أقلام فكرية
السوسيولوجية الحضرية
والحاجة الى تجاوز سوسيولوجيا بول باسكون
كشفت نتائج الإحصاء العام للسكان 2014 عن معطيات مهمة تتعلق بسرعة النمو الحضري والتي ارتفعت من نسبة 55.1 في إحصاء 2004 الى إلى 60،3 في المائة في إحصاء 2014، أي خلال مدة عشر سنوات، معدل التحول ارتفع ب 6 في المئة ، وهو مؤشر دال على طبيعة التحولات القادمة والجارية بالمغرب .
بعد احصاء 2014، يمكن الإقرار أن المغرب أصبح بلدا بأغلبية حضرية وان اغلب سكانه يقطنون المجالات الحضرية، وهو ما يستدعي اعادة لتفكير في هذه التحولات من خلال الانتقال من السوسيولوجية القروية الى الوسيولوجية لحضرية .
هذا الواقع الجديد، يسمح لنا بطرح جملة أسئلة للتفكير التجربة الحضرية بالمغرب من حيت طبيعتها وخصوصياتها والاشكالات المرتبطة بها . هذا الوضع الجديد يكشف الحاجة الى مجهود علمي متعدد الأبعاد من اجل تفسيره وتفسير الإشكالات المرتبطة به .
بناء عليه تكون السوسيولوجيا مطالبة بالانخراط الوظيفي للاشتغال على موضوع جديد وقضايا جديدة مرتبطة بالتحولات المجالية والاجتماعية الخاصة بالظاهرة الحضرية بالمغرب أي التركيز على المجالات الحضرية وما يرتبط بها من تحولات اجتماعية وتقافية وقيمية .
التفكير السوسيولوجي في الظاهرة الحضرية والتجمعات البشرية يفترض الانفتاح على الارث السوسيولوجي في هذا المجال لاسيما فضاءات المدينة بمختلف بنياتها وانساقها، الامر يفرض استدعاء تصورات مدرسة شيكاغو باعتبارها الارث السوسيولوجي الذي حدد الاطر النظرية والاجرائية لدراسة انساق المدن وخصوصيات الفعل داخلها .
اولا: دواعي التفكير في الموضوع .
السوسيولوجيا اذا لم تقدم خدمات فإنها لا تستحق دقيقة من التفكير بحسب بول باسكون، لذا فالجهد السوسيولوجي ينبغي ان يكون برغماتيا متجها لدراسة المشاكل الاجتماعية من اجل ضمان فعالية النسق العام
فالتحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع المغربي لاسيما التحولات المجالية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقيمية تفرض تفكيرا سوسيولوجيا عميقا،من أهم هذه التحولات الانتقال من المجال القروي المؤسس على قيم التضامن الالي الى المجالات الحضرية المعقدة والمتشابكة والتي يسود فيها التضامن العضوي وفق مقولات إميل دوركايم .
المجالات الحضرية وارتفاع نسبة النمو الحضري وبالمقابل تراجع المجالات القروية وفق مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط والتي كشفت المعطيات الاتية:
عدد سكان المملكة المغربية:، 33 مليون و848 ألف و242 نسمة.
عدد السكان: منهم 33 مليون و762 ألف و36 مواطنين .
عدد الاجانب: و86 الف و206 أجانب،
عدد الاسر: 7 ملايين و313 ألف و806 أسرة.
معدل النمو الديمغرافي السنوي، بين العشريتين السابقيتين لـ2014، قد انخفض من 1،38 في المائة إلى 1،25 في المائة.
التوزيع المجالي الحضري، قد ارتفع إلى 60،3 في المائة، بعد ما كانت 55،1 في المائة سنة 2004، معدل النموالديموغرافي الحضري: 2،1 في المائة
معدل النمو الديموغرافي القروي مقابل ناقص 0،01 في المائة
70.من السكان يتمركزون، حسب التقسيم الجهوي الجديد للمملكة، بخمس جهات، تضم كل واحدة منها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، تتقدمها جهة الدار البيضاء الكبرى-سطات، بستة ملايين و862 ألف، تأتي بعدها، على التوالي جهة الرباط سلا-القنيطرة، وجهة مراكش آسفي، وجهة فاس مكناس، وجهة طنجة تطوان -الحسيمة
هذا الواقع الجديد للمغرب يكشف الانتقال نحو الواقع الحضري بما يفرض تغيير ادوات التفكير نتيجة تغيير مجال التفكيراي الانتقال من العالم القروي الى العالم الحضري .
وهو الامر الذي استدعى الاستفادة من الارث السوسيولوجي في مجال الظواهر الحضرية، وبالتالي الاستفادة من خدمات مدرسة شيكاغو .
ثانيا: الاطار النظري والمنهجي لمدرسة شيكاجو
مدرسة شيكاغو شكلت انعطافة اساسية في الفكر السوسيولوجي من خلال تغيير مسار ووجهة البحث السوسيولوجي، من البحث الشمولي والنظري الى اعطاء الأسبقية للبحث الميداني والواقعي والاهتمام بالإحصائيات المناهج التجريبية كالملاحظة الموضوعية للواقع الاجتماعي والوثائق الشخصية والرسمية، وقد اعتبرت الدراسة التي أنجزها "توماس ويزنانسكي" حول "الفلاح البولوني" اول دراسة ميدانية، وكانت الغاية منها هي معرفة السلوكيات الغريبة والمتناقضة للمهاجرين البولونيين في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترتب عنها تشكل مشكلة اجتماعية. تتطرق الدراسة إلى الوصول لفهم "وضعية الفلاحين البولونيين في موطنهم الأصلي ثم وضعيتهم بعد هجرتهم لأمريكا، ومحاولة التعرف على نمط عيشهم في بولونيا ثم ما طرأ من تغير على نمط العيش هذا بعد هجرتهم إلى أمريكا.
وهذا ما يستدعي دراسة هذه الفئة من المهاجرين في مكان انطلاقهم وفي مكان الوصول، ومحاولة رصد أنماط وأشكال التفاعل والعلاقات التي ينسجونها فيما بينها بعد الهجرة والتي مع المهاجرين المنتمين لمختلف الأعراق والأجناس الأخرى، وهذا ما يستدعي بالضرورة التطرق إلى موضوع الاندماج أو الانصهار، ومسألة القيم والمعايير الاجتماعية ومظاهر سوء التنظيم الاجتماعي، وإعادة تنظيم."(1)
و تعتبر أول دراسة سوسيولوجية تعتمد هذا المنهج، الأمر الذي شكل قطيعة مع تقاليد البحث السوسيولوجية ذات المنحى النظري، أي الإنتقال من البحث النظري إلى البحث السوسيولوجي الميداني المعتمد على السيرة الذاتية والمراسلات الشخصية والجرائد والشهادات، نفس الشيء بالنسبة ل"روبير بارك" الذي شكل قاعدة معطيات من الوثائق حول المدينة ووضعها رهن إشارة الطلبة الراغبين في دراسة الظواهر الاجتماعية(2).
فمدرسة شيكاجو جعلت المعرفة السوسيولوجية أداة لمعرفة الواقع الاجتماعي كجهد وظيفي لمساعدة صناع القرار على بناء قرارات تدبيرية فعالة من اجل إيجاد حلول للمشاكل المستعصية والمرتبطة بالمجالات الحضرية، لاسيما تلك المتعلقة بالشغل والقيم والانحراف والجريمة والمخدرات والاحتجاجات .
فالمنهجية المعتمدة تركز على الوصف وتحليل طبيعة الحياة الاجتماعية بمدينة شيكاجو بالولايات المتحدة الأمريكية من اجل فهم طبيعة التحولات المرتبطة بهذه المجالا ت الاجتماعية الجديدة . كان الهدف الأساسي هو إنتاج معرفة وظيفية تساعد في إيجاد أدوات للتحليل والتفسير والمساعدة على صناعة القرار، وهو ما ينسجم مع توابث الفكر الأمريكي كفكر برغماتي يجعل من المنفعة هي أساس كل تفكير وغايته وفق توجهات فلسفة جون ديوي ووليم جيمس .
فالاهداف الاساسية لمدرسة شيكاجو هي تفسير التحولات الاجتماعية الكبيرة التي رافقت النمو الكبير الذي عرفته المدن الأمريكية، خاصة مدينة شيكاغو. من خلال دراسة عدة مؤسسات اجتماعية كأسر المهاجرين ووصفوا مونوغرافيا أحيائهم، وتحليل الجرائم المنتشرة بهذا الوسط الحضري.
التركيز على اليومي والعياني من خلال رصد تفاصيل الحياة اليومية بالمدينة جعل من هذه المقاربة المنهجية تتجاوز التفسير الغائي للظواهر الاجتماعية، وذلك باعتماد تحليل موضوعي للواقع الاجتماعي، وهو ما أعطى شهادة ميلاد للسوسيولوجيا التجريبية الأمريكية التي أثرت كثيراً في العديد من الباحثين في مجال العمل الإجتماعي الذين كانوا يتابعون دروسهم بجامعة شيكاغو(3).
فالتحليل السوسيولوجي حسب رأيهم يجب ان يتجه نحو دراسة الحالات عوض دراسة البنيات الاجتماعية الخفية، لأنها تمكن من فهم معنى تصرفات كل فرد وكذا معرفة الوضع الاجتماعي والثقافي كسياق عام محدد لهذه التصرفات .
المواضيع الأساسية لهذه المدرسة مرتبطة في البدايات التأسيسية بالمشاكل الإجتماعية لمدينة شيكاغو، خاصة المترتبة منها عن الهجرة إلى هذه المدينة مطلع القرن العشرين، حيت كانت شيكاغو مجالا صغيرا لا يضم سوى عشرة منازل سنة 1830 وبعد ستين عام اصبحت مدينة بمليون نسمة سنة . حركة التمدن رافقتها حركية وتغيرات اجتماعية على صعيد النسق الاجتماعي والقيم والعلاقات الاجتماعية،لاسيما علاقات التفاعل مع المهاجرين على اعتبار ان شيكاغو مدينة استقبلت الكثير من المهاجرين الأوروبيين الوافدين من الدول الأوروبية كألمانيا، إيرلاندا، إيطاليا، بولونيا وباقي دول اوربا الشرقية .
فالسوسيولوجيا الحضرية في لحظاتها التاسيسية ارتبطت بمدرسة شيكاغو وتاثيراتها ونتائجها، والتي أعطت الأسبقية في منهجية البحث لماهو وعياني وواقعي ، كما خصصت الكثير من أعمالها لمشكل سياسي واجتماعي مركزي يتعلق الأمر بقضية واندماج ملايين المهاجرين في المجتمع الأمريكي ( (4)
مايميز البحث السوسيولوجي لدى رواد مدرسة شيكاغو،هو تجاوز التأمل الانطباعي للظواهر والوقائع الاجتماعية إلى حالة النظر العلمي الاستكشافي، من خلال الانحياز إلى الواقع المدروس ودراسته تجريبيا وميدانيا . وهو ما يرسخ فكرة الفعل السوسيولوجي الساخن الذي يتفاعل مع الواقع في كثافته وغناه دون أي اختزال او تجزيئ . لهذا السبب يفهم لماذا يصر رواد هذه النظرية على تسمية أنفسهم بالتيار الميتودولوجي أي كتيار للاشتغال والعمل أكثر منه تيارا تأمليا ونظريا أو مدرسة فكرية .
فالتغييرات والتحولات المتسارعة بالمغرب لاسيما الانتقال من فضاء قروي الى فضاء حضري، وبنسبة تتجاوز 61 في المئة يفرض ضرورة تغيير مركز الاهتمام وتجديد أدوات البحث السوسيولوجي، مما يفرض الانتقال من السوسيولوجيا القروية لحظة بول باسكون نموذجا الى مرحلة السوسيولوجيا الحضرية .
فمدرسة شيكاجو، وما تبعها من تأسيس لتخصص علم الاجتماع الحضري يهدف الى فهم كيفية تفاعل الأفراد داخل النظم الاجتماعية الحضرية. وذلك خلافا لنظريات الشمولية والكلية لاسيما لدى الرواد المؤسسين بأوربا، حيت التركيز على المقولات والمفاهيم الكبرى مثل الطبقة والمجتمع والظاهرة أي الانتقال من الماكرو سوسيولوجيا الى الميكرو سوسيو لوجيا .
إن الموضوع الأساس الذي التي اشتغلت عليه مدرسة شيكاغو خلال هذه الفترة، تتمحور حول دراسة العلاقات المعقدة التي تربط بين الناس، في عالم متحول تحت تأثير إفرازات التصنيع التحضر والهجرة.
إن سوسيولوجيو مدرسة شيكاغو يتناولون المدينة كمختبر اجتماعي، جاعلين من العلاقات الإثنية والعرقية مجالا للدراسة. وبالتالي ستصبح أعمالهم عدة منهجية وتأملات نظرية شاهدة على تأسيس إرث سوسيولوجي" (5) .
فالسوسيولوجيا الحضرية تهدف إلى دراسة التفاعلات الاجتماعية الصغيرة الحجم التي تسعى إلى تقديم معنى ذاتي لكيفية تفاعل الفرد داخل مجتمعه ، وهو ما يتقاطع من توجهات واسس نظرية التفاعل الرمزي
فمدرسة شيكاغو كمرحلة تأسيسية لسوسيولوجيا الحضرية حاولت الإجابة عن سؤال واحد: كيف أن الزيادة في العمران خلال فترة الثورة الصناعية تساهم في زيادة عدد ونوع المشكلات الاجتماعية المعاصرة؟
فالسؤال الأساسي والذي كان بمثابة رهان هو دراسة أوجه العلاقة بين ارتفاع عدد السكان وارتفاع المشاكل المرتبطة بالكثافة السكانية ، انطلاقا من وقائع تاريخية خاصة بمدينة شيكاغو نفسها حيت لوحظ انه بعد أن توسع من بلدة صغيرة من 10،000 في منتصف القرن 18 إلى حاضرة الحضرية تضم أكثر من مليوني في نصف القرن 19 . كيف ان الارتفاع السكاني ادى الى ارتفاع عدد ونوع المشاكل الاجتماعية الناشئة في تلك الحقبة لاسيما المشاكل المرتبطة بالظروف المعيشية القاسية و انخفاض الأجور وساعات العمل الطويلة التي ميزت عمل العديد من المهاجرين الأوروبيين الذين وصلوا حديثا. وكيف ادت المشاكل الى انتقال الطبقة الوسطى بعيدا عن قلب المناطق الحضرية وإلى الضواحي الخارجي تجنبا للمشاكل المرتبطة باحياء الطبقات الفقيرة .
التغييرات المنهجية والاجرائية في البحث السوسيولوجي لسوسيولوجيا الحضرية بالمغرب نابع من ضرورة ابستيمولوجية مرتبطة بتغير المجال الاجتماعي والجغرافي، وهو مايفرض تجاوز مرحلة بول باسكون والانتقال من براديغم السوسيولوجيا القروية إلى براديغم سوسيولوجيا المجالات الحضرية والمدينية ( نسبة الى فضاء المدن )، وهو ما تكشفه المعطيات الصادرة عن وزارة الاسكان حيت ان عدد السكان المغرب الحضريين تضاعف بـ 40 مرة في ظرف قرن من الزمن، من خلال الانتقال من 442 ألف نسمة سنة 1900، موزعة على 30 مدينة، إلى أكثر من 19 مليون نسمة سنة 2014، الى موزعة على أكثر من 350 مدينة ومركز حضري .
كما ان المجتمع المغربي وبسبب عوامل المناخ الصعب والتحولات المناخية وحافزية العمل بالخارج ساهمت في ارتفاع معدل الهجرة الداخلية من العالم القروي الى العالم الحضري والمديني .
فالهجرة ونتائجها وتداعياتها على النسيج الاجتماعي والاقتصادي والقيمي بالمجالات الحضرية كبيرة مما يفرض التفكير فيها ومواكبتها، وهو ما يستدعي الاستعانة بالفكر السوسيولوجي لمدرسة شيكاجو حول الظواهر الحضرية في افق تجاوز جاذبية بول باسكون المتمركزة حول العالم لقروي .
فسوسيولوجيا بول باسكون كانت مرتبطة بالعلم القروي وتراهن على تنمية الوعي لدى الفلاحين والساكنة القروية- من خلال أبحاثه التي بدأت بدراسات ومقالات متعددة حول المجتمع المغربي، وخاصة أطروحته حول حوزمراكش ، مرورا بتأطيره لطلبة المعهد الوطني للبحث الزراعي، إلى حدود الدراسات التي قام بها حول دار إليغ بتارودانت .
فالسوسيولوجيا الحضرية أصبحت ضرورة تفرضها طبيعة التحولات التي عرفها المغرب والتي تهدف الى تملك الخطاب العلمي حول واقع المدن لمغربية والتحولات الاجتماعية المرتبطة به.
ثالثا: سوسيولوجيا الحضرية ودراسة فضاءات المدينة .
فالسوسيولوجيا لحضرية تهتم بحياة المدينة والنسق الثقافي والاجتماعي العام داخل المدينة كفضاء مشترك للعيش والحياة المشتركة، غير ان ظاهرة الهجرة وعلاقات التفاعل بين المجالين القرية والمدينة تشكل المجال الأساس للتفكير لاسيما موضوع الهجرة القروية باعتباره انتقالا بشريا مصحوبا بجملة من التفاعلات والتحولات الاجتماعية والقيمية داخل فضاءات المدينة، وما يرافق ذلك من عمليات الاندماج التدريجي الثقافة المدينية، وما يستدعيه هذا الانخراط من تحولات وتغيرات تطرأ على "البدوي"، وهو في طريقه ليتحول إلى "حضري"(6)..
إن علم الاجتماع الحضري قد استطاع تحويل "المدينة" إلى موضوع سوسيولوجي مع مدرسة شيكاغو، بل إن اسم هذه المدرسة ارتبط في علم الاجتماع بالمدينة التي نشأ فيها، وعرف روادها الأوائل بكتاباتهم الحضرية والمنهجية أكثر مما عرفوا بأي شيء آخر.
و يعتبر مانويل كاستلر وهو أحد السوسيولوجيين المعاصرين والذي اعتبر ان أن المجال الحضري باعتباره الموضوع المركزي للسوسوسيولوجيا الحضرية لم يعد يقوم فقط على الحجم والكثافة السكانية ، وإنما أصبح يقوم على الإنتاج الاقتصادي بالدرجة الأولى، فتراكم رؤوس الأموال وتمركز النشاط الصناعي والخدماتي بالوسط الحضري فهو مجال منتج ومستهلك في الوقت ذاته .
و تعتبر السوسيولوجيا الحضرية ان الفرد يعيش وضعا قلقا ومتوثرا بسبب رغبة الفرد في المدينة الى تأكيد ذاته وهو ما يولد وضعا صراعيا مع الاخرين نتيجة المنافسة عكس في العالم القروي ، الذي يحافط فيها الفرد هى ذاته دون اي تغير. فالمدينة ليست مجرد مجال جغرافي محايد ، بل هي فضاء معقد ومتشابك ، انها نمط عيش حضاري متعدد الإبعاد ومتغير باستمرار .
وتعتبرفضاءات المدينة وانساقها الموضوع الاساسي لسوسيولوجيا الحضرية ، حيت التركيز على مفهوم المدن وعلى الأساليب الحياتية الناجمة عن التفاعل اليومي والتي تشكل النمط العام للتنظيم الاجتماعي، وقد حدد السوسيولوجي آموس هاوليبحيث ي "أن التحديد المكاني للمجتمع بإعتباره منطقة جغرافية أو مساحة مكانية يشغلها مجموعات من الأفراد محاولة تعسفية في حق الصياغة المفاهيمية العامة للمصطلح، وإنه من الملائم أن نشير في تعريفه إلى المشاركة في الإيقاع اليومي والمنتظم للحياة الجمعية على أنها عامل أساسي يميز المجتمع المحلي، ويعطي لسكانه طابع الوحدة التنظيمية)(7)(.
اما ممثل الاتجاه الوظيفي فقد اعتبر ان المدينة هي جمع حشد من أفراد يشتركون في شغل منطقة جغرافية أو مساحة سكانية واحدة كأساس لقيامهم بأنشطتهم اليومية) (8)
كذلك يرى لويس ويرث "أن المجتمع المحلي يتميز بما له من أساس مكاني اقليمي يتوزع من خلاله الأفراد والجماعات الأنشطة، وبما يسوده من معيشة مشتركة تقوم على أساس الاعتماد المتبادل بين الأفراد،وخاصة في مجال تبادل المصلحة."
فمفهوم المدينة كفضاء للعيش المشترك ينظر في تصورات السوسيولوجيا الحضرية على انه أنه تجمع لأشخاص تنشأ بينهم صلات وظيفية، ويعيشون في منطقة جغرافية محلية خلال فترة محددة من الزمن، كما يشتركون في ثقافة عامة، وينتظمون في بناء اجتماعي محدد ويكشفون باستمرار عن وعي بتميزهم وكيانهم المستقل كجماعة بشرية .
فالموضوعات السوسيولوجية الخاصة بالمجال الحضري فتتمحور حول عدة قضايا اجتماعية وتقافية وقيمية واقتصادية ودينية منها: التطرف والتهميش والانحراف والبطالة والجريمة والادماج واعادة الادماج والسلوك لاحتجاجي، والتظاهرات الفنية والرياضية والثقافية وغيرها .
فدراسة المدينة يتيح لنا تحليل حجم المدينة وتأثيرها على الحياة الاجتماعية من خلال مفاهيم الحجم والكثافة وعدم التجانس هو ما يحدد التنظيم الاجتماعي داخل الوسط الحضري. فزيادة حجم المدينة يساهم في خلق طرق اتصال غير مباشرة لأن هناك استحالة على جمع السكان في حيز جغرافي واحد. كما أن ارتفاع عدد السكان يؤدي إلى تنوع المجتمع وإلى تقسيم العمل الاجتماعي، الشيء الذي يجعل أفراد المجتمع يتعاملون فقط وفق مجموعة من التبادلات الاجتماعية. إلى جانب ذلك فإن التنوع الاجتماعي يعمل بالضرورة إلى تحرير الأفراد من الضبط الاجتماعي الذي يمارسه أفراد الجماعة مثل ما يوجد في المجتمعات القروية وفق ما سماه اميل دوركايم بالتضامن الآلي المؤسس على التشابه .
من المواضيع الأساسية في السوسيولوجيا الحضرية موضوع الاندماج الاجتماعي حيت اعتبر لويس ويرت أن التحضر أسلوب حياة وليس تكيفا مع البيئة أو الطبيعة، لان الانسان ليس كالحيوان الذي يتكيف مع الطبيعة، أما الانسان فهو يبدع المدينة أي أن لكل مدينة طابعها وبالتالي فالتمدن مسألة ابداع وليس مجرد تكيف مع المجال البيئي او الطبيعي فقط ، كما يرى لويست ويرت بأنه لايمكن فهم المدينة الا انطلاقا من مجموعة من المراكز كأماكن الاقامة وأماكن الشغل ثم المصالح الاقتصادية للفرد والجماعة كالسوق على سبيل المثال .
كما يعتبر لويس ويرت ان المدينة هي موقع الخاص السيطرة الاقتصادية لقد ركز ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﻴﺭﺙ ﺃﺴﺎسا ﻋﻠﻰ ﺘﺤﻠﻴل ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﺤﻀﺭﻴﺔ، ﻓﻔﻲ ﻤﻘﺎل ﻟﻪ ﺒﻌﻨﻭﺍﻥ "اﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﻀﺭﻴﺔ ﻜﻁﺭﻴﻘﺔ للحياة " والتي ﻨﺸﺭﻫﺎ ﺴﻨﺔ، 1938 ﻗﺩﻡ ﻭﻴﺭﺙ ﺘﺤﺩﻴﺩﺍ ﻭﺍﻀﺤﺎ ﻟﻠﻤﺩﺨل ﺍﻟﺴﻭﺴﻴﻭﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﺍﻟﻤﻭﻀﻭﻋﺎﺕ ﺍﻟﺤﻀﺭﻴﺔ، ﻭ ﻭﻀﻊ ﻭﻴﺭﺙ ﺘﻌﺭﻴﻔﺎ ﺴﻭﺴﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﻟﻠﻤﺩﻴﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺩﻴﻨﺔ ﺒﺄﻨﻬﻡ ﻤﻨﻌﺯﻟﻴﻥ ﻭ ﻴﺘﻌﺎﻤﻠﻭﻥ ﻤﻊ ﺍﻵﺨﺭﻴﻥ ﺒﻁﺭﻴﻘﺔ ﻏﻴﺭ ﺸﺨﺼﻴﺔ، ﻴﻘﻴﻤﻭﻥ ﺤﻭﺍﺠﺯ ﻋﺎﻁﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﻡ ﺒﺎﻵﺨﺭﻴﻥ ﻤﻤﺎ ﻴﺅﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻀﻌﻑ ﺍﻟﺘﻤﺎﺴﻙ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ﺍﻟﻨﺎﺘﺞ ﻋﻥ ﺘﺯﺍﻴﺩ ﺍﻟﺤﻀﺭﻴﺔ (9)
ﻜﻤﺎ ﻴﺭﻯ ﺒﺄﻥ ﺤﺠﻡ ﻭ ﻜﺜﺎﻓﺔ، ﻭ ﺘﻐﺎﻴﺭ ﻟﺴﻜﺎﻥ ﻴﺅﺩﻱ ﺒﻘﺩﺭ ﻜﺒﻴﺭ ﻭ ﻤﺘﻌﺩﺩ ﺍﻟﻭﺠﻭﻩ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻤﺎﻴﺯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ نتيجة تعدد الوظائف والمهام، وهو ما يتقاطع مع تصورات اميل دوركايم حول التضامن العضوي، ويتحقق الاندماج داخل فضاءات ومجالات المدينة نتيجة ﺍﻟﺘﺨﺼﺹ ﻭ ﺘﻘﺴﻴﻡ ﺍﻟﻌﻤل وﺘﻤﺎﻴﺯ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
و يعتبر لويس ويرت ان ﺘﻤﺎﻴﺯ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﺍﻟﺫﻴﻥ ﻴﻌﻴﺸﻭﻥ ﺩﺍﺨل ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ، ﺘﻀﻌﻑ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ حيت اختلاف ﺍﻷﻓﺭﺍﺩ ﻋﻥ ﺒﻌﻀﻬﻡ ﺍﻟﺒﻌﺽ ﻓﻲ طبيعة حياتهم المتمايزة عن المجال القروي حيت يسود التشابه والانسجام مع الذات والاستمرارية وضعف منسوب التغيير. واعتبر ان ويرت أن التحضر يمثل شكلا من أشكال الوجود الاجتماعي لا يقتصر على توزيع الجماعات في أماكن اقامتها أو عملها او مصالحها الاقتصادية فالمدينة في جوهرها تمثل مركزا للسيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية ومحور تدور حوله جماعات وأنشطة متنوعة دون أن ترتبط فيها بينها بصلات أو علاقات شخصية أو اجتماعية حميمية، كما أشار الى أسباب ودوافع تكوين العلاقات في أوساط بعض الجماعات الاثنية أو المهاجرة ، غير انها سرعان ما تبدأ بالتفكك والاندثار مع تزايد الكثافة والتعقيد في حياة المدينة . فالمواضيع الاساسية داخل السوسيولوجيا الحضرية تشكل استمرارا لذات المواضيع التي عالجتها مدرسة شيكاغو،حيت ثم انجاز الكثير من الأعمال التي ركزت بشكل كبير على قضايا الهجرة والعلاقات الاجتماعية داخل المدينة والمشاكل الاجتماعية داخلها. فمدينة شيكاغو عرفت خلال بداية القرن العشرين، تغيرات كمية وكيفية مهمة، أضحت موضوعا للتحليل، فشكلت بالتالي "مختبرا اجتماعيا" لعلماء اجتماع مدرسة شيكاغو (10).
و يمكن التوقف عند الخطوط الناظمة والاساسية لمدرسة شيكاغو باعتبارها الاساس السوسيولوجي لدراسات ظاهرة التمدن التحولات المرتبطة بعمليات الانتقال من المجالات القروية الى المجالات الحضرية حيت نجد اهم توجهات مدرسة شيكاغو:
و تفكيك وإعادة تنظيم المجال الاجتماعي .
الضبط الاجتماعي بالمجالات الحضرية .
تكيف مع التغير داخل المدن .
المسؤولية الجماعية عند جانوفيتز M. Janowitz (وفي ضوء سعيه لتفسير عملية الانتقال من
مجتمعات التضامن الآلي البسيطة إلى مجتمعات التضامن العضوي المعقدة، تعرض دوركهايم، في أطروحته" تقسيم العمل الاجتماعي"، لكيفية احتلال الإنسان للمجال، وأبرز كيف تتكدس أعداد كبيرة من الناس في المدينة، وتتحقق بالتالي كثافة مادية أكبر، كفيلة بخلق كثافة روحية مرتفعة، الشيء الذي يجعل المدينة تمثل التنظيم الاجتماعي الأرقى والأفضل والأكثر تعقيدا(11).
فالسوسيولوجية الحضرية سواء مع تصورات ومبادئ مدرسة شيكاغو او مع البدايات والارهاصات الاولى لابحات وانتاجات اميل دوركايم الذي تحدث عن الكثافة الروحية لافراد المجتمع من خلال مقولتي التضامن الالي والتضامن العضوي، حيت أن هذه الكثافة الروحية، لا يمكن أن تنتج تأثيرها إلا إذا كانت المسافة الواقعية بين الأفراد نفسها مختصرة نتيجة سرعة وتطور طرق المواصلات وشبكات الاتصال؛ أي دون كثافة مادية.
فالكثافة الروحية والمعنوية أن تزيد دون أن تزيد الكثافة المادية في نفس الوقت، بل إنه من الخطأ، في نظر دروكهايم، الاعتقاد بأن التركز المادي يقود الى انتاج التركز الروحي لمجتمع ما عبر كثافة الطرق والسكك الحديدية، الخ. فهذه الأخيرة يمكن أن تخدم حركة الأعمال (العلاقات الاقتصادية المؤسسة على المصلحة الخاصة والنزعة الأنانية) أكثر منها الاندماج الروحي للساكنة(12).
وبالنسبة إلى دوركهايم، تأخذ المدينة الحديثة، باعتبارها مرآة كاشفة ومحللة للوقائع الاجتماعية وضعا مفارقا: فهي بقدر ما تبدو كتمظهر ملموس لنمط من التضامن العضوي ولطريقة من العيش المشترك، بقدر ما تمثل في الوقت نفسه، ميدانا للفردانية، حيث يتحرر الفرد من جماعات انتمائه ومرجعياته الأصلية، ويشرع في بناء علاقات جديدة مع الآخر، تعاقدية، مختارة ومفكر فيها، ومجردة من طابعها الإشراطي.
يمكن اعتبار دوركايم وابن اخته مارسيل موس الاكثر تاثيرا في بلورة توجهات البحث السوسيولوجي الحضري كما ستتبلور مع مدرسة شيكاغو، حيث طبق على موضوع "المدينة" التحليل المورفولوجي الدوركهايمي، الذي يقوم على الاهتمام بالطريقة التي يشغل بها الناس المجال، وبالحركات والتنقلات داخل المدينة وبشكل تجمعات الناس والمباني وانماط السكن والعيش والعلاقات وانما ط الفعل .
فسوسيولوجيا "المدينة، تهتم بدراسة السلوك البشري في الوسط الحضري"، يظهر هذا الربط وهذا التشريف لفيبر، من خلال قولة لويس ويرث التي تتصدر الترجمة الامريكية لكتاب فيبر "المدينة .
وبحكم أن مدرسة شيكاغو تتميز إلى جانب تخصصها الحضري باختيار منهجي خاص، ينتصر للبحث التجريبي الكيفي، تبلورت وتطورت في خضم الممارسة البحثية والانشغال بدراسة مختلف الظواهر والتحولات الاجتماعية التي عرفتها مدينة شيكاغو، وخاصة ظاهرتا الهجرة والتحضر والاندماج الاجتماعي
اهم ما يميز الاساس المنهجي لمدرسة شيكاغو هو الانطلاق من وجهة نظر الفاعل الاجتماعي، العمل على دراسة وتحليل تصرفات الافراد و ودراسة علاقاتهم بالوسط المادي والاجتماعي المحيط بهم، أي محاولة كشف المعاني الذاتية التي يعطيها الفاعل لافعاله وللواقع الذي يعيشون فيه .
من اجل الوصول الى هذه الاهداف عملت مدرسة شيكاغو على تجريب واعتماد طرق بحث جديدة والاستعانة بتقنيات مغايرة للبحث التأملي من خلال البحث السوسيولوجي الكيفي والذي يتضمن مجموعة من التقنيات منها:
تحليل وفحص الوثائق الشخصية والخاصة
تحليل المراسلات الخاصة
تحليل الحكايات الشفوية ودراسة مضمونها
دراسة الحالات
اعتماد تقنية الملاحظة المباشرة
اعتماد تقنية الملاحظة المباشرة
اعتماد تقنية المقابلة
اعتماد تقنية الشهادة
تحليل المضمون
وترجع أهمية نص "المدينة كمختبر اجتماعي" لروبير إزرا بارك، في السوسيولوجيا الحضرية، إلى أنه غالبا ما يأخذ إلى جانب نص "المدينة، مقترحات بحث حول السلوك البشري في الوسط الحضري"، والذي يعتبر بمثابة البيان المؤسس لمدرسة شيكاغو.
وقد اعتبر بارك ان الهجرة الإنسانية طبيعية كما هي هجرة النباتات والحيوانات. وبالتالي سيؤكد على أن ظاهرة الهجرة الإنسانية قابلة للدراسة والتناول العلمي.
إن الجهاز المفاهيمي للمقاربة الإيكولوجية يرتكز على مفهومين أساسيين وهما: الاستخلاف (succession) والتوازن .(équilibre)
ان الهدف من دراسته لموضوع الهجرة هو ايجاد تبرير تبرير علمي لموجات الهجرات الاستيطانية في عهد الاستعمار المباشر الذي شهدته مناطق عدة من العالم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكذا لتبرير الاستيطان بالعالم الجديد، وهكذا فإن المهاجرين الأوائل لأمريكا جاؤوا لاستخلاف الهنود الحمر في إطار تحولات طبيعية."(13) والاستخلاف حسب بارك لا يخص المستوى الجغرافي والديموغرافي فحسب بل يتعداه إلى مستوى الاستخلاف الثقافي المرتبط بثقافة العيش ونمطه.
كما اكد بارك في مفهوم التوازن أن التنظيم الاجتماعي للناس – المجتمع – يخضع لضوابط وقوانين ملزمة ومنظمة لعلاقاتهم الاجتماعية، بهدف الحفاظ على التوازن الطبيعي والاجتماعي. ولهذا " فالهجرة حسب بارك هي أولا وقبل كل شيء ظاهرة تعمل على إعادة التوازن للمجتمع."(14)
و اعتبر ان ظاهرة الهجرة هي مؤشر على التقدم والتحول والانتقال من وسط طبيعي إلى وسط ثقافي، منطلقا من فرضية تعزز هذا التحليل، مفادها: "إن المدينة هي السكن الطبيعي للإنسان المتحضر. وهذا ما جعله ينظر إلى الفلاح المهاجر للمدينة كفلاح نموذجي عندما يتخلى عن العادات والتقاليد والأعراف الخاصة بمجتمعه مقابل أن يصبح سيد نفسه من خلال عملية "الانصهار" (assimilation) عبر الانتساب إلى القيم والتقاليد والعادات الحضرية، فعوض أن يصبح هذا الفلاح المهاجر مشكلا اجتماعيا بالمدينة، يتحول إلى فرد مندمج بالمجتمع الحضري عبر دخوله في نسق من التفاعلات والسير ورات الاجتماعية أو ما يسميه "بدورة العلاقات الإثنية( (15) .
فالتحولات المتسارعة وانتقال المغرب من بلد قروي الى بلد باغلبية حضرية حيت 60 من ساكنته أصبحت تعيش في الحواضر يفرض الاستعانة بخدمات السوسيولوجية الحضرية من اجل القدرة على دراسة هذه الفضاءات الاجتماعية والمجالية بما يسمح بإيجاد حلول لمختلف الاختلالات التي ترتبط بالنسق العام .
فسوسيولوجية الحضرية تسمح لنا بدراسة:
اولا: ادراك التمايز ين القرية والمدينة كفضاءات متمايزة .
ثانيا: ادراك معايير التمييز بين المجالين من خلال الاستعانة بالمعايير المتعددة الابعاد وتجاوز المعاييرالكمية الاحادية البعد .
ثالثا: دراسة انماط العيش داخل فضاءات المدينة من خلال السلوك اليومي للمواطن الحضري
رابعا: دراسة مختلف الخصائص الثقافية والاجتماعية التي تميز الحياة الحضرية
خامسا: دراسة انساق التحولات لدى المهاجر القروي الى المدينة ودراسة كافة انماط التكيف والتأقلم مع الوسط الحضري من أجل الاندماج فيه سوسيوثقافيا واقتصاديا، تكيفا نفسيا وعلائقيا وثقافيا واجتماعيا .
سادسا: دراسة التحضر كنمط تقافي مرتبط بشبكة قيم اجتماعية وتقافية ودينية .
سابعا: دراسة التنمية بالمجال الحضري
ثامنا: دراسة انساق التفاعل الاجتماعي ومعدل الحراك الشعبي
تاسعا: دراسة توحد القيم وتماسك الجماعة والارتباط بالنظم الادارية والمؤسساتية .
فالسوسيولوجيا الحضرية ومن خلال الارث التاسيسي لمدرسة شيكاغو تهدف الى دراسة حياة المدن والتفاعل الإنساني والتغيرات والمشاكل في المنطقة الحضرية وبذلك توفر مدخلات للتخطيط ورسم السياسات العمومية والتدبير الترابي .
لان دراسة المدن يعني توفير جهد وظيفي من اجل التحكم والاستفادة في افق تحقيق التنمية الحضرية ولعل اهم المواضيع المرتبطة بفضاءات المدن، نذكر التشغيل والادماج والاتجاهات الديموغرافية، والاقتصاد، والفقر، والعلاقات العرقية والاتجاهات الاقتصادية. المجال بناء انساني يجب فهمه وفق معطيات اجتماعية أو مدنية وثقافية ورمزية أو وفق معطيات صراعات طبقية احيانا باعتبار أن المدينة كلها رموز ثم رهانات القوة، كما أن بعض السلوكات الحضرية جد مفيدة من الزاوية المنهجية، سلوكات مثل المنافسة والتتابع والانتشار والحراكات الاحتجاجية كشكل من أشكال التعبير عن المدينة وغيرها من أساليب حياة المدن، كما ان مفاهيم مثل دور الفرد في المدينة ومهنته يمكن ان تساعد كثيرا في قطع مناطق القوة والضعف في أي مدينة .
د الفرفار العياشي - المغرب
....................
المراجع
1/ عبد الرحمن المالكي، الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر سوسويولوجيا التنمية الاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الأداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، فاس، 2015، ص 114-11
2/ عبد الرحمن المالكي، مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة، افريقيا الشرق، الدار البيضاء 2016
3- فوزي بوخريص، الاندماج الاجتماعي والديموقراطية: نحو مقاربة سوسيولوجية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ص 5-6
4- http://sociologysearch.blogspot.com/2017/08/1890-1892-jonhn-d.html
5 -Jean –Marc Stébé et Hervé Marchal، sociologie urbaine، éd Armand Colin، Paris، 2010. p32
5 -Alain coulon، L’école de chicago، éd Puf، (Que sais –je ?)، 2e édition، 1994. p، 3
7- Ndrea rea، maryse tripier، sociologie de l’immigration، ed la découverte، paris، 2003، p 8
8 - Jean –Marc Stébé et Hervé Marchal، sociologie urbaine، éd Armand Colin، Paris، 2010. p11
9- Maris Robert،la société urbaine (phénomène sociologique)،paris 2002،p52
10- Breslau Daniel. L'Ecole de Chicago existe-t-elle?. In: Actes de la recherche en sciences sociales. Vol. 74، septembre 1988.Recherches sur la recherche. pp. 64-65
110- Vincent Kaufman et autres، Théories، Ouvrage collectif، Traité sur la ville، sous la direction de Jean-Marc Stébé et Hervé Marchal، éd Puf، 2009. p625
...........................
الهوامش
(1) عبد الرحمن المالكي، الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب، منشورات مختبر سوسويولوجيا التنمية الاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الأداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، فاس، 2015، ص 114-11
(2) http://sociologysearch.blogspot.com/2017/08/1890-1892-jonhn-d.html
(3) Jean –Marc Stébé et Hervé Marchal, sociologie urbaine, éd Armand Colin, Paris, 2010. p32
(4) Alain coulon, L’école de chicago, éd Puf, (Que sais –je ?), 2e édition, 1994. p, 3
(5) ndrea rea, maryse tripier, sociologie de l’immigration, ed la découverte, paris, 2003, p 8
(6) Jean –Marc Stébé et Hervé Marchal, sociologie urbaine, éd Armand Colin, Paris, 2010. p11
(7) Maris Robert,la société urbaine (phénomène sociologique),paris 2002,p52
(8) احمد أمين ادم،المدينة وأنماط الحياة،دراسة في علم الاجتماع الحضري،دار الطليعة،بيروت،2011،ص46.
(9) فوزي بوخريص، الاندماج الاجتماعي والديموقراطية: نحو مقاربة سوسيولوجية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، ص 5-6
(10) عبد الرحمن المالكي، مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة، افريقيا الشرق، الدار البيضاء 2016
(11) Breslau Daniel. L'Ecole de Chicago existe-t-elle?. In: Actes de la recherche en sciences sociales. Vol. 74, septembre 1988.Recherches sur la recherche. pp. 64-65
(12) Vincent Kaufman et autres, Théories, Ouvrage collectif, Traité sur la ville, sous la direction de Jean-Marc Stébé et Hervé Marchal, éd Puf, 2009. p625
(13) عبد الرحمن المالكي، مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة، إفريقيا الشرق 2016، ص 13
(14) المرجع نفسه، ص 135
(15) المرجع نفسه، ص 140