أقلام فكرية

سامي عبد العال: ذيلُ الفلسفةِ!!

لو تخيلنا الفلسفةَ إنساناً في مجتمعاتنا الراهنةِ، فلن تكون غير (رجل كهلٍّ) أعيّاه الزمانُ وأثقل. رجلٌّ جاءَ من كهوف غابرةٍ مارّاً بدهشتنا التي لا تنقطع. والأبواب أمامه موصدة كمتشردٍ (فاقد الأهلية) لأنْ يُصبح عضواً ضمن واقعٍ حيٍّ. الناسُ ليسوا فقط أعداءَ ما يجْهلُّون، ولكننا سنعرف: أنَّهم أعداء كل مَا يتطلب التفكير. وسر الفلسفة أنَّها تقتضي تفكيراً مختلفاً، اختلاف الغذاء العقلي للإنسان بدلاً من حشُو جماجم الضحايا والمسحوقين. ولن تحضر الفلسفة إلاَّ بتغيير (سوفت ويرsoftware) العقل العام، ليتمكّن من رؤية العالم والبشر بطرقٍ أخرى.

بيتَ الداء هو: منْ ذا الذي سيسْمحُ بتغيير طريقة التفكير؟! والإستفهام بـ" منْ " يرتبط بالإشارة إلى المفرد والجمع، لأنَّ تراجيديا الفلسفة نتاج لمذابح الثقافة التي تنصُبها حياتنا العربية لكل فكرٍ حر. فجأةً ستجد الفلسفة نفسها في مواجهة قوى المجتمع الشرسة. مثل: مروجو الآراء وأصحاب العقائد والأيديولوجيا وحاملو بخور الصولجان والسلطة والكهانة. وبضربةٍ واحدةٍ، سيتم غلق النوافذ، وسيظل الناسُ مدعوين لممارسة العمل نفسه إزاء أي تفلسف!!

كلُّ فلسفةٍ لا ترضى بديلاً عن التحرُر مهما كانت النتائجُ. وبخاصة أنَّ الفلسفة تتجاوز أيَّ محيط ضيق يتعثر الناس فيه، الفلسفة تُحلق عميقاً وبعيداً، تجوب أجواء الفكر معبرةً عما ترى، وعما تنتقد، وعما تستبق إليه. الفلسفة ليست "بطاقةَ مرورٍ" إلى عصر بعينه، لكنها مسئولية تفكيرنا الحُر إزاء الحياة بكل اختلافاتها وتنوعها. الفلسفة تحددُ مروراً كهذا، وترى إلى أية درجةٍ سيكون نافذاً.

تُرصد أحوال الفلسفة غالباً كنصٍ له بداية ووسط ونتائج. ولكن الآن: لماذا لا أكتبها بشكلٍ مختلف؟َ أي الكتابة في صورة نقاط حادةٍ مدببة كشظايا من زجاجٍ دامٍ. لكمْ كانت العبارات إزاء الفلسفة داميةً تاريخياً، فهل نصور حياتها بنفس الطريقة ؟! مع أنَّ الفلسفة لن تمارس فعلاً معكوساً، ولكنه علينا إبراز المعاني بصورة مُوجعةٍ لعل وعسى. فالوعي لن يكثف قواه، ولن يكون نافذاً ما لم يكُّن قويّاً وحاداً.

- في غير مكانٍ، تجد الفلسفةُ نفسها أمام قُطّاع طُرق المعرفة والفكر والحرية.

- إزاء حركة الفلسفة، تنبحُ عقولٌّ كلبيةٌ لا تملك إلاَّ أدوات النباح والعوّاء.

- تقع الفلسفة تحت وصاية من يتنطّع على قارعة النواصي الثقافية.

- الفلسفة وليمةً كاملة الدسم لأكاديميين حلُّوا إهتبالاً على مائدةِ العقول الحُرّة.

- يمتهن دراويش الفلسفة أدوار الشُطار والعيارين وضاربي الودع وفك السحر.

- تُصاب الفلسفة بعدوى النكوص وسط بيئاتٍ لاتجيد ضيافتها إلى الشوط الأخير.

- تتقاذف أفكارَ الفلسفة (ككرات الثلجِ) مراهقةٌ فكريةٌ لعجائز الكتابة الفلسفية.

- كثيراً ما يُنصّب أعلامُ الفلسفة في طقوسٍ هي الكهانة المتأخرة بعد فوات الآوان.

- لا تهدأ مطاردة الفلسفة في أزقة الحياة كما لو كان الناس يطاردون حيواناً مخيفاً.

- مأزومة هي الفلسفة بالقهقهةِ على حال أهلها، يومياً تضحك ملء شدقيها تجاه أوضاعهم الساخرة.

- كثيراً ما يجري فقأ عيني الفلسفة هائمةً بلا مأوى. هي أوديب الجديد بين أحراش التقاليد والمحرمات الثقافية.

- الفلسفة مطالبةٌ طوال الوقت بحمل بطاقة (الهوية ID) كلما ظهرت بين الناس.

- الفلسفة مُستباحة الحدود، يقفز فوق أسوارها الواطئة كلُّ من هبَّ ودبَّ.

- تقع الفلسفة ضحيةً في فخاخ الأوهام بوصفها دون قيمةٍ عبر مجتمعاتٍ لا تعرف قيمةَ الأشياء والمعرفة!!

- إساءةُ فهم أية فلسفة لا يترك مساحةً لتحركها، لكنه يستبق وجودها أينما ذهبت.

- ثمة عداءٌ معقودٌ مسبقاً للتفلسف تحت رحمة الثقافة وسرطان التقديس والخوف.

- يبارك الناسُ سقوطَ الفلسفة في بئر التصنيف إلى جانب العلوم غير النافعة.

- تجري تراتيل الوداع الأخير لأية فلسفة حتى ولو كانت وليدةَ عصرها الجديد.

- تُعلّق صور الفلاسفة على الحائط كأيقونات بينما الغرف مظلمة وسيئة التهوية.

- الواقع مراوغ حد اللعنة والعقول تركض وراء بعضها البعض دون جدوى.

- ترتدي بعض الفلسفات عباءات دينية لعلها تجد مناطق آهلة بالفكر، لكنها تكتشف السجون التي تنتظرها.

- تدخل الفلسفةُ صراعات طاحنة على مناطق النفوذ التي تقول فيها كلمتها.

- لا تسْلم الفلسفة من عمليات الإغارة المستمرة من الآراء الشائعة والأفكار العامة.

- كلما مرَّ الفيلسوف لدينا بمنعطف تاريخي، سرعان ما تتلقفه منعطفاتٌ أخرى.

- هناك إصرار غريب لأساتذة الفلسفة على ترويضها داخل سيرك هو مرحلة الروضة والمدرسية الساذجة.

- تُغْرس شتلات الفلسفة فكرياً داخل حقول المجهول والأراضي الشائكة.

- تتحسس السياسىة محيط الفلسفة كمن يتحسس شيئاً خطراً لا نهاية له.

- غدت الفلسفة في باحات الفضاء الديجيتال مادة للهجاء الإفتراضي... ولكن لماذا؟ يجيب الجميعُ في صوتٍ واحد: لا أحدَ يفعل ذلك!!

- ينظر المجتمعُ إلى الفلاسفة كأنَّهم ساقطون من كوكبٍ آخر، ولا يدري المجتمع أنهم سبب الوعي باستمراره.

- الفلسفة أول ضحايا التخلف عن قصدٍ نتيجة فوضى الرؤى والمعايير.

- قبل أنْ تبدأ حياتها الحرة، ستوثق عنق الفلسفة بحبال لقيادتها أينما نريد.

- تسير الفلسفة في بلادنا على رأسها بينما أقدامها بالأعلى ربطاً بالفكر السائد.

- تتمسح الفلسفة بأنشطةٍ أخرى على مائدة المعارف مخافة طردها خارج الضيافة.

- مازالت الموائد منصوبة للأفواه المفتوحة، بينما تنفض دون العقول الجائعة للفكر.

- تختفي الحقائق رغم وضوحها، لأنّ الفلسفة واضحة بالرغم من اختفائها.

- تصدأ العقول من ركود الثقافة مثلها مثل المعادن التي يُهال عليها التراب.

- كلما تقترب الفلسفة خطوةً من وجودنا المشترك، تُضرب لها المتاريس والحفر.

- عندما تُطفأ أنوار الوعي والروح، تحل الأشباح المخيفة للمجهول والمعلوم.

- لا تريد سياسات القطيع أنْ يكون هناك تميُز عقلي حُر هو الأمل الأخير.

- ينتعش الفكر الفلسفي عند ذرى الحياة وتربتها الخصبة حيث الهواء الطلق.

- تتعامل العقول الضحلة مع الفلسفة كبضائع مستوردة، مع أنها امكانية لصحة العقل.

- كثيرا ما يتمرد أبناء الفلسفة من المعارف والعلوم مع نكران دورها الذي مازال سارياً.

- لن تكف الفلسفة عن أخراج أبناء جدد للحياة مثلما احتضنت غيرهم.

- أخطر الأمراض التي تصيب الفلسفة: أنْ تقلد غيرها من الأنشطة والمعارف.

- خطورة الفلسفة آتية من استقلالها الحر حيث تؤسس لأي فعل آخر.

- قد تتوارى الفلسفة قليلاً أو كثيراً، لكنها دائما تُظهِر غيرها وأحياناً تختلط بسواها.

- مهما طال الوقت، ستحفر الفلسفةُ أنفاقاً لحرية الفكر ولو من أقاصي الحياة.

- لا يتوقف مكر الفلاسفة على الترقب بفاعليةٍ، ولكن على التوجيه غير المباشر للآخرين.

- قدرات التفلسف لا تنضب، لأنَّ صحة العقول تعصفُ بكل العوائق والعراقيل.

- في المناطق النائية من الثقافة، عليكم بالبحث عن كلِّ فكر مختلفٍ.

- لو أصبحت الفلسفة تجارةً في أسواق الحياة والمعرفة، فلن تكون إلاَّ سلعةً بائرة.

- العكس هو الصحيح: الجسم لا يكون سليماً إلاَّ بالعقل السليم.

- أمراض العقول قاتلة لكل شيء، بينما العلة الجسمية يجديها التداوي.

- الفلسفة تصفُ لنا العلاج وتدربنا عليه، ولكنها لا تضمن الشفاء.

- الفلسفة تحصّن العقول ضد أمراض الثقافة وسط الأدعياء والأطباء المزيفين.

- الخبرة الفلسفية ضد النسيان، وهي جزء لا يتجزأ من ممارسة الحياة.

- الهروب من الفلسفة لن يقود الهارب إلاَّ إلى باحة التفلسف مرة أخرى.

- أخذت وتأخذ الفلسفة كل الأسماء المستعارة إلاَّ أن تكون فلسفةً.

- الفلسفة على موعد مفتوح مع المستقبل، لأنه يحل ضيفاً دائماً عليها.

- من قاع الخجل الثقافي نرتدي أزاء خادعة، لكوننا نفتقد قدرات التفكير الحر.

- مؤتمرات الفلسفة حفلات تنكرية على شرفها من غير إحساس بالمسئولية.

- منطق التشفي هو الغالب على منطق الشفاء إزاء ما نعرف وما نجهل.

- في أوقات حاسمةٍ، تقلب الفلسفة طاولة الحياة والثقافة على منْ يخذلها.

- بالرغم من مطاردتها، تجرب الفلسفة عودتها مع ألصق الأشياء حميميةً.

- علّف العقل هو السبب البعيد وراء فضائح الفكر.

- مفارقة الفلسفة هي مفارقة الدنيا في لاوعينا العربي: تطلب هاربها وتهرب من طالبها.

- الصورة المأمولة للفلسفة أنْ تجدد علاقتها بكافة جوانب الفكر والثقافة.

- حُب الحكمة شرط ومقدمة ضرورية لحكمة الحب أيا كان.

- ليس مُهماً أنْ تتفلسف، ولكنك لن تستطيع إعمال عقلك بدونه.

- قد يكرر التاريخ نفسه، ولكن تجدد الفلسفة إقامتها باستمرار.

- المعنى وراء هجران الفلسفة هو فقدان بوصلة الإبحار من الأساس.

- لا تُذرف دموع الفلاسفة بسهولةٍ إلاَّ مع رجم الشياطين.

- وقائع الحياة أكبر نصير موضوعي للتفلسف.

- يستحيل أنْ يكون الفلاسفة من بين تجار الرقيق، فالحر يأبى لغيره الإذلال.

- إذا أراد التاريح محاكمة ثقافة ما وضعها أمام ما تكره وتخاف.

- تظل الثقافة عالقةً بأخطائها الفلسفية حتى وإنْ لم تعلنها صراحةً.

- تستيقظ الأفكار الصغيرة باكراً، أما الرؤى الكبيرة، فحاضرة طوال الوقت.

- لكي تعرف الفلسفةَ جيداً: لا تطالبها بما لا تستطيع، ولكن إعطّها حرية القدرة.

- تعرفنا الفلسفةُ خلق الكائنات الفكرية، لأننا عاجزون عن خلق الكائنات المادية.

- وجود جوانب العقل لا يعني استخدامها، فالأداة العاطلة خارج الخدمة.

- هناك درسان مهمان في الحياة: أنْ تفكر... وأنْ لا تفكر.

- في الثقافات الموبوئة بالقيود والأوهام يتحول العقل إلى أنف.

- صورة الحياة نسخة طبق الأصل مما نفكر فيه.

- جرعات فلسفية من ضحك العقل أكثر تأثيراً من كل تعليمٍ لا يجدي.

- ترسم الفلسفة صورتنا العقلية والحياتية بأشعةٍ مقطعية لا يملكها إلاَّ هي.

- إذا كان العلمُ يصحح أخطاءً شائعةً، فالفلسفة تحررنا من الأوهام القاتلة.

- بديل الفلسفة هو الفلسفة، ولكن في تلك الحالة: لن يقول البديل أنَّه كذلك.

- عقول الوعاظ والمثرثرين لا تستوعب الفكر، لأن الفكر يكره زحمة الكلمات.

- يجب أنْ تثق في الفلسفة، لأنَّ الثقة تعوزها عُيون كلية لا أقدام زاحفة.

- تبرم الفلسفة عقوداً مع أية مشروعية فكرية تجاه الإنسان والحقائق والزمن.

- العقل الذي تهرب دونه لن تستطيع الإفلات منه ..ابحث عن حارس آخر.

- الفريسة التي ستحاول اصطيادها، ستصطادك طالما لا تعرف الغابة.

- حين تعتقد محو الفلسفة، ستجدها في المكان الخطأ والصواب جنباً إلى جنب.

- لن يجدي ذيل الفلسفة عن رأسها، فالرأس تُحرك الذيل وتضرب به أيضاً. تعيش الأسماك في البحار ولا تترك ذيولها على الشاطئ.

- تعيش الأسماك في  مياة البحار، ولا تترك ذيولها لك على رمال الشاطئ.

- في الفلسفة، يستحضر الجزء الكل ويسري الكل في التفاصيل، فإياك والتسكع على النواصي، لأنَّ العين حاضرة.

- سيكون الثمن فادحاً، حين نظن أننا سنبيع عقولنا لمن يشترى ... إنه السُوق.

- أحد دروس الفلسفة: لا تُقايض، لأنَّ الأصالة والجدّة والحرية.. أشياءٌ لا تعوّض.

***

د. سامي عبد العال

في المثقف اليوم