أقلام فكرية

روبرت مايكل رويهل: دفاعا عن الان بادو‎

كتب: روبرت مايكل رويهل

ترجمة: علي حمدان الرئيسي

***

في عدد 107. "الفلسفة الان" حرر من قبل جيمس الكسندر" تفنيد الحلزونات " لروست بيف، مقالة يشجب فيها الفيلسوف الفرنسي المعاصر الان بادو (من مواليد 1937) " تلفظ بالفرنسية باجيو". كانت نقطة انطلاق الكسندر في المراجعة غير المحببة لروجر سكروتن لبادو "مغامرة الفلسفة الفرنسية" (2012). هو يعترف "بان سكروتن بوضوح لا يحب كل ما يمثله بادو" ولكن في نفس الوقت يزعم بان سكروتن كان مع ذلك لبقا. كتب بان " بادو يستحق السخرية". وبعد جمل معينة اخرى، يزعم ان معظم ما كتبه بادو يعتبر زبالة. ويضيف "انه لا يمكن لنا سوى ان نضحك على ما كتبه بادو". وحتى تلامذة بادو لم ينجو من التعليقات السلبية للكسندر: هو يسخر بان عوضا ان يقوموا بتدوين ملاحظاتهم في محاضرات بادو فانهم يقفون مصفقين".

ورغم انني سأكون مستمتعا اكثر اذا انغمست في مثل هذا النوع من الموقف الرافض، اتجاه الكسندر عموما واتجاه هجومه على بادو خصوصا. الا انني اخترت اتجاها اخر في دفاعي عنه. انا اقدر الطريقة الجدلية لفلسفة سقراط، لذلك انا سأطرح وجهة نظر مغايرة، أوضح فيها عدم دقة الكسندر في تقليله من قيمة بادو. لن اطرح وجهات نظر مبنية على عدم معرفة كافية (الكسندر يعترف بعدم معرفته بأعمال بادو)، سأطرح موقف مبني على معرفة عميقة بفلسفة بادو.

و لصياغة موقفي المعارض لنقد الكسندر، فسأعلق على خلفية بادو الشيوعية وعلاقتها بالفلسفة. هذا سيقودنا لشرح احد الثيمات المهمة في كتابات بادو: الإمكانيات الجديدة، الرياضيات ، وكيف تساعد هذه النظرية في الثورة. لذلك موقفي يأتي مغايرا تماما لموقف الكسندر فهو يريد اسكات بادو، بينما أرى ان اعمال بادو مهمة للفلسفة. افهم ان موقف بادو بالنسبة للفلسفة متسقا مع موقف افلاطون في "رمزية الكهف" (Allegory of Cave)، فهي عوضا عن حياديتها السياسية، فهي تدافع عن حقوق الناس، الفلسفة معنية بمساعدة الناس في التحرر من اللامفكر فيه، ومن مساعدة الناس للانعتاق من الاذلال الذي يواجه الانسان يوميا في شتى مساعي الحياة. لذلك انا اخذ كلمات باديو على محمل الجد حينما يعتبر نفسه "كأفلاطوني" معاصر.

باديو سهولة قرأته وراهنيته

سأبدأ بمشكلة هامة في تصور الكسندر لبادو، فهول يقول بسخرية لماذا يريد أي شخص ان يقرا بادو. مع ذلك في السنة الأولى في فرنسا، اشترى القراء عشرين الف نسخة من كتابه "الكائن والحدث" (2001)، على سبيل المثال، كما ان بادو معروف عالميا منذ فترة. فكتابه "الكائن والحدث" على سبيل المثال تم نشره بالفرنسية، والبرتغالية، والإيطالية، والاسبانية، والألمانية، والإنكليزية. "بادو والسياسة 2001"، يكتب برونو بوستيلز، وهو احد ابرز المتخصصين في الدراسات الخاصة ببادو قائلا بان في التسعينات من القرن الماضي حينما كانت اعمال بادو بالكاد تم اكتشافها من قبل قراء اللغة الإنكليزية، كانت اعماله مصدرا مهما للعديد من المثقفين الراديكاليين، والمناضلين في أمريكا اللاتينية وفي اسبانيا وبالذات في منطقة الباسك وعلى طول الساحة حتى المكسيك والبرازيل، و الارجنتين وتشيلي. في الحقيقة ان كتب بادو وجدت طريقها الى الاسبانية منذ بداية التسعينات، والى الإيطالية في منتصف التسعينات والى الألمانية في 2001. وهذه الحقائق توضح ان اعمال بادو الفلسفية لم تكن فقط اكاديمية وان كتاباته كانت متاحة. كما انها كانت مناسبة للتحليل السياسي في أمريكا اللاتينية. لذلك على المثقفين ان لا يصرفوا النظر بسهولة عن فلسفة بادو. لذلك الهجوم الشخصي والقراءة السطحية لإعماله، تحجب، صرامة واهمية وراهنية اعمال بادو. اليوم مع ازدياد رفض اللامساواة في الاقتصاد، عنف الشرطة، والعنصرية تتطلب النظر والتفكير والعمل بصورة مغايرة، أيامنا هذه تتطلب فلسفة ملتزمة بواقع المحتجين الذين نزلوا الى الشوارع لمواجهة الظلم.

بادو والسياسة

بادو لا يسعى الى اخفاء علاقة الفلسفة بالسياسة. الجدل يحتدم عندما يعلن بادو عن انتماءه سياسيا بانه ماركسي، مخلصا لفكرة الشيوعية. لا يوجد شك حول ماركسيته، وميوله الماوي، واستخدام كلمة شيوعية تثير مشاعر الغضب لدى البعض. ولكن قبل ان يثار البعض، من المهم معرفة موقف بادو. في مقابلة مع فيلبو ديل ليشوس وجاسون سميث، حدد بادو خلفيته الشيوعية كالتالي:

" لا اعتقد انه من الضروري اطلاقا الإبقاء على كلمة الشيوعية. ولكنني احب هذه الكلمة كثيرا. احبها لإنها تعبر في العام عن فكرة عامة لمجتمع وعالم تكون فيه فكرة المساواة مهيمنة، عالم لم يعد مبني على العلاقات الاجتماعية الكلاسيكية، تللك المبنية على الثروة، تقسيم العمل، الفصل العنصري، والاضطهاد من قبل الدولة، الاختلافات الجندرية الى اخره. هذا بالنسبة لي هو الشيوعية. الشيوعية بشكل عام ببساطة تعني ان الجميع سواسية وذلك ضمن التعددية والاختلاف ضمن التنوع الإجتماعي.لا يوجد سبب ان عامل تنظيف الشوارع ان يحاصر من قبل الدولة ويكون اجره ضعيف بينما المثقفون في مكتباتهم اجورهم مرتفعة. انه سخف. ما اسميه بالشيوعية هو نهاية هذا السخف. وبهذا المعني فانا شيوعي. (نحن بحاجة لانضباط شعبي، 2007).

لتقدير نهجه الفكري، علينا ان نفهم هذا الموقف السياسي. بادو يقرر ربط الفلسفة مع التغيير الثوري وعدم الإذعان. إشارة الي سقراط، بادو يكتب في الفلسفة للمناضلين (2012).

"لإفساد الشباب، بعد ذلك هي صفة جديرة بالعمل الفلسفي، شريطة معرفتنا بما نقصده بالفساد. لإفساد معناه ان نعلم إمكانية رفض كل الاستسلام الاعمى للأفكار السائدة. لنفسد معناه ان نمنح الشباب وسائل معينة لتغيير أفكارهم بالنسبة للأعراف الاجتماعية السائدة، ليكون النقاش والتفكير النقدي بديلا عن التقليد والموافقة، وحتى تكون مسالة مبدا هو باستبدال الطاعة بالرفض.")ص 10 (كمفكر حر، بادو يصنف السياسة التحررية على انها وجه اخر للفلسفة، لذلك الفلسفة هي جزء منطقي من عملية الرفض والتي تسعى لفهم والتعبير بشكل واضح حول الإمكانيات الجديدة للرفض و التي تكشف وتنمي. الفلسفة تساعد في عملية الرفض وذلك بمساعدة القراء لتبصر حول النضال السياسي، وذلك لنكون معارضين وقادرين على تغيير العالم. لذلك من السهولة رؤية كيف ان موقف بادو قريب جدا من أفكار كارل ماركس من خلال ملاحظات في اطروحته الحادية عشر حول فيورباخ (اطروحات حول فيورباخ 1888). "لم يقم الفلاسفة سوي بتفسير العالم بطرق مختلفة لكن المهم هو تغييره". بادو أيضا يسعى الى تغيير العالم.

لذلك من خلال انغماسه في النضال السياسي، فلسفة بادو تركز علي مسالة الاحتمالات الجديدة ، مسالة مضادة تماما للرأسمالية المعاصرة وما تمثله من حداثة والتي تسعي الي مضاعفة الأرباح . بالنسبة لبادو ان حداثة الرأسمالية ماهي سوى تكرار، انه الوضع السائد للناس الذين يعيشون فقط للاستهلاك بإدمان. انه يسعى نحو الاحتمالات التي ستاتي. "ضمن الحدود المتوقعة للحياة اليومية فان الاحتمالات الجديدة تبدو مستحيلة"، لذلك بادو يرحب بالمستحيلات او تلك الاحتمالات غير المتوقعة التي تصدم هذا الواقع المقرر. ومع ذلك، فان هذه الاحتمالات التي تبدو مستحيلة، او غير ممكنة الحدوث بناء على التوقعات المهيمنة، لذلك لا يمكن ان يكون مصدر هذه التوقعات من الخارج وانما مصدرها يكون من الداخل، وأفكاراها حول ما هو مهم، وما هو ممكن وما هو مقبول. بهذه الطريقة فان الاحتمالات الجديدة هو تدخل جوهري ليضطرب الوضع السائد والمعرفة المقبولة.

وحول أهمية إمكانية التحول ضمن كل وضع، بادو يكتب " انها مسالة ان نعرض كيف ان مساحة الامكانية هي اكبر مما هو متاح، وان هناك شيء اخر ممكن". (Ethics, 2013, p.115). الإمكانيات الجديدة عطلت الهيمنة والاضطهاد في السابق، وبإمكانها عمل ذلك مرة أخرى. مستوى عملية التدمير الواسع التي تحافظ على ما يدعى بسلاسة عمل الرأسمالية ليس امرا حتميا، ان فكرة فرانسيس فوكوياما حول ان مع الديمقراطيات الرأسمالية وصلنا الى نهاية التاريخ هو مفهوما خاطئا: ان العوائق القمعية التي تسود حياتنا ليس لها علاقة بالتاريخ في مفهوم بادو. على الضد بادو يربط التاريخ بمفهوم الاضطراب في الوضع الراهن. الاحتجاج، التظاهر، وبروز السياسة هي عوامل أساسية للتاريخ القادم. لذلك بادو يكتب عن "ولادة جديدة للتاريخ"، "لذلك انا اقترح ان أقول اننا نجد انفسنا في زمن الاحتجاجات، حيث اننا في زمن إعادة ولادة التاريخ عوضا عن تكرار بسيط وخالص للاسوا الذي سيتبلور" (Rebirth of History, 2015, p5). الاحتجاجات والمظاهرات من الممكن ان تقود الى تفكير جماعي الذي سيوحد الناس المهانون من خلال النهب المستمر للرأسمالية العالمية المغطاة بالديمقراطية تحالف يسميه بادو بالبرلمانية(Parliamentarism)، عندما يصل الناس الى قناعة بانهم يجب ان يخرجوا الى الشوارع، والاتحاد مع بعضهم البعض بطريقة تتعدى حيزهم الجغرافي ومصالحهم الضيقة، وذلك للبدء بعملية تكون ولادة أخرى للتاريخ. على الناس ان لا تنسى على ان كل حالة حبلى بإمكانيات التغيير الثوري وذلك ببساطة نظرا لان الانتفاضات كانت نادرة وان الاحتكار الرأسمالي يبدو حتميا. بادو يذكرنا بان الياس يمكن تجنبه، و ان هيمنة الرأسمالية ليس امرا محدد مسبقا. في حين، ان الاحتمالات كامنة في المجتمع وعليه ان نمنح المضطهدون بريقا من الامل. في مجمل فلسفته بادو يبقى مخلصا لإمكانيات التحول ومؤمنا بإمكانية ان تكون الأمور غير ما هو عيه حاليا.

***

...........................

* روبرت مايكل روهيل أستاذ في قسم الفلسفة في مركز كلية سانت جون فيشر، روشيستر. نيويورك.

في المثقف اليوم