هناك أطلق العنان لقلمك دعه هو يفك طلاسم روحك وافسح له كل المجالات المتاحة ليترجم ما في قلبك وروحك بكل صدق و بكل حرية وبكل عفوية وتلقائية ممكنة...

ما عليك سوى أن ترخي اللجام وتستمتع بالصهيل ...

صب كل ما في أعماقك في براح الصفحات ..

دع قلبك يطلق جنونه هناك ولتخرج كل الشياطين دفعة واحدة ولتكسر روحك كل قيودها دفعة واحدة...

و متى فرغت من كل هذا..

إن تمكنت من فعله أو حتى وان عجزت ،حتى وان كان كل ما استطعت القيام به هو خط خطوط غير مفهومة أو غير متانسقة وان رسمت دوائر ومربعات وخطوط متداخلة متشابكة حتى وإن تلخص كل الموضوع عندك في نوبة من جنون وصراخ  إو بكاء.حتى وإن مزقت الورقة..

لا بأس! ذاك ما كنا نبغي، إنفجار البركان هو غايتنا،  لابد أن تسمح له بلفض كل حممه بطريقة ما..ذلك هو المهم!

إن فرغت من هذا فاجلس جلسة مريحة تلامس فيها الأرض.

 أو  إن أردت إن تمدد جسمك بشكل مريح .فارجوك استرخي، خذ نفسا عميقا وتخيل  أنك تشبع روحك بكل إحلامك الجميلة ..

كل الهواء الذي يدخل رئتيك هو محمل بكل أمنياتك الصغيرة ..دعه يقوم بعملية تنظيف لكيانك من كل الآلام ..

تخيله يمسك بكل لحظة آلم ويفتتها ..ومكان كل دمعة يغرس جزءا من حلم ...

ثم تخيله كما يدور الإعصار ويقتلع كل ما يعترضه تخيله يجتث اوجاعك ...

انفثه الآن خارجا وبعيدا جدا. وفي زفيرك فلتغادرك كل اشباح الماضي ...اغرقها في أعماق البحار هناك في إقصى الأقاصي ...

اعد الكرة  مرة واثنتين وثلاثة .

خذ نفسا عميقا واجعل كل ذرة هواء تدخل جسدك تكون محملة بكل افراحك الخاصة و كل الأمنيات و الأحلام اللذيذة. تخيلها بذورا  وشتلات تنغرس مكان كل تلك الأشواك التي كانت تنخز روحك.

عندما تكمل هذه الانفاس ...

أطوي صفحة الألم ومزقها وانفثها تتطاير مع الرياح البعيدة وقد أخذت معها آخر ذرات الوجع بلا رجعة..

الآن فلنجلس نرسم هدفا واضحا نحو النجاح نحو التقدم الى الامام نحو تحقيق الأحلام وتجسيد الشغف انظر الى أحب الأمور التي تسعد قلبك وأبعد الأمنيات التي طالما راودتك وخط إليها طريقا من إيمان بأن الله لن يخيبك...

حاول الآن  ان تترصد صورة أقرب الأشخاص الى قلبك...

من تراه قبلك كما أنت؟؟...

أحبك كما أنت ...!!

حاول ان تكون صادقا جدا مع نفسك ولا تفسح المجال لعقلك أن يفكر... نحن لا نريده أن يفكر!.

نحن نبحث عن تلك الصورة الاولى التي ستظهر أمامك في أقل من دقيقة، أول صورة مخزنة من دفق حب لامشروط..

حاول أن تكون منحازا جدا لذاتك لاتراعي أحدا ولا تجامل..

أنت الآن في لحظة غربلة صارمة وحازمة جدا..

اقطع كل روابطك الأيثرية بكل من اوجعك وفقط تمثل ذلك الذي كان هو الأصدق دائما وكان هو المتواجد ابدا..

ذاك الذي  كل ما أراده  هو أن تكون أنت كما أنت مرتاحا وسعيدا..

كان يدعمك دائما..

كل ما نريده الآن هو ان تجد داعما تتشبث به وتتخذه رفيقا..

يقول الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه:

إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك

وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَك

وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك

شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَك."

إن فعل الصديق أو الأخ الداعم للروح  كفعل النظارات المستقطبة للعين يقلل اجهادها ويخفف الانزعاج من الاضواء الساطعة ويحميها من وهــــــج الحياة..

الصديق الصدوق يوضح الرؤية ويمكن أن يعدل أو حتى أن يصحح المسار.

والمسار السوي هو الطريق الى الله..

ان لم تجد في حياتك احدا بهذه الصورة لا تجزع.واحمد الله انك استفقت.

. عندما تختلط الامور وتزدحم الافكار وتتوالى الاحداث فتضج الروح لا بد أن  تسأل نفسك من صديقي؟؟ من هم اخواني....؟؟ عندها ستعرف طريقك وستدرك أي السبل تسلك.

قلي من صديقك أقول لك من أنت..

هي تلك الرسالة الإلهية التي اقضت مضجعي منذ امد فشكرا لله الذي اهداني من يحميني من هذا الوهج...

ليس المهم أن تكون مع رفقة ما، أنما المهم ان تعرف من هي رفقتك!

ليس الخطر والخوف من أن تظل وحيدا٫أنما المصيبة الكبرى ان تسيء اختيار من ترافق!

وتذكر انك في الحقيقة لست وحدك ابدا لأن الذي خلقك هو محيط بك من كل جانب ان أنت اخترته رفيقا هو سيسوق اليك من يدلك إليه.

﴿وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا ۝٢٧ یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا ۝٢٨ لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا ۝٢٩﴾ [الفرقان ٢٧-٢٩]..

***

عواطف نصرلي - تونس

 

تضمُّ القراءةُ منافعَ كثيرةً، وتسدي للإنسان القارئ خدماتٍ متعددةً، بيد أن قراءاتي منذ سنوات علمتني لغة الصمت، واكتشفت أن في الصمت غطاءً للروح، وإخفاءً لجوهر النفس العميق؛ ولأن الكلام مرادف للكشف والتعري، لذلك وجدتني مع مر الأيام متوغلا أكثر في الصمت، ومبحرا في لججه الهادئة والمظلمة، حتى لكأني ولدت صموتا، وكاتما لأسرار نفسي.

أقرأ كتبا مختلفة من حيث جنسها ونوعها وموضوعها، لكنها تعمق في نفسي شيئا أساسا، وتدفعني إلى عيش حيوات الآخرين، والوقوف على لحظات ضعفهم وقوتهم، وتتعرى أنفسهم وعقولهم على الورق الأبيض أمام عيني، فآخذ نفسي في رحلة التنقل بين هذه السطور المستقيمة، وأرى الأسرار تنبلج من رحم الكلمات الخرساء، والأفكار تخرج من العقول شفافة عارية. أما عن نفسي، فإنها لا تتعلم إلا الصمت، ولا تتقن إلا التوغل في غياهبه المعتمة، وهكذا، أسيج نفسي، وأفكاري، وحياتي كلها بجبال شاهقة من الصمت والغموض، وأعود هذه النفس التواقة على الصمت؛ لأن في الصمت سترا وحكمة كما قيل.

يقول أحد الروائيين على لسان سارده إن الكلمات تعري الإنسان، وإن الصمت عن الكلام يجعل هذه النفس الإنسانية منكمشة على أسرارها. لكني أرى أن الصبر على الصمت لم يؤتَ لكل الناس، وأن ما يكابده المرء، وهو يخوض تجربة الصمت ويرتقي مدارجها ومراتبها، شيء عظيم ممزوج بالألم الممض، وبالشوق المتأجج إلى الأنس والبوح، وبالرغبة المستمرة في الكلام ومشاركة الهموم الثقال مع الآخرين. فلماذا يصرخ الإنسان صرخته الأولى بعد الولادة؟ لماذا يتعلم الصمت وهو جنين في بطن أمه، لكنه ما إن يفتح عينيه عن الحياة حتى يصرخ، ويطلع الآخرين على أنه موجود؟ فهل الصمت معناه الغياب واللاوجود، والكلام معناه الحضور والوجود؟ أنحن محتاجون إلى الكلام حتى نعرب عن وجودنا للآخرين؟

نتعلم الصمت قبل الكلام ونحن في بطون أمهاتنا، ولكننا ما إن نولد حتى نسعى سعيا حثيثا ومتواصلا إلى الكلام، إلى تعلم العيش مع الآخرين، إلى البوح لهم برغباتنا وأسرار أنفسنا.. لذلك، نعيد بناء ذواتنا وذوات غيرنا بالكلمات، ونعبر عن كينونتنا بهذه الكلمات؛ لأننا لا نوجد إلا باعتبارنا كلمات، ولا نبني تصوراتنا ومفاهيمنا إلا بالكلمات، ولا نتفاعل مع محيطنا إلا بها. أليس أمر الله تعالى إن أراد كينونة شيء أن يقول له "كن فيكون"؟ ألم يبدأ الإنجيل بالقول "في البدء كان الكلمة"؟

إن الكلمة سر الوجود و سيلته، وأصله ومبدؤه، لذلك نسعى دوما إلى تعلم هذه الكلمة، والقبض على معانيها الهاربة، والسيطرة عليها بحسبانها سلطة؛ إذ هي بداية المعرفة التي تعد سلطة، والسلطة بدون كلمة تفقد الحياة لتغدو سلطة جوفاء قائمة على القمع والقهر. هكذا، تولد السلطة من رحم الكلمة، وتولد، أيضا، من رحم الصمت؛ لأن للصمت سلطته الخاصة، والتي قد تكون أقوى من سلطة الكلام. فالغموض موطن الأسرار، والإنسان مولع بالغموض، بالبحث عن الأسرار التي تخفى عنه، ويطمح دوما إلى المعرفة التي تكون بهتك حجب الغموض وأسراره، لهذا يكتسب الإنسان المكلل بالصمت هالة وقداسة من نوع خاص، تجعله مهابا ومحط حيرة وقلق للآخرين؛ لأننا نخاف الغموض والأسرار، ولا نجد طمأنينتنا إلا في الأشياء العارية أمام أنظارنا.

يفقد الصمت سلطته وقداسته بفعل الكلام والكتابة، لذلك نكتب لأنا نريد أن ننقل أسرارنا بالأشكال الخرساء، وأن لا نجشم أنفسنا عناء الكلام مع الآخرين، وخوض حرب الغموض وسوء الفهم معهم، ومن ثم، تبقى الكتابة سبيلا للفرار من الصمت، والتخفيف من وطأته على النفس؛ لأن الصمت إن طال تضاءلت الكينونة في الوجود، وأضحت كتلة تتحرك في المحيط حركات عمياء.

لقد تعلمت الصمت واستهواني الغموض الذي يولده في نفوس الآخرين؛ لأني أرى في الصمت بداية للحكمة، والحكمة لن تكون إلا تربية للنفس على رياضة الصمت، والتدرج في مراتبه ومدارجه، لذلك ما فتئ المتصوفة ينبهون العارف إلى أهمية الصمت، وارتباطه بالكشف عن الأسرار الباطنية، هذه الأسرار التي تفيض بها نفس العارف بعدما تثمل الصمت، وتتقن لغته مستعينة بالعزلة والغياب، والفرار من الدنيا وملذاتها، من الفانين وصخبهم الذي ينزع الروح من صفائها المقدس، ويرمي بها في لجج الحياة الفانية.

***

محمد الورداشي

 

لمناسبة معرض العراق الدولي للكتاب

يمتاز العراقيون بأنهم يحبون الكتاب من يوم تعلموا القراءة، فهو بوصف البصري أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (الجليس الذي لا يُطريك "لا يمدحك"، والصديق الذي لا يُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لا يَسْتِريثُك، والجار الذي لا يَستبْطِيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق، ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب) ويضيف بان الكتاب يحيى القلب، ويقوّي القريحة، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة.. وعنه قال المتنبي (وخير جليس في الزمان كتاب).

وكنا (نحن جيل الكبار) في ستينيات القرن الماضي نلتقي بمقهى (البرازيلية) وكل واحد منا جاء وبيده كتاب. واكتشفنا مبكرا ان اكتشاف الكتابة تعد واحدةً من أهم الإنجازات الإنسانية عبر التاريخ بوصفها وسيلة للتعبير عن المشاعر الصريحة والمكبوتة التي تجعل القاريء يتوحّد بالكاتب. وان للكلمة المكتوبة وقع السحر على النفس الإنسانية؛ القادرة على التغلغل إلى الأعماق، وإبراز المواهب والقدرات، لاسيما الرواية والقصة والشعر التي تساعدعلى تطوير شخصية الإنسان، والنهوض به عقليا ونفسياً و وجوديا!.

وسيكولوجيا يعمل الكتاب على تغيير نظرة الإنسان الى الحياة والناس بشكل إيجابي، وتحفيز الخيال عبر جمل ستتشكل في دماغ القاريء كصور حيّة في النهاية لا ككلمات، ولطالما قال الناس:الرواية أجمل من الفيلم، لأنّهم يترجمون كلمات الكتب كلاً بشكل مختلف وأجمل وأكثر ابتكاراً، ويشاركون كاتب الموضوع في بناء المعنى وتكوينه.

ويؤكد كثيرون ان اغلاق الكتاب وفتح شاشات الأنترنت على الفيسبوك واخواته تفقد ثقافتنا وحضارتنا الشيء الكثير، ونفقد أيضا على المستوى الشخصي ما لا يُمكن تعويضه. فمواقع التواصل بصفحاتها اللانهائية التي تغرينا بالاستمرار بالتقليب فيها تُصبح ثُقبا أسودا يبتلع الساعات والأيام، ولا تمدنا بما يُساوي الوقت الذي نُضيعه عليها، فيما صُحبة كتاب جيد تجعل الوقت يمر أبطأ، وتفتح أفقا آخر بعيدا عن هنا والآن يجذبنا إليه و(نذوب) فيه. وحتى عندما نغلق الكتاب ونعود لتفاصيل الحياة، نبقى نحمل في داخلنا ذكريات وتجارب من عوالم أخرى بعيدة طافت فيها أرواحنا، وعشنا فيها زخما من حيوات موازية ننتمي لبعضها أكثر مما ننتمي لواقعنا المُعاش، وتجعلنا نتفق مع ما تنبأ به برادبوري في "فهرنهايت 451″، من أن الإنسانية ستفقد مرآتها العاكسة التي ترى من خلالها كل ما بها من عيوب وخطايا، ولن يبقى حينها سوى صور "سيلفي" برّاقة تُظهر كل قُبح جميل.

وهناك خطر آخر يهدد الكتاب يتمثل بالذكاء الاصطناعي، وهو تقنية تحاكي الذكاء البشري نجح في التشكيل والاعلام الى حد ما، الا انه لا يمكنه ان يبدع في نظم قصيدة تقترب من قصيدة للمتنبي، الجواهري، نازك، السياب.. .ولا يمكن ان يكتب رواية تقترب من اضعف رواية لنجيب محفوظ ، لأنه يفتقر الى الحساسية في التعبير عن المشاعر والتفاعل الأنساني مع الاحداث بشكل مباشر، كما يفتقد الى البصمة البشرية بكل ما تملكه من حيوية.

ورغم ان الشعب العراقي تعرض الى ما لم يتعرض له اي شعب في العالم المعاصر من كوارث وفواجع وفقدان احبة خلال الثلاثة والاربعين سنه الماضية ، فانه يشهد في كل عام اقامة معارض(تتصدرها مؤسسة المدى باقامة معرضين كل سنة) يتنافس فيها اصحاب دور النشر الذين يشكون الآن من ارتفاع اسعار الورق، وفي ذلك خطر يهدد الكتاب والكاتب والقاريء، ونتمنى على لجنة المعرض عقد ندوة لمعالجتها.

وخاتمة القول..

قد يختفي الكتاب في كل الدنيا بفعل الثورة المعلوماتية والذكاء الأصطناعي .. لكنه سيبقى في العراق!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

تعرفون اسمي ولا تعرفون قصتي، تعرفون ماذا فعلت ولا تعرفون الظروف التي مررت بها، فتوقفوا عن الحُكمُ عليٌّ وانشغلوا بأنفسكم. " ميشيل كومو"

بعد أربعة عقود من الزمن، وبعد اغتيال الأديب المصري/ يوسف السباعي بسبب اتفاقية السلام (كامب ديفيد) هل كان ضحية وبرِيئًا أَرْغمَ علي السفر مع الرئيس المصري {السادات} إلى رحلتة الي القدس بسبب رفض عربي للزيارة ...؟ هل يغفر له التاريخ بعد تطبيع معظم الدول العربية مع إسرائيل. وإسقاط تهمة الخيانة ..؟ أول أمس أخذني الحنين الي الماضي القريب ، وسافرت مع الذكريات، وأنا أمام شاطئ البحر المتوسط، الحنين إلى ذكريات غروب الشمس الدامي علي سطح البحر،، كان قدري أن

سافرت أكثر مما سافر الكثير،، وشاهدت أعظم المدن والبحار وقابلت حمقى يتصورون أنهم يوجهون العالم، ودخلت أغنى القصور وأفقر الأكواخ واستمعت إلى منطق الفلاسفة وهذيان العشاق وجربت النجاح والفشل، والحب والكراهية، والغنى والفقر، وعشت حياة مليئة بالتجربة والسفر والقراءة والتأمل، ولعبت مع الكبار،، لكنني أعترف بأنني لم أكتشف حتى الآن لغة البحر، رغم في بداية حياتي كان العمل علي مركب في البحر في قبرص،، في لحظة صفاء أمس علي شاطئ البحر المتوسط في مدينة( جمصة شمال دلتا مصر) جلست علي كورنيش شاطئ البحر أتأمل سطح البحر كان هَادِئًا كأنه طفل في نوم عميق، وفجأة تغير،رُوَيْدَا رُوَيْدَا ،وبدأ يقذف بموجاته وكانت نظراتي إلى البر الآخر إلى قبرص حيث" الزمان والمكان"،

والذكري وبداية تسعينيات القرن المنصرم، تهبط الطائرة ظهر يوم/ 15 يوليو عام 1990 م/ في مطار لارنكا،، وما أدراك ما لارنكا، فيها تحطمت وسالت دماء كتيبة من الصاعقة المصرية، بقيادة العميد/ نبيل شكري/ وعملية اغتيال الأديب والكاتب والعسكري يوسف السباعي فارس القلم، علي يد شاب / فلسطيني، للانه كان من ضمن الوفد المرافق مع السادات في رحلته الي القدس، كان "يوسف السباعي يمثل مصر في مؤتمر الدول الآفرو اسيوية في مدينة لارناكا في قبرص" الواقعه في الشطر اليوناني، تم إطلاق النار عليه أثناء اقامتة في الفندق ولقي مصرعه علي سلالم الفندق، انها جزيرة وكر الجواسيس او كما يطلق عليها جنة الجواسيس لكل حكاية علي ارضها الف قصة وقصة اطلق عليها الإغريق (جزيرة الحب والعشق) وهناك اسطورة اغريقية. تحكي عن هذا، وبعد حرب لبنان أصبحت جزيرة العشق الممنوع بالنسبة للبنانيين وبعض العرب، حيث الزواج المدني، بسبب قوانين الأحوال الشخصية، التي تمنع الزواج من طوائف أو ديانات أخرى، لذلك يطلق عليها جزيرة الحب والعشق الممنوع، وقفت على سلالم فندق الجريمة وتصفية يوسف. السباعي وعلي بعد أمتار جلست على شاطئ النخيل في لارنكا. أثناء الغروب أتذكر الفيلم السينمائي اذكريني لقصة يوسف السباعي، عن روايته بين الأطلال، والنهاية المأساوية، لشخصية الكاتب الذي تنبأ بالموت المفاجئ في الحقيقة كما كتب نهاية روايته أن تكون، نهايتة مأساوية في مصرعه في الحقيقة، إن الأحداث التي وقعت في مطار لارنكا. بين القوات المصرية والقبرصية كثير من شباب هذا الجيل لا يعرف عنها شَيْئًا. إن الأحداث التي جرت عقب عملية الاغتيال ومحاولة القبض علي الجاني، شابتها الرؤية من قرار منفرد من القيادة المصرية في عدم وجود رؤية واضحة للحادث  والتسرع في إرسال قوات مصرية وعدم التنسيق مع الجانب القبرصي، وعدم إرسال  إشارة للمطار بنزول قوات مسلحة مصرية اعتبرها القبارصة بسبب وضع الجزيرة الأمني من الشطر المتاخم من الجزء القبرصي التركي ، قوات معادية تهاجم المطار دارت معركة شرسة بين القوات المصرية والقبرصية راح ضحيتها أبرياء من الجانبين  وبعد سنوات تفرج قبرص عن المتهم. ويعيش طلِيقًا ولكن ما زالت قصص وروايات يوسف السباعي تعيش معنا كلما ذهبنا إلى البحر. أثناء الغروب ، رغم ذلك "لم تغيب شمس يوسف السباعي عن عالمنا العربي انه فارس القلم"، اتفقنا معه أو اختلفنا، في فكرة. السياسي، ما الذي يهمنا مثلًا كيف كان يعيش أكثر مما يهمنا نصوصه الإبداعية العظيمة، وكانت الصدفة في مساء أمس وأثناء البحث عن إحدى القنوات الإخبارية، توقفت عند قناة كانت تعرض، روائع يوسف السباعي/ وأجمل كلمات الحب في السينما المصرية عن رائعته بين الأطلال/ التي تم تجسيدها في عمل سينمائي عام 1959/ بطولة عماد حمدي والفنانة فاتن حمامة/ وفي ثمانينيات القرن الماضي تم إنتاج نفس الفيلم/ بطولة محمود ياسين ونجلاء فتحي بنفس القصة،،

أجمل كلمات الحب في الأفلام بين/ محمود ياسين ونجلاء/ محبوبته ، في الوقت نفسه وهم يرددان الكلمات نفسها وهما ينظران إلى قرص الشمس وقت الغروب إن قرص الشمس الدامي بكلماته، الرائعه حين يرددان مَعًا

أنت يا توأم الروح. يامنية النفس الدائمة الخالدة... يا أنشودة القلب في كل زمان ومكان مهما هجرت ومهما نأيت عندما يوشك القرص الأحمر الدامي على الاختفاء علي سطح البحر تراقبيه جيدًا. فإذا ما رأيت مغيبة وراء الأفق... فاذكريني... اذكريني!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية!!

 

نظم المركب الثقافي بالمنستير حفل توقيع كتاب " المرأة وغواية التصوير الفوتوغرافي في تونس" للفنانة الدكتورة تقوى مناد وذلك يوم الأربعاء 14فيفري 2024 بالمركب الثقافي بالمنستير بحضور مديرته ومندوب الثقافة وجمع من المثقفين والمبدعين وفي مناسبة سابقة كان لها لقاء بسوسة ضمن معرض وعرض للكتاب حيث تواصل الفنانة التشكيلية الدكتورة تقوى مناد نشاطها الفني الجمالي والأكاديمي ضمن سياقات من البحث والابداع حيث تنوعت مشاركاتها الثقافية والفنية والعلمية الى جانب المعارض التشكيلية سواء الفردية الخاصة او الجماعية.. وكانت مناسبة يوم السبت 10 فيفري 2024 مجالا ثقافيا وابداعيا لافتتاح معرضها الشخصي الجديد الذي ضم أعمالها الفنية وفق عنوان SPECCHIO MIROIR " " وهو عنوان لافت ومهم ودال وذلك بحضور عدد من الفنانين والجامعيين والاعلاميين وجمهور الفنون وتخلل هذا النشاط حفلا لتوقيع كتابها " المرأة وغواية التصوير الفوتوغرافي في تونس" وتم كل ذلك بفضاءات المركز الثقافي محمد معروف بسوسة. وقد صدر الكتاب عن شركة لوغوس للنشر والتوزيع. وحضر كذلك رئيس مدير عام شركة لوغوس للنشر والتوزيع الناشر الشابّ حسام الكيلاني..

تجربة جديدة بين العمل الفني والجانب العلمي الأكاديمي للفنانة التشكيلية والباحثة الدكتورة تقوى مناد التي تقدم لجمهور الفن التشكيلي وللقراء وطلبة الفنون هذا الحيز من عملها الابداعي.. والاطلاع على مسار وتقوى مناد يحيلنا الى عوالم فنانة تشكيلية وباحثة في عملها وفنها عن أصل الأشياء وهي تتجدد تبتكر كلماتها وأسماءها الأخرى.. فنانة تأخذ السياق التشكيلي مأخذ جد وبحث وفق عناوين شتى منها الابداع والابتكار في غير تكلف وافتعال فالفن هنا حلم لا يقنع بغير الجد والعمل والدأب ضمن تكامل بين الجمالي والأسلوبي.. تعددت معارض تقوى مناد ومشاركاتها ومنها وقبل حوالي سنتين المعرض المميز الذي شهده رواق الفنون علي خوجة بالمهدية وفق عنوان " الآخر " حيث اللوحات تضاهي بستانا من التشكيل والرؤى والتلوينات وكل ذلك للافصاح عن حلم دفين هو العين وما تراه جميلا في خطاب فني استطيقي يشبه فقط كيان وذات تقوى الفنانة التي وثقت صلتها بالرسم والفن بعد بدايات تلقائية وحالمة زمن طفولة عابرة. والفنانة التشكيلية تقوى مناد استاذة اولى ودكتورة في "جماليات ونظريات الفن".. جانب ابداعي للفنانة تقوى مناد وآخر علمي بحثي فهي الى جانب احرازها على شهادة الباكالوريا اختصاص اقتصاد وتصرف فانها حازت على شهادة الأستاذيّة في الفنون التّشكيلية اختصاص خزف وشهادة الماجستير المهني اختصاص فن وتكنولوجيا الخزف وشهادة الماجستير في جماليات وممارسات الفنون المرئيّة اختصاص فنون تشكيلية بملاحظة حسن وشهادة الدكتوراه في جماليات وممارسات الفنون اختصاص فنون تشكيلية بملاحظة مشرف جدا.. وبخصوص مسيرتها المهنية فهي عضو بوحدة البحث في جماليات وممارسات الفنون بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وقامت بتعويض بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وتأطير ببرنامج وطني "مبدعون يسكنهم الوطن" بدار الشباب الرياض وهي كذلك عضو بجمعية "طب، ثقافة، فن" MCA وعضو باتحاد الفنانين التشكيلين بتونس أستاذة بمدرسة إعداديّة خاصة بسوسة ولها تربص مهني 4 أشهر بفرنسا (Manufacture de Sèvres، Paris، France) ومشرفة على نادي الرسم بالمبيت الجامعي "الغزالي" وعلى نادي الرسم بالمبيت الجامعي "حي الرياض" الى جانب تكوين بورشة التصوير الرقمي في نطاق عشرينية أيام السينما الأوروبيّة بالمركب الثقافي بسوسة (JCE) وتكوين في ورشة تعليمية

technique rédactionnelles de la communication et de l’article scientifique

في إطار JEPTAV بسوسة وتكوين في الدكتوراه Outils bibliographique et bibliométrique pour les publications scientifiques assuré par l’UDARI

وبشأن مشاركاتها الفنية الوطنية والعالمية نذكر المشاركة في تظاهرة فنيّة للفنون التشكيلية بدار الشباب بقصر هلال والمعرض الجماعي بالصالون الدولي للتصوير الفوتوغرافي الدورة الأولى بعنوان "ألوان بدون حدود" بقصر خير الدين، تونس والمعرض الجماعي بالصالون الدولي للصورة الفوتوغرافية الدورة السابعة بالمركب الثقافي بالمنستير وحضور الملتقى الدولي JEPTAV في دورته السابع عشر بعنوان "سؤال الجندر في الفنون" والمعرض الجماعي في ملتقى المبدعين الدولي التاسع بالقاهرة، مصر والمشاركة في مهرجان كام السنمائي الدولي للأفلام القصيرة بالقاهرة، مصر ومعرض الفوتوغرافيين الشبان في دورته الثامنة بقاعة يحي البالماريوم والمعرض الجماعي للصور الفوتوغرافية أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بقرقنةJRACC من تنظيم اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين والمعرض الجماعي في الفن التشكيلي "تنوع" في دورته الثالثة بفضاء جمعية صيانة المدينة بالمهدية DIVERSITY 3 والمعرض الجماعي لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين "الواصلة" بالمركب الثقافي بسوسة والعمل الجماعي l’émouvance des émouvants بإفريقيا عرض بSégou’Art بمالي في دورته الثانية وحضور الملتقى الدولي JEPTAV في دورته الثامنة عشر بعنوان "الحدس والذكاء في الفنون مع مداخلة في إطار مهرجان علي بن سالم للفن التشكيلي بالقلعة الكبرى في دورته السابعة بعنوان "تداخل الفنون" والمعرض الجماعي للفن التشكيلي "فن وفنون" بالقلعة الكبرى والمعرض الجماعي السنوي لاتحاد التشكيليين التونسيين برواق الفنون ببن عروس والمعرض الجماعي بصالون تونس للفن المعاصر "ميموريا" في دورته الرابعة بقصر خير الدين، بتونس والمعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين "الشهر الوطني للفنون التشكيلية في دورته الثامنة، قاعة يحيي البالماريوم، تونس والمعرض الجماعي في الفن التشكيلي "تنوع" في دورته الرابعة بفضاء جمعية صيانة المدينة بالمهدية DIVERSITY 4.. هكذا هي فكرة التلوين والبحث وفق حيز من النشاط بين السيرة والمسيرة عند الفنانة والباحثة تقوى مناد.. بين الابداع الفني التشكيلي والبحث العلمي الاستطيقي في نظرة مخصوصة تخيرتها صاحبتها حيث الفن والتشكيل عندها مجال مفتوح على البهي في الذات والعالم ولأجل الاضافة في هذا التلوين للأشياء والعناصر.. نشاط فني وعلمي وكتاب جديد ومعرض متواصل الى غاية يوم 25 فيفري 2024.

***

شمس الدين العوني - تونس

صدر في بغداد العدد الرابع عشر من مجلة السينمائي وهو عدد خاص مُكرّس للدورة الأولى من مهرجان بغداد السينمائي الأول الذي انطلقت فعالياته في 10 شباط/ فبراير 2024 وأُختُتمت في الرابع عشر منه. وقد جاء على الغلاف الأول بأنّ (مهرجان بغداد السينمائي هو الحدث الأبرز في العراق). تضمّن العدد الممتاز 26 مقالة دبّجها كُتّاب عراقيون وعرب مختصون بالشأن السينمائي. وقد جاء في افتتاحية العدد التي انضوت تحت عنوان "نحتفي بمهرجان بغداد بعددنا الخاص والممتاز" بقلم رئيس التحرير قبول فكرة مهرجان بغداد السينمائي الأول من قِبل رئيس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني شرط أن يكون عربي الطابع ولا يقتصر على بقعة جغرافية محددة من وطننا العربي الكبير وبادر إلى دعمه بملياريّ دينار عراقي لتعزيز الفن السابع الذي يساهم في بناء ونهضة الشعب العراقي الذي يقاتل ضد "ثالوث التخلّف والإرهاب والفساد". كما أشاد عبدالعليم البنّاء بالدكتور جبار جودي، رئيس نقابة الفنانين العراقيين لدوره الفاعل في تحقيق هذا المهرجان وتحويله من حلم يداعب مخيلة محبيّ الفن السابع إلى حقيقة راسخة على أرض الواقع. كما أشاد بدور وزير الثقافة والسياحة والآثار الذي يواصل العمل للارتقاء بكل مفاصل الوزارة مُركزًا على السينما والدراما وبقية الفنون القولية وغير القولية. وفي السياق ذاته أثنى على دور الدكتور عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية وقد وصفه عبدالعليم البنّاء بأنه "همزة الوصل الأمينة والمميزة في تحقيق ما يتمناه ويطمح إليه كل شرائح المثقفين العراقيين بدون استثناء". وما إن نطوي الافتتاحية حتى نجد رئيس التحرير نفسه يحاور وزير الثقافة الدكتور أحمد فكّاك البدراني الذي أشار إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني قد دعم الصحفيين العراقيين بمبلغ 5 مليارات دينار عراقي وخصص لمهرجان بغداد السينمائي مبلغ ملياري دينار عراقي، ومن بين المعلومات الكثيرة التي يزخر بها هذا الحوار أشار الوزير إلى أنه سيتبنى دعم مجلة السينمائي وطبعها في دار الشؤون الثقافية. وهذه التفاتة كريمة نتمنى أن تتجسد على أرض الواقع ويتم دفع مكافآت مجزية للمساهمين في الأعداد القادمة أسوة بدول الخليج في أقل تقدير.3445 مهرجان بغداد السينمائي

مهرجان بغداد السينمائي.. الحدث الأبرز في العراق

يكتب المخرج والسينارست سعد نعمة عن مهرجان بغداد بوصفه الحدث الأبرز في العراق ويؤكد على ضرورة تشجيع الجمهور على المشاركة والتفاعل ودعم صنّاع الأفلام. كما توقف نعمة عند شعار المهرجان الذي استوحاه الفنان أحمد البحراني "من شكل المرأة العراقية التي قدّمت الكثير وتستحق أن تكون حاضرة في هذا الملتقى الفني المميز حيث تحوّل الرأس إلى شمس تشرق من جديد وكأنّ هذه المرأة تهزج مُرحبةً بضيوف العراق". كما تطرّق بالتفصيل إلى مسابقات المهرجان الخمس وتكريم ثلاث شخصيات فنية مهمة وهم المخرج محمد شكري جميل، والفنان قاسم الملاك، والفنان سامي قفطان.

يتناول كاتب هذه السطور الأفلام الروائية الطويلة المشاركة في مهرجان بغداد السينمائي الأول ويسلّط الضوء على ثيماتها المتنوعة ومن أبرز هذه الأفلام الاثني عشر "آخر السُعاة" و"ميسي بغداد" و"المُرهقون" و"رحلة يوسف"، و"إن شاء الله ولد" و"وادعًا جوليا".

ثمة مقال عن إعلان أسماء لجان التحكيم للمسابقات الخمس وهي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، والروائية القصيرة، ومسابقة الأفلام الوثائقية، وأفلام التحريك (الأنيميشن)، ومسابقة فضاءات سينمائية جديدة. وتكريم الفنانين الثلاثة المُشار إليهم سلفًا إضافة إلى إزاحة الستار عن تمثال نصفي للمخرج محمد شكري جميل في مدخل نقابة الفنانين إلى جانب تمثال نصفي للفنان الراحل يوسف العاني علمًا بأن تمثال شكري من إبداع الفنان محمد جاسم الرسّام.

تضمّن "ملف العدد" ست مقالات دشّنها رئيس التحرير بمقالة تحمل عنوان "مهرجانات السينما في العراق.. إلى أين؟ قدّم فيها نبذة تاريخية عن أوائل المهرجانات العالمية مثل البندقية 1932 ومهرجان موسكو 1935 واعتبر الجوائز والتكريمات المنصفة هي من أهم الحوافز للمشاركين في صناعة أي فيلم متميز. وأنتقد بعض المهرجات العراقية التي لا تكشف عن المصادر والممولين وتعظّم الاستقطاب والشللية متناسين الاشتراطات والمقاييس العربية والعالمية.3444 مهرجان بغداد السينمائي

مهرجانات عراقية تشكو من قِلّةالدعم وشحّة التمويل

يسترسل الناقد والمؤرخ مهدي عباس في مقاله المعنون "المهرجانات السينمائية في العراق" ويرصد ازدياد عدد المهرجانات بعد 2003 بحيث وصلت إلى 20 مهرجانًا أو أكثر في بعض السنوات. وأورد سبع ملحوظات مهمة من بينها قلّة الدعم أو انعدامه، وأنّ بعض المهرجانات لا يدعو ضيفًا عربيًا أو أجنبيًا واحدًا، وتشابه المهرجانات لدرجة أنها تعرض الأفلام نفسها. توقف مهدي عند مهرجان بغداد السينمائي الدولي الذي يشرف عليه الدكتور عمّار العرّادي والدكتور طاهر علوان واعتبره الكاتب أهم مهرجان عراقي على الإطلاق وقد نُظمت منه ثماني دورات ناجحة وتوقف بسبب قلّة الدعم. وجدير ذكره أنّ هذا المهرجان المحترف والناجح كان يعرض أفلامًا طويلة وقصيرة ويدعو ضيوفًا عربًا وأجانب بخلاف المهرجانات العراقية الأخرى الأمر الذي يدعو إلى الالتفات إليه وإعادة النظر بدعمه وتمويلة لكي يواصل مشروعه الفني الذي ظل متألقًا على مدى ثماني سنوات متتالية. ومهرجان (3 X 3) الذي يشرف عليه الدكتور حكمت البيضاني وهو المهرجان الأكثر حضورًا في بغداد بحسب كاتب المقال وكانت مدتة ثلاثة أيام ويعرض أفلامًا لا يزيد طولها عن ثلاث دقائق. و"مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير" الذي أقامه نزار الراوي وتوقف بعد دورتين. و"الملتقى النسوي السينمائي" الذي أقيمت منه دورتان ثم توقف. وحاول المخرج نزار شهيد الفدعم إقامة مهرجان "سومر السينمائي" لكنه لم يتحقق على أرض الواقع. إضافة إلى مهرجان گلگامش المستمر حتى الوقت الحاضر ويشرف عليه الفنان محمد عبدالمنعم. كما يتوقف الكاتب عند مهرجانات الإقليم وتسع محافظات عراقية إضافة إلى مهرجانات أكاديمية الفنون الجميلة.

يتساءل الناقد السينمائي علاء المفرجي في مقاله الموسوم "ما جدوى المهرجانات إذن؟" ويقترح إعادة النظر بالمهرجانات العراقية وتقديم ورقة عمل يضعها المتخصصون لتوحيد الجهود المتناثرة من أجل إقامة مهرجان سينمائي واحد في الأقل على أن يكون مستوفيًا للشروط المُتعارف عليها في المهرجانات السينمائية الدولية ولا بأس من تنظيم مهرجانات متخصصة شرط أن يكون ذلك مقرونًا بزيادة الإنتاج العراقي.

إشاعة ثقافة اللغة البصرية

يستفيض الدكتور الناقد صالح الصحن في مقاله "شغف المهرجانات السينمائية" ويذكر ويشخَّص 30 ملحوظة جديرة بالقراءة والتأمل من بينها إشاعة ثقافة اللغة البصرية، وتبادل الأفكار والتعارف الثقافي بين الضيوف المدعوين، ودعا إلى أن تحمل المهرجانات اسم الفكرة والموضوع المحوري الذي تدور حوله مثل البيئة، التسامح، الطفولة، المرأة وما إلى ذلك.

يتناول الدكتور سالم الشدهان موضوع "المهرجانات بين الاستقلال والحكومة" ويقول بأنّ إنتاج الأفلام القصيرة في العراق يتجاوز الـ 200 فيلمًا لكن نسبة ما يمكن أن نطلق عليه تسيمة الفيلم السينمائي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ودعا إلى التفريق بين المهرجانات الحكومية والدولية، فالحكومة طارئة وتتغير لكن الدولة باقية وراسخة في ذاكرة الناس الجمعية.

يرصد الناقد الفني رضا المحمداوي في مقاله المعنون "البحث عن جمهور السينما الضائع" الذي يرتاد صالات السينما العراقية والذي يُفترض أن يكون جمهورًا عريضًا وواسعًا وجادًا وحريصًا على متابعة الأفلام العراقية والعربية والأجنبية ويتساءل عن سبب اختفاء هذا الجمهور الذي يحتاجه صانع الفيلم كي يعرض عليه بضاعته البصرية وما تنطوي عليه من آفاق ثقافية وفنية جديرة بالمشاهدة.3446 مهرجان بغداد السينمائي

قاسم الملاّك.. جوهرة السينما العراقية

يحاور الكاتب عبدالعليم البنّاء أيضًا الفنان المخضرم قاسم الملاك الذي وصفه المُحاوِر بـ "الجوهرة السينمائية التي صقلها بفنه وإبداعاته التي كانت مغايرة لما يقدّمه الآخرون". ثمة معلومات مهمة لابد من الإشارة إليها من بينها أنّ الفنان حمودي الحارثي هو الذي نصحه بالالتحاق بمعهد الفنون الجميلة، وأنّ الفنان أسعد عبدالرزاق هو الذي اقترح عليه العمل في فيلم "الجابي"، ثم توالت مشاركاته حتى بلغ رصيده 22 فيلمًا بضمنها فيلم "المسألة الكبرى" للمخرج محمد شكري جميل. كان الملاّك معجبًا بالمخرج عبدالهادي الراوي لأنّ خياله كان خصبًا وملحوظاته دقيقة جدًا. ومع أنه تعب وبذل جهدًا كبيرًا في فيلم "افترض نفسك سعيدًا" لعبدالهادي الراوي إلاّ أنّ عرّابه هو المخرج محمد شكري جميل الذي مثّل معه كثيرًا وأفاد من خبراته إلى حدٍ كبير.

كما تُحاور هدير هادي في باب "سينمائيون عراقيون" المخرج والسينارست سعد نعمة الذي حصد جائزة الإبداع العراقي لأفضل سيناريو فيلم روائي طويل استلهمه من رواية "عذراء سنجار" للكاتب المبدع وارد بدر السالم. أخرج سعد نعمة "خطوات واثقة"، و"الفردوس المفقود"، و"مدينة الفقراء"، و"ليلة رحيل القمر" و"قناديل المعرفة" كما كتب عدة سيناريوهات من بينها "بغداد"، و"الفراشة البيضاء" ويتمنى أن يُخرج "عذراء سنجار" بدعم ورعاية وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح.

يتناول الناقد والسينارست استناد حدّاد فيلم "الدكتور حمّودي" للمخرج هادي ماهود ويصنّفه ضمن "أفلام الهجرة" ويتساءل الناقد:"هل تستحق الهجرة أن نفني أعمارنا من أجلها؟" ثم يضيف:"أننا أمام فيلم يحاكم عصر الطاغية بلغة بصرية فيها الكثير من التشكيل على مستوى اللقطة واختيار الزوايا". مقال مكثف ورصين يستنطق روح الفيلم ويقدّمه على طبق من ذهب إلى القارئ الكريم.

يرصد الناقد اللبناني محمد رضا "حصيلة 2023 السينما العربية.. تتقدم هنا وتتأخر هناك لكنها عمومًا في مكانك سرّ" ويشيد بعدد من الأفلام السعودية مثل "مندوب الليل" و"إلي ابني" و"نورة"، و"الناقة"، و"حجين"، كما يُثني على تجربة نادين لبكي وفيلم "وادعًا جوليا" لمحمد كوردفاني.

يراجع أحد القائمين على مجلة "السينمائي" مهرجانيَ "الجونة" و"البحر الأحمر" ويتوقف عند جوائز المسابقات الرسمية وثمة تركيز على فيلم "سعادة عابرة" للمخرج الكوردي سينا محمد الذي فاز بجائزة أفضل فيلم عربي كما خطفت السيدة بروين رجبي جائزة أفضل ممثلة مع أنها لم تمثّل من قبل. أما مهرجان البحر الأحمر فقد تميز بعرض فيلم إشكالي مثير للجدل وهو "إخفاء صدّام حسين" للمخرج الكوردي أيضًا هلكوت مصطفى. يسرد هذا الفيلم قصة علاء نامق، الشخص الذي قام بإخفاء صدام حسين لمدة 235 يومًا بينما كان يبحث عنه أكثر من 150 ألف جندي أمريكي خلال الحرب الأمريكية على العراق.

يكتب رسالة باريس كالعادة الناقد السينمائي صلاح سرميني مركزًا فيها على معرض احتفائي بالمخرجة الفرنسية آنييس ڨاردا التي كانت تطالب بسينما حرة.

يحلل الناقد سمير حنا خمورو فيلم "القاتل" للمخرج ديفيد فينشر ويصفه بفيلم الجريمة والإثارة السايكولوجية الذي كان يحلم بإخراجه وإنتاجه منذ 15 عامًا. ويتميز هذا الفيلم بسرعة التقطيع في المونتاج. وعلى الرغم من ثناء الناقد لهذا الفيلم إلاّ أنه يرى بأنّ الجمهور لن يتذكروا هذا الفيلم طويلاً والذي يبدو كأنه استراحة محارب لا غير.

السينما اللاتينية مرتبطة بالواقع الوطني وترفض الهروب منه وتشويهه

يتناول الناقد السينمائي رضا الأعرجي في دراسته الموسومة "السينما الجديدة في أمريكا اللاتينية.. لمحة تاريخة" وهي "سينما مرتبطة بالواقع الوطني وترفض أية صيغة للهروب  من الواقع أو تشويهه، وبالتالي هي سينما واقعية تنتقل من الأحداث البسيطة إلى التحليل المتعمق والتحريض المفتوح على التغيير" كما يذهب الناقد وقد اقتفت السينما اللاتينية أثر الموجة السينمائية الجديدة وأنّ ما يجمع صانعي الأفلام اللاتينيين هو فكرة وهدف مشترك. وكان نجم البرازيل هو أول من حلّق في سماء السينما الجديدة. مقال جميل لا يمكن الإحاطة به بعجاله وأدعو إلى قراءته بتأمل كبير.

يقدّم الدكتور ماهر مجيد إبراهيم دراسة قيّمة بعنوان "الواقعية والأثنوغرافية في بنائية الفيلم السينمائي" ويرى أن الفيلم السينمائي الأثنوغرافي قريب جدًا إلى حد التماهي مع المفهوم الواقعي للفيلم السينمائي من أجل إيهام المتلقي بأنّ ما يراه هو الحقيقة من دون أية إضافات. ويتخذ من فيلم "أپوكاليپتو" لميل غبسون أنموذجًا لأنه يتناول حضارة المايا قبل دخول المحتل الغربي.

يقرأ الدكتور عقيل مهدي كتاب "محطات سينمائية" للناقد السينمائي علي حمود الحسن ويصف فصول هذا الكتاب "مقالات رصينة بشفرات سينمائية" يتوزع الكتاب على خمسة فصول من بينها "السينما والسيرة" و"السينما والحياة" و"السينما أنثى" وثمة إشادة كبيرة بهذا الكتاب الذي سد فراغًا في المكتبة السينمائية العراقية على وجه التحديد.

يكتب الدكتور علي علاوي عن فيلم "لو يطيحوا لحيوط" للمخرج حكيم بلعباس الذي يضعه ضمن خانة المخرج الثعلب لأنه ببساطة يصوّر ما لا يُصور، ويسرد ما يجب أن يُسرد لكن برؤية فلسفية تنفلت من الإطار المفروض.

يتابع الدكتور شاكر لعيبي نشر مقاله "سينمات العراق بين 1918-1950 وثائق تاريخية وبصرية" يتناول فيه عرض عروض سينما رويال لبعض الأفلام من بينها "الفرسان الثلاثة" و"الأيدي الشريرة" و"الصبي الكشّاف". كما يتابع عروض سينمات عراقية أخرى مثل سنترال وأولمپيا مثل "الشبح الرمادي" و"الآىس الأحمر" وغيرهما من أفلام تلك الحقبة التي باتت بعيدة نسبيًا.

يكتب الدكتور خليل الطيّار موضوعًا بعنوان "تقتير الصورة.. قلق الذاكرة في مشتتات عامر جاسم" ويؤكد بأنّ "الأشياء لم تعد واضحة وصريحة في عالمنا.. كل ما فيه يمر أمامنا بغواش ويدعو للقلق".

المخرج فاضل عباس عضوًا في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي

ترصدالدكتورة ورود ناجي في مقال "متابعات سينمائية" عشرة أخبار من بينها حصول المخرجَين محمد الدراجي وعلي الفتلاوي على دورة مُنَح الخريف 2023. وخبر عن فيلم "يا حسين.. أربع رايات" سيناريو وإخراج حيدر مكي. وهناك خبر ثالث عن عضوية المخرج فاضل عبّاس في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي الذي ينعقد من 15 إلى 25 فبراير / شباط 2024. وشاكيرا تسلط الضوء على حياتها في فيلم وثائقي بعد انفصالها المؤلم عن جيرار بيكيه.

يختتم الدكتور جبار جودي مواد العدد بعمودٍ عنوانه "المهرجان.. الحلم.. أخيرًا" الذي قال فيه "نأمل أن يكون هذا المهرجان باكورة لانطلاق العجلة السينمائية بلا توقف وأن تسترد السينما عافيتها وألقها". وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ هذه التغطية الشاملة والواسعة لا تغني المتلقي عن اقتناء المجلة وقراءتها فلربما فاتتني بعض الأشياء المهمة على الرغم من حرصي الكبير على أن أُحيط القارئ بأهم الموضوعات والتفاصيل الدقيقة التي وردت في متن هذا العدد الممتاز حقًا الذي يدفعني لأن أحيي رئيس التحرير، الكاتب عبدالعليم البناء، ورئيس التحرير التنفيذي المخرج والسينارست سعد نعمة، ومدير التحرير، الناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس، والمدير الفني محمد عبدالحميد، والمُحررة الدكتورة ورود ناجي والفوتوغراف حيدر حبّة وكل مَن ساهم في إصدار ورفد هذا العدد بشكل مباشر أو غير مباشر.

***

بغداد: عدنان حسين أحمد

 

ما أبهجها من لحظات عندما تجد الأصدقاء القدامى في اِنتظارك وأنت قادم إليهم من تونس العاصمة وتنزل بينهم ليستقبلوك بالأحضان في مدينة المهدية هذه المدينة التونسية العريقة التي تتربع  وسط السواحل التونسية تبعد عن تونس العاصمة مسافة 250 كلم وكانت عاصمة الدولة الفاطمية على كامل أنحاء إفريقية في القرن الرّابع الهجري إنّها مدينة المعزّ لدين الله وقائد جيشه جوهر الصقلي ومدينة الشاعر اِبن هانئ الأندلسي

ــ 2 ــ 

قصدت المهدية يوم السبت 17 فيفري 2024 لأحضر اِفتتاح المكتبة الخاصة لصديقنا الفقيد الأديب عبد المجيد يوسف رحمه الله وقد هيأتها عائلته الكريمة بعناية لتكون كتبها المختلفة في متناول الأدباء  والدارسين والباحثين وهذه بادرة جديرة بالتقدير لما ترمز إليه من تقدير ووفاء لصديقنا العزيز من ناحية ومن ناحية أخرى لما تُتيحه من مجالات بحث في أدبه وفي الأدب التونسي والأدب العربي وحتى في بعض الآداب الأخرى لأن مدوّنة الأديب عبد المجيد يوسف تشمل أجناسا مختلفة من الكتابات شعرا وقصة ورواية ونقدا ومقالات في اللغة ومقدّمات وغيرها من المترجمات من اللّغة الفرنسية والإيطالية وقد حملتُ معي إلى هذه المكتبة صورة جميلة كبيرة لصديقي الرّاحل لتقابل كل من يدخل إليها     بسلام... فسلام وسلام على روحك يا صديقي وأرجو من ـ الصّالون الأدبي والفكري ـ الذي تسمّى  باِسمك أن يواصل التعريف بمختلف إصداراتك وأن يعمل جاهدا لجمعها ونشرها ضمن طبعة ـ أعمال كاملة ـ كي لا تضيع ويطويها الإهمال والنسيان وما هذا بعزيز إذا صحّ العزم

ــ 3 ــ

كانت مناسبة إذن للإلتقاء بأصدقائي القدامى والجلوس معهم والفضل يعود لصديقي الطبيب الدكتور المولدي فرّوج الذي أعلمهم بقدومي وهو شاعر وروائي ومسرحي وكاتب صحفي عرفته منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما كان طالبا في الطب ومن روّاد ـ  النادي الثقافي الطاهر الحداد ـ ثمّ تعارفنا أكثر بمناسبات اِتحاد الكتّاب التونسيين وجلسات نادي الشعر وعلى صفحات ـ جريدة الرأي ـ وفي ملتقيات الشعر بتوزر والمتلوي وغيرها وهاهو اليوم أجده في اِنتظاري فذكرنا بأسف ولوعة أصدقاءنا الشعراء والأدباء الذين فارقونا في المدة الأخيرة واِسترجعنا بعض الذكريات معهم ولم يغب عنا كذلك الخوض في أحوال اِتحاد الكتّاب التونسيين وما يشهده من ركود في نشاطه وتواصينا أن نساند في المؤتمر القادم المترشّحين الذين نتوسّم فيهم العمل الجدّي والإضافة للخروج بالاِتحاد من أزمته الحالية ليُحقّق طموحات الأدباء وليكون صوتا متميّزا وعاليا في كل ما يهمّ الشأن الثقافي خاصة والقضايا الوطنية عامة وقد تبادلنا الحديث في هذا الموضوع مع الأصدقاء الحبيب بن فضيلة عمار العموري وخالد الرداوي الذين عبّروا عن أملهم وتمسّكهم بالاِتحاد باعتباره مكسبا يمكن أن يكون ناجعا أكثر بفضل ما في رصيده من إنجازات وبما يزخر به من طاقات وخبرات .

ــ 4 ــ

عدت من المهدية بهدايا ثمينة هي إصدارات جديدة للصديق المولدي فرّوج

 * رواية ـ في الاِنتظار

* مجموعة شعرية ـ  هذا كلام في الريح

ومجموعة قصصية للصديق الحبيب بن فضيلة

* أجراس صدئة

ــ 5 ــ

بعد الجلسة في المقهى دُعيت إلى الغداء في أحد المطاعم الفاخرة ولكني شكرتهم على كرم الضيافة واِخترت الأكلة التي تختصّ بها المهدية وهي ـ الشّاباتي ـ فأخذوني إلى دكّان مشهود له في هذه الأكلة التي تتكوّن مع عجين مطروح رقيق ثم يُحشى ببيضًا مسلوقا وجُبنًا وفُتاتَ التّن مع شيء من البهارات ويُلفّ الجميع على شكل قرص نصف دائرة ثم يوضع في الفرن وما ألذّه وأشهاه !

سألت صديقي الدكتور الطبيب مولدي فرّوج قبل أن أبدأ تناوله عن طريقة أكله ـ كي لا أوضع في حرج ـ فأرشدني ناصحًا أن أبدأ من زاويته السّفلى المكتنزة

 إنّ حكمة طريقة أكل لحمة الكتف إذن تشبه تماما طريق أكل ـ الشاباتي ـ إذ كلاهما يؤكل بداية من الزاوية السّفلى حتّى لا يسيل ماءُ لحمة الكتف على الثياب وكي لا يتساقط ما في ـ الشّاباتي ـ بين اليدين !

ولم أبدأ إلا بعدما رأيت صديقي يتناول ـ الشاباتي ـ التي أو الذي ـ أمامه بخبرة ومهارة...كيف لا وهو الطبيب الأديب !!

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

ماذا لو قيل لك: قم بتأليف كتاب عن حياتك واتركه لأبنائك؟ ماذا ستكتب؟!

 البعض ممن يُسأل مثل هذا السؤال سيقول: حياتي عادية ليس فيها ما يستحق السرد، أو ليس عندي وقت. رغم أن حياة كل إنسان غاصة بأحداث ومواقف وشخصيات لا حصر لها. وكلها ذات نفع، وأول من ينتفع بها صاحبها؛ لأنه يتعلم من مواقف الفشل والإحباط والانهزام، يتعلم الصبر والصمود والصلابة. كما يتعلم من النجاح الاستمرار فيه والبناء عليه. ولو لم يكن لديك وقت لتجلس مع نفسك جلسة مصارحة وتذكر وتأمل. فهل ليس لديك وقت لتقرأ ما يدور في عقول الآخرين؟

  لهيئة الكتاب مشروع فكري جديد يقوم على فكرة إعادة استقراء عقول عباقرة معاصرين وسرد حياتهم. هذا المشروع اسمه: (سلسلة عقول). وسلسلة "عقول" وإن كانت تقليدية النزعة، فهي مبتكرة الاتجاه والأسلوب والمحتوي الفكري. إن لديها رسالة: أن تضيف لقارئها عقولاً وأفكاراً جديدة باستمرار..

التراجم ومهمتها الخطيرة

أكثر الناس لا يلتفت إلى الدور الخطير للسير الذاتية والتراجم. ويعتقد أن القراءة في الآداب والعلوم ربما يكون أكثر نفعاً أو متعة. بينما قلة من النابهين يدركون أبعد من هذا..

 في فترات تاريخية سابقة انصرف الناس لقراءة الصحف لأن كتابها أدباء. بل إن رؤساء تحرير تلك الصحف وأصحابها كانوا من كبار الشعراء والروائيين. خليل مطران وطه حسين والعقاد وإحسان عبد القدوس كلهم أنشأوا صحفاً وأداروها. وانتظر الناس ما يكتبوه وتابعوه وأحبوه، قرأوا أشعار شوقي وحافظ والمازني، وقصص إحسان وتيمور ويوسف السباعي. وتحولت رواياتهم لأفلام سينمائية باتت علامات ومحطات تراثية من ثقافتنا المصرية. فكيف فعلوا ذلك؟ كيف يصنع الناس التاريخ؟ ولماذا لا نكون نحن، أنا وأنت، مثل هؤلاء؟

 هذا السؤال قيل للعباقرة، فقرروا سرد حياتهم ووضعها بين دفتي كتاب لا يستغرق إلا ساعة أو ساعتين قراءة. سطور قليلة يكمن فيها سر نجاح هؤلاء. وقد يكمن السر فيما بين السطور لمن يستوعب ويستنبط ويحلل ليدرك ما خفي ودق من رسائل التراجم!

لهذا فإن تراجم العظماء يعاد كتابتها مراراً. وفى كل مرة يختلف التناول وتختلف الرسالة. لأنها خاضعة لرؤية المؤلف، وما يريد بثه من رسائل وطرحه من أفكار.

 قد تقرأ رواية من خمسمائة صفحة، وتشدك أحداثها، لكنك تخرج من قراءتها صفر اليدين والعقل. فلا أنت أضفت لنفسك درساً، ولا لشخصيتك وذاتك معني أو فائدة! بينما تلعب السير الذاتية دور حكماء العائلة، هؤلاء الذين يعطونك خلاصة تجاربهم في الحياة. فما بالك لو كان حكماء عائلتك هم عباقرة زمانك وأزمنة قبلك؟!

 سلسلة "عقول" نشأت منذ البداية برسالة ناصعة شديدة الوضوح والتركيز. وهي إعادة طرح سير العظماء والعباقرة بطريقة مشوقة مكثفة ومختصرة تناسب إيقاع العصر السريع. ولها هدف أسمي: أن تضيف للعقول عقلاً جديداً كل مرة. تختار من عباقرتنا عقلاً فذاً له تأثير عميق وواسع. يقدمه ويدرسه عقل لمؤلف بارع ذو رسالة، ليقدمه لعقول متفتحة نهمة للمعرفة. ومن هنا جاء اسم السلسلة: عقول..

باكورة العقول

أول إصدارات السلسلة استطاع اللحاق بمعرض الكتاب 2024. وهو كتاب عن عميد الأثريين (سليم حسن). ولأول مرة تجد كل ما كُتب عن هذا العالم الفذ مجمعاً في كتاب واحد صغير ومختصر. حتى القضايا التي كانت تبدو شائكة في حياته، كقضية سرقات الآثار، تناولها الكتاب بشكل حيادي فيه من الوضوح والجلاء ما فيه الكفاء.

الكتاب بسيط وصغير ومكتوب بأسلوب أدبي رائق راقي. وتقرأه في جلسة لا تزيد عن ساعة، لكنك لا تكاد تشعر بها لسهولة وبساطة أسلوبه، وكثافة ما فيه من معلومات ملفتة ومشوقة. لا أقول هذا باعتباري رئيس تحرير السلسلة الذي يريد الترويج لها. بل هو رأي من قرأ الكتاب من نقاد أعرفهم قرأوا الكتاب واستحسنوه.

الكتاب الثاني يوشك على الصدور، وهو عن الدكتور/ نجيب باشا محفوظ. وهو شخصية مفاجئة لكثيرين. وأول هذه المفاجآت أنه الطبيب الذي استقبل أديب نوبل (نجيب محفوظ) على يديه في ولادة مستعصية كاد الوليد فيها أن يفقد حياته لولا هذا الطبيب البارع!

 إن قصة رائد النساء والتوليد د/نجيب باشا محفوظ قصة مثيرة للغاية وممتعة، وفيها الكثير مما يثير الدهشة والتأمل. دارت في فترة من الفترات المفصلية في تاريخ مصر. وقد امتد عمر هذا العالم نحو تسعين عاماً، ختمها بسرد سيرته الذاتية سرداً تفصيلياً استغرق كتاباً كبير الحجم تم نشره عام 2013 في هيئة الكتاب ونفدت طبعته. ثم رأينا أن نختصر هذه السيرة الاستثنائية في كتاب يطرح رؤية جديدة لتلك الشخصية الفذة.

إنك عندما تقرأ هذين الكتابين وما سيتلوهما من كتب السلسلة ستشعر أنك تنتقل زمنياً إلى عصر قديم عاش فيه جدي وجدك. إن كل كتاب من هذه الكتاب هو شريحة زمنية مستعرضة من تاريخ مصر، وإن كان تاريخ فرد واحد، لكنه عايش تلك الفترة الزمنية بكل تفاصيلها.

  السلسلة وإن كانت تستهدف الشباب وتخاطبهم، لكنها مناسبة لجميع الفئات العمرية لبساطة أسلوبها، وأتمنى لقارئيها الاستمتاع بها والاستفادة منها على النحو الذي استهدفناه. كما أتمنى منهم الاشتباك معها نقداً وتفنيداً ومدحاً وذماً كما يشاؤون..

القارئ أولاً

سلسلة عقول لن تكون منفصلة عن قارئها. بل نريد من قارئها أن يكون بطلها الأول..

تفاعل القراء مع السلسلة أمر نتمناه ونشجعه بشدة. نريدهم حقاً أن يشاركوننا إنتاج تلك السلسلة. أن يكونوا من عقولها المؤثرة. يمدونها بآرائهم وأفكارهم في كل شيء يتعلق بها: أسلوبها أفكارها شخصياتها مؤلفيها مظهرها مضمونها.. مثل هؤلاء القراء الإيجابيون سيصبحون من المشاركين لإنجاح هذا المشروع ومن مطوريه الأساسيين.

سوف يكون للسلسلة منصات إليكترونية يشتبك معها القراء ويتفاعلون معها بكل ما يطرأ على أذهانهم من رؤي وتفاعلات وآراء. وللقراء الجدد للسلسلة ومن يحبون المشاركة في خطواتها الأولي أقول: قوموا معي ببناء أفكار تلك السلسلة، قولوا ما تشاؤون، عبروا عن رؤاكم وخلاصة تجاربكم في الحياة بتوجيه دفة سلسلة عقول نحو الاتجاه الذي تفضلوه وتحبوه، هي بالفعل سلسلتكم أنتم، موجهة إليكم متناً وفكراً وعاطفة. اجعلوها من ممتلكاتكم فكراً وتوجيهاً وتفاعلاً..

 سلسلة عقول دورية يصدر عنها كتاب كل شهر تقريباً. ومؤلفوها متنوعو التخصص والمزاج الأدبي؛ وهم مزيج من الأدباء الشباب البارعين ومن أساتذتهم ذوي الخبرة الأكبر. وأكثرهم من المتخصصين في مجالهم. وشخصيات السلسلة متنوعة المجالات: شعراء وروائيين وصحفيين ونقاد وعلماء وفنانين ومؤرخين ومفكرين من ذوي التأثير الكبير في محيطهم الثقافي والاجتماعي. وقد بدأت السلسلة خط التاريخ بدءاً من أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. أي من جيل الرواد في الفنون والآداب والعلوم. وليس هدفها حصر المبدعين والتحدث عنهم جميعهم، وهم كثيرون. فمصر غنية بنماذج لا حصر لها من قواها الناعمة. لكننا آثرنا انتقاء شخصيات محددة هم الأكثر تأثيراً في ملمح من ملامح التأثير الجمعي.

 إن قراء هذه السلسلة والحريصين على الانتفاع بما تقدمه سيكون انتفاعهم الأكبر بمتابعتها واستمرار تفاعلهم معها. لأن لديها تصور استراتيجي يكتمل قطعة بعد قطعة وعدداً تلو عدد. بحيث يكتمل هذا التصور بمجموعة من هذه الأعداد معاً أو بجميعها معاً. بل إن المنصة الإليكترونية المزمع إنشاؤها لمتابعة آراء قراء السلسلة والتفاعل معهم لها دور في اكتمال الصورة وتحقيق مستهدفات السلسلة، وأجلها وأسماها تحقيق رسالتها الفكرية المتضمنة في كل عدد من أعدادها.

***

عبد السلام فاروق

في صمت العينين قد يبدو التاريخ يؤرخ لكل الدموع، ثم يُنتج قصة حب من زمن متاعب همِّ الحياة. مرات عديدة، تبدو التساؤلات عالقة بعلامات استفهام كبرى، وترتد على الشفاه المطبقات لتقتنص بَوح: أحبك وجعي. لم أسلم من تيار شدِّ العيون العسلية استهلالا للحديث، وإعلان أنَّ الحب ليس رواية شرقية ولا غربية. مع الأيام بدوت أعشق تلك العيون العسلية، وحين يتموج اللون متغيرا مع قرب الأجساد والأرواح. في صمت كلام العيون، فأنا فقير في قراءة علامات الترميز والإضمار، ولم أقدر يوما على فك شفرات ظلال العيون المخملية.

في السر أكتب رسالة حب، وأمزق كل ذكرياتي الباقيات، وأسميك الخوف والشجاعة. في كل الليالي الممطرة، أكتب شعر الصمت بأنين الرياح وموج البحار، ومن بدايات أنشودة الغزل أمزق على وجه الحياة أوراقي، وأقف معاندا ظلي المعاكس.

أناديك، بكل صور بلاغة فرح اللغة بذات "العينين الصاحيتين الممطرتين". أناديك الحكايات، التي لا تنقضي بنوم شهريار عن سماع حكي شهرزاد الأسطوري. أناديك في السر، وأعلن العصيان والثورة على قلبي عند مرمى حرائق بقايا الحب، وأزداد جمالا بحضور أميرة (وجعي في حبي) أمام عيوني.

حبك سيدتي، وجع من ذات الوجدان، آت من عمق قلب الحياة ومتاعبها. حبك مثل البارود يوقظ العشق والحكايات الأزاهير، ويُفتن بادية العشق. حبك قسمة ارث من وجعي الخفي والظاهر، فكيف لي أن أفسر ما لا يفسر وأنت الوجع الجميل؟  أحبك وجعي بلا منومات عشق، أحبك بلا انقلاب على عرف الحياة، ومواثيق عشاق العالم. أحبك، كالطفل وهو يرقص نشوة تحت تيار سحر العيون العسلية، وتحت رذاذ ماء المطر.

سيدتي: لم يكن عشقي الممنوع والمباح بفيضه الروحاني عالقا فوق الجسر، فهو دائما كان في مأمن بدوام روحي العاشقة، ولم ينجرف يوما بسرعة مياه عمق الوادي والتيار. يوما بعد يوم، قد كنت أَغلقت صفحات روايات الحب عند مرمى نار الحزن، مثلما ألغيت مسافات الذكريات البعيدة. يوما بعد يوم، لم أعد أستسغ طعم اختلاف عطر النساء، ولا فزع موج طوفان المواجع والألم، إلا أنت (وجعي في حبي).

سيدتي: أيتها الأيام المتسربة بين الأيدي والقلوب، حبيبتي عرشها في سفينة بحر لا شط له غير قلبي. تتواجد عند كل حروف النداء: أحبك يا وجعي، أنت القلب والحياة بحجم حنيني عشاق العالم. أنت الورد بلا شوك، ينبض مقطوفا بدم الحياة.

سيدتي: ذات العيون العسلية، أرى العالم يتأثث في لوحة على مرمى كل العيون على الجدار. ألعب... أرسم ...أبكي ... أضحك... ألون الحياة من الأبيض الداكن بالسواد، بمساحيق تجميل العيون المخملية...أنت وجع حبي، فمدي يديك... نرقص على شرفة الحياة...

***

محسن الأكرمين

خمس سنوات في ليبيا

"سوف أمضي بعيدا.. بعيدا جدا مثل غجري!"

آرثر رامبو

***

نـحـو المجـهول

لم يخطر ببالي يوما أن أكون في ليبيا،وإنْ لبضع ساعات  فهي بالنسبة لي لم تكن سوى مساحة جغرافية نائية، أشبه ما تكون على كوكب آخر. كل ما اعرفه عنها هي عاصمتها  طرابلس وفيلم أجنبي شاهدته ذات مرة  تدور أحداثه في مدينة (طبرق) شرقي البلاد إبان المعارك  التي خاضها ثعلب الصحراء رومل ضد الحلفاء والتي اختتمت بهزيمة الألمان في معركة العلمين في مصر. وسينمائيا عرفت ليبيا من خلال فيلم (اسد الصحراء) الذي تناول كفاح شيخها المجاهد عمر المختار ضد الاستعمار الايطالي والذي قام الراحل مصطفى العقاد بإخراجه عام  8019 وهو الفيلم الذي تألق فيه الممثل العالمي انطوني كوين جنبا الى جنب الممثلة اليونانية ايرين باباس.

وفي أواخر السبعينات اقتحم اسم ليبيا ذاكرتي مرتين : مرة حين عملت محررا بالقطعة للصفحة الثقافية لمجلة خليجية أسبوعية مغمورة علمت فيما بعد انها كانت تعتمد في تمويلها على ليبيا، رغم أنني طيلة الفترة التي عملت فيها هناك لم التق شخصية ليبية واحدة على الإطلاق. والمرة الثانية تمثلت بهجرة شقيقتي مع زوجها والأطفال الى ليبيا في العام نفسه.

في بداية التسعينات من القرن المنصرم، واثر عودتي الطوعية من الكويت وجدتني بدون عمل بعد ان أنفقت جل مكافأة نهاية الخدمة على استكمال بناء الدار التي استنزفت مني ثلثي مدخراتي في فترة اخذ الحصار يمسك بتلابيبنا ــ نحن العراقيين ــ ، إضافة الى عزوفي عن العودة للعمل في سلك التعليم لهزال الراتب الشهري المخصص  للمعلم وغير المعلم إبان فترة الحصار البغيض، وبالفعل قمت بأكثر من سفرة مكوكية للأردن، غير ان تلك المحاولات باءت بالفشل رغم ممارستي للتدريس في احدى مدارس الأردن لعام كامل لكن من دون توفير اقامة لي ولأسرتي !

ومع نهاية العام الدراسي 1994 ــ 1995 وغبّ سفري للأردن، من دون اسرتي التي بقيت في البصرة، من اجل مواصلة العمل لعام دراسي ثان في عمان، فوجئت بقرار مدير المدرسة الأهلية في صويلح بعمان بإنهاء خدمتي من دون سبب مقنع مما سبب لي صدمة كبيرة لم أتمكن من كبحها إلا من خلال ورقة كانت في حوزتي تمثلت في عقد مبرم بيني وبين الجانب الليبي والذي أبرمته في السفارة الليبية ببغداد.  والواقع أنني كنت مترددا حول فكرة السفر للعمل في بلد ناء ليست لدي عنه فكرة الا ما ندر. كان الرحيل يعني ان ادفع ضريبة باهظة مع أفراد أسرتي وكلهم من الصغار المحتاجين لظلّ أب يرعى حوائجهم لا سيما وأنهم  قد مروا بتجربة العودة الى العراق بدونيٍ نظرا لعدم حصولنا على الإقامة في الأردن كما أسلف ذكره قبل قليل.

وضعت ما خف حمله وبخس ثمنه من ملابس في حقيبتي الصغيرة  ثم ودعت أفراد أسرتي على عجل خشية ان اعدل ــ في لحظة تردد ــ  وأغير قراري بالسفير الى ليبيا.. جنة الرب المجهولة الموعودة ! كما انني كنت حينها أسيرا لفوبيا خانقة من ان يصدر قرار شامل بمنع السفر. وهكذا عدت الى عمان بعد ان دفعت رسم المائة ألف دينار لجوازات البصرة. وكان في معيتي مبلغ يناهز الألف دولار قمت بادخاره من واقع عملي في الأردن مع ألف دولار أخرى تركتها لدى زوجتي من اجل الإنفاق على الأسرة.

فور وصولي للعاصمة الأردنية توجهت صوب احد مكاتب الخطوط الجوية من اجل حجز تذكرة لطرابلس وكلي لهفة في ان التقي شقيقتي المقيمة هناك بعد فراق ستة عشر عاما انقطعت خلالها إخبارهم او كادت  وأن أجد مصدرا للرزق بعد انقطاع مصدر رزق بحكم عودتي الطوعية من الكويت.وقتذاك لم يكن طريق مصر البري قد افتتح، لذا كان لزاما علي ان أسافر جوا الى طرابلس غير ان موظفة المكتب اعتذرت عن عدم وجود حجز الى هناك، وكان البديل دخول ليبيا عن طريق تونس. وقد فاتني ان اذكر أنني قبل قدومي للأردن كنت قد حصلت على فيزا ترانزيت عبر تونس العاصمة من جهة السفارة التونسية بمنطقة الوشاش ببغداد.

لقد حجب تلهفي للوصول الى ليبيا أمور كان ينبغي التروي فيها  من بينها ان العقد المغترب ينص على ان نفقات السفر تدفع من قبل  الطرف الأول أي الجانب الليبي. كنت احمل مع اندفاعي قلبا يثق بالآخرين لأدرك في وقت متأخر ــ فيما بعد طبعا ـــ أنني سأصل الى ليبيا على نفقتي الخاصة ! وكان ثمن التذكرة يتجاوز الخمسمائة دولارا أي نصف ما لدي من ذخيرة مالية دفعتها بكل سرور وغفلة لتنزل بالتالي في جيوب جهات التعاقد.أمّا من تحلوا بالصبر فكانوا من الفائزين طبعا لأن الجانب الليبي اضطر أمام لوبي الضغط الذي شكله الجانب الثاني ومعظم أفراده من  المدرسين العراقيين المتقاعدين وتاركي العمل الى التكفل بدفع نفقات السفر لصالحهم.وذلكم كان المطب الأول الذي مررت به كمحصلة لغفلتي وتعجلي وعدم تدقيقي في بنود العقد !

بعد رحلة دامت ما يقارب الساعتين هبطت الطائرة التابعة للخطوط الجوية التونسية  في مطار تونس لأفاجأ بمسلك غريب عني وهو ان الركاب، وحالما حطت الطائرة على ارض المطار، راحوا  يصفقون ابتهاجا بسلامة الوصول، ولعله تقليد تونسي محلي، لا ادري !

لحظة لفظني مايكروباص المطار في قلب العاصمة التونسية، شعرت بالجوع فدلفت الى احد مطاعم الوجبات السريعة وطلبت شطيرة هامبرغر وحين سألني عامل المطعم ان كنت ارغب بإضافة قليل من الهريسة أجبته انْ نعم وكلي شوق لطبق الهريسة المعد من جريش القمح والذي اعتدنا تناوله في المناسبات الدينية. وكانت الصدمة هي ان الهريسة في بلاد المغرب لم تكن سوى صلصلة الفلفل الشديد الحرارة !

قذفتني الحافلة في ساحة برشلونة  بقلب العاصمة التونسية حيث سأقيم في فندق شعبي يدعى (سيدي بلحسن) في غرفة واسعة تضم ستة أجساد لنزلاء نائمين او منشغلين بالتدخين. ثم استغرقت في نوم عميق.

في مساء اليوم التالي كنت في ساحة (باب عليوة) التي كانت تضم صفا من حافلات الأسفار البعيدة. حجزت تذكرتي وارتقيت الحافلة التي انطلقت شرقا باتجاه مبتغاي : ارض ليبيا.

في صباح اليوم التالي وبعد سفرة مضنية وصلت الحافلة الى منتهى رحلتها.. ساحة الجزائر بقلب العاصمة الليبية طرابلس الغرب حيث سأستكمل إجراءات عملي الجديد والتقي شقيقتي وأسرتها.

لم يكن لدى صهري أدنى فكرة عن موعد قدومي الى طرابلس فإثناء مكالمة مرحة بيننا بعمان وحين سألته اين يسكن في طرابلس أجابني :

ــ حي الشرقية.. زنقة الشجرة اليابسة !

وقتها دونت العنوان في مذكرتي الصغيرة ظانّا انه كان يمزح.غير انه بعد مكالمة ثانية وتأكده من جدية قدومي زودني بعنوان الشركة التي يعمل فيها بطرابلس. ولهذا تعين علي ان أبيت في احد فنادق المدينة كيما أريح جسدي من وعثاء سفر بري تجاوز السبعمائة  كيلومتر قبل الوصول الى طرابلس العاصمة.

وفي صباح اليوم التالي وبعد جولة قصيرة تمكنت من الوصول الى الشركة التي يعمل فيها صهري، غير انه لم يكن موجودا هناك انما كان قد اوصى سائق الشركة المصري بإيصالي للبيت.

وهذا وبعد ستة عشر عاما تمكنت من الالتقاء بأختي وأسرتها لأنعم بليلة هانئة بعد حفلة اللقاء الممزوجة بالآهات والدموع والضحكات.

يـــتـــبـــع

***

محمد سهيل احمد

إن الطاقة الزمنية تكمن في عمر الإنسان، في خطواته ويومياته آلتي يعيشها، فالإنسان مسؤول عن عمره كيف أفناه فإذا ما مات إبن ادم انقطع عمله إلاّ من صدقة جارية أو ولد صالح يستغفر له، أو علم ينتفع به، فما دام موجودا فإنه يتمكن من أن يصنع الخير.

لقد تساءلت في نفسي كثيرا، لماذا لايدفع هذا الإنسان الحقوق المتوجبه عليه؟ لماذا لايذكر الله؟ لماذا لايذكر الفقراء والمساكين والمحتاجين؟ لماذا لايكون ساعيا في خدمة الناس مادام قادرا مستطيعا؟ لماذا لايساهم بالأعمال الخيرية.

إن هنالك ألف باب وباب يمكن أن يدخل الإنسان فيها إلى قلوب الأخرين، وعندما يكون بهذه المنزلة بين الناس فهو بلا شك سوف يكون ذا حضوة ومرضاة عند الله، اذا ماعلمنا بأن كثرة حوائج الناس إلى شخص ما هي (من نعم الله عليه) .

خدمة الإنسان هي أروع صور استغلال الطاقة الجسدية والذهنية والنفسية وتسخيرها لتكون نافعة مفيدة في اي مجتمع كان،ولايهم ان كان الناس في هذا المجتمع مسلمون، مسيحيون، صابئة مندائيون، عربا أو غير عرب .. المهم انهم يشتركون في الإنسانية وفي المواطنة.

فنحن كما نوجه الطاقة الذهنية في الاختراعات المفيدة للبشرية مثلا.. علينا ايضا أن نوجه الطاقة البدنية كذلك. لخدمة الإنسان من حولنا، عند ذلك سوف نشعر فعلا أننا حققنا ذاتنا وارضينا الله عنا، وادخلنا السرور إلى قلب نبينا (ص) .

***

بقلم: تهاني الطرفي

لا ينبغي أن أنحاز إلى الكتاب الرقمي ولا أن أنصِّب نفسي مدافعا عن كبرياء الكتاب الورقيّ المهدور. ولا أخفي قناعتي بأن حظ الكتاب الورقي سيكون مثل حظ التكسيفون في صراعه مع الهاتف الجوّال.

لكنّني عندما أبحث عن كتبي الأولى المنشورة في بداية الثمانينات من القرن الماضي ولا أراها الا في مكتبتي الخاصة أطرح على نفسي سؤالين بسيطين:

الأول: لماذا انسحبتْ أو اندثرتْ الكتب المهمّة وإن في الدراسة والبحث في زمن قصير جدا؟

الثاني: هر نحن مقدمون على عصر الكتاب ذي الاستعمال الواحد؟

وقد تأتي الاجابة من الواقع والواقع مقنع بالرغم عن الأهواء والأماني والأمزجة. يقول الواقع إن العالم مُقْدم على تغييرٍ عميق لا أحد يدري حجم المعجزات التي سيجود بها علينا. وأنا أخمن أن العلاقة بين الصّنفين (الورقيّ والرّقمي) ستتحسّنُ لتصبح علاقة تكامل لا علاقة تنافر، متوقِّعا أن تكبر الهجرة نحو الوسائل المسموعة والمصوّرة. فالكتب الرّقمية مستمرة في التّطوّر والانتشار بفضل ما أصبح عليه العالم الافتراضي من سهولة وسلاسة فهو   معروض لكل راغب فيه، منفتح لكل من طرق أبوابه ومستسلم لكل باحث، دون أن يحتاج إلى كثير من الدّراية، إذ يحتاج فقط إلى قليل من الصبر والجهد والى خبث وحيلة جميلة. إنه يشبه إلى حد كبير عالم الإبداع.

 فهل يختلف الكتاب الرقمي عن الكتاب الورقي أم يخالفه؟

الكتاب الرّقمي نصّ مكتوب ومقروء بلغة ما، يشبه النّصَّ الورقيّ في الإعداد والإحضار والجمع ويخضع للمراجعة والإصلاح إلا أنه يختلف عنه كثيرا فهو مكتوب على حوامل الكترونية ذات شاشات للقراءة ويخضع إلى تصفيف خاص يُمَكّن متصفِّحه من الوصول السّريع   إلى مختلف عناصره وإعادة الرّبط بين الفقرات إن لزم الأمر، ويمنحه أساليب البحث السّريع والاسترجاع. والكتاب الرّقميّ قابل لإضافة الصّوت والصّورة إليه بحيث يستطيع القارئُ سماعَ صوتِ تقليب الورقة كلما طُويت صفحةٌ أو الاستمتاعَ بموسيقى مصاحبة للنّص. ومن خاصيته أيضا أن محتواه يُخزَن في ملفّات ويودع في حاسوب سواء بالكتابة على لوحة المفاتيح أو بماسح ضوئي يتولّى تصوير الكتاب وخزنَه. وهكذا يكون الكتاب جاهزا للقراءة أو للنشر على الانترنت وقابلا للتنزيل في أي مكان من العالم، ومحمولا في الجيب.

ظهر الكتاب الالكتروني سنة 1971 في أمريكا على يد مايكل هارت الذي أراد أن يؤسس مشروعا سمّاه غوتنبارغ يهدف إلى تحويل عديد الكتب وخزنها في مكتبة رقميّة ليتفاعل معها النّاس عن بعد.

استمر النّشر الالكتروني بطيئا نسبيّا ثم انفجر دفعة واحدة في العشرية الأخيرة من القرن الماضي وأقنع الناس بمزاياه المتعددة. ويمكن أن نسوق بعضا من هذه المزايا:

1 ـ مدة انجاز الكتاب الرقمي قصيرة.

2 ـ الكتاب الرّقمي متحرّر من شروط الطّباعة.

3 ــ تكلفة إنتاج الكتاب الرّقمي بسيطة.

4 ــ سرعة الانتشار والارسال الشبه مجاني.

5 ــ يستجيب بسرعة لكل سائل وباحث عن معلومة.

6 ــ سهولة في الاشتغال على النص وإصلاح الأخطاء حتى والكتاب منشور.

7ــ يمكن اختيار شكل الغلاف وألوانه وحجم الكتاب في ظرف وجيز

8 ــ يستجيب للتّرجمة الفورية.

9 ـ يُحمَل في الجيب مع آلاف الكتب في قرص فلاش واحد.

10 ـ يمكن إنتاج الكتاب الرقمي أو الصوتي في المنزل.

لهذه الاسباب بادرت بنشر كتبي على الانترنت، تحديدا على موقع الامازون لهدفين

اولهما سرعة وسهولة الانتشار. وثانيهما امكانية البيع ودوام العرض. اذ يكفي ان يكتب القارئ اسم الكاتب على الموقع بالعربية او باللاتينية لتبدو له غلافات الكتب وطريقة الاقتناء وكيفية التحويل وشكل الكتاب.

وهكذا يطمئنّ الكاتب على كتبه. فهي لن تندثر ولن تمزّقها الأيدي ولن تؤذيها رطوبة المكتبات. يكفي ان تبقى نسخ منها في الارشيف الوطني لتأثيث الذاكرة الجماعية. أما المعروضة للقراء فالأفضل أن تبقى حيّة على الانترنت.

***

المولدي فروج

ونحن صغار، نُمرغ أجسادنا المنتفخة بالأمل في تراب الطفولة التي لا تَرحل عن عيوننا التواقة إلى تسلق أعمدة الكهرباء والعبث بالطين والماء. أما ونحن كبار، فلا نكف عن السخط والتذمر، لأننا بقدر ما نكبر نصبح أقل مقاومة لأدنى تيار كهربائي يصعقنا تحت سماء الحياة، صَدِّق يا صاحبي أنها الحياة التي تتلذذ بكوننا نموت.

نموت مع إخفاقنا في قطف عنب النجاح الذي يخبئه ثعلب ماكر في جيب الصداقة الوهمية، نموت كلما تأخر لبن الحظ الذي لا يحضر إلا متعثرا، نموت تحت غيمة القَدَر الممطِرة بالأمل والألم تباعا، نموت بين تضاريس المناخ النفسي ذاك الذي لا ينصفنا إلا جثثا طريحة اليأس، نموت، كالأشجار نموت واقفين، ولا ننحني لمن زاد عيبُه وقلَّ رُطَبُه.

مع كل تنهيدة نطفئ حرائقَ زمنٍ لم يُنصفنا صُنَّاعُها، مع كل بوحٍ نُفجر أنهارا تتربع على حجرها سدرة القسوة الحالفة ألا يبخل علينا شوكها بعناق، ومع كل صباح نمدِّدُ آية الكرسي على ألسنة كفاها الزهد أن تندفع لتنبس ببنت شفة أخرى لا تليق بمنفى الربيع.

طاحونة الأيام تُهَرِّبُ خبزَ المحبة الصافية لوجه الله بعيدا عن لهفة العين، وغِربان الظلام لا تَترك لاجتهادنا مُتَنَفَّسا إلا لتُعْمِيَ بصائر من يهابهم البصرُ، والبشرُ صَدِّقْ يا صاحبي أن أكثرهم كأعجاز النخل بلا رؤوس، يفكرون بلا منطق يحتكم إلى شريعة العقل، يبيعون الوهم، ويفصلون الحضور على مقاس المزاج.

السنوات تَأكل من الواحد ما يأكله المنشار، والمواقف وطن أكثره منفى لا دفء يسري في العروق ولا رائحة تنبعث مع كل حبة تراب.

السطو! السطو على العقل أبشع أنواع الغزو! غير أننا مازلنا نَدبّ، ندبٌّ دبيب دودة عمياء لا تخونها ثقة بقية الحواس فيها، ونَزحف زَحْفَ بطريق يُجيد اللعب بريشه الأبيض والأسود وهو يجني بطولة شطرنج التمويه على امتداد مساحة الزمن البارد.

لَوْز مُرّ:

- وفي قلب الليل أنفاس، تجهش الأنفاس التي قَيَّدَها الحرمان بدموع الأمومة المهرَّبَة مع تين الشتاء بعيدا عن كفّ الممكن.

- أما آن لمسطرة قانون حفار القبور أن تُنْصِفَ الموتى بعيدا عن صرخة نفاق جرذان الوقت الحالفة أن تَقضم كَفَنَ الحُلم والحِلم؟!

- صرخة واحدة لا تَكفي ليُجِيدَ الفمُ ترتيب شفتيه إذعانا لأمر الروح التي فاتها أن تُغادِرَ معركة النضال الزمني مغادرةً طَوعيةً من باب ترتيب أوراق الجسد الذي نسي أن يَحمل مظلة المقاومة عند سقوط آخِر ورقة من أوراق شجرة التحدي الحالفة أن تُعَرِّيك يا جسدَ الأيام الأمَّارة باستمرار رحلة العته بعيدا عن قطار منتصف الرغيف.

***

بقلم د. سعاد درير

لا يوجد فيلسوف، أديب أو مثقف لم يقرأ الفيلسوف الألماني الكبير فردريك نيتشه (1844ـ1900)، أو قرأ عنه وعن فلسفته، وليس في بلده ألمانيا، أو أوروبا وإنما في العالم أجمع بشرقه وغربه .

فقد كان لهذا الفيلسوف تأثير طاغ ومؤثر في الفلسفة، التاريخ،النقد، اللغة، الشعر  والفن، وقد ترك تأثيرا على الفلسفة الغربية الحديثة، وتاريخ الفكر العالمي الحديث، كما أنه كتب بلغة ألمانية جميلة ورائقة لذلك  تعتبرُ مؤلفاته من روائع الأدب الألماني ..

والمثير في سيرة هذا  الفيلسوف الكبير أنه كان ناقدا للجميع وناقما على الكل، فكل فيلسوف أو أديب أو  فنان إلا   ونال منه  وانتقده وهدم إبداعه أو وجوده الأخلاقي أو الإبداعي .

انتقد أرسطو، والمسيحية، وهيجل، وكانط، وريتشارد فاغنر، وشوبنهاور  ويعقوب بوكهارت وغيرهم من الفلاسفة أو الأدباء الذين عاصروه ...

وهذا أمر عجيب في تاريخ الفلسفة الطويل والممتد الى أيام الإغريق، أن يقوم فيلسوف برفض كل القيم الاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية والجمالية رفضا تاما ومطلقاَ! بل الحياة نفسها اعتبرها نيتشه بلا معنى، وهذا حكم غريب وعجيب يصدر عن فيلسوف متعمق، فلذلك اعتبره مؤرخو الفلسفة   الممهد لظهور الوجودية التي تطورت مع وهايدغر وسارتر وكامو!...

ويعتبر كتابه هكذا زرادشت من الروائع العالمية، حوي مجمل أفكاره مثل إرادة القوة، نقد عنيف للمسيحية، الإنسان الأعلى والكامل أو السوبرمان، أخلاق السادة  والعبيد ....

وحينما بلغ الخمسين من عمره أصاب المرض جسده، فأنهكه حتى أنه أصيب بالشلل والالتهاب الرئوي، وسرعان ما توفي سنة 1900م وهو يبلغ من العمر 56 سنة؛ توفي مع بداية القرن العشرين. وبعد ثلاثين سنة أو أقل من وفاته بدأ التأثير الواضح والمزلزل لفلسفته على بلده ألمانيا وعى أوروبا بشكل عام، وحتى اليوم إذ يعُد من أكثر وأعمق الفلاسفة تأثيرا في تاريخنا المعاصر.

***

بقلم عبدالقادر رالة

 

لا تزال تحفة جورج أورويل التنبؤية البائسة، "1984"، المكتوبة عام 1949، يتردد صداها في القرن الحادي والعشرين بسبب تصويرها المؤلم لحالة المراقبة الحكومية، والتلاعب بالمعلومات، والسيطرة على الأفكار والأفعال الفردية. على الرغم من وقوعها أحداث الرواية في عالم خيالي، فإن هذه الرواية تعد بمثابة انعكاس للمجتمع المعاصر، حيث تسلط الضوء على التهديدات التي تتعرض لها الخصوصية وحرية الفكر وتآكل الحقيقة. وبينما نتعمق في تعقيدات الرواية وموضوعاتها ورؤى أورويل العميقة، يصبح  من الواضح أن رواية " 1984" تظل وثيقة الصلة بعالمنا اليوم على نحو مقلق.

 في "1984"، أنشأ أورويل نظاما قمعيا يسمى أوقيانوسيا، والذي يراقب مواطنيه باستمرار من خلال شاشات الرصد والميكروفونات وشرطة الفكر. وتذكرنا هذه المراقبة المستمرة بأنظمة المراقبة السائدة في المجتمعات الحديثة. إن انتشار كاميرات المراقبة في الأماكن العامة، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وجمع البيانات الشخصية من قبل عمالقة التكنولوجيا، يعكس حالة المراقبة الموضحة في الرواية.

 يعد التلاعب بالمعلومات والتحكم فيها موضوعا آخر تم استكشافه بعمق في "1984". إن مفهوم "التفكير المزدوج"، حيث يُجبر المواطنون على قبول معتقدات متناقضة، يتردد صداه مع انتشار المعلومات المضللة والدعاية في عصرنا. إن لغة "نيوزسبيك" لأورويل، وهي لغة تهدف إلى الحد من حرية الفكر، لها أوجه تشابه في الرقابة وتصفية المعلومات في العصر الرقمي.

 يجسد أورويل بدقة مفهوم الحرب الدائمة في رواية 1984، حيث تتوحد الصراعات وتشتت الجماهير عن القضايا الداخلية. وينسجم هذا مع انخراط العصر الحديث في حروب لا نهاية لها والاستغلال السياسي للاشتباكات العسكرية لتحويل انتباه الرأي العام عن الاهتمامات الداخلية.

وتوضح "1984" مخاطر سيطرة النظام الاستبدادي على أفكار الفرد وأفعاله. إن تلاعب الحزب بالتاريخ، والمراقبة المستمرة، واستراتيجيات السيطرة على الفكر، والتي تجسدت في إعادة تعليم بطل الرواية ونستون سميث، تدعونا إلى التفكير في مدى قابليتنا للتلاعب الجماعي وتآكل الإرادة الحرة.

 تصوير أورويل للغة الجديدة، وهي لغة مصممة للحد من التعبير والفكر المستقل، هو بمثابة قصة تحذيرية للمجتمع المعاصر. إن صعود الصواب السياسي والضغوط المتزايدة للتوافق مع معايير أيديولوجية معينة يعكس جهود الحزب لقمع الفردية والمعارضة في الرواية.

 تؤكد الرواية على أهمية الذاكرة والمقاومة. علاقة وينستون السرية مع جوليا وأعمالهما التخريبية تنقل رغبة الإنسان في الأصالة والحرية. وحتى في غياب الحرية، تؤكد الرواية أهمية الحفاظ على هوية الفرد الأساسية.

 "1984" تحث على التفكير في دور التكنولوجيا في حياتنا. تشبه شاشات الرصد التي تراقب المواطنين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع التأثير المنتشر للهواتف الذكية والأجهزة الأخرى في مجتمعنا الحديث. إن تحذيرات أورويل بشأن المخاطر المحتملة وفقدان الخصوصية وسط التقدم التكنولوجي يجب أن تجعلنا نتوقف ونقيم التضحيات التي نقدمها دون قصد.

يتردد صدى مفهوم أورويل عن "الأخ الأكبر" مع صعود القادة الاستبداديين في القرن الحادي والعشرين. إن عبادة الشخصية، والمراقبة الغازية، وخنق المعارضة الموجودة في الرواية تذكرنا بالأنظمة المعاصرة التي تعزز سلطتها من خلال تكنولوجيا المراقبة وقمع الأصوات المعارضة.

 تؤكد الرواية على أهمية الحقيقة كتهديد للنظام الشمولي. إن وظيفة وينستون في وزارة الحقيقة، حيث يقوم بتغيير الوثائق لتناسب رواية الحزب، تشبه التلاعب بالحقائق واستخدام المعلومات كسلاح في عصر ما بعد الحقيقة اليوم. يذكرنا أورويل بأن الحقيقة يمكن قمعها وتشويهها ومحوها في نهاية المطاف.

 عندما نتأمل رواية أورويل "1984"، يصبح من الواضح أن موضوعاتها العميقة لا تزال تضرب على وتر حساس مع حقائق القرن الحادي والعشرين. سواء كان الأمر يتعلق بتآكل الخصوصية، أو التلاعب بالمعلومات، أو السيطرة على الأفكار والأفعال، فإن حكاية أورويل التحذيرية بمثابة تذكير دائم بأهمية حماية حرياتنا والحفاظ على القيم الأساسية للحقيقة والاستقلال الفردي. من خلال الفحص النقدي لتصوير الرواية للديستوبيا، نكتسب نظرة ثاقبة للتهديدات والتحديات التي لا تزال قائمة في مجتمعنا، مما يلهمنا لنظل مدافعين يقظين عن الديمقراطية وعملاء التغيير.

***

محمد عبد الكريم يوسف

الخواء داء ليس مثله داء.. لا دواء له ليس منه شفاء.. خواء الروح..  غباء القلب مقبرة للوجود...

سألتني صديقتي عن الغرق في مكان السقوط.. ثم أردفت بقصيدة لوديع سعادة:

 "كيف يمكن انقاذ الزهرة الداخلية في هذا الجرف؟

هذا البهاء اليتيم كيف يمكن انقاذه؟

الطافي يحيا..الغارق يموت.."

عندما تكون وجها لوجه مع الخواء..

مع غباء الروح...

قد تسقط وتغرق وياليتك تموت مرة واحدة وتنتهي المعاناة..غير انك تظل تغرق الى ما لانهاية في مهزلة وجودية لامعنى لها إلا الشقاء الاعتباطي ..

أبيات وديع سعادة واسمه جرتني جرا للبحث عنه واكتشافه فأنا لم اسمع به قبل.. واكتشفت أنه لبناني مهاجر في استراليا. هو مبدع بقلم مميز وكلماته مبهرة لا مثيل لها ..

 قال فيه صديقه اسكندر حبش «الراكب غادر الباص ونزل في محطة نائية، بعيدا عن كل ما جعله يندم على هذه الإنسانية التي لم يتوقّف عن التمسّك بها. لكن من الصعب الجزم أنه سحب لبنان من صدره نهائيا».

اختار وديع سعادة الحياة.. أختار أن يطفو بدل التجديف عكس التيار بل أنه إنساب مع التيار حيث يجرفه فكان الشعر وديعا يسعد الروح وينعش القلب..

اختار أن يطفو، بدل الغرق، عبر الكتابة بأسلوب فريد متفرد...

بينما ثمة من اختار الغرق ويصفهم كاتب" لا بطعم  الفلامنكو " الدكتور النفسي محمد طه فيما معناه أن ثمة اناس أغلبهم من الذكور للأسف يتصورون أنهم الطرف الأقوى في المعادلات.. الطرف الذي لا يحتاج ان يعرف ولا يحتاج ان يتعلم ولا يحتاج أن يعي.. ويختار أن يقاوم التغيير بكل طريقة ويعاند الحياة نفسها وقوانين الطبيعة منذ الأزل ويصر على المشي عكس التيار حتى تنهار كل المعابد على رؤوس قاطنيها .

لا أدري لماذا تقودني كل هذه الأفكار والمقالات والتجارب الى مفهوم "المقاومة" ولكن ليس بمعناها الثوري الإنساني الذي يعبر عن رفض الظلم والتصدي له ومكافحته بكل الأساليب.. فالف تحية لكل ثائر حر والمجد والخلود للشهداء..

إنما أنا اقصد المقاومة حسب مفهوم علم النفس والتي تأخذ نفس معنى الرفض والتصدي والإنكار لكن هذه المرة ضد  الحقيقة ..المقاومة في علم النفس هي إحدى ٱليات العقل للدفاع ضد الألم وهي في الحقيقة إحدى اسلحة الإيقو للدفاع عن نفسه بشكل ما.. تجديف ضد التيار ومحاولة مستميتة   للهروب من الوجه البشع للحقيقة ..

عندما تصر على رفض الواقع أو رفض بعض الأشخاص ويؤدي هذا الفعل  إلى طاقة مهدورة تسبب المعاناة.. إننا من خلال رفض هذه الأمور التي لا نحبها نرفض تمظهرها في حياتنا ونرفض وجودها اصلا وهو  تصرف ورد فعل ضد الفطرة وضد الطبيعة فالمتضادات والمتناقضات والاختلافات هي سر معجزة الوجود كل المتناقضات تتفاعل في الطبيعة بسلام وتقبل وانسجام إعجازي...

لكن مجاراة الايقو الذي يحب ان يخلق المعاناة من كل  ما لايسير على هواه فيصورلك انك وجدت في المكان الغلط أو الزمان الغلط لأن كل من حولك لايفهمونك ولايصلون الى عمق ماتصل إليه لانهم تافهون سطحيون...

وقد يكونون هم فعلا كذلك ولكن ماهو مضيعة للوقت هو ان تجعل بساطتهم أو تفاهتهم أو سخفهم أو غباءهم سببا لألمك ..أنت يجب أن تتقبل وتستقبل الحكمة الإلهية من وجودهم في حياتك وتستثمر هذا الوجود لخلق سعادتك الخاصة يجب ان تستثمر حتى الأنانية  وتتعلم الدرس كما تفعل ميكانيزمات جسمك للتعلم من الطفيليات لجعل بعضها نافعا ..وكما يتعلم من الفيروسات كيف يكتسب المناعة ..

الله خلق لك كل هؤلاء المعلمين حتى تستمر وتتفوق وتبدع وتتالق ...

عندما تسقط في لج عات لا تظل تتخبط ولاتجذف عكس التيار بل لابد من الاستفادة من القوة الدافعة حتى تطفو ..

وان استطعت ان تتنفس من حين لاخر تحت الماء لن تكون النهاية ابدا.. ونجاتك ستكون رهينة مدى حبك  للحياة وتمسكك بحقك في العيش الذي أنت تريده وتصبو إليه بروح وقادة وضمير حي وانسجام مع الوجود واستقبال لكل هداياه حتى التي لا تعجبك وليست على مقاسك ولا على مزاجك ..

انفتاحك على كل الاحتمالات سيجعل أعتى عدو أجدر معلم واشرس مفترس سيكون أقوى ملهم.

إن الفوز بفرصة جديدة في عمر جديد يبدأ الآن في ذات هذه اللحظة التي أمامك وأنت وجها لوجه مع المخاطرة فإما حياة بشغف وإما موت بشرف.

يقول وديع سعادة:

"مهما كان هذا الحمْل ثقيلاً

يمكنك أيضاً أن تكون

نسمة."

اذا ابتليت بشيء من جمال الروح فلابد أن تشقى ..

اذا ابتليت بشيء من جمال الروح لاتقل كيف هي أقصر الطرق إليك  ...

إن تذوق حلاوة العسل تبدأ باولى الخطوات إليه والطريق صعب ..

لابد أن تفنى ..

***

عواطف نصرلي - تونس

 

مسرحية فتى العالم الغربي، كتبها الكاتب المسرحي الأيرلندي جون ميلينجتون سينج، تستكشف موضوع الاستعمار وتأثيره على الشعب الأيرلندي. تدور أحداث المسرحية في ريف أيرلندا في مطلع القرن العشرين، وتصور وصول شخص غريب يدعى كريستي ماهون، الذي يدعي أنه قتل والده. يثير هذا الحدث قدرا كبيرا من الاهتمام في المجتمع الصغير، مما يعكس العلاقة المعقدة بين المستعمِر والمستعمَر. وتسلط المسرحية الضوء من خلال شخصياتها وتفاعلاتها على الآثار النفسية والثقافية للاستعمار.

أحد العناصر الرئيسية للاستعمار التي تم استكشافها في المسرحية هو التأثير النفسي الذي يحدثه على المستعمر. يتم تصوير الشعب الأيرلندي على أنه متأثر بشدة بمنظور المستعمر وقيمه. يظهر هذا عندما يتقبل كريستي ماهون بفارغ الصبر الإعجاب الذي تلقاه من السكان المحليين عندما يكشف أنه قتل والده. في هذا العرض للعنف والتحدي، تجسد كريستي رغبة المستعمرين في تأكيد استقلالهم والاعتراف بهم من قبل مضطهديهم.

 تتعمق المسرحية في الآثار الثقافية للاستعمار. ويعرض كيف استوعب الشعب الأيرلندي الصور النمطية التي فرضها عليهم المستعمر. على سبيل المثال، عندما لاحظت بيجين مايك أن والدها يحذرها من "حيل الرجال"، فإن ذلك يعكس ديناميكيات السلطة في المجتمع المستعمر حيث غالبا ما يُنظر إلى النساء على أنهن مجرد أشياء للرغبة وليسن أفرادا لهن فاعليتهن الخاصة. يتم تسليط الضوء بشكل أكبر على هذا الاضطهاد الثقافي من خلال شخصية أولد ماهون، الذي يتم تصويره على أنه شخصية ضعيفة وخاضعة، تجسّد آثار الاستعمار المُضعفة.

بالإضافة إلى الآثار النفسية والثقافية، يولد الاستعمار أيضًا ديناميكيات السلطة بين المستعمر والمستعمر. تمثل شخصية كريستي ماهون جاذبية قوة المستعمر. اعترافه بقتل والده يمنحه احتراما مؤقتا وسلطة بين السكان المحليين. تتحدى هذه الديناميكية فكرة أن الأفراد المضطهدين عاجزون تمامًا وتوضح كيف يمكن استخدام القوة المتصورة للمستعمر للحصول على ميزة اجتماعية داخل المجتمع المستعمر.

 تتناول المسرحية صمود ومقاومة الشعب المستعمر. تُظهر شخصية بيجين مايك القوة والاستقلالية في تحديها للأعراف المجتمعية. إن قرارها باختيار كريستي خطيبا لها، على الرغم من اعترافه العنيف، يدل على مقاومتها لقيم الانقياد والقمع التي فرضها المستعمر على المرأة. ترمز أفعالها إلى صمود الشعب الأيرلندي في مواجهة الاستعمار، وتسلط الضوء على تصميمه على الحفاظ على هويته وقدرته على الصمود.

تستخدم المسرحية أيضا السخرية لتسليط الضوء على تعقيدات الاستعمار. يبدو في البداية أن وصول كريستي والانبهار الذي أثاره بين القرويين كان وسيلة للهروب من صراعاتهم اليومية. ومع ذلك، مع تقدم المسرحية، يصبح من الواضح أن هوسهم بقصته يعزز فقط الدونية التي فرضوها على أنفسهم. بهذه الطريقة، يصبح وصول البطل المحتمل بمثابة تذكير مؤلم بهياكل السلطة القمعية الموجودة في المجتمع المستعمر.

 تستكشف المسرحية موضوع الاستعمار الداخلي داخل المجتمع الأيرلندي. تمثل شخصيات مثل مايكل فلاهيرتي الشخصيات القمعية داخل المجتمع والتي تعمل على إدامة عقلية المستعمر. إن تصميم مايكل على الحفاظ على الصورة النمطية للأيرلنديين المضطهدين يؤدي إلى إدامة الاستعمار الداخلي للشعب الأيرلندي، مع التركيز على الطبيعة المعقدة لديناميكيات السلطة داخل المجتمع المستعمر.

 تسلط مسرحية فتى الغرب اللعوب الضوء على التأثيرات المتعددة الأوجه للاستعمار على الشعب الأيرلندي. من خلال استكشافها للديناميكيات النفسية والثقافية وديناميكيات القوة، تلقي المسرحية الضوء على تعقيدات العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر. وتلقي الضوء على الآثار النفسية لاستيعاب قيم المستعمر وصوره النمطية، فضلا عن القمع الثقافي المفروض على الشعب الأيرلندي. في النهاية، تعرض المسرحية أيضا مرونة المجتمع الأيرلندي ومقاومته، وتقدم فهما دقيقا للديناميكيات التي تلعبها في المجتمع المستعمر.

***

محمد عبد الكريم يوسف

مقدمة: تتعمق قصيدة إليوت الشهيرة "الأرض اليباب"، التي نُشرت في الربع الأول من القرن العشرين وتحديدا عام ١٩٢٢، في النفس المجزأة لمجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى. إلى جانب تقديم مشهد مقفر من اليأس والانحلال، يقدم إليوت تنبؤات مذهلة بالمستقبل في هذا العمل الأساسي. من خلال الصور الحية، والروايات المجزأة، والاستكشافات المواضيعية، حيث يتحدى إليوت القراء لمواجهة مشهد يبدو فيه الأمل بعيد المنال وينتظره مستقبل شرير. تحلل هذه المقالة عشرة تنبؤات رئيسية قدمها إليوت في "الأرض اليباب" ومدى صلتها بمجتمعنا المعاصر.

تدهور المشهد الحضري:

في "الأرض اليباب"، يصور إليوت رؤية بائسة للانحطاط الحضري، مما يعكس تدهور الجوانب المادية والمعنوية للإنسانية. إن هذا التصوير القاتم للمشهد الحضري يحذرنا من الصراعات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الوشيكة التي تنتظرنا.

الفراغ الروحي والإفلاس الأخلاقي:

تسلط قصيدة إليوت الضوء على الفراغ الروحي والانحطاط الأخلاقي لمجتمع ما بعد الحرب. إن المستقبل المتوقع الذي يظهر من خلال هذه الأرض القاحلة هو بمثابة قصة تحذيرية لاستمرار انحدار البشرية إلى الإفلاس الأخلاقي.

خيبة الأمل في التقدم:

تُظهر وجهة نظر إليوت للتقدم والحداثة في "الأرض اليباب" خيبة أمل عميقة الجذور تجاه التقدم التكنولوجي وما تلا ذلك من عزلة ناجمة عن هيمنتها. يتصور الشاعر مستقبلا حيث يصبح البشر منفصلين بشكل متزايد عن بعضهم البعض، ويستعبدون لاختراعاتهم الخاصة.

فشل الاتصال:

يتنبأ تصوير إليوت للروايات المجزأة والأصوات المفككة في "الأرض اليباب" بمستقبل يصبح فيه انهيار الاتصالات وعواقبه أكثر وضوحا. يتم تصوير عدم القدرة على فهم وجهات نظر بعضنا البعض وما تلا ذلك من تصاعد سوء الفهم والصراع بشكل صارخ في القصيدة.

انهيار التقاليد الثقافية والأخلاقية:

تتنبأ "الأرض اليباب" بتآكل القيم الثقافية والأخلاقية، وهو ما يتضح من خلال إشارات القصيدة إلى الأساطير والتقاليد الدينية المختلفة التي تعاني من الفوضى. يقترح إليوت أن المستقبل الخالي من التماسك الثقافي والأخلاقي يولد عدم اليقين والفوضى.

فقدان الهوية وأثره على الصحة النفسية:

تستكشف قصيدة إليوت موضوع الهوية المجزأة، وتتنبأ بمستقبل حيث يعاني الأفراد من شعور مكسور بالذات. تستبق هذه الصورة التداعيات النفسية لمجتمع يفشل في تزويد الأفراد بأساس لبناء هوية متماسكة.

النزعة الاستهلاكية والمادية المفرطة:

"الأرض اليباب" تحذر من مخاطر النزعة الاستهلاكية والمساعي المادية. يتنبأ إليوت بمستقبل يظل فيه الأفراد محاصرين في دائرة من الاستهلاك المتواصل، مما يؤدي إلى مجتمع محبط ومليء بالسخط والتدهور البيئي.

زوال الحب والعلاقات التقليدية:

تسلط قصيدة إليوت الضوء على تآكل الحب والعلاقات التقليدية، والذي يتضح من خلال التفاعلات المختلة والعلاقات الفاشلة بين شخصياتها. يثير هذا التنبؤ مخاوف بشأن مستقبل العلاقة الحميمة والوفاء العاطفي في مجتمع منفصل عن الانحرافات وإشباع الذات.

الصدمة المستمرة وآثارها على المجتمع:

تستكشف قصيدة "الأرض اليباب" صدمة الحرب وتأثيرها الدائم على الفرد والمجتمع ككل. إن توقعات إليوت حول الآثار المتبقية للصدمة تحثنا على معالجة عواقب الصراعات الماضية لمنعها من الظهور مرة أخرى وإدامة حلقة مفرغة من الدمار.

إمكانية الفداء والأمل:

على الرغم من أنه تصوير مؤلم لمستقبل مقفر، إلا أن "الأرض اليباب" تقدم أيضا بشكل غامض لمحات من الخلاص وإمكانية استعادة الأمل. تشير القصيدة إلى أنه من خلال مواجهة الحقائق القاسية للأرض القاحلة، يمكن للبشرية أن تجد القوة لإعادة بناء نفسها وتجديدها.

خاتمة:

من خلال "الأرض اليباب"، يقدم إليوت لمحة مثيرة للتفكير في المستقبل، محذرا المجتمع من مخاطر الانحلال الأخلاقي، والتدهور البيئي، والانفصال. ومن خلال دراسة تنبؤات إليوت، نكتسب نظرة ثاقبة لعصرنا والعواقب المحتملة التي تنتظرنا إذا فشلنا في الانتباه إلى حكايته التحذيرية. دعونا نغتنم هذه الفرصة لإعادة التفكير في طريقنا والعمل على خلق مستقبل يعزز الترابط والتعاطف والاستدامة.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

خواطر

هذا الصّباح، أطلّت علينا الشّمس الدّافئة، بعد أيّام متواصلة من المطر، باستحياء أطلّت من بين الغيوم، ترسل أشعّتها النّاعمة لتملأ الأرض بهجةً وإشراقا. إنّه أجملُ الصّباحات، تفوح منه رائحة الأرض بعد المطر، أكثرُ الصّباحات صمتًا، يبعث السّكينة في النفس، يُنسي البال ما كان بالأمس يشغله، ويملأ النفس فرحًا لا يشبهه فرح. صباحٌ باردٌ بردًا يوقد الأشواق، مغسولٌ بماء المطر وقطرات النّدى. صباحٌ يغري بالكتابة.

شكرا

يمتلئ البال بالخواطر كلّ يوم طوال الأسبوع، معظمها تذهب وتتلاشى في غمرة الأحداث وتسارع الأيام، لكنّ ما يبقى محفورًا في الذّات هو أكثرها صدقًا وعمقًا.

هذا الأسبوع تذكّرتُ جدّي مرة أخرى، عندما سمعتُ أغنية «شكرا»*:

شكرًا لأبطال الحكاية كلّهم

من شكّلوا فينا الحقيقة والخيال

فلكلّ فصل في حياتي قصةٌ

ولكلّ سطرٍ ما يُقال وما يُقال

يقولون إنّنا لا نعرف قيمة الأشياء إلّا بعد أن نفقدها. فكم من مرةٍ لا نقول شكرًا لأناس عبروا من حياتنا، نكتشفُ أنّنا ممتلئون بهم. شكرًا واحدة لا تكفي ولا توفي حقّ جدّي ومنزلته في قلبي، ولا حتى ألف شكر، فهو من علّمني حبّ اللغة العربية، وحبّ الكتب والقراءة وعلّمني ما لم يعلّمني أحدٌ دون أيّ كلام.

وتقول الأغنية أيضا:

شكرًا لمن غرسوا كلامًا طيّبًا

بقلوبنا فغدت ربيعًا لا يزال

ولنا ابتساماتهم كأجمل بُردةٍ

ولهم علينا دائمًا صبر الجبال

وكان السّؤال الذي أثير في بالي: هل هناك فرق بين (شكرا) و (أشكرك) باللغة العربية؟

فخطر لي أنّ شكرًا هي كلمة عامّة جدًّا، تُقال لأيّ أحد، بلا مشاعر خاصّة، وأحيانا كثيرة للمجاملة. لكنّ (أشكرك) هي كلمة موجّهة بشكل خاصّ، محمّلة بالأحاسيس، نابعة من قلبٍ إلى قلب، لها وقعٌ خاصٌّ في القلب، فيها تقرّبٌ، تمييزٌ وامتياز، مملوءة بالمحبة والألفة، تكسر الحواجز بين القلوب.

شكرا أيقظت بي العديد من الأفكار. فقد خطر لي أنّنا لا نستعملها كثيرًا، ليس كما ينبغي ربما، بلغتي الأم الشّركسية، ولطالما كانت مبعثًا للحيرة وربما الحرج لاستعمالها. وقد أكون مخطئة في ذلك.

لماذا؟ هل لأنّها جُملة طويلة؟

«تح ويغبسو» بما يعني: الله يحفظك. وإذا كانت (شكرا) هي (الله يحفظك) فكيف نشكر الله بلغتنا؟ سؤال بقيَ عالقًا في ذهني إلى اليوم بلا إجابة.

هذا الأسبوع أدهشني أحدهم عندما قال لي إنّ طول جملة (شكرا) بالشركسية فيه جُهدٌ وعمقٌ أكثر، وهي تحمل زيادةً في المعنى وتُلغي الغفليّة.

ربما... من يدري*.

خصوصيّة

هذا الأسبوع قرأتُ عن مسلسل «كبرى» الذي يُعرض على نيتفليكس فشاهدتُ الإعلان الترويجي للمسلسل. يظهر فيه رجلٌ وامرأة مستغرقين في حديث، عندما تصل رسالة نصّية إلى الرجل، فتفتح المرأة الرسالة وتقرأها: أنت مختلف.

فتسأله: ما هذا؟

يقول لها: لا أدري.

هل تعرفها؟

لا.

من الواضح أنها تعرفك لأنها تقول لك إنك مختلف.

أنا لا أعرفها حقا.

إن كنت لا تعرفها فلماذا تراسلك؟

لا أدري لماذا، لكنّ هذه المعاتبة للرجل من قبل المرأة بسبب شكّها بأنّه يغازل امرأة أخرى غيرها، والتي نراها ونسمع عنها كثيرا، لا تروق لي. أحسّ فيها شيئًا من الغباء وحتى الإذلال للمرأة، في حال كانت المعاتبة من قبلها، فالحبّ هو الثّقة أولا وأخيرا، وإن ذهبت الثّقة فكيف يبقى الحب؟

 تلك المعاتبة أثارت في ذهني مرةً أخرى خواطر عن الغيرة بين الرّجل والمرأة. أين الحدود؟

هل من حق المرأة (لنفرض أنها الزوجة) أن تفتح رسائل زوجها النصّيّة أو رسائله الالكترونية؟

هناك العديد من الأزواج يطلبون من الشّريك معرفة كلمة السّر لهاتفه الخليويّ أو بريده الإلكتروني ويصرّون على ذلك بادّعاء أن هذا من حقّهم. هل من حقّ الزوجة أن تتابع زوجها خطوة بخطوة وتتدخّل بعلاقاته وصداقاته وخطواته؟ أليس الرّجل هو إنسانٌ أولا ويحتاج إلى شيء من الخصوصيّة ليحتفظ فيها بنفسه، برغباته؟

ألا توجد مساحة شخصيّة بين الأزواج؟

هناك من يدّعي أن لا خصوصية بين الأزواج، يعني كل ما هو لك لي وكل ما هو لي لك.

ما الذي يدفع الإنسان ليجبر أحدًا للتنازل عن خصوصيّته؟

هل هذا هو الحبّ؟ أم الزّواج؟ أم الغيرة؟ أم أنّه حبّ الامتلاك؟

عندما يحاول أحدهم التّحكّم بكلّ تصرّفاتك، كلماتك وعلاقاتك ويعاتبك على كل كبيرة وصغيرة فهذا لا يعني أنّه يحبّك، بل يعني حبّه لامتلاكك والسّيطرة عليك جسديًّا، مادّيًّا وعاطفيًّا، ويعني أنه لا يحترمك ويدلّ على عدم تقديره لذاته حتى تظلّ الشّكوك تراوده. 

كلّنا نحتاج إلى مساحة شخصيّة أو خاصّة بنا بطريقة وإلى حدّ ما، مساحة نشعر فيها بالأمان والاستقلاليّة، ونشعر أنّنا لسنا عرضةً للانتقاد. فيها يمكننا التفكير والتأمّل والتساؤل وتطوير آرائنا ومواقفنا المختلفة بما يتناسب مع أنفسنا، ومنها يمكننا الانفتاح على الآخرين عندما نقرّر ذلك بإرادتنا.

صحيح أنّ الشّفافية مطلوبة وضروريّة في العلاقة الزّوجية، لكنّ الحاجة إلى الخصوصيّة عند الإنسان لا تختفي بعد الزّواج. على العكس، ربما تكبر أكثر. لذا، على الأزواج التوصّل إلى تفاهم بأن العلاقة الزّوجية لا تعني إلغاء الخصوصيّة، بل عليهما احترام خصوصيّة الآخر ومساحته الشّخصية والحفاظ على الثّقة بالآخر.

غضب

هذا الأسبوع أيضا كانت لي محادثة مثيرة للتساؤلات مع إحدى السّاكنات في بيت المسنّين الذي أعمل فيه، والتي وصلت إلى البيت قبل نحو شهرين أو أكثر، مع غيرها من المسنّين والمسنّات الذين سكنوا البيت بعد أن تمّ إخلاؤهم من بيوتهم في شمال إسرائيل بسبب الحرب. إنّها امرأة لطيفة في الثمانينيات من العمر، صاحية وواعية تماما، كانت تعمل في رعاية المسنّين في شبابها، والآن تحتاج إلى الرعاية. منذ سنوات تعاني من مرض الربو، وتنتابها نوبات الربو، ويعني ذلك صعوبة في التّنفس، وما يصعب عليها أيضا أنّها، مؤخرًا، لم تعد قادرة على المشي، وهذا يعني أنّها تعتمد على الآخرين في كلّ شيء تقريبا، وخاصة، في قضاء حاجتها، الأمر الذي تحتاجه مرات عديدة خلال النهار. مكثت في المستشفى لعدة أيام بسبب صعوبة التنفس، ومنذ عودتها إلى البيت كانت مريضة وضعيفة وكثيرة التّذمّر.

جلستُ أمامها وسألتها عن حالها، فقالت: حالي ليس جيّدًا أبدًا، أنظري إليّ. هل هذه حياة؟

أخبرتني عن مدى صعوبة هذا المرض وعدم قدرتها على المشي لقضاء حاجتها بنفسها.

استمعتُ إليها وحاولتُ تشجيعها والتّخفيف عليها قدر الإمكان، فقلتُ لها إن هناك أمورًا لا سيطرة لنا فيها وعلينا فقط مواجهتها والتعايش معها وأنّ ذلك هو قضاء الله.

فقالت: أنا أعرف أنّ ذلك هو قضاء الله وأنا قابلة بذلك، ولكنّني غاضبة أيضا، غاضبة على الله، وأتساءل: لماذا يخلقنا ويعذّبنا؟ هذا مرض صعب جدا، لا أتمنّاه لأحد.

أحيانا، مجرد الحديث عن الصّعوبات يخفّف عنا الكثير، وهذه السّيّدة بالذّات، ربما جزء من معاناتها أنها واعية تماما، بعكس كلّ السّاكنات والسّكان الآخرين في هذا القسم بالذّات من البيت، الذين يعانون من مرض الخرف والزهايمر. وأحيانا قد يساعدنا أن نعرف عن غيرنا الذي يعاني أكثر ويتحلّى بقوّة التّحمّل والصّبر، فأخبرتها عن معاناة سيّدة أخرى أعرفها تعاني أكثر منها منذ الصّغر، وكيف أنّها تحافظ على ابتسامتها وتبقى راضية رغم كلّ شيء، فرأيتُ كيف تبدي تعاطفها معها، وفي نهاية المحادثة سررتُ برؤية الابتسامة ترتسم على شفتيها رغم كلّ شيء. أحيانا، نحتاج فقط إلى من يسمعنا وينصت إلينا، حتّى لو لم يكن بإمكانه فعل شيء.

***

حوا بطواش

كفر كما 3.2.2024

.................................

* شكرا – كلمات: محمد موسى، ألحان وغناء: رامي محمد، توزيع: محمد هارون.

** ربما من يدري- مقتبس من أسطورة صينية بنفس العنوان.

ما كنت أحسب أن الدعوة الكريمة التي أرسلها إلي صديقي محمد المي قبل أيام من افتتاح معرض مدينة تونس للكتاب لحضور أمسية ليوم الإثنين 2 فيفري 2924 خاصة بمنتدى التنوير الذي يشرف عليه منذ سنوات والذي كنت من بين الأدباء التونسيين الذين قدمهم ونشر لكل منهم مجموعة المداخلات الخاصة به في كتاب...

ما كنت أحسب أن تكريما ينتظرني أيضا فجزيل الشكر لصديقنا الأستاذ محمد المي الذي دأب بلا كلل ولا ملل على مدى سنوات عديدة يحتفي بالأدب التونسي في مختلف أطواره وأجياله وعلى تنوع أصنافه وأجناسه متحديا المصاعب والتحديات مؤمنا بأن هذه البلاد التونسية زاهرة بالعطاء واصلا القدامى بالمعاصرين ومحتفيا بالقدامى منهم والأحياء على حد السواء !3381 تكريم سوف عبيد

إن ما أضاف إلى هذا التكريم البهيج الذي حظيت به أنه كان برفقة أصدقاء أعزاء من الذين جايلتهم وعرفتهم عن قرب وهم الأديبة نافلة ذهب صاحبة القلم القصصي المتميز بلغته الشفافة الناصعة وبسبر أغوار شخصياتها القصصية وبالتقاطها لأهم هواجس المجتمع التونسي وتحولاته بالإضافة إلى منجزها المهم في الكتابة للأطفال واليافعين وقد ولجت بقصصها تلك بابا مهما في أدبنا المعاصر وأسدت معروفا لعديد الأجيال بما بذرت فيها من شغف المطالعة وحب اللغة العربية.

وكم كنت سعيداً أيضا بتكريم صديقي الأديب جلول عزونة الذي رغم اختصاصه في تدريس الأدب الفرنسي بالجامعة التونسية فإنه اختار كتابة أقاصيصه باللغة العربية وكذلك دأب على كتابة بحوثه الاجتماعية والتاريخية بلغة الضاد ناهيك أيضا أنه محقق حصيف لكثير من كتب التراث التي نفض عنا غبار النسيان وأعاد إليها وهجها وإشعاعها.

أما الثالثة من المكرمين في منتدى التنوير بمناسبة معرض مدينة تونس للكتاب سنة 2024 فهي الأديبة مسعودة بوبكر هذه الأديبة التي سرعان ما فرضت قلمها بين الأقلام الراسخة في تونس وذلك بفضل غزارة كتابتها وتواتر إصداراتها قصة ورواية وشعرا ونقدا وغير ذلك من فنون الكتابة وقد تيسر لها ذلك لأنها أخذت الأدب مأخذ الجد والحزم وعكفت على النهل من معينه بالمطالعة والاستفادة من تشجيع السابقين لها ونذكر من بينهم خاصة أستاذنا الأديب محمد العروسي المطوي فالأديبة مسعودة بوبكر أعتبرها حقا ابنة الأدب التونسي من خلال منابره وفضاءاته المختلفة حيث كانت مواظبة على ارتدياتها ثم على تسييرها وتنشيطها مثل نادي القصة بالوردية وهادئة القصاصين باتحاد الكتاب وناديك الطاهر الحداد وغيرها فأكدت بذلك أن الموهبة هي أساس الإبداع متى حظيت من صاحبها بحسن الصقل وبالدأب والمثابرة.

أجمل التهاني إذن لأصدقائي المكرمين معي راجيا لهم المزيد من العطاء لإثراء المكتبة التونسية والسلام على أرواح الأدباء الذين غادرونا والشكر الجزيل لصديقنا محمد المي ولجميع الأطراف المنظمة لهذه المبادرة.

***

سوف عبيد

 

لوحة"الأخوات الثلاث" المستلهمة من أثر أدبي لأنطون تشيخوف في معرض خاص..

الفن بما هو مسار بحث وحيرة وتبدلات وأسئلة تجاه الذات والآخرين حيث الفكرة مجال ذهاب نحو العناصر والكائنات انطلاقا من وعي حاد للقول بالبهاء عنوانا والجمال فلسفة وو هنا تبرز الدوافع الكامنة في شواسع الفنان من أحاسيس وهواجس وتأملات عميقة وانسانيات وهموم حافة بالانسان في امتداداته في الزمان والمكان.الفنان التشكيلي الهادي فنينة في رحلته الفنية لعقود من الزمن وضمن تفاعلاته مع الأداب في علاقاتها بالفنون ووفق قراءاته للرواية في تعدد تلويناتها وفي أعماله الفنية وخاصة معرضه المنتظم بفضاء سيدي عيسى بالحمامات عرض عملا فنيا يحيل الى عوالم أدب أنطون تشيكوف وتحديدا " الأخوات الثلاث ".فالعمل الفني كان وفق التكعيبية من خلال الاشتغال على الألوان والفضاء في اللوحة وبأسلوب الفنان شكل حالة جمالية تنهل من هذا المنجز بقلم الكاتب والمسرحي الروسي أنطون تشيخوف الذي كتبت في سنة1900، وعرض أول مرة في سنة 1901 بمسرح موسكو للفنون.. فالمسرحية ضمن قائمة المسرحيات المتميزة لتشيخوف، إلى جانب " النورس " و" العم فانيا. ".. وهي بمثابة عمل يقوم على الخيال الأدبي الذي يخص ثلاث شابات شقيقات وهن أولغا وماشا وإيرينا، حيث عوالم مفعمة بالأحلام والانكسار والرغبات تجاه الحياة وتحدياتها ورتابتها في بلدة صغيرة بروسيا .. الفنان الهادي فنينة نقل كل ذلك مستلهما من هذا الأثر الأدبي حيث اللوحة تعبر بعمق على سردية وأحوال ومناخات رواية “الأخوات الثلاث”.. عمل فني التقى خلاله أدبيا وجماليا فنينة بتشيكوف ضمن رغبات الفنان في قراءة هذا الأثر العالمي فنيا.. وتشيكوف " كاتب مسرحي وكاتب قصص قصيرة روسي يعتبر من أعظم الكُتاب على الإطلاق. أنتجت مسيرته ككاتب مسرحي أربع روايات كلاسيكية، وتحظى أفضل قصصه القصيرة بتقدير كبير من قبل الكتاب والنقاد، كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين.. بدأ تشيخوف الكتابة عندما كان طالبًا في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء، واستمرّ أيضًا في مهنة الطب وتخلى تشيخوف عن المسرح بعد الاستقبال الأولي الفاتر لمسرحية النورس في عام 1896، ولكن تم إحياء المسرحية في عام 1898 من قبل قسطنطين ستانيسلافسكي في مسرح موسكو للفنون، التي أنتجت في وقت لاحق أيضًا العم فانيا لتشيخوف وعرضت آخر مسرحيَّتين له وكان ذلك لأول مرة " الأخوات الثلاث" و"بستان الكرز" وشكلت هذه الأعمال الأربعة تحديًا لفرقة العمل وكذلك للجماهيرلأن أعمال تشيخوف تتميز بـمزاجية المسرح والحياة المغمورة في النص.. كان تشيخوف يكتب في البداية لتحقيق مكاسب مادية فقط، ولكن سرعان ما نمت طموحاته الفنية كان أنطون عاشقًا للمسرح وللأدب مُنذ صغره، وحضر أول عرض مسرحي في حياته أوبرا هيلين الجميلة لباخ عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، ومنذ تلك اللحظة أضحى عاشقًا للمسرح، وكان ينفق كل مدخراته لحضور المسرحيات...". الفنان الهادي فنينة الذي تماهى مع عمل من روائع تشيكوف كان يرى في الفن مجالا لالتقاء الابداعات والفنون وهو كقارئ لروايات تشيكوف وكونتر غراس وهمنغواي وياسمينة خضراء وغيرهم رأى ممكنات الالتقاء بين الابداعات المختلفة بل انه يسعى لاستلهام العديد من الأعمال الفنية من آثار أدبية قرأها وأحبها... واللوحة المعنية والتي عنوانها " الأخوات الثلاث " برزت في المعرض الشخصي للفنان التشكيلي الهادي فنينة بالفضاء الثقافي سيدي عيسى لجمعية صيانة المدينمة بالحمامات حيث قدم الفنان عددا من لوحاته وأعماله الفنية ضمن نشاطه الفني التشكيلي وذلك بعد معرض خاص انتظم قبل اسابيع بفضاءات العرض بدار سيباستيان بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات.و تنوعت لوحات الفنان لتعكس جانبا من تجربته التشكيلية بين المشاهد الخاصة بالحمامات من البرج والبحر والمعمار الى جانب لوحات أخرى معبرة عن مواضيع شتى تهم الانسان. معرض ينضاف لعديد المعارض الفنية للفنان الهادي الذي بقي على علاقاته بالرسم يحمل بين أنفاسه حبه الدفين للحمامات بعطورها القديمة والحديثة وهو الذي عاش في ألمانيا لفترة وفي دوسلدورف حيث تعرف الى العديد من تفاصيل الحياة والناس والفنون ليعود وفي قلبه شيء من حتى...من قيمة الفن في حياة الناس.. هذه بعض شؤون وشجون الدلفين الحمامي مع الناس والمجتمع لتظل تونس في قلبه والحمامات التي يراها كما رسمها في لوحته الفنية ضمن عنوان " الحمامات التحفونة ". وما الى ذلك من من اللوحات المتعددة ومنها لوحة " الأخوات الثلاث " العمل الفني المستلهم من أثر أدبي لأنطون تشيخوف ونعني " الأخوات الثلاث ".

***

شمس الدين العوني

إن الطبيعة العنيفة للثورة هي موضوع متكرر في رواية تشارلز ديكنز "قصة مدينتين". تدور أحداث القصة خلال الفترة المضطربة للثورة الفرنسية، وتصور بوضوح الوحشية وسفك الدماء التي رافقت هذه الفترة من الاضطرابات. في هذا المقال، سأستكشف حالات العنف المختلفة وأهميتها في إيصال الطبيعة المدمرة للثورة.

تبدأ الرواية بوصف مجتمع يعاني من الفقر وعدم المساواة، وهي الظروف التي تزرع بذور التمرد وتقود إلى الدمار والخراب. ومع تزايد السخط بين الطبقات الدنيا، بدأت الثورة في التبلور. ومع ذلك، فإن ما كان في البداية معركة من أجل العدالة سرعان ما تحول إلى كابوس فوضوي من العنف. يعد اقتحام سجن الباستيل، رمز القمع الملكي، بمثابة مثال مبكر على هذا العنف، حيث يطلق الثوار العنان لغضبهم المكبوت على حراس السجن، تاركين وراءهم مشهدا قاتما من الموت والدمار.

علاوة على ذلك، يصور ديكنز ببراعة الطبيعة القاسية وغير المتسامحة للثورة من خلال شخصية مدام ديفارج. مدام ديفارج، الثورية الانتقامية، تحيك سجلا بأسماء أولئك الذين ترغب في رؤيتهم يُعدمون، وهو ما يمثل العنف العشوائي الذي يصاحب مثل هذه الحركات السياسية. يكشف هوسها بالانتقام وملاحقتها المتواصلة لأعدائها عن عمق القسوة التي يمكن أن تجلبها الثورة إلى الناس.

يضاف إلى ذلك، فإن المحكمة الثورية، التي أنشئت لتحقيق العدالة السريعة، أصبحت أداة للإرهاب. إن المشاهد داخل قاعة المحكمة تقشعر لها الأبدان، حيث يُحكم على أشخاص أبرياء بالإعدام لمجرد الاشتباه، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. يرسم ديكنز صورة مروعة لعقلية الغوغاء، حيث يطغى التعطش للانتقام على العقل والأخلاق. تسلط مشاهد العنف هذه الضوء على الآثار اللاإنسانية للثورة، حيث يمكن حتى للقضايا الأكثر صدقا أن تؤدي إلى عواقب وحشية.

بالإضافة إلى العنف الذي يمارس على الأفراد، تجلب الثورة أيضًا الدمار على نطاق واسع. إن اقتحام قصر فرساي وما تلا ذلك من تدمير لثرائه يسلط الضوء على رغبة الثورة في القضاء على رموز النظام القديم. يؤكد حرق القصور ونهب منازل النبلاء على الطبيعة المتطرفة والعنيفة للانتفاضة.

وفي ذروة الثورة، في عهد الإرهاب، يصل العنف إلى ذروته. يتم إعدام عدد لا يحصى من الأفراد بالمقصلة، حيث يكون مجرد اتهامهم بالخيانة كافياً لتحديد مصيرهم. نجد شوارع باريس ملطخة بالدماء، والخوف يتخلل كل ركن من أركان المدينة. يصور ديكنز بمهارة رعب هذه الفترة، حيث تتمزق العائلات، ويخون الأصدقاء بعضهم البعض، ويتفكك نسيج المجتمع ذاته.

وبينما يحتدم العنف في الخارج، يُظهر ديكنز أيضا الأثر النفسي الذي يلحقه بالأفراد. إن شخصية الدكتور مانيت، الذي تحمل سنوات من السجن، متأثرة بشدة بالعنف الذي شهده. تتجلى الصدمة التي لحقت به في عدم الاستقرار العقلي، مما يرمز إلى كيف يمكن للعنف أن يترك ندوبًا دائمة في النفس البشرية.

وأكثر من ذلك، فإن العنف في "قصة مدينتين" يتجاوز الحدود الوطنية، فحتى شوارع لندن الهادئة ليست محصنة ضد قبضته. إن القتل الوحشي لخادمة لوسي مانيت البريئة والفاضلة، الآنسة بروس، على يد مدام ديفارج، هو تذكير صارخ بأن العنف يمكن أن يمتد ويبتلع حتى أولئك الذين ليسوا مشاركين مباشرين في الثورة.

في الختام، تقدم "قصة مدينتين" صورة صارخة للطبيعة العنيفة للثورة. يصور ديكنز بمهارة الانحدار إلى الفوضى وإراقة الدماء بينما تتحول الانتفاضة ضد عدم المساواة إلى كابوس مرعب. ومن خلال استخدام الصور القوية والشخصيات المقنعة، يسلط ديكنز الضوء على العواقب المدمرة التي تصاحب مثل هذه الحركات. تعتبر الرواية بمثابة حكاية تحذيرية، تذكرنا بالفظائع التي يمكن إطلاق العنان لها عندما يصبح العنف هو المحرك الدافع للتغيير المجتمعي.

***

محمد عبد الكريم يوسف

كل شيء موجود في الخارج، حتى نفسي اليوم تتواجد خارج عوالم تحكمات القيم. اليوم، أعيش في عُزلة الفوضى والتي ليست بالخلاقة، حتى وأنا أسير وسط الجسم الاجتماعي الناضج. في الطريق ظللت عاجزا عن التغلب على مستويات القلق، وكنت أعاني من الإخفاق في خوض مراقي سلالم التغيير. كنت أخاف أن أثقل كاهلي بآمال وتوقعات لا ضرورة منها، ولا تُجدي نفسي من تجويد سعادة حياتي الباقية. أعراض الانسحاب من مكان لآخر كانت مستمرة وبلا توقفات. ومن التفكير الجوهري كنت أُعاني قسوة من سلطة الاستثناءات. لحظات أُخلط المعايير والمقاييس، وبات يومي ضحية للاعتباطية العشوائية، وأنا أمشي في هذا المُنْطق منتكس الشعور مع عَرجِ الحمق والتيه.

تحولت في مسار سيري رأسا على عقب، و صدري يضيق نفسا من الغرق المفرط من فراغات الروح العلوية، وحتى من ذاتي يأتيني الخوف والهلع. لحظة، وأنا في هذه الحالة الاستثنائية، سمعت صوتا يشابه صوت أبي (رحمه الله)، وهو في محراب الصلاة يرتل كتاب الله بالطريقة المغربية التقليدية. في انحيازي وجنوح ذاتي المتكرر نحو مصدر الصوت، وضعت نفسي موضع توالد التخمينات، وكأن شكي في سمعي كان واضحا. تذكرت، مقولة للمعلم الأول أرسطو(من مزايا العقل ... أنه قادر على التأمل في فكرة من الأفكار غير أن يقبلها...) كقيم مسلمة جاهزة، وهي مهارة وجدتها أكثر تطويرا، وملمس انتماء إلى عالمي الواقعي المنغمس في الخيال.

في إنقاذ جهازي النفسي، اعتمرت نظارة سوداء، وأنا الذي أكره رؤية عالمي الخارجي في ألوان الزجاج. أحسست أن عقلي يُجري نوعا من التقويمات والتعديلات، حينها عرفت أني أسير نحو الصوت، ولن أتردد من زيارة قبر أبي (رحمه الله) في هذا الصباح للبكاء والترحم على روحه الطاهرة .

ظللت أدور في نفس فلك تفكير الدرب. توقف وهو يلاصق سيري، شيخ لم أشهده قطا يطوف بذات الحي، كانت لحيته بيضاء يعتمرها تخصيب حناء طري، وبعصاه المعقوفة أوقفني بالسلام. أصبح ماثلا بالقرب مِنِّي، حينها أحسست بِبُرهبة غير مألوفة تلفني بالشعور المتدني نحو الخوف من صانعي سحرالسماوي، لكني استحملت رؤيته كذات يقينية لا خيالية، إذ لكل منَّا، نحن جميعا، قيمه الخاصة، وكل منا يعمل على حمايتها ودعمها من التلف، والشيخ كان تلك الصدفة الراقية التي جعلته اليوم بطريقي.

لم أتردد في استحضار الذات الخائفة أمام الذات الحكيمة ومفارقات إصراره على الحديث. كان شعره الكثيف يماثل حكايات سيدي عياد السوسي المتصوف الزاهد. كانت نظراته حادة وثاقبة، وغير رحيمة على نفسيتي المبعثرة بالتشرد البرهاني. قال: أعرفك، لست شخصا صالحا حين تبتعد عن الواقع وعن ذاتك !! ما مشكلتك المفزعة؟ أنت تحتاج إلى الهدوء، والعودة بالارتداد نحو ذاتك الأليفة !!

تساءل في عيوني حين نزعت النظارة: من الواضح أن شيئا ما يزعجك وينغص يومك!! لم أكن أعير لكلامه قيمة تركيبية، لكنه أصر إصرارا على النظر في عيني مرة ثانية بالتفحص الممل. كنت حينها أتردد بالتلعثم في اختيار كلمات مُريحة كإجابات مختصرة لتساؤلاته القصدية، وقلت بأدب: أتعرف سيدي علي الذهاب الآن. ابتسم في وجهي، وهو يخاطبني بشدة صوت العياء: لما تتلاطف مع الهروب الدائم بلا توقف، وترفض أن تكون مثل طائر الفنيق الذي يتحلى بمعاودة الحياة من رماده الناري!! لما لا تُغادر وقوفك المائل، وتترك أثرا لتقويض أسس الزمن المتردي !! لماذا يزعجك أمر التغيير إلى هذا الحد؟ وكيف ترضى أن تبقى في تحجر التفكير السلبي؟ فأبوك في مرقده ينعم بالجنة، فلا خوف على فقيه، لم يفارق محراب ولا ميقات الصلاة.

قلت له ربما علي اللحاق بأبي الآن للزيارة والترحم، فقد نزغ في قلبي ذكراه. لا عليك فالصبر أخلاق، ثم شد على يدي بقوة، وأفرغ وعيي الداخلي من شعور الألم والبكاء. كان يعلم بالعفوية أن الوعي عندي لا داخل به فارغ. حينها أحسست بهدوء التجربة، ولم أسحب يدي عنه، إلا بعد صوت منبه سيارة أرجع الفزع إلى داخلي المرتد. كان السائق المسرع، قد بصق على نافذة السيارة أمامنا انتقاما منّا، ونحن في ممر الراجلين نمشي على مهل بحد سن الشيخ الهرم. لم أعر هذا السلوك اللاأخلاقي بدا، بل جاء الجواب من ذاك الشيخ الذي جعل الله اليوم في طريقي ليفرغ من إرهاق نفسي قسطا وفيرا، حين خاطب صاحب السيارة باستدارة الدعاء: اذهب إلى الجحيم !! من الصدف العجيبة والتي لم أجد لها تفسير عقلاني، أن السائق أتلف مساره، فأوجد السيارة في وسط المدارة بالانحراف، والدخان يتصاعد من المحرك احتراقا!!

***

محسن الأكرمين

 

كريستوفر مارلو، أحد أكثر الكتاب المسرحيين تأثيرا في العصر الإليزابيثي، معروف بإضفاء عناصر غامضة ومظلمة على أعماله الدرامية. غالبًا ما تستكشف مسرحياته، مثل "دكتور فاوستوس" و"تامبورلين العظيم"، أعماق الفساد البشري وعواقب الطموح الجامح. إن استخدام مارلو للظلال الداكنة في دراماته يعمل على تعميق التعقيد النفسي لشخصياته، وزيادة التوتر الدرامي، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للحالة الإنسانية.

في مسرحية "دكتور فاوستس"، يستكشف مارلو موضوعات الطموح والسعي وراء المعرفة. الشخصية التي تحمل اسمها، فاوستوس، تبيع روحها للشيطان مقابل قوة ومعرفة غير محدودة. إن هذا العهد مع الشيطان يمثل مثالا للظلام والانحلال الأخلاقي. يقدم مارلو فاوستوس كشخصية مأساوية مدفوعة بغطرسته ورغبته في السلطة، مما يؤدي في النهاية إلى إدانته. تخلق الظلال الداكنة المنسوجة في جميع أنحاء المسرحية جوا من الهلاك الوشيك وتؤكد على عواقب الطموح الجامح.

وبالمثل، في مسرحية "تامبورلين العظيم"، يصور مارلو صعود وسقوط الشخصية العظيمة ، والفاتح الذي لا يرحم. تُظهر أعمال تامبورلين المظلمة والعنيفة، مثل قتل المدنيين الأبرياء، عمق قسوته. يستخدم مارلو هذه الظلال الداكنة ليس فقط لتسليط الضوء على الانحلال الأخلاقي للبطل ولكن أيضًا للتشكيك في طبيعة السلطة وتأثيرها المفسد على الأفراد. تتعمق المسرحية في ميل الإنسان إلى الاستسلام للظلام الداخلي عندما يكون مدفوعا بالطموح.

ويتجلى استخدام مارلو للظلال الداكنة أيضًا في تصويره لشخصيات نسائية قوية ومعقدة. في فيلم "يهودي مالطا" يقدم شخصية أبيجيل، التي تدفعها رغبتها اليائسة في الانتقام إلى اتخاذ إجراءات متطرفة. إن تصوير تحول أبيجيل من شخصية تبدو بريئة إلى امرأة منتقمة ومخادعة يضيف عمقًا إلى المسرحية ويسلط الضوء على التعقيدات المظلمة للنفسية البشرية.

يمكن رؤية مثال آخر على استكشاف مارلو للظلال الداكنة في مسرحية "إدوارد الثاني"، وهي مسرحية تتعمق في موضوعات السلطة والمثلية الجنسية والخيانة. يخلق مارلو جوا حزينا وكئيبا للغاية طوال المسرحية، مما يعكس المصير المأساوي لبطل الرواية، الملك إدوارد الثاني. يؤكد استخدام مارلو للصور المظلمة وظلال اليأس على العزلة والعذاب الذي يواجهه الملك في بحثه عن الحب والقبول.

علاوة على ذلك، فإن معالجة مارلو للموضوعات الدينية في أعماله الدرامية تضيف طبقة من الظلام إلى أعماله. في "مذبحة باريس"، يصور الأحداث الفوضوية والوحشية لمذبحة يوم القديس بارثولوميو عام 1572. وتستكشف المسرحية موضوعات التعصب الديني والعنف، وتصور أحلك جوانب الطبيعة البشرية. إن إدراج مارلو لمثل هذه الأحداث الشنيعة يعزز الرسالة القائلة بأن الظلام يمكن أن يسكن حتى داخل أكثر الأفراد تقوىً.

تواجه أعمال مارلو الدرامية أيضا القضايا الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، مثل الفساد وإساءة استخدام السلطة. في "التاريخ المأساوي للدكتور فاوستوس"، تمثل شخصية مفستوفيلس التأثير المفسد للسلطة والجانب المظلم للسلطة. يستخدم مارلو صورا وظلالا داكنة للتأكيد على عواقب مثل هذه الانتهاكات والانحلال الأخلاقي الذي يصاحبها. يضيف هذا التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية عمقًا وأهمية لمسرحيات مارلو، ويسمح باستكشاف أكثر ثراء للحالة الإنسانية.

إن استخدام مارلو للظلال الداكنة في أعماله الدرامية يعمل أيضًا على تحدي الأعراف والتوقعات المجتمعية. يتعمق في مواضيع محظورة، مثل المثلية الجنسية والإلحاد، والتي كانت جرائم يعاقب عليها خلال العصر الإليزابيثي. إن جرأة مارلو في معالجة هذه المواضيع تضيف طبقة من الظلام إلى مسرحياته وتعكس الصراع بين القيود المجتمعية والرغبات الشخصية.

وفي الختام، فإن استخدام كريستوفر مارلو للظلال الداكنة في أعماله الدرامية يعمل على تعزيز التعقيد النفسي لشخصياته، وزيادة التوتر الدرامي، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للحالة الإنسانية. من خلال موضوعات الطموح والخيانة والدين والسلطة، يثير مارلو الاستبطان ويشجع الجماهير على مواجهة الظلام داخل أنفسهم. تستمر مسرحياته في جذب الجماهير بعد قرون، حيث تعرض الأهمية الدائمة لاستكشافه لظلال الظلام في الطبيعة البشرية.

***

محمد عبد الكريم يوسف

كيف ألهمت كوت ديفوار والمغرب العالم بتضامنهما

في قلب كوت ديفوار، حيث الشمس تُشرق بأمل جديد، تجسدت قصة إنسانية رائعة تخطت كل الحدود. ليست قصة كرة قدم عادية، بل قصة أخوة ووحدة تسرد فصولها الجماهير والمؤثرون من المغرب وكوت ديفوار. هنا، في أرض الفيلة، تحولت الملاعب والشوارع إلى مسرح للعرض الأكثر تأثيرًا على القلب والروح. كل شيء بدأ بمباراة كرة قدم، لكن ما حدث كان أكبر من مجرد لعبة. المشجعون المغاربة، بكرمهم الأصيل، ارتدوا التي شيرتات الإيفوارية، ورددوا بكل فخر: "اليوم نحن إيفواريون". وفي الجانب الآخر، استقبل الإيفواريون أشقاءهم المغاربة بالأحضان المفتوحة، مرتدين الألوان المغربية ومعلنين: "نحن مغاربة". الأعلام المرفوعة والألوان الممزوجة صاغت لوحة تضامن بديعة، وكأنها رسالة سلام تحلق فوق السماء. ومن بين الزحام، برزت قصة المرأة المغربية كوثر التي عاشت عشر سنوات في كوت ديفوار. بيتها فتح أبوابه على مصراعيها لاستقبال المغاربة، ليس فقط كضيوف، بل كأفراد من عائلتها. بالزي المغربي والإيفواري، جسدت هذه المرأة الوحدة الثقافية، وقدمت المطبخ الإيفواري بلمسة المحبة. كل زاوية في بيتها روت قصة الاحتضان والتقدير. وفي شوارع أبيدجان، تراقصت القلوب على أنغام الموسيقى، حيث مؤثرون مغاربة ينثرون البهجة بين أطفال ميتم، يشاركونهم الرقص والغناء. تلك اللحظات البسيطة، حيث ذبح البقر وتوزيع الطعام، أصبحت فصولًا في قصة العطاء والأمل. القصة لا تتوقف هنا، فحينما قام أحد المؤثرين المغاربة بتوزيع القفطان المغربي على النساء الإيفواريات، ارتدينه بفخر وتوجهن إلى الملعب لتشجيع المغرب. هذا المشهد البديع، حيث تتداخل الثقافات وتتحد القلوب، يرسم صورة الانسجام الإنساني الذي يمكن أن يكون بين الشعوب. في كوت ديفوار، تحولت كرة القدم إلى رمز للوحدة والتضامن. تلك اللحظات، حيث تجاوز الناس الاختلافات واحتضنوا المحبة والتقدير المتبادل، هي بمثابة تذكير بأن الإنسانية تتجاوز كل الحدود. في عالم مليء بالتحديات، تلك القصص البسيطة من المحبة والكرم تبعث الأمل وتظهر قوة الروابط الإنسانية. "أكثر من مجرد لعبة" ليست مجرد عبارة، بل هي واقع عشناه في كوت ديفوار، حيث اجتمعت القلوب وتوحدت الأرواح في احتفالية الأخوة والتضامن، مؤكدة أن في الإنسانية ما هو أعظم من كل الفوارق.

***

زكية خيرهم

 

كثيراً ما ينبغي أن تكون الكتابة مثل الحُبّ، عَصيّة على المنطق والتّنميط، أشبه ما تكون بالمُغامرة، تتقاطع مع السّائد من الأنساق العقليّة، ترفضها وتوبّخها وتكفر بقدسيّتها المُدعاة..

الكتابة: أخالها انفجارات خُطِّطَ لها أن تكون على الورق، تستهدف تدمير كُلّ ما أنشأته الدّيكتاتوريّة العقليّة، ليتمّ التّأسيس من جديدٍ لكلِّ ما هو مجنون ونَقيّ، فمن يحاول الكتابة، عليه أن يُحاصر العقل بأكثر مما يستحقّ من المعنى..

الكتابة تكون أحياناً مُهمّة شاقّة مثل الحُبّ وبسيطة جدّاً مثل الموت في بلادي، لاسيّما عندما تكون عن رجلٍ كان يُمرّر لسانه على سكين الرّطانة، لأنّ قلبه يُخبره بالمزيد يوم قَرّر الجنون وهو يقول: مستشفى المجانين هو المكان الوحيد الذي يُمكنني أن أقول فيه ما أشاء فيه، دون أن يَتّهمني أحد بالجنون..

والكتابة الكاذبة لا يُمكنها تقديم رغبةً مفيدةً أو نتائج ذات مغزى، مَثَلها مَثَل رجال الدّين الذين يحشرون مؤخّراتهم في السّياسة، فيفسدون الدّين والسّياسة على حَدٍّ سواء.

أحاول الكتابة عن رجلٍ نَجَحَ في سَرقةِ حياته من أنياب العقل والتّديُّن الزّائف والسّلطويّة بشتّى أصنافها الدّينيّة والسّياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة، وكان يتوزَّع في أكثر منه، وكان يتناسل فكراً وفلسفةً وأدباً وجنوناً..

 كان صاحبي الذي أتوق كتابته، أو الكتابة عنه أو الكتابة فيه، قد رأى ببصيرةِ جنونه، كُلّ الرّؤى خارج أسيجة العقل والتّمنطق وما قبله وما بعده وما فوقه وما تحته، وظَلَّ يرى ويرى ويرى حتّى ابيضت رؤياه من الحُبّ، وبات لونها إنسانيّاً أكثر مما ينبغي، أو أكثر مما تعوّدنا..

قَرَّر صاحبي أن يكون مجنوناً، لينجو من عبثيّة العقل السّائدة، بعد أن لم يبقَ له من الجروح ما تُناسب التحمُّل، وكان يعرف بأنّه لا يُمكن أن يكون حليفاً لمرايا المستقبل، بعد أن عاداه الأمل..

تَمَكَّن من إضاءة الأمكنة المُعتَمة والموحشة في العقل، بمصابيح الجنون التي صنعها لنفسه وللنّاس، مستنداً على عُكازة الوعي المحظور في عوالمنا العربيّة..

لم يثق صاحبي بهذا المستوى من العقل السّائد، ولم ينتسب إليه يوماً ما، وكان دائماً ما يُكرّر بأنّه: ما من جنونٍ ليس على حقٍّ، إنّما العقل وحده الذي يخطئ ويُصيب..

وهكذا غادرنا صاحبي المجنون لسببٍ وجيه، بينما ما زلنا نحن العقلاء عالقين هنا من دون أيّة أسباب..

***

علاء البغداديّ - باحثٌ وكاتبٌ من العراق

..........................

* خصيّر ميري: كاتبٌ وشاعرٌ وفيلسوف عراقيّ، كَتَبَ في الفلسفة والنَّقد والشّعر والتّاريخ. تمّ اعتقاله وتعذيبه بوحشيّةٍ في عهد الحكم الصّدّاميّ. تظاهر بالجنون وتمّ حجره في مستشفى المجانين لسنواتٍ عِدّة.

تحتل العيون الزرقاء مكانة هامة في شعر الشاعر السوري نزار قباني. في جميع أعماله، يستخدم قباني هذه الصور لترمز إلى الجمال والرغبة والشوق، وحتى قدرة البشرية على التواصل مع بعضها البعض. القوة الساحرة للعيون الزرقاء هي موضوع متكرر في شعر قباني، حيث تمثل الجاذبية الجسدية وبوابة للمشاعر العميقة. يستكشف هذا المقال الدور المتعدد الأوجه للعيون الزرقاء في قصائد قباني، ويسلط الضوء على تأثيرها على تصور القارئ للحب والشهوانية والتواصل الإنساني.

تظهر العيون الزرقاء في العديد من قصائد القباني كرمز للجمال الجسدي والرغبة. غالبا ما يصف الشاعر عيني محبوبته باستخدام عبارات مثل العيون الداكنة باللون الأزرق السماوي أو عيون مثل السماء عند الغسق. تثير هذه الاستعارات الحية إحساسا بالشوق والرهبة، مع التركيز على التأثير الآسر للعيون الزرقاء على الناظر. من خلال هذه الأوصاف، يدعو قباني القارئ إلى تقدير الجاذبية الجسدية للعيون الزرقاء والعمق العاطفي الذي تعكسه.

وبنفس القدر من الأهمية، كيف أصبحت العيون الزرقاء تصويرا للشهوانية في شعر نزار قباني. غالبا ما تربط صوره العاطفية للعيون الزرقاء بالتجارب الحميمية الرقيقة. يكتب عن فقدان الذات في أعماق تلك العيون الزرقاء الجذابة و"الهمسات الحسية التي تنبعث منها". هنا، لا تمثل العيون الزرقاء الانجذاب الجسدي فحسب، بل تمثل أيضا الشهوانية والرغبة التي غالبا ما تتشابك معها. إن استخدام نزار قباني للعيون الزرقاء كرمز للشهوانية يضيف طبقة أخرى من العمق إلى قصائده، مما يثير استجابة حسية داخل القارئ.

علاوة على ذلك، أصبحت العيون الزرقاء تعبيرا عن الشوق والحب غير المتبادل في أبيات نزار قباني. من خلال استخدامه لهذه الصور، فإنه ينقل الألم والشوق للرغبة التي لم تتحقق. وفي قصيدة بعنوان "عيون زرقاء بعيدة عن متناول اليد"، يقول قباني: "ستبقى عيناك نسيجا... وقلبي إلى الأبد يحمل شوقا". العيون الزرقاء، التي يُنظر إليها على أنها جمال بعيد المنال، تمثل حبا لا يزال بعيد المنال. يعزز تصوير الشوق هذا الشعور بالضعف والكثافة العاطفية في شعره.

ومع ذلك، يستخدم قباني أيضا العيون الزرقاء لتمثيل العلاقة بين الأفراد، وتسليط الضوء على دورهم كنوافذ للروح. في كتابه "رموشها كالحبر" كتب: "عيناها صلاتان مقدستان لا تمران دون إجابة". من خلال هذه الصور، يشير الشاعر إلى أن العيون الزرقاء تمتلك القدرة على إيصال ليس جمال الشخص فحسب، بل أيضا عمق عواطفه ورغباته. إن تصوير العيون الزرقاء كقناة للروح يدعو القارئ للتواصل مع شخصيات وموضوعات شعر قباني على مستوى أكثر عمقا.

علاوة على ذلك، فإن العيون الزرقاء بمثابة استعارة لقدرة البشرية الفطرية على التواصل مع بعضها البعض. في كتابه "النار داخل عينيها الزرقاوين"، يكتب قباني: "العالم لا يشعر بالنار إلا عندما يحترق داخل تلك العيون الزرقاء". هنا، يشير قباني إلى أنه من خلال نظرة العيون الزرقاء يمكن للمرء أن يفهم العالم من حوله ويتعاطف معه حقا. تمثل هذه الفكرة الإنسانية المشتركة وإمكانية التعاطف والتفاهم الموجودة داخلنا جميعا.

تستكشف العيون الزرقاء في شعر القباني أيضًا الانقسام بين العالمين الجسدي والعاطفي. وبينما تمثل الجمال الجسدي، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن أعماق مشاعر الشخص. على سبيل المثال، في "همسات العين الزرقاء"، يكتب قباني: "لقد تدفق قلبي من فمي من خلال فتح عينيك الجميلتين". تشير هذه الصور إلى أن العيون الزرقاء هي بوابة للتأمل العاطفي للفرد وقدرته على التعبير عن الضعف العميق. من خلال الجمع بين الجسدانية والعاطفية، يؤكد قباني على تعقيد وترابط التجربة الإنسانية.

وفي الختام، فإن تصوير العيون الزرقاء في شعر نزار قباني يشمل مواضيع وعواطف مختلفة. من تمثيل الجاذبية الجسدية والشهوانية إلى رمز الشوق والحب غير المتبادل والاتصال العاطفي، فإن العيون الزرقاء لها أهمية متعددة الطبقات في شعر القباني. ومن خلال استخدامه البليغ للصور، يحيي قباني الجاذبية الآسرة والعمق العاطفي الذي تمتلكه العيون الزرقاء. تدعو هذه القصائد القراء إلى التفكير في جمال وتعقيدات العلاقات الإنسانية والعواطف، مما يترك انطباعًا دائمًا عن القوة الموجودة في هذه القزحية الزرقاء الساحرة.

نموذج من قصائد نزار قباني في العيون الزرق:

رحلة في العيون الزرق

أسوح بتلك العيون

على سفنٍ من ظنون

هذا النقاء الحنون

أشق صباحاً .. أشق

وتعلم عيناك أني

أجدف عبر القرون

جزراً .. فهل تدركين ؟

أنا أول المبحرين على

حبالي هناك .. فكيف

تقولين هذي جفون؟

تجرح صدر السكون

تساءلت، والفلك سكرى

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

***

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

ويسعدني أن ألوب

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أن يقال: انتهى في عيون..

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

في المثقف اليوم