أقلام حرة

فايز السراج أم ابن العلقمي.. ملك وكتابة!!

محمود محمد عليالمشهد لا يبتعد كثيراً.. ومحطات التاريخ تبقى دوماً مليئة بالدروس التى حين نطالع بعضها نجد أوقاتاً كثيرة أنها نسخ كربونية تقريباً، ما كان اليوم كانت صورته بالأمس... ففي التاريخ الإسلامي يروي أن مؤيد الدين بن العلقمي (  (593- 656هـ/ 1197- 1258م) كان هو الوزير الأول للخليفة العباسي المستعصم بالله .. استطاع بدهائه وخبثه ونفاقه التقرب من هذا الخليفة حتى صار يوجهه كيفما يريد.. ابن العلقمي.. اسم تفوح منه رائحة الخيانة والغدر.. اسم ارتبط بجريمة من أفظع الجرائم، وكارثة من أخطر الكوارث، وهي سقوط بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية في أيدي التتار.. فهو اسم خائن متربص بالشريعة، لا يخلو منه عصر من عصور هذه الأمة الإسلامية... وقد أكدت أشهر مصادر التاريخ الإسلامي  دوره الخياني في غزو التتار لبغداد، فذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن ابن العلقمي “كاتب التتار، وطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك ، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم صنف الرجال”… كتب إلى هولاكو يحرضه على احتلال بغداد والقضاء على الخلافة العباسية مبدياً له استعداده لمساعدته... ومنذ ذلك اليوم ذهب ابن العلقمي مثلاً لكل مسلم يخون المسلمين فيمكن أعدائهم منهم، بأي شكل من الاشكال.

وها هو ذا التاريخ يعيد نفسه من جديد وخاصة عندما قام فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية بالتوقيع على اتفاق أمني وبحري مع تركيا، وهذه الاتفاقية التي وقعها السراج تسمح للجانب التركي باستخدام الأجواء الليبية ودخول المياه الإقليمية دون إذن، وتمثل تهديدا لتركيا للأمن العربي والأمن والسلم في البحر المتوسط.

إن هذا الاتفاق يعتبر تهديدا حقيقيا وانتهاكا صارخا للأمن والسيادة الليبية، واعتداء كاملا على صلاحيات مجلس النواب المنتخب من الشعب الليبي صاحب الحق الأصيل والوحيد فى الإقرار والتصديق على المعاهدات والاتفاقات الدولية، وذلك بموجب المادة 17 من الإعلان الدستوري والفقرة “ح” من البند الثانى من المادة الثامنة، وكذلك المادة الرابعة عشر من الاتفاق السياسي، والتى بموجبها لا يحق للمجلس الرئاسى إقرار الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لذا نرى أن هذا الاتفاق لا يعنى شيئا وغير معترف به ولا ينتج عنه أى أثر قانونى.

قال المتحدث باسم البرلمان الليبي عبد الله بلحيق، إن الجيش الوطني قاب قوسين أو أدنى من تحرير العاصمة طرابلس، وما قام به فايز السراج وحكومته ومن قاموا بتوقيع مذكرتى التفاهم فى الغزو التركى لليبيا من أجل مواجهة الجيش الوطنى فى ليبيا، هو عمل لم يسبقهم إليه أحد، وهو ما اعتبره مجلس النواب خيانة عظمى للوطن، بالتصريف فى سيادة ليبيا وسلامة أراضيها وبمصالح الشعب الليبى.

نعم إن ما قام به “سراج” يرقى إلى تهمة “الخيانة العظمى”، حيث يهدف إلى تزويد الميليشيات الإرهابية بالسلاح، والجيش الوطني لن يقف مكتوف الأيدي أمام تآمر أردوغان مع المجلس الرئاسي والميليشيات الإرهابية.

لقد خالف السراج عبر توقيعه مذكرتي التفاهم مع الجانب التركي، الاتفاق السياسي الليبي الموقَّع بالصخيرات، في ديسمبر 2015، وتنتهك المذكرتان المادة الثامنة من الاتفاق التي لم تخول السراج صلاحية توقيع الاتفاقيات بشكل منفرد، وخولت في ذلك المجلس الرئاسي مجتمعاً، واشترطت مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات التي يبرمها المجلس الرئاسي.

يقولون أن لكل شخص نصيباً من اسمه، لكن هذا لا ينطبق أبداً على ابن العلقمي والسراج...ابن العلقمي الذي يرمز اسمه إلى العلقم .. والعلقم مر .. والمر دواء .. والدواء شفاء.. والشفاء صحة.. والصحة نور ... ولكن ما كان منه إلا الشرور والقتل والتدمير والتشريد،.. وبقى حتى يومنا هذا فى نظرنا «الخائن» الذي تلاحقه اللعنات.

أما «السراج» الذى يرمز اسمه إلى النور والحياة، ما أتى منه إلا ظلام التطرف والموت بسلاح الميليشيات، وربما ستبقى اللعنات تنصبّ عليه.. لتقول هذا هو  «الخائن الليبى ».. حقاً يبقى التاريخ أكبر معلم.، ففيه عظة وعبرة .. ولكن عظة العامة وأشباهم من التاريخ غير عظة الخاصة وأشباهم منه ..فالعامة يتعظون منه كما يتعظون من دروس الوعظ ..أما الخاصة فعظة التاريخ عندهم أنهم يقرأون أحداث التاريخ العظمي ويتعمقون في دراسة أسبابها الأصلية .. ويستخلصون من ذلك قواعد كلية عامة كقواعد الطبيعة والكيمياء والبيولوجيا .. ويتعظون من ذلك .. بمعني إذا رأوا الأسباب تتكون .. قرأوا النتائج قبل حدوثها وأنذروا بها قبل أن تكون .. وطالب المصلحون منه الأمة بأن تستأصل الأسباب قبل أن تحدث النتائج الخطيرة .. فدفعوا الشر قبل وقوعه ... وأدعو الله أن يدخل حفتر قريبا بجيشه الوطني العظيم طرابلس ويريجنا من هذا الخائن وحكومته... اللهم استجب!!..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم