أقلام فكرية

كيف نفسر الفكر السياسي الإسلامي أبستمولوجياً ؟! (1)

محمود محمد عليتعد العلاقة بين الفكر السياسي والفلسفة السياسية، علاقة عموم وخصوص مطلق ؛ بمعني أن كل فلسفة سياسية تعتبر نوعاً من الفكر السياسي، ولكن ليس كل فكر سياسي يعد فلسفة سياسية بالضرورة ؛ فقد يتجلى الفكر السياسي على صورة كلام سياسي أو نظرية سياسية أو حتّى فقه سياسي.

تعنى الفلسفة السياسية للأسس الفكرية بأسلوب انتزاعي بمباحث من قبيل: غاية الحكومة، وأدواتها، والعدالة، والحرية، والسلطة، والمشروعية، والسيادة، والعلاقة بين الفرد والحكومة. والفلسفة السياسية خلافاً للفكر السياسي لا ترمي إلي إحلال المعرفة محل الظن، ونظرًا إلي ما تقوم عليه من أسس عقلية فهي غير محدودة بزمان ومكان خاصين. والفلسفة السياسية بشرية المنحى تماماً، أما الفقه السياسي، فهو مجموعة المباحث الحقوقية التي تطرح تحت عناوين سياسية، وحقوق أساسية، وحقوق دولية؛ فالفقه السياسي بمعناه العام، هو عبارة عن جميع الإجابات التي يقدّمها الفقه عن المسائل السياسية، والحقوق الأساسية، والحقوق الدولية.

إذن الفكر السياسي أشمل من الفلسفة السياسية ومن الفقه السياسي؛ ويمكن القول بعبارة أخرى، أن الفكر السياسي الإسلامي، يشمل مباحث الفقه السياسي، والفلسفة السياسية، ولكن هل يمكن وصف الفلسفة السياسية، ذات الخصائص المذكورة أعلاه، بصفة الإسلامية أو لا ؟.

إن عملية تعريف الفكر السياسي الإسلامي، ليس عملية موضوعية بشكل مطلق، فهو كغيره من الحقول المعرفية الاجتماعية، يصعب تحديده، وضبطه، اسمًا ومسمي، ضبطاً جامعًا مانعًا، نظراً لما يكتنف هذا التعريف من صعوبات، يضاف لهذا أن علوم الأمة بحكم علاقتها التكاملية، تتأبى على وضع الفواصل القاطعة، والجامعة بصورة يصعب معها الادعاء باستئثار علم معين، واختصاصه بموضوع معين بشكل مطلق، وإذا كان الفكر لا بد له من مفكرين، فإن كثيرًا من شوامخ الفكر السياسي الإسلامي، كانت لهم إبداعاتهم، وريادتهم في علوم أخرى بصورة يصعب أن نشدهم إلي هذا الحقل ونخصهم به، فقد كانوا دائمًا يوصفون بالفلاسفة، والفقهاء، والمحدثين.

ويستدعي هذا ضرورة ضبط العلاقة بين مفهومي الشرع والفقه، وبين مفهوم الفكر عامة، والفكر السياسي خاصة، لما لذلك من أثر على تحديد حقل الفكر السياسي الإسلامي ضيقًا واتساعًا.

إن الفكر السياسي الإسلامي يمكن تعريفه، بأنه ذلك النشاط العقلي الذي يضم الآراء، والمبادئ، والأفكار لمجموعة بشرية معينة همالمسلمين، منذ أن نشأ لهم مجتمع سياسي، وتكونت للإسلام دولة منذ عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى عصرنا الحالي، بما يعني أن هذا الفكر له مراحله، ولهتاريخيشمل هذه المراحل ويضم الكتابات حول الأفكار، والمبادئ، والنظريات التي تخص حياة وأهداف المسلمين السياسية، والقواعد التي تحكم، وتنظم، وما يطلق عليه سياسي، ويخص المسلمينكأمةومجتمع سياسي.

والفكر السياسي ينطوي على حقل معرفي، له دلالات معرفية، هي خلاصة مفهوم مركب من ثلاثة مفاهيم فرعية: الموصوف وهوالفكر، والصفتان  لهالسياسيوالإسلامي، وكل مفهوم منها تختلف تعريفاته، بقدر ما تتشابه، وتتنافر بقدر ما تتجاذب .

وفي اعتقادي أن الفكر السياسي الإسلامي قد مر ابستمولوجيا (معرفيًا) بثلاث مراحل: المرحلة الوصفية، ثم المرحلة التجريبية، وأخيرًا المرحلة الاستنباطية. وهذه المراحل الثلاث التي اهتم بها الفكر السياسي الإسلامي، ترتبط ارتباطًا عضويًا بمراحل تطورية تناظرها في المنهج، أو المناهج المستخدمة في الفكر نفسه .

ويترتب على هذا المبدأ المعرفي أننا لا نستطيع أن نحدد – كما يحلو لبعض العلماء وفلاسفة العلم – منهجًا بعينه لفكر بعينه – حتي ولو كان ذلك في مرحلة بعينها من مراحل تطور الفكر، اللهم إلا إذا كنا بصدد التأريخ للفكر الذي نتحدث عنه. والسبب في ذلك أن أهم عنصر يتدخل في تشكيل هيكل، أو بنية الفكر هو المنهج المستخدم في بناء الفكر نفسه. ولكن المنهج الذي يعمل على إضفاء بنية جديدة للفكر، هو بالضرورة غير المنهج الذي تعارف جمهرة المفكرين على استخدامه. ويترتب على ذلك أن " فصل المقال في المنهج عن المقال في الفكر في أية مرحلة من مراحل تطور الفكر، هو دعوة إلي إعمال العقل، وباختصار فإن هذا يعني وضع الفكر داخل "سجن" الهيكل، أو البنية التي اكتسبها في المرحلة التي تم فيها عزل المنهج عن السياق التاريخي التطوري للفكر" (وذلك علي حسب رؤية أستاذنا الدكتور حسن عبد الحميد في أطروحته عن التفسير الابستمولوجي لنشأة العلم) .

أولاً: المرحلة الوصفية:

وأهم ما تتميز به المرحلة الوصفية، والتي هي المرحلة الأولي في تاريخ كل علم أو فكر، هو كونها مرحلة التراكم المعرفي الأولي، الذي تنطلق منه في بناء العلم. والعمل العلمي الأساسي في هذه المرحلة هو عمل تصنيفي. فالتعامل " مع الظواهر الجزئية التي لا تنتهي لا يمكن أن يتوقف إلا إذا قام العلماء بتصنيف هذه الظواهر داخل فئات مبدئية أو فرعية، حتي ولو لم تكن نهائية، بحيث يسهل التعامل معها مستقبلًا" .

وهذه المرحلة تمثل الخطوة الأولى للفكر السياسي الإسلامي في نشوئه وبداياته، هي تمثل " نوع الممارسة اليومية التلقائية التي يغلب عليها الطابع الايديولوجي، وهذه الممارسة قائمة على الإدراك الحسي المباشر الذي لا يتطلب أي نوع من أنواع الاستدلال، ولا يقتضي استصدار أحكام من أي نوع، فهي مرحلة لم تصل بعد إلي الصياغة النظرية للقواعد الأساسية. وبالتالي المرحلة الوصفية تعد مجرد مرحلة قاصرة على جمع البيانات عن كل الحالات الجزئية موضوع دراسة العلم، كما تعد أيضًا قاصرة على محاولة احصاء، ووصف، وتصنيف البيانات نفسها" .

وقد اتخذت المرحلة الوصفية صورًا وأشكالًا مختلفة بوصفها المرحلة الأولي في نشأة الفكر السياسي الإسلامي، ونستطيع أن نتلمس أحد أشكالها الأقل أهمية بالنسبة لموضوعنا في القرآن الكريم نفسه؛ وبالذات في هذا الوصف المفصل لحياة الأمم السابقة على الأمة العربية ولأحوالها وطرائق أنظمتها السياسية؛ فلقد اعتمد الفكر السياسي الإسلامي في أولي مراحل تكوينه وفي حياة الرسول نفسه (صلوات الله عليه) على " استعارة" بعض الأحكام الفقهية من العرف القانوني والسياسي الذي كان معمولا به قبل الإسلام ، وذلك بجوار مجموعة الأحكام التي جاء بها القرآن ونصت عليه السنة الصحيحة .

فالثابت تاريخيًا أنه كان للعرب قبل الإسلام عرف قانوني وسياسي يحتكمون إليه حين يختلفون، ولم يكن هذا العرف موحدًا في الأحكام، بل كان يختلف من قبيلة إلي قبيلة، ومن مدينة إلي مدينة كاختلاف أعراف مكة من أعراف يثرب ، واختلطت عادات العرب وتقاليدهم قبل الإسلام بعادات وتقاليد أصحاب الشرائع السابقة في الإسلام ، وكان منها ما هو صالح ، وكان منها ما هو فاسد.

وجاء الإسلام ووقف من عادات العرب قبل الإسلام مواقف مختلفة، أقر طائفة منها على ما كانت عليه، وألغى طائفة أخرى، كما عمد إلي طائفة ثالثة أبقى أصلها وعدل من حكمها. ويمكننا أن نفترض أن عملية قبول الأحكام ، ورفض البعض الآخر، وتعديل البعض الثالث تتطلب أن "يقوم " المشرع " بعملية إحصاء وصفي لمختلف أضرب السلوك التي تنضوي تحت شكل أو فئة واحدة، فيقر بعضها ويرفض البعض الآخر".

ومن جهة أخرى، فقد كان الفكر السياسي الإسلامى بشهادة الكثير من الباحثين والدارسين، "خلال القرن الأول والثاني للهجرة، شفهيًا متمثلًا متضمنًا بجانب بعض آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) أفكارًا سياسية حوتها بعض كتب التاريخ، وكتب الأنساب، والطبقات، والتراجم والسير، وكتب الأدب والمعارف، وكتابات أصحاب الفرق الكلامية، والتي يمكن أن نطلق عليها بأنها تمثل أحد أهم المصادر المهمة" ، والتي ينبني من خلالها الفكر السياسي الإسلامي في تلك المرحلة الوصفية القائمة على مبادئ ومفاهيم عديدة، ومن أهمها:- نشأة الدولة الإسلامية، ونظام الحكم، والخلافة، والعلاقة بين الحاكم، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:-

1- نشأة الدولة الإسلامية:

ناقشت كتابات المؤرخين وكُتاب السير، والتراجم، والفرق الكلامية قضية نشأة الدولة الإسلامية، وكيف أوجد الإسلام هذه الدولة من العدم، ومد أطرافها في كل الاتجاهات، وجعل منها دولة مرهوبة الجانب تدور في فلكها الدول وتتقرب إليها الممالك. والقرآن هو الذي وجه المسلمين لتكوين هذه الدولة؛ حيث بشرهم بها، ووعدهم بقيامها، ودفعهم لأن يعملوا لقيام الدولة، وأن يقيموها عندما تيسرت لهم سبل إقامتها.

ولقد كانت البشري الأولي بقيام الدولة الإسلامية، بمثابة التشجيع ، والتقوية للمسلمين، وحضهم على الصبر، والتضحية فقد كانوا يعيشون في مكة مستضعفين يصاحبهم التعذيب، ويلاحقهم التكذيب والسخرية أينما ذهبوا. أما البشرى الثانية فكانت بعد الهجرة إلى المدينة، فكانت بشرى ووعدًا من الله - جَلَّ شَأْنُهُ - باستخلاف المسلمين وبسط سلطان الدولة الإسلامية على الأرض والتمكين للمسلمين في أقطارها، وبإبدالهم من الخوف أمنًا ومن الضعف قوة .

ولقد دفع القرآن المسلمين لتكوين الدولة التي وُعدوا بها عندما تهيأت لهم أسباب تكوينها بعد الهجرة إلى المدينة، فأذن لهم أن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، والقتال هو أول مظهر من مظاهر الدولة، ووعد المسلمين النصر والغلبة على أعدائهم، ونبههم بعد ذلك إلى وظيفة الدولة الإسلامية، التي قدر لها أن ترث الأرض، ووعد الله بالتمكين لها، وبين أن وظيفة هذه الدولة هي إقامة أمر الله، وذلك بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر الذي ينكره الإسلام .

وكان الرسول صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ - أول رئيس لهذه الدولة الناشئة، فجمع برئاسته للدولة بين صفتين: أولاهما صفة الرسول، فهو يبلغ عن ربه ما أوحي إليه من الدين والتشريع ويبينه للناس. والثانية: صفة الحاكم فهو يرأس الدولة، ويديرها فيجيش الجيوش ويسيرها، ويعلن الحرب،  ويعقد الصلح ، ويبرم المعاهدات، ويعين القواد، والحكام، والقضاة ويقيلهم، ويصرف الشؤون المالية، والقضائية، والسياسية، والإدارية .

وكان الرسول- صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ - يؤدي وظيفته كحاكم في حدود الإسلام، فما جاءت فيه نصوص صريحة طبق عليه تلك النصوص وما لم يرد فيه نص طبق عليه ما يوحى به إليه إن نزل فيه الوحي بشيء فإن لم ينزل فيه وحي اجتهد في الحكم ولم يخرج بالأمر عما يقتضيه روح التشريع الإسلامي واتجاهاته العليا. قال ابن تيمية:" .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته النبوية يتولى جميع ما يتعلق بولاة الأمور، ويولّي في الأماكن البعيدة عنه كما ولّى على مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وكذلك كان يؤمر على السرايا ويبعث على الأموال الزكوية السعاة، فيأخذونها ممن هي عليه ويدفعونها إلى مستحقيها الذين سماهم الله في القرآن .. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستوفي الحساب على العمال ويحاسبهم على المستخرج والمصروف " .

وعندما انتقل الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى، ظهرت الحاجة إلى البحث فيمن يلي الأمر بعد الرسول، وهرع المسلمون دون إبطاء إلى اجتماع السقيفة للتشاور والنظر أول اختلاف يحدث بين المسلمين عقب انتقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه، فهو كما يصفه الإمام "أبو الحسن الأشعري" (330هـ - 901م) بأنه:"أول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - اختلافهم في الإمامة "، ولكن الاختلاف هنا كان سياسيًا محضًا، وليس دينيًا، ولم يتسع لأكثر مما حدث؛ إذ سرعان ما عاد عامل الدين بسلطانه القوى، فأدى دوره في تهدئة النفوس والمبايعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وشهدت خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه فترة قصيرة، فضلًا عن أنها شهدت قتال المرتدين لبناء استقرار الدولة الداخلي، وتوسعها بالجهاد والفتح، لتشهد عصر بناء المؤسسات في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مما سهل بناء القواعد والأصول ؛ أى بما يطلق عليه بناء وتأصيل الثوابت والمنطلقات، سهل ذلك كله التفاف الصحابة الكرام حول الفاروق عمر، وعلى رأسهم الإمام "على بن أبي طالب" كرم الله وجهه، وبقية أهل الرأي، والمعرفة، والاجتهاد، وكذلك عبقرية عمر بن الخطاب، ومعرفته الاجتماعية، والشرعية الفائقة بالرجال، وشجاعته، وجرأته بالحق، فضلًا عن عُمر الخلافة الطويل الذي سهل تشييد البناء المؤسسي عمومًا، ولو لم يكن الاستقرار السياسي واقعًا ملموسًا – وهو الذي تم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه – لما أمكن تحقيق البناء المؤسسي الذي تم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

لقد كان الفاروق عمر بما صاغه من مؤسسة شورى حاكمة قريبة من مصدر القرار مؤصلًا لقواعد فقهية سياسية ورؤية ثاقبة تجلت بعض ملامحها في النحو الآتي:

أ- تقديم استقرار الأمة ووحدتها على الرغبات الفردية، وتجلى ذلك في ترشح أهل الشورى من قبله ليبتوا في الخليفة بعده، ولم يرض أن يتولاها ابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، مع منزلته العلمية الرفيعة .

ب- تقديم مصلحة الدولة على مصلحة الأفراد، ولو كانوا فاتحين، وقد تجلى ذلك في عدم تقسيم سواد العراق، مستدلاً بقوله تعالى " كي لا يكون دُولّةً بين الأغنياء منكم".

جـ-  طبيعة تداول السلطة تقوم على اختيار الأكفأ والأصلح، وتجلي ذلك في تحديد السنة المؤهلين للحل والعقد من كبار الصحابة .

د- ميزان الاجتهاد في الإسلام يقوم على الاجتهاد الجماعي أو المؤسسي، وهو الأمثل للإجماع، لا سيما بعد تحولُ العالم اليوم إلى قرية عالمية واحدة ، وقد كان فعل الفاروق عمر (رضي الله عنه) في جميع البدريين لكل حادثة وواقعة تحتاج إلي اجتهاد دولة، وليس اجتهاد فرد.

2- نظام الحكم:

تحدثت كثير من المصادر الأساسية في الإسلام،  كالقرآن والسنة النبوية أنها لم تتعرض لتفاصيل نظام الحكم وسياسته، وإنما اقتصر دورها على تحديد بعض المبادئ العامة، والأسس الثابتة التي يجب أن يقوم عليها النظام السياسي الإسلامي، ومن هذه  الأسس:

أ- السيادة أو الحكم لله: تعنى صاحب السلطة العليا في المجتمع والدولة، وفي الدولة الإسلامية هناك إجماع على أن السيادة لله وحده. و يتبع عملية الاعتراف بالسيادة والحكم لله وحده ضرورة التقيد بشرعه وتعليماته التي يحددها الدستور الإسلامي في مصدرين أساسين، وهما القرآن والسنة النبوية؛ حيث يقول تعالى " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"، هذا بالإضافة إلي مجموعه من المصادر الثانوية أو الوضعية مثل الإجماع والاجتهاد والقياس ونهج الصحابة الأوائل .

ب- العدالة: تشكل العدالة بمعنى الحياد وعدم التحيز المبدأ الأصيل الذي يقوم عليه النظام السياسي. ويقوم هذا المبدأ على إعطاء كل ذي حق حقه، وأخذ مفهوم العدالة من قوله تعالى " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "، وقد اعتبرت العدالة شرطاً ضرورياً من شروط الإمام.

جـ- الشورى: وتعنى تقليب الآراء المختلفة ووجهات النظر المطروحة واختبارها من أصحاب العقول، حتى يتم التعرف والوصول إلي أصوبها وأحسنها للعمل به، والشورى واجبة على الحاكم وليست اختيارية. تطبيقاً لقوله تعالى "وشاورهم في الأمر"، ولكن يجب أن يفهم بأن وجوبيه الشورى تتعلق بالأمور التي لم يرد فيها نص.

د- المساواة: ينظر الإسلام إلي البشرية على أنها شعب واحد . ويقرر الإسلام مبدأ المساواة بصوره مطلقه بغض النظر عن اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الحالة الاجتماعية، والاقتصادية، وتقوم المساواة في النظام السياسي الإسلامي على أساس أن الناس متساوون أمام القانون وأن المساواة تكون في الحقوق والواجبات  .

3- الخلافة:

كانت الخلافة الإسلامية من أهم القضايا التي شغل بها الفكر السياسي الإسلامي وثار حولها جدل طويل وصراعات مريرة، نشأت مشكلة "الخلافة والإمامة" من خلال النقاش حول أزمة الخلافة التي تفاقمت بعد مقتل "عثمان بن عفان "، ثم انتصار معاوية بن أبي سفيان على "على" كرم الله وجهه، وتحويله الخلافة إلي ملك وراثي، وهو النقاش الذي استمر فترة طويلة بين أهل السنة والشيعة، فأهل السنة يؤكدون أن الخلافة هي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية . وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو قائدهم وهو من يخلف محمد رسول الله في الإسلام لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية وعليه فإن غاية الخلافة هي تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالته إلي العالم بالدعوة والجهاد .

بينما الخلافة عند أغلب فرق الشيعة كالإمامية والإسماعيلية موضوع أوسع من الحكومة بعد الرسول، فالخلافة عندهم إمامة والخليفة إمام، وهي بذلك امتداد للنبوة، وكلام الإمام وفعله وإقراره حجة ويجب الأخذ به، حيث اتفق علماؤهم على أن الإمام يساوي النبي في العصمة والاطلاع على حقائق الحق في كل الأمور إلا أنه لا يتنزل عليه الوحي وإنما يتلقى ذلك من النبي.

فالخليفة عند السنة يخلف بتعيينه حاكماً على الأمة في السلطان وفي تنفيذ أحكام الشرع، وعند الشيعة هو الإمام ولا يشترط أن يكون الإمام حاكماً. والخلافة لا تكون لمدة محدودة فما دام الخليفة محافظًا على الشرع منفذًا لأحكامه يبقي، وإن خالف الشرع أو عجز عن القيام بشؤون الدولة وجب عزله حالًا، ويصبح المسلمون في حل من بيعته. وللحديث بقية!!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم