أقلام حرة

جثث الكلمات!!

صادق السامرائيالكلمات المكتوبة تتنعم بموتها على السطور، وتختنق بحبرها، وتلعنها النقرات على لوحة الأحرف والأرقام، التي نسميها "كي بورد".

الكلمات تموت لتوّها!!

الكلمات تحتضر في آنها ولحظة ولادتها!!

الكلمات تتمرغ بتراب المجهول!!

نعم، الكلمات جثث لا يمكنها حتى الإستسلام على مشرحة الأيام والأفهام، لأن البشر فقد حسه  وتجاهلها، وإندحر في مدن الإستعباد المعاصِرة، التي تخطفه من حيوية وجوده وترهنه بشاشة صغيرة، تحتل وعيه وتستلب عقله، وتعزله عن كونه الحي.

وفي مأتم الكلمات تتساءل الأقلام، عن معنى الكتابة ودورها في صياغة الواقع المأمول والتأثير في الأحوال.

ويضيع الجواب، وتتيه الأبصار، وتتوجّم الوجوه، وتتجمد العيون، والقلب ينبض بسأم وإضطراب، فكلما عصفت الكلمات فوق السطور، تواردت أنباء إحتراب وخراب وعذاب.

قال القلم: تكسّر الدف وذهب الغناء!!

وقالت السطور: الجوع يعصر ذاتي ويطوّح بكياني، فهل من زاد كلمات؟!!

وتسمّر الكاتب مكبلا بأصفاد المجهول، وهو في حيرة أن يكتب أو لا يكتب!!

ومضى محدقا بأفواه السطور، والناس من حوله رهينة شاشات بحجم كف اليد، لا ترغب بالمسطور!!

وعاد الكاتب يدوّر قلمه بين إبهامه وسبابته، وعيونه ترقب الأفق البعيد من خلال نافذة تتدفق منها أفكار الصباح، وتعصف بالأشجار رياح الحذر والظفر، وتناطحَ السؤال والسؤال، وغشيَ المكان صمت يبوح بالأصيل، وصار للقلم صهيل ووقع خطوات على خيط منطرد الحكايات المتسابقة بخيولها البلقاء نحو فجرٍ وليد!!

إرتعشت الأنامل فتحرر القلم من قبضتها، وتحوّل إلى فيالق أبجديات حضور!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم