أقلام فكرية

علي رسول الربيعي: الكراهيات والجماعات.. تنظير ونقاش للمصادر (2-3)

علي رسول الربيعيهذه دراسة بحثية عن الكراهية جاءت نتيجة حوار أجراه معنا الأستاذ الدكتور نابي بوعلي، لكن ليس بالمعنى التقليدي سؤال وجوابه مباشرة؛ فقد ارتأينا ان تكون أجوبة كدراسة موسعة تتناول قضية تُعد مركبة أنتظاماتها ومعقدة في ابعادها تتضمن قراءة لأهم المصادر الاساس واقتراح راهنة منها لهذا الحقل المعروف. وهي معمقة لأن تحتوي مراجعة تحليلية- نقدية لنظريات بارزة في هذا الحقل، تنطلق من رؤية وأطار نظري محدد.

من المنافسة إلى العدوان

ترى نظرية الهوية الاجتماعية أنه على الرغم من عدم المساواة الاقتصادية، أو المظالم، أو الحرمان من الموارد أو أي تعارض أخر لمصالح الجماعة سيعزز بلا شك فهمنا للتوترات بين الجماعات، إلا أنها لا تستطيع تفسير الخطوة المؤدية الى الكراهية والصراع العلني بشكل كاف. سيحدث عداء الجماعة والعدوان فقط عندما تبدأ الجماعة التابعة في النظر إلى الجماعة المهيمنة باعتبارها ذات صلة لأغراض المقارنة الاجتماعية وتبدأ في تطوير علاقة معها. وبعبارة أخرى، غير مرجح الصراع في غياب منافسة الهوية بين الجماعات.[1] ومع ذلك ، ليس الأنتقال من المنافسة إلى العدوان تلقائي. عندما ينتج عن المقارنة تقييم سلبي للجماعة، يستجيب أعضاء الجماعة لهذا الانزعاج أو الأكراه النفسي بطرق مختلفة، تتراوح من الاستيعاب إلى العنف. علينا من أجل شرح هذا بشكل متماسك، أن نجلب عنصرًا آخر لنظرية الهوية الاجتماعية: مفهوم بنى المعتقدات.[2] قد ينخرط الناس في استراتيجيات متنوعة لتعزيز احترام الذات. سيعتمد اختيار الإستراتيجية على تصورات العلاقة بين الجماعة ذاتها والجماعات الأخرى. قد يُنظر إلى الحدود بين الجماعات على أنها قابلة للاختراق أو غير منفذة، وحالة الاختلافات شرعية أو غير شرعية، وطبيعة هذه الاختلافات مستقرة أو غير مستقرة. عندما يُنظر إلى حالة اختلافات على أنها شرعية ومستقرة، فإنه يمكن أن يكون الأختلافات بين الجماعات آمنة. أما اذا كانت حدود الجماعة قابلة للاختراق، وإذا اعتقد أعضاء الجماعة أنه يمكن تحسين وضعهم فيما يتعلق بالجماعات "المهيمنة"، فسيحاولون أن يصبحوا جزءًا من تلك الجماعات ويتركون جماعتهم "ذات الوضع الأدنى". يتصرف الأفراد، في هذه الحالة، وفقًا لبنية معتقد الحراك الاجتماعي. ومع ذلك، ليس الخروج من الجماعة ممكنًا دائمًا. هذا هو الحال، على سبيل المثال، عندما تكون الهوية الاجتماعية مبنية على بنى اجتماعية ثابتة (مثل، لون البشرة أو الجنس) أو، بالنسبة للكثيرين، عندما تنطوي على قناعات دينية محسوسة أو ارتباطات عرقية ملموسة. يعتبر الأعضاء، في حالة الحدود غير المنفذة هذه، أنه لايمكن تحسين هويتهم الاجتماعية إلا من خلال تغيير العلاقة بين داخل الجماعة وخارجها ككل: هذا إذن هو بنية معتقدات التغيير الاجتماعي. لذلك ، إذا شعر الناس بأنهم محبوسون في جماعتهم، فسوف يبحثون عن طرق جماعية لتعزيز تقديرهم لذاتهم. أحدها هو ما يسمى بـ "الانعكاس الرمزي" في مجال دراسات التابع، أي أن أعضاء الجماعة يحاولون إعادة صياغة السمات "السلبية" للجماعة إلى نقاط قوة "إيجابية".[3].من الأمثلة على ذلك الطرق التي تخلق بها العديد من جماعات أبعادًا جديدة للمقارنة مع الجماعات الأخرى، بحيث تقارن روحانيتهم ​​أو حكمتهم الأصيلة مع "جشع" و "حماقة" الجماعات الأخرى. من الواضح أن رد الفعل الآخر، الذي حدده تاجفيل، هو أكثر نشاطًا، أي "الانخراط في عمل اجتماعي من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات مرغوبة في الحالة أوالموقف''.[4] إن أكثر أشكال الفعل الاجتماعي تطرفاً رداً على التقييم السلبي للجماعة هو العنف: يحاول أعضاء الجماعة استعادة قيمتهم الذاتية عن طريق تدمير الجماعة الاخرى أو إضعافها بشدة. ومرة أخرى، على الرغم من أن منافسة الهوية بين الجماعات لا تؤدي حتمًا إلى صراع جماعي، الأً أن تاجفيل وتيرنر يجادلان: بأنه من المعقول افتراض أنه، عندما يتم إحباط عمل الجماعة من أجل التميز الإيجابي، أو إعاقته، أو منعه بأي شكل من الأشكال بشكل فعال من قبل جماعة اخرى، سيعزز ذلك الكراهيات العلنية والصراع الصريح بين الجماعات.[5] والأهم من ذلك، يشير بحثهم إلى أن هذا قد يكون كذلك حتى في حالة عدم وجود مصالح جماعية مادية غير متوافقة.

بمجرد أن تثير منافسة الهوية بين الجماعات صراعًا معلنًا، فستكون الديناميكيات التصعيدية جليًة. ينظر الناس إلى الهجمات على أعضاء الجماعة أنها هجوم عليهم أنفسهم ويبدأون في التصرف وفقًا لذلك، مما يعزز عمليات إغلاق الجماعة و"التفكير الجماعي". "قد تفسر، هذه الديناميكية التصعيدية والتوحيد والتكثيف المستمران للهويات الفردية والجماعية التي تنتجها، جزئيًا الدرجة العالية من الاستعصاء الذي يبدو أنه يميز العديد من النزاعات".[6]

الشيء نفسه لكنه مختلف: نظرية بروير للتميز الأمثل

تدافع مارلين بروير، في عملها حول الصراع بين الجماعات، عن إعادة فحص دقيق للخطوات التي تؤدي الى الأنتقال من "الحب داخل الجماعة" إلى "الكراهية خارج الجماعة". تتفق بروير مع نظرية الهوية الاجتماعية على أن العمليات الاجتماعية والنفسية للالتزام والولاء الجماعة هي التي تضع الأساس للنزاع بين الجماعات وليس التنافس على الموارد، أو أي تعارض آخر واقعي أو مادي أو موضوعي. ومع ذلك، لديها وجهة نظر مختلفة حول كيفية تصعيد عمليات تشكيل الجماعة هذه إلى عدوان خارج الجماعة. تدعي بروير أن هناك عددًا من الخطوات التي يجب اتخاذها قبل أن يتحول التصنيف الاجتماعي والمنافسة الجماعية إلى كراهية وعداء. تركز على دور العواطف في السياقات بين المجموعات لشرح خطوة العنف، ولا سيما مزيج مشاعر الازدراء والغضب.

تبدأ بريور تحليلها بالتشكيك في التفسير الذي قدمه تاجفيل[7] وتيرنر[8] بأن لدى الأفراد دوافع لتصنيف أنفسهم، والأهم من ذلك، لتعريف أنفسهم كأعضاء في جماعة من أجل تعزيز احترام الذات. بعبارة أخرى، تنتقد فكرة أن عضوية الجماعة هي نتيجة البحث عن احترام الذات. تجادل بروير بأن البحث عن الوظيفة أو الدور السببي لتقدير أو احترام الذات في تحديد الهوية الاجتماعية غير مقنع تمامًا. ليس تقييم الجماعة إيجابيًا دائمًا، وغالبًا ما ينطوي التماثل مع الجماعة على استيعاب حالات فشل هذه الجماعة ونجاحاتها. هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن العلاقة السببية تعمل في الاتجاه المعاكس، أي يؤدي ارتباط الذات بالجماعة إلى تقييم إيجابي للجماعة، وليس العكس. لذلك، إذا كان تحديد الهوية داخل الجماعة مستقلاً إلى حد كبير عن حالة الجماعة، فيجب أن تكون الدوافع الأخرى غير مبدأ احترام الذات متضمنة في سبب ربط الأفراد بمصير الجماعة. تقترح بروير "نظرية التميُز الأمثل" كبديل.[9] يكمن جوهر هذه النظرية في الاقرار بأن "حياة الجماعة" تمثل استراتيجية البقاء الأساسية التي تميز الجنس البشري. حجتها هي أن البشر تطوروا، ليس كأفراد معزولين أو حتى في عائلات، ولكن كأعضاء في جماعات مجتمع أكبر. كان على الناس أن يثقوا في الناس الآخرين من أجل أن يكونوا قادرين على التعاون والتعلم من بعضهم البعض. ولكن، إن مجرد الثقة بالآخرين قد يكون محفوفًا بالمخاطر بل وحتى خطيرًا. نتيجة لذلك، طور البشر استعدادًا للثقة في أعضاء الجماعة فقط. ونظرًا لأن البشر يتصرفون وفقًا لهذا الاتجاه العام، فإن هذا يؤدي إلى تكوين داخل الجماعة وخارج الجماعة. تجادل بروير، بناءً على هذا المنظور التطوري، والتشابه – الانقسام الفريد لمفهوم الهوية الهوية، بأن البشر لديهم دافعين اجتماعيين قويين: لديهم حاجة إلى الأندماج (يرضيهم الاستيعاب داخل الجماعة) و حاجة متعارضة الى التمايز أو للتفاضل (يتم استيفاءها من خلال التباين بين الجماعات). ومن ثم ، تجادل نظرية التميز الأمثل بأن التماثل الاجتماعي هو نتاج البحث عن الأندماج والتمايز، وليس نتيجة البحث عن احترام الذات.[10]

عندما يشعر الشخص بالعزلة أو الانفصال عن أي جماعة اجتماعية أكبر، يتم إثارة الدافع للإندماج؛ من ناحية أخرى، فإن الانغماس في جماعة كبيرة جدًا أو غير محددة ينشط البحث عن التمايز أوالتميًز. وتلبي الجماعات التي لديها حدود فئوية واضحة الحاجة إلى الاندماج (الاستيعاب داخل الجماعة) في الوقت نفسه الذي توفر فيه أساس لتلبية الحاجة إلى التمايز (التباين بين الجماعات) تصبح الجماعات التي تلبي هذه الشروط المتزامنة جزءًا لا يتجزأ من إحساس الفرد بذاته وأساسًا لمفهوم ذات آمنة ومستقرة.[11]

هناك مصدران أساسيان للتهديد المحتمل للهوية الاجتماعية للشخص من هذا المنظور. أولاً، فقدان الإحساس الآمن بالإندماج، وثانيًا، فقدان التميًز. ينبع التهديد الأول من مشاعر التهميش من داخل الجماعة. فقد يخشى الشخص، لمجموعة متنوعة من الأسباب، أنه "يُستبعد" من الجماعة المرغوبة ويعاني من فقدان الأمان المناسب. تتمثل الإستراتيجية الفعًالة لإعادة إرساء الإندماج الآمن في الأنتقاص من الجماعات الأخرى. يزداد التناقض بين الـ "نحن" و الـ "هم" من خلال التأكيد على دونية الآخرين .قد يؤدي هذا إلى تعزيز التشابه النسبي بين الذات والجماعة واستعادة الشعور بالاندماج. تؤكد بروير على دور العواطف في العلاقات الجماعية، وبالتالي تجادل بأن "التهديدات بالإدماج يُتوقع أن تزيد من مشاعر التفوق الأخلاقي، وعدم التسامح مع الاختلاف، وما يصاحب ذلك من مشاعر الازدراء والاشمئزاز تجاه الجماعات الأخرى.[12] لكن ليس الاحتقار والاشمئزاز كافيين لإنتاج كراهية تؤدي صراع عنيف. انهم قد يغذون التمييز السلبي ضد "الآخر"، ولكن بشكل عام ترتبط هذه الأنواع من مشاعر الكراهية بالتجنب بدلاً من الهجوم. قد تعيش الجماعات في حالة من الازدراء المتبادل دون خوض حرب أبدًا بسبب خلافاتها. ولكن قد يحدث وضع غير مستقر أكثر إذا نشأت مشاعر الخوف والغضب. تندلع هذه المشاعر بشكل عام عندما تكون الحاجة الاجتماعية الأساسية الثانية للإنسان في خطر: أيً الحاجة إلى تمايًز آمن. قد تؤدي هذه التغييرات إلى الخوف من الهجوم وإثارة مشاعر القلق والغضب، وبالتالي إلى أعمال عدوانية وعنف فعلي تجاه "الأخرين". فتطرح نظرية بروير أن: المشاعر المشتركة للازدراء (الناتجة عن التفوق الأخلاقي في خدمة الهوية الآمنة) والغضب (الناجم عن الخوف من الهجوم وفقدان التميًز) توفر المكونات الفعالة القوية التي تكفي لإشعال الكراهية والطرد وحتى التطهير العرقي.[13]

بالإضافة إلى ذلك ، تشيربروير إلى عدد من العوامل التصاعدية التي، على الرغم من أنها ليست أساسية، إلا أنها قد تؤدي إلى تفاقم الديناميكيات التي تؤدي إلى كراهية الجماعة الأخرى. وهي، على سبيل المثال، إثارة النخبة السياسية للعداء الجماعي، وثقافة الجماعة ومستوى التعقيد البنيوي الاجتماعي لمجتمع معين (أي مستوى العزل الاجتماعي أو التنوع، أيً الى مدى يشكل الناس جزءًا من مجموعة متنوعة من الفئات الاجتماعية). وتشدد على أن أي علاقة بين التمايًز داخل الجماعة والعداء خارج الجماعة ، اي للجماعات الأخرى هي " تدرجية وعرضية وليست ضرورية أو حتمية".[14] لكني ارى أن نظرية التميز الأمثل تعلق قدرًا معينًا على الطبيعية الحتمية في الفترة التي تسبق العمل العنيف بين الجماعات.

قبل أن نلقي نظرة على عدد من التأملات النقدية حول نظرية الهوية الاجتماعية ونظرية التميز الأمثل، سنناقش كيف ألهمت هذه الأطر المفاهيمية البحث في التطرف والراديكالية.

عدم اليقين والتطرف

كان هناك اهتمام متزايد بعلم النفس الاجتماعي في البحث والتنظير لحالة عدم اليقين فيما يتعلق بظاهرة التطرف والراديكالية. من الواضح أن مصطلح "التطرف" مثير للجدل ومسيّس للغاية: فما يعتبره البعض تطرفًا قد ينظر أخرون إليه بوصفه إجراء مشروع. بالإضافة إلى ذلك، حصل التطرف الاجتماعي أو السياسي عبر التاريخ والمجتمعات والأديان والعقائد والأيديولوجيات كثيرا.[15] إن أحداث العنف والطريقة التي لجأ فيها شباب مهاجرون إلى أعمال عنف ضد المدنيين في أماكن مثل مدريد (2004) ولندن (2005) وباريس (2015) أعطت زخمًا وإلحاحًا خاصين للبحث في مشكلة "التطرف" و "الإرهاب المحلي" "في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا.[16] لذا أصبح فهم سبب لجوء الناس إلى أشكال التطرف التي تظهر في صورة العنف والقسوة والتسبب المتعمد للمعاناة الإنسانية سؤالًا مهمًا في علم النفس الاجتماعي المعاصر. نظر الباحثون لبعض الوقت من خلال علم النفس المرضي لتفسير ظاهرة الإرهاب: فقد كان يُنظر إلى الإرهابيين بوصفهم أفراد منحرفون ومرضى. لكن أظهرت المقابلات مع إرهابيين سابقين واختباراتهم باستمرار عدم وجود اختلافات جوهرية بين الإرهابيين السابقين و"الأشخاص العاديين" من حيث علم الأمراض النفسية.[17] فتحول البحث إلى المتغيرات النفسية "العادية" التي قد تدفع الأفراد إلى أن يصبحوا عرضة لاعتماد أنظمة المعتقدات المتطرفة.[18] بناءً على نظرية الهوية الاجتماعية، يؤكد الإطار التحليلي لـ "نظرية هوية عدم اليقين"[19]على العلاقة بين عدم اليقين والتطرف. يلعب عدم اليقين دورًا محفزًا رئيسيًا في السلوك البشري. ليست هذه فكرة جديدة؛ فقد ناقش الفيلسوف جون ديوي في عام 1929، كيف "يعمل الناس ويشجعون في غياب اليقين الفعلي وفي خضم عالم محفوف بالمخاطر كل أنواع الأوضاع والأحوال التي من شأنها أن تمنحهم الشعور باليقين".[20] إن حاجتنا إلى اليقين- وفقًا لنظرية هوية عدم اليقين- في عالم بلا يقين بشكل جذري يمكن أن تكون قوية لدرجة أن الناس يتخذون "طرقًا معرفية مختزلة" وغير ضرورية للتخلص من عدم اليقين".[21] رأينا، في ما سبق، كيف يقلل الأفراد من مشاعر عدم اليقين من خلال الأنتماء الى جماعة. ومع ذلك، يسلط إطار هوية عدم اليقين الضوء على كيًف أن بعض الجماعات أكثر فاعليًة من غيرها في الحد من عدم اليقين؛ وهذا ما يسمونه تصور الجماعة ككيان واحد، متميزًا عن أعضائها الفرديين. وتُعرَّف هذه على أنها "خاصية للجماعة، التي تستند إلى حدود واضحة، وتجانس داخلي، وبنية داخلية جليًة،، وتفاعل اجتماعي، وأهداف مشتركة، ومصير مشترك، مما يجعل المجموعة من الأفراد " جماعية ".[22] تشير الأبحاث إلى أنه في ظل ارتفاع مستوى عدم اليقين، يفضل الناس التماهي مع الجماعات العالية القدرة بدلاً من الجماعات المنخفضة القدرة. قد تساعد هذه النتائج في تفسير الكراهيات والتطرف والتعصب. يمكن أن تجسد "أنظمة المعتقدات الأرثوذكسية والأيديولوجية وما يرتبط بها من رؤية للعالم، وممارسات طقسية، وتمركز عرقي عميق، وبنية هرمية، وقيادة مؤكدة" الاستحقاق إذا تم أخذها إلى أقصى الحدود.[23] تعتمد نظرية هوية عدم اليقين في تفسير لماذا ومتى تتبنى الجماعة مسارًا راديكاليًا- جذريًا لحماية أو تعزيز هويتها ورفاهية أعضائها،على نظرية الهوية الاجتماعية ونظرية التميز الأمثل (تسليط الضوء على التهديدات الخارجية والهيمنة). عموما لدى الناس شعور عميق بالحاجة إلى اليقين. إن دوافع تقليل عدم اليقين والقدرة المحدودة على المعالجة المعرفية في ظل ظروف عدم اليقين العميق يجعل الناس عرضة لتوظيف استراتيجيات"الإصلاح السريع"التي تقدمها الأيديولوجيات الطوائفية وأنظمة المعتقدات الأصولية والديماغوجيين الواعدين باليقين.

النقد: ميل للعداء الجماعي؟

الهدف من هذا النقاش والدراسة هو مراجعة مجموعة مختارة من تقاليد البحث البارزة للكراهيات والصراع العنيف من خلال تتبع الافتراضات الكامنة وراءها، ومواقفها الأنطولوجية واالابستيمولوجية (المعرفية)، وتحديد أوجه التشابه والتناقض فيما بينها.

لاحظت، عندما يتعلق الأمر بمناقشة نظريات الهوية الاجتماعية للكراهيات والصراع، وجود إغراء معين بين نقادهم لتصوير هذه النظريات على أنها داروينية اختزالية أو غير تاريخية أو غير سياسية أو داروينية اجتماعية. الأً أن الأساس هو تقييم النظرية من خلال قوتها التفسيرية الشاملة، فمن المهم أن ندرك أن المناهج النظرية المختلفة تدور حول معضلات مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تقييمنا من خلال تحديد ما تفعله النظرية، ولكن أيضًا ما لا تنوي تفسيره أو فهمه.

ترسم مقاربات الهوية الاجتماعية للصراع العنيف صورة قاتمة إلى حد ما عن الجماعة البشرية. على الرغم من أنه يتم التأكيد مرارًا وتكرارًا على أن العنف والكراهية بين الجماعات ليسا حتميين ولا ضروريين، الأً إنها يعني ضمنيًا أن الجماعات البشرية لديها نوع من الدوافع الداخلية الكامنة إلى العداء عندما تكون جماعة هوية. تخبرنا مناهج الهوية الاجتماعية، أن الحاجة الإنسانية إلى تمايز الهوية الاجتماعية هي التي تنتج ، ليس دائمًا ولكن في بعض الأحيان، ديناميكيات جماعية تصعيدية- من المقارنة إلى المنافسة - التي تقود الجماعات إلى كراهيات صراع عنيف. هذه الطبيعة هي التي ترسي مرة أخرى أساس نظرية التميز الأمثل. إذا كانت الحياة الجماعية هي استراتيجية البقاء الأساسية التي تميز الجنس البشري، فان ذلك يعتبر دافعًا منطقيًا للناس لصعود الغضب والكراهية إذا شعروا أنهم يتعرضون بسبب تماثلهم وتفردهم الى الهجوم. ليس من المستغرب أن يعترض النقاد على "حجة الطبيعة" لمقاربات الهوية الاجتماعية، لأن الآثار المترتبة على طريقة التنظير هذه مهمة. يبدو، من منظور نهج الهوية الاجتماعية، أن ظواهر مثل رهاب الأجانب والتحيز والتطرف تنبع أساسًا من مجموعة من الدوافع الطبيعية. ولكن ما هي قيمة هذه النتائج لتحليل الكراهيات والصراع العنيف الفعلي؟ بالتأكيد، أن العنف في العالم الحقيقي أكثر تعقيدًا من هذا؟ فلماذا ومتى تتفشى الكراهيات والصراع في هويات معينة ؟ كيف تهيمن بعض أشكال الهوية على الآخرين؟ لماذا ومتى "يدرك" الناس أنهم يتعرضون للتهديد أو الأعتداء؟ تندلع العديد من الكراهيات و الصراعات في المجتمعات ذات أختلافات فئوية شاملة. نشكل نحن جزءًا من العديد من الفئات والجماعات المختلفة (المهنية، السياسية، العرقية، الثقافية، الدينية، الإقليمية). كيف ومتى ولماذا تبدأ تشكيلات الجماعة أحادية الهوية؟ فعلى سبيل المثال، كيف تحولت الصداقة الى عداء بين ابناء مدينة او قرية واحدة وكانوا قد ذهبوا هم واولادهم الى المدرسة نفسها ولعبوا معا كرة القدم : كيف ولماذا بدأوا في نزع الطابع الشخصي عن جيرانهم على أسس طائفية أو عرقية؟ كيف أصبحت الهوية العرقية أو الطائفية في حقبة مابعد الأحتلال في العراق أو في حقبة ما بعد تيتو وما بعد الشيوعية متفشية جدًا بين الجماعات؟ وحتى لو قبلنا بأن ذلك ناجم عن انعدام الأمن في ما يخص الهوية، فكيف تتحول هذه المشاعر إلى كراهيات وصراع وحرب عنيفين؟

دعونا ننتقل إلى السؤال المهم ما الذي يكون أو يشكل الجماعة؟ كطريقة لتنظيم النقاش حول القوة التفسيرية لمقاربات الهوية الاجتماعية .

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

...............................

[1] Tajfel, Henri and John Turner (1986) 'The Social Identity Theory of Intergroup Behaviour'.

[2] Tajfel, Henri, (1981) Human Groups and Social Categories

[3] ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك شعار "الأسود جميل" لحركة الحقوق المدنية الأمريكية الأفريقية.

[4] Tajfel, Henri, (1981) Human Groups and Social Categories, ,256.

[5] Tajfel, Henri and John Turner (1986) 'The Social Identity Theory of Intergroup Behaviour'.

[6] Seu I, Jeffrey R. (1999) "'Ours is the Way of God" : Religion, Identity, and lnter-Group Conflict',

Journal of Peace Research 36 (5): 553-69. 558.

[7] Tajfel, Henri (1978) Differentiation between Social Groups: Studies in the Social Psychology of Intergroup Relations, London: Academic Press.

[8] Turner, John (1975) 'Social Comparison and Social Identity: Some Prospects or Intergroup Behaviour', European Journal for Social Psychology 5 (I): 5-34.

[9] Brewer, Marilynn (1991) 'The Social Self: On Being the Same and Different at the Same Time', Personality and Social Psychology Bulletin 17 (2): 475 -82.

[10] Brewer, Marilynn (2001) 'intergroup Identification and Intergroup Conflict: When does intergroup Love become Outgroup Hate?'

[11] Brewer, Marilynn (2001) 'intergroup Identification and Intergroup Conflict: When does intergroup Love become Outgroup Hate?'22.

[12] Brewer, Marilynn (2001) 'intergroup Identification and Intergroup Conflict: When does intergroup Love become Outgroup Hate?32.

[13] Brewer, Marilynn (2001) 'intergroup Identification and Intergroup Conflict: When does intergroup Love become Outgroup Hate?33.

[14] Brewer, Marilynn (2001) 'intergroup Identification and Intergroup Conflict: When does intergroup Love become Outgroup Hate?35.

[15] Doosje, Bertjan, Annemarie Loseman and Kees van den Bos (2013) 'Determinants of Radicalization of Islamic Youth in the Netherlands: Personal Uncertainty, Perceived Injustice, and Perceived Group Threat', Journal of Social Studies 69 (3): 586-604.

Hogg, M.A. and Blaylock, D. L. (Eds.) (201l) Extremism and the Psychology of Uncertainly, Boston: Wiley-Blackwell.

Hogg, M. A., Arie Kruglanski and Kees van den Bos (Eds.) (2013) 'Uncertainty and the Roots of Extremism', Journal of Social issues 69 (3): 407-18.

Silber, M. D. and A. Bhatt (2007) Radicalization in /he West: The Homegrown Threat, New York:

New York Police Department.

[16] Roy, Olivier (2004) Globalized Islam: The Search for a New Ummah, London: C. Hurst & Co.

[17] Ruby, C. L. (2002) 'Are Terrorists Mentally Deranged?', Analysis of Social Issues and Public Policy 2 (I): 15-26.

Sageman, M. (2004) Understanding Terror Networks, Philadelphia: University of Pennsylvania Press.

SiIke, A. (2008) 'Holy Warriors: Exploring the Psychological Processes of Jihadi Radicalization',

European Journal of Criminology 5 (I): 99-123.

[18] أنظر على سبيل المثال:

Doosje, Bertjan, Annemarie Loseman and Kees van den Bos (2013) 'Determinants of Radicalization of Islamic Youth in the Netherlands: Personal Uncertainty, Perceived Injustice, and Perceived Group Threat',

[19] Hogg (2012) 'Uncertainty-identity, 62-80.

[20] في:

Hogg, M. A., Arie Kruglanski and Kees van den Bos (Eds.) (2013) 'Uncertainty and the Roots of Extremism', Journal of Social issues 69 (3): 407-18.410.

[21] Hogg, M. A., Arie Kruglanski and Kees van den Bos (Eds.) (2013) 'Uncertainty and the Roots of Extremism'412.

[22] Hogg, M.A. and Adelman, J. (2013) 'Uncertainty-identity Theory: Extreme Groups, Radical Behaviour, and Authoritarian Leadership', Journal of Social Issues 69 (3): 436-54, 439-40).

[23] مصدر نفسه، 440

 

في المثقف اليوم